قاعات حارقة وموتى على الطريق.. شهادات جديدة تكشف مآسي تجارة الحج
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
"شعرت وكأن القاعات تحترق.. أشخاص أصغر رقدوا موتى على الأرض".. هكذا عبرت امرأتان كانتا ضمن الأشخاص غير المسجلين في مناسك الحج هذا العام، التي شهدت وفاة نحو 1300 شخص من جراء ارتفاع درجات الحرارة.
وتعكس التجربتان اللتان خاضتهما الأردنية هدى عمري، والمصرية ماجدة موسى، مأساة ارتفاع درجات الحرارة هذا العام في السعودية ومحاولات الربح من هذه الفريضة، مما يزيد من مخاطر أداء الحج، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وتقول الصحيفة إن وفيات هذا العام لفتت الانتباه إلى الجانب المزعج لقطاع يستفيد من الحجاج الذين يدخرون أموالهم لسنوات من أجل إكمال واحدة من أهم طقوس الإسلام.
وتشير إلى "باقات زوار" متعددة المستويات للمسجلين في الحج، وفجوة متزايدة الاتساع بين أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف هذه الباقات، وغير المسجلين الذين لا يستطيعون، فيلجأون للشركات التي تقدم لهم هذه الخدمة بتكاليف مرتفعة، لكنها أقل بنحو النصف.
وكانت السعودية أعلنت أن أكثر من 1300 شخص توفوا خلال أدائهم مناسك الحج، مشيرة إلى أن غالبيتهم "من غير المصرح لهم"، وهو ما حال دون وصول كثيرين منهم إلى الخدمات الحيوية مثل الحافلات والخيام المكيفة.
وقال مسؤولون سعوديون إن 1.8 مليون شخص أدوا هذه الفريضة هذا العام، وهو عدد مماثل تقريبا للعام الماضي، 1.6 مليون منهم.
وسلطت الوفيات الضوء على التحديات التي تواجه الجهات المنظمة لموسم الحج في ظل تجلي تأثيرات تغير المناخ في المنطقة، إذ أثارت إلزامية التسجيل والحصول على تصاريح رسمية للوصول إلى مثل هذه الخدمات القلق من أن الحجاج غير المسجلين قد يتعرضون بشكل متزايد لدرجات حرارة مرتفعة تهدد حياتهم، مع صعوبة في الوصول إلى تدابير السلامة التي وضعتها السلطات، لذا فإن الظروف المالية للحجاج تحدد المعاملة التي يواجهونها.
ويقيم الحجاج المسجلون في فنادق في مدينة مكة أو في منى، وهي مدينة من الخيام البيضاء التي يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 3 ملايين شخص وتوفر الاستحمام والمطابخ وتكييف الهواء. كما يتم نقلهم بين الأماكن المقدسة، مما يجنبهم أشعة الشمس الحارقة.
أما غير المسجلين في مكة فيجدون أنفسهم محشورين في شقق فارغة في منطقة جنوبية أصبحت مشهورة بين وكلاء السفر. وخلال أشهر الحج، يؤجر هؤلاء الوكلاء مباني كاملة يتم تكديسها بالحجاج.
ومن بين هؤلاء هدى عمري التي انتظرت أمام مكتب وكيل في الأردن لمدة يومين، من أجل الحصول على تأشيرتها لأداء الحج. وفي مصر، جمع أبناء ماجدة موسى الثلاثة ما يقرب من 9000 دولار لتحقيق حلم مرافقة والدتهم إلى الحج.
وقالت كلتاهما إنهما كانتا تدركان أن الرحلة التي تحدث مرة واحدة في العمر ستكون مرهقة جسديا وماليا، لكن لم يتوقع أي منهما الحرارة المرتفعة، أو سوء المعاملة.
وقالت عمرى للصحيفة الأميركية بعد عودتها للوطن: "تعرضنا للإذلال والعقاب بسبب وجودنا هناك بشكل غير قانوني".
وأعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية (نزاهة)، مؤخرا، توقيف 155 شخصا بعد تحقيقها مع 382 مشتبها به في قضايا يتعلق بعضها بموسم الحج.
وقالت الهيئة في بيان إنها خلال شهر يونيو الماضي أجرت 9623 جولة رقابية بالمشاعر المقدسة، والجهات الخدمية خلال موسم الحج.
وأضافت أنها حققت مع 382 شخصا يتبعون وزارات الداخلية والعدل والتعليم والصحة والشؤون البلدية والقروية والإسكان والتجارة والنقل والثقافة، بالإضافة إلى هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
وأوقفت الهيئة من بينهم 155 شخصا، تم اتهامهم في جرائم فساد تشمل الرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي والتزوير وغسل الأموال.
وقالت السلطات الأردنية، الأسبوع الماضي، إنها ألقت القبض على 54 شخصا وأغلقت 3 وكالات سفر بعد وفاة 99 أردنيا أثناء الحج.
وتقول عمري إنها دفعت 2000 دينار (أكثر من 2800 دولار) مقابل حزمة تشمل السفر والتأمين والإقامة. ورغم أن هذا "ليس مبلغا صغيرا"، إلا أنه لا يزال نصف تكلفة حزمة الحج الرسمية.
وعندما وصلت عمري إلى السعودية، قالت إنها حصلت على غرفة في مبنى كان تكييف الهواء فيه بالكاد يعمل. وقالت: "شعرت كأن القاعات تحترق".
لذلك، دفعت المزيد من المال للحصول على فندق لائق، حيث شاركت غرفة مع نساء من مسقط رأسها.
أما ماجدة فقد كلفها الحج حوالي 2500 دولار، بالإضافة إلى مبلغ 2000 دولار لكل من مرافقيها الثلاثة، ومع ذلك، كانت التكلفة أقل بكثير من الحزمة الرسمية.
ودفع أبناؤها مئات الدولارات لتتمكن من الحصول على سرير في غرفة فندق مع ثلاث نساء أخريات، وأكثر من 200 دولار لنومهم هم على مرتبة على الأرض في مبنى آخر، بغرفة مزدحمة بثمانية رجال.
وقال شهود عيان للصحيفة إن وسطاء السفر المذعورين من حملات الشرطة قطعوا الكهرباء أو خدمة الإنترنت في بعض المباني حتى تبدو خالية، لدرجة أن بعضهم علق بوابات المباني بالسلاسل لإبقاء الحجاج في الداخل والشرطة في الخارج.
وقال أحمد ممدوح مسعود، أحد أبناء موسى: "كنا نشعر في كثير من الأحيان كأننا مسجونون".
وقالت موسى إن عائلتها كانت تعيش على الأغذية المعلبة التي جلبتها من مصر أثناء الحج، وبسبب الخوف كانوا يخرجون فقط لشراء الزبادي والتمر في مكة.
وتوفي 658 مصريا خلال الحج، 630 منهم غير مسجلين، وفق ما أفاد دبلوماسيون عرب وكالة فرانس برس.
لكن السلطات المصرية لم تؤكد هذه الأرقام رسميا.
وأغلق المسؤولون المصريون مؤخرا 16 شركة سياحية، وألقوا القبض على اثنين من وكلاء السفر ووجهوا إليهما اتهامات.
وقالت موسى للصحيفة إنها غادرت حافلة كانت ستقلها إلى جبل عرفات، بعد تهديد ضابط لها بإنهاء حجها، فحزمت أمتعتها ووضعتها على رأسها ثم مشت إلى هناك.
وقالت "كنت أرتدي نعالا بلاستيكية... وبحلول الوقت الذي وصلت فيه، كانت تآكلت لدرجة أنني شعرت وكأنني لا أرتدي أي شيء بقدمي".
وقالت إن الحجاج في الحافلات المكيفة كانوا ينظرون إليها وهي تتعثر على طول الطريق.
ووصلت المصرية والأردنية برفقة عائلتيهما إلى جبل عرفات لتأدية إحدى مناسك الحج الأساسية ، وفي طريق العودة شهدت موسى حجم المأساة، وقالت: "كان هناك أشخاص أصغر سنا مني يرقدون موتى. كان الأمر مفجعا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: غیر المسجلین هذا العام
إقرأ أيضاً:
البلدة التي لم أحدثك عنها.. اغنية جديدة لغسان زقطان
ثمة شبه اجماع عند العديد من شعراء فلسطين الشبان، على أن غسان زقطان يخدعنا حين يصدر كتبه الشعرية على أنها قصائد مكتوبة، انه يغنيها، نعم يغنيها، بلحن عال ومنشدين غير مرئيين، وموسيقة كامنة بين السطور بآلات لا أعرف كيف يخبئها في الكتاب، هذا الشاعر الستيني الوسيم صاحب التجربة الشعربة الانضج بين مجايليه. في كتابه الشعري المختلف و الذي سيصدر قريبا جدا عن (دار المتوسط) تصدح الصفحات بالاغاني، ويشعر القارئ أن هذا الكتاب صوتي أكثر منه مكتوبا بالكلمات، كتاب يشعرك بالسعادة، أنت تقرؤه فتبتسم وتحب الحياة، وتثق بالحب وتذهب الى العمل دون توقع لمعركة مع المدير. هذا كتاب ُيحمل في الحقيبة، ويسافر معنا الى كل مكان، نستطيع أن نقرؤه من أية صفحة، بإمكان كل نص شعري فيه أن يكون بداية الكتاب أو أخره، أو منتصفه، لكن ذلك لا يعني أنه لا ينتظمه شيء، ثمة انتظام ورؤية وعنوان عام أستطيع أن ألخصه بكلمتين: الاحتراق بالحنين.
(البلدة التي لم أحدثكم عنها) كالعادة عناوين غسان ملفتة وجزء من منظومة القصائد، عفوا أقصد الأغاني، قال لي شاعر شاب أن قراءة شعر غسان تشبه مفعول دواء (الزنكس) الذي يأخذه كلما أحس بغصة او قلق معمم أو أراد بعض الثقة في مواجهة جمهور اثناء أمسية او محاضرة، شعره (أضاف الشاعر الشاب) مطمئن، مثل رحلة مع أصدقاء، وودود مثل نادل مبتسم.
فلنسمع طمأنينة هذه الاغنية:
حجر بجناحين
(أبحث عن أثاثٍ صالحٍ في ذكرياتنا لأزجّه في رسالةٍ
الانتظارُ هو قطعة الأثاث الكبيرة هناك.
مقعد يواصل النمو في غرفة عارية.
الحاكي الخشبي في الزاوية البعيدة محاطٌ بأزهار بلاستيكية
وهو يدور ويخشخش في الفراغ.
البيانو الأسود القديم في القاعة الفارغة، المضروب بضوء العصر،
حزمة الضوء أصابت مقعد العازف وأضاءت الغبار على سطح
الماهجوني.
هذا هو الانتظار أيضاً.
الانتظار بهيئاته التي تنتظرُ
هو كل ما أجده كلما ذهبت لأحضر أثاثاً للرسالة.
المقعد الذي ينمو في غرفةٍ عاريةٍ
الحاكي الذي يخشخش
والبيانو الذي يحدّق في قاعة فارغة.
ليست الرسالة يا سارة سوى انتظار تعلّم المشي.
تمارين الذهاب
تذكّر أشياءٍ لم تحدث.
ثم ما هو الانتظار يا سارة سوى غصن جاف نحرّك به الذكريات
لتصبح أحلاماً.
الانتظار، يا سارة، حجر بجناحين).
في تجربته الشعرية يذهب غسان باستمرار الى القليل من الكلمات، ليصنع بحرا من المعاني وظلال المعاني، قالت لي مرة الشاعرة اللبنانية عناية جابر:( فقط غسان وبسام حجار من يقنعاني باتساع العالم،).
غسان شاعر يشير بيده فقط، يده التي من حكمة وطيش (مع الاعتذار لوليد الشيخ طبعا) لا يقول كل شيء، هو شاعر الفجوات الذهبية والنقص الرائع، لا يعرف الثرثرة، لا تفاصيل غير ضرورية، لا كلمة في مكان غير مكانها، وإن استغلقت علينا بعض المعاني، فهذا الكتاب مخصص للشعور بأن المعنى الغامض يعطي شعورا بالراحة الغامضة، ربما لأن الإيقاع لطيف ومثقف، ويعوض عن الغموض، مرة قال لي أبي: وهو بالمناسبة شاعر عامودي: (حين تقرأ شعرا للمتنبي ولا يصلك معنى محدد فاستعض عنه يايقاع الشعر، هذا يكفي) وهذا أيضا يعطينا نوعا من الثقة بأن ثمة معنى رهيب هنا، سنؤجل تأمله لاحقا، فلننتقل إلى قصيدة أخرى، هكذا أقول لنفسي، حين أقرأ غسان، ومحمود درويش. صور غسان العجيبة تفتن يومي، وتغيره، من توقع مثلا أن يسمع هذا التعبيرات الغريبة (أثاث الرسالة، أمشي وينحتني الهواء، المقعد الذي ينمو في غرفة عارية)، ثمة غواية في ثيمة أحبها داخل شعر غسان، هي ثيمة انتظاره أو تذكره لأحباء ابتلعهم الغياب و لا يأتون، طريقة ندائه عليهم ساحرة، وغريبة، معظم شعراء العالم يتذكرون ينادون على أحبائهم، لكن مناداة غسان خاصة، وغامضة ومرتبطة بتفاصيل مفاجئة، و بسياقات مختلفة، أما الحنين فهو العنوان العام لمشروعه، لكنه ليس الحنين العادي الى الماضي.
قبل وفاته بأشهر جمعتني جلسة مع محمود درويش أنا وغسان، ولا أعرف كيف جننت وسألت محمودا سؤالا محرجا أربك غسان.
أستاذ محمود من ترشح بعدك ليكون شاعرا كبيرا مثلك؟
أجاب محمود: نعم لديّ من أرشحه، انه شاعر يجلس معنا الآن. ذاب غسان في مقعده.
الشاعر في سطور
غسان زقطان شاعر وكاتب ولد عام 1954 في بيت جالا، حيث كان يعمل والده الشاعر خليل زقطان. عاش في مخيم الكرامة بالضفة الشرقية حتى عام 1967، قبل أن ينتقل إلى عمّان حيث أنهى دراسته المدرسية وأصبح مدرسا للرياضة البدنية. انتقل زقطان إلى بيروت في عام 1979 وظل فيها حتى عام 1982 ليتنقل بين دمشق وتونس، إلى أن استقر في الضفة الغربية مع اتفاقية أوسلو عام 1994. منذ انتقاله إلى دمشق عمل في عدة مجلات مثل الحرية، والبيادر. أصدر زقطان أكثر من عشرة دواوين شعرية منذ منتصف السبعينيات، منها (استدراج الجبل، و تحدث أيها الغريب تحدث،و كثير من القش يتبوعني، حيث أختفى الطائر وغيرها) كما نشر عدة روايات مثل "وصف الماضي" و"عربة قديمة بستائر.".