عربي21:
2025-04-07@15:10:54 GMT

تنويعات عدة على لحن نشاز!

تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT

لا بأس، فقد كان حملا كاذبا، يخفف من وطأته أن أحدا لم يكن يعتقد بعد سابقة أعمال القوم، أن الحداية يمكن أن تلقي كتاكيت على الخلائق، بيد أن أحدا لم يكن يذهب به الظن إلى الوصول لمستوى هذه الفضيحة التي يتغنى بها الركبان، والتي لا يمكن علاجها بسهولة وتلافي مخاطرها على سمعة الحكم!

ليس مشكلة في ألا يكون وزير التعليم، أو غيره من الوزراء، حاصلا على درجة الدكتوراة، وهي درجة علمية تدخل في عالمنا العربي في باب الوجاهة الاجتماعية، ونحن قوم كأبي سفيان نحب الفخر، وهي لا تعني تمكن صاحبها من العلم الموسوعي، فهو خبير في مجال تخصصه، وللدقة في مشكلة بحثه، دون أن تعني تفويضا بالقدرة على النجاح ولو في إدارة منزل، ورعاية أسرة، ناهيك عن أن ينجح كوزير، فهذا موقع يحتاج إلى أصحاب القدرات الخاصة!

ولو كان النجاح مقدرا لحملة الدكتوراة، لكنا الآن من الدول المتقدمة، لأن نسبة الحاصلين على هذه الدرجة في حكومات ما بعد ثورة 1952، هي أكبر حتى من نسبة الجنرالات، لكن عندما تم تغييب السياسية بعد ثورة يوليو/ تموز، كان الاعتماد على التكنوقراط، بدون النظر إذا كانوا حاصلين على الدكتوراة أم لا، وإن كان العرف جرى على أن يكون وزير التعليم من أساتذة الجامعات، وهو عرف لم تعرفه وزارات أخرى مثل الخارجية، والتموين، والإسكان، والثقافة، والإعلام، والداخلية والدفاع بطبيعة الحال!

النظام لم يكن يعتبر حكومته تكنوقراطية كاملة، أو سياسية كاملة، فلم ينشغل بأن يكون وزير التعليم من أهل الاختصاص بالمعايير التكنوقراطية، لكن أن يصل الأمر إلى مستوى الوزير الحالي، فهذا أمر كاشف لسياسة عهد، وعنوان لمرحلة!
اختطاف وزارة التعليم:

وعندما أثير بعد ثورة يناير/ كانون الثاني، أن وزير السياحة، الذي شغل منصب وزير الإسكان لفترة لم يكن يحمل بكالوريوس الهندسة كما ادعى، لم يشغل هذا بال أحد، ولعل هذا الأمر كان يتردد بين الصحفيين دون أن يجد أحدهم نفسه متحمسا لصياغته كخبر أو حتى كسؤال، وإن كانت وزارة التعليم لها طبيعة خاصة!

وهي وزارة مختطفة من محيطها فلم يتول أمرها معلم سابق سوى منصور حسين، كما لم يشغل الموقع أحد من أساتذة التربية.

وقد شغل منصب الوزير طبيب الأطفال حسين كامل بهاء الدين، وأستاذ القانون الجنائي أحمد فتحي سرور، وإن كان لم يقع عليهما الاختيار بحسبانهما فقط يمثلان التكنوقراط، ولكن لاتصالهما بالسياسة. وحتى عام 2000 كان نظام مبارك محظوظا بدرجة أو بأخرى لأنه استفاد من الذين تخرجوا في التنظيمات التي أنشأتها ثورة يوليو 1952، وأرجو عدم الاستهانة بهذه المدارس السياسية، لأنها لم تخلق من العدم، فقد كانت الأوضاع قريبة عهد بمرحلة سياسية تعج بالأحداث وبالمواقف والمناكفات الحزبية، واستفاد الحكم العسكري من المنخرطين في هذه الحالة، ولم يتغيب سوى زعماء العهد البائد.

وإن كان عيب هذه المدرسة أنها معادية للديمقراطية، ولا تهتم كثيرا بالحرية، وهي أمور لا يريدها الحكم، فكان من نصيب نظام مبارك في بدايته أن يكون رئيسا للبرلمان واحد من تلاميذ هذه المرحلة وهو الدكتور رفعت المحجوب، الأكثر أهلية في إدارة البرلمان منذ حركة الضباط وإلى الآن، مرورا ببرلمان ما بعد الثورة!

وكانت منظمة الشباب، والتنظيم الطليعي، بجانب الاتحاد الاشتراكي (الاتجاه القومي سابقا)، هي التي أمدت عهدي السادات ومبارك بالكفاءات التي مثلت صمام أمان لنظامه، سواء أصحاب اللياقة التنظيمية (كمال الشاذلي) أو كفاءة الإدارة من أمثال مفيد شهاب، وكمال أبو المجد، وإسماعيل صبري عبد الله، بل وعاطف صدقي!

ولهذا فإن النظام لم يكن يعتبر حكومته تكنوقراطية كاملة، أو سياسية كاملة، فلم ينشغل بأن يكون وزير التعليم من أهل الاختصاص بالمعايير التكنوقراطية، لكن أن يصل الأمر إلى مستوى الوزير الحالي، فهذا أمر كاشف لسياسة عهد، وعنوان لمرحلة!

المحتال وزيرا:
أخطر ما في أمر "دكتوراة" الوزير الجديد، ليس في الاحتيال وفجاجته، ولكن في أن تقع السلطة في هذا المأزق، وفي بلد عُرف بأجهزته الأمنية المتعددة والمتنافسة لا سيما في هذه المرحلة، فهل يعقل أن تكون تقاريرها جميعها خلت من هذا الاحتيال؟
وليس أمر الدرجات العلمية الوهمية هو الموضوع الأساسي، وإن كانت أهميته في أن القوم اختاروا هذا المحتال وزيرا، وفي تقديري أن الدكتوراة الوهمية غطت على ما هو أهم من ذلك!

لا شك أننا أمام شخص مستهتر، فيلجأ لمكتب غير قانوني ليحصل منه على شهادة غير معترف بها في دولة المنشأ، وهو يدرك ماذا يفعل، وكل ما هنالك أنه كان يسعى للحصول على اللقب (دكتور) لتسيير الأعمال في مدارس السيدة والدته، وهي من أهم المدارس الخاصة في مصر، والشهادة ليست من مسوغات شغله لوظيفته هذه!

وبالتأكيد أن اختياره وزيرا للتعليم لم يكن في مطروحا على جدول أعماله ولو في أحلامه، وإلا كان يمكنه استكمال الشكل، ومن جامعات مصرية معترف بها، وقد طالعنا كيف أن دولة بعينها ضجت من تدافع خريجي جامعة بالذات على الوظائف، وإذا كان قد تم تسجيلهم رسميا، فقد تم الإمساك بهم متلبسين بالتزوير، لأنهم لم يغادروا بلدهم أبدا. والرجل بحكم كونه في السوق (سوق التعليم) كان يمكنه أن يتصرف، فلا نجد أنفسنا أمام موضوع مثير يغطي على ما هو أهم، وهو فلسفة الاختيار!

فالوزير الجديد قادم من التعليم الاستثماري، ولا يخلو الأمر من حكمة، وكما تم السماح للقطاع الخاص بإدارة مستشفيات الحكومة، فلا يستبعد أن جلبه لهذا الموقع هو لتحويل منظومة التعليم الحكومية إلى تعليم استثماري، ونحن نشاهد البلد وقد تحول إلى سوبر ماركت، ونرى رأس السلطة وهو يخاطب أعضاء حكومته كما لو كان رئيس مجلس إدارة شركة لتوظيف الأموال، مع الشركاء في المشروع!

وأخطر ما في أمر "دكتوراة" الوزير الجديد، ليس في الاحتيال وفجاجته، ولكن في أن تقع السلطة في هذا المأزق، وفي بلد عُرف بأجهزته الأمنية المتعددة والمتنافسة لا سيما في هذه المرحلة، فهل يعقل أن تكون تقاريرها جميعها خلت من هذا الاحتيال؟ وقد كان مبارك لا يكتفي بسؤال مباحث أمن الدولة في أمر يخص حقيقة نتيجة انتخاباته، ولكنه يلجأ كذلك للمخابرات العامة ليفصل لنفسه بين هذا التناقض!

إن العمل في مجال كإنشاء المدارس، يدفع جهة الاختصاص الأمني التي بيدها عقدة الأمر إلى أن يكون لكل العاملين في المجال ملفات خاصة بهم، وأمر كهذا لا يفوتها، لنكون أمام سؤال الوقت: هل طُلب ملف الوزير قبل اختياره؟!

ليس من المنطق أن تتحالف الأجهزة الأمنية في إخفاء معلومة بخصوص الملف التعليمي للوزير وتضليل القيادة السياسية، فهل طلبت القيادة التقارير عنه، أم أننا أمام نمط جديد لحكم الفرد، لم تعرفه مصر ولو في عهد عبد الناصر؟ فهو يحكم وحده، ويختاره وحده، ويقوم اختياره على الاستملاح، لأن ما يسيطر عليه هو اتجاه البيزنس والاتجار في كل شيء، فمن يصلح لإدارة منظومة التعليم إلا قادم من التعليم الاستثماري الخاص؟!

لأنه ليس نظاما سياسيا باعترافه، ولا يوجد لديه وقت لإضاعته، فسوف يندفع في سياسته التي على أساسها اختار هذا الوزير من خارج السياق العام!
والحال كذلك، فإن القوم أحيط بهم من كل جانب، فإذا أقيل الوزير لكشف هذا عشوائية الاختيار، التي لا تصلح لإدارة محل بقالة، وكيف يمكن لفرد مهما كانت قوته أن يلعب بجهات الاختيار كرة شراب وأن يضللها، وإن أبقت عليه لثبت أنه التواطؤ على اختيار محتال لوزارة مهمة!

لو كان الحكم سياسيا لوازن بين ضررين واختار أخفهما وأبقى على الوزير في موقعه، ثم شكل له مجموعة لإدارة أزمته، بأن يقدم في مجاله إنجازات لصالح العملية التعليمية، وبما يجعله مقربا من وجدان أولياء الأمور، لا سيما في مرحلة الثانوية العامة، عندئذ سيتجاوز الرأي العام عن الشهادات الحقيقي منها والزائف، ويكون لسان حال الناس هو ما قاله بوق إعلامي: ماذا أخذنا من أصحاب الدكتوراهات؟.. صحيح ماذا أخذوا من أصحاب الدكتوراهات؟!

ولكن لأنه ليس نظاما سياسيا باعترافه، ولا يوجد لديه وقت لإضاعته، فسوف يندفع في سياسته التي على أساسها اختار هذا الوزير من خارج السياق العام!

إنها مرحلة الفلوس.. ولا شيء غير الفلوس!

x.com/selimazouz1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الوزراء مصر مصر السيسي الفساد تزوير وزراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یکون وزیر التعلیم أن یکون وإن کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

طاهر المصري: كي لا يكون مصيرنا التلاشي

#سواليف

كي لا يكون مصيرنا التلاشي

كتب .. #طاهر_المصري

ربما، لم يحدث أن عبّرت قوّى هذا العالم، في تاريخنا المعاصر، عن نفسها وعن مصالحها، بهذه الفجاجة التي يسمعها العالم اليوم على لسان رئيس #الإدارة_الأمريكية دونالد #ترامب، وبكل تلك «الخشونة الهجومية السياسية» التي يرددها مساعدوه ومستشاروه.
اليوم يمكننا القول: إن #الاستعمار لم يتوقف يوماً في التاريخ القريب، بل بقي قاسيا وبشعاً في كثير من الأحيان، فضلاً عن أنه لم يكن دوماً مجرد استغلال ناعم، أو مقنّع، فالخطاب المتفاعل يثبت استراتيجية وفلسفة» الاستعمار المباشر» بكل ما تحمله الكلمة من معنى في أحيان كثيرة، وإن تستر أحيانا بمفاهيم إنسانية لإخفاء طبيعته الحقيقية.

مقالات ذات صلة اعتقالات في الخليل ومخيمي قلنديا والجلزون 2025/04/07

لعلّ من أبسط النتائج لهذا الشكل من تعبيرات القوة الأمريكية عن نفسها أن أصبح الحديث عن #جريمة_الإبادة لشعب أمراً عاديا ومألوفا، كما أصبح #التهجير الكامل للفلسطينيين من قطاع #غزة خيارا مطروحا للنقاش وعلى الطاولة، بل الدعوة علنا وبصفاقة إلى الاستيلاء الأمريكي على قطاع غزة، والتعاطي مع معاناة أهل غزة وأهلنا بصيغة» صفقة عقارية» يدعي المروج لها أنها يمكن أن تتحول إلى «ريفييرا».

الجديد ان تلك «الوصفة الاستعمارية المباشرة» أصبحت خطّة يمكن تداولها والتوافق، أو الاختلاف بشأنها، أو تقديم بدائل لها. قد يكون من الصعب توصيف الأحوال الاستراتيجية العربية الراهنة، فقد استنفدت أحوالنا وأحوال الأمة كل مفاهيم ومفردات العجز والضعف وحالة «التشظي» التي آلت لها الأوضاع الراهنة في الوطن العربي، ومعه الإسلامي، تعززت كدليل وقرينة على نتائج وخيمة للبقاء في منطقة الاستكانة والعجز.

نحن في لحظة بالغة الخطورة على الإقليم كله، وأوهام النجاة القُطرية، من مفاعيل ومخاطر ما يحدث، بالصمت أو بالتسويف عن مواجهة تلك المخاطر بجدية، لن تنجي أحداً

عمليا في مواجهة تراتبية مشهد الإبادة البشعة في قطاع غزة والضفة الغربية، التي تتواصل منذ أكثر من عام ونصف العام يمكن القول، إن الوجود العربي في كل تعبيراته القطرية والقومية، أصبح في مهب الريح، وكذلك مؤسسات العمل العربي المشترك وأنماط التجمع الإقليمي العربي، وعلى رأسها جامعة الدول العربية.

حالة العجز الرسمي والشعبي، التي مورست أمام هول كارثة الإبادة المستمرة، لا تُنبئ بأي خير أو أمل في تدارك ما تبقى من مصالح العرب ووجودهم، في هذه المرحلة من السيولة الاستراتيجية، التي يمرّ بها العالم، ناهيك عن المرحلة التي ستلي انقشاع الكارثة بتوافقات دولية وإقليمية بين ما يتبقى من قوى متصارعة في عالم اللحظة الراهنة، حيث منحنيات خطرة ومزالق تاريخية في الدرب الآن تستدعي منا كل طاقة وجهد للانتباه أولا، ولمحاولة التصرف ثانيا دفاعا عن الذات والبقاء.
على مسمع ومرأى من سحق القوانين الدولية وكل أشكال علاقات السياسة الدولية وقيمها المعاصرة، وفي رصد للاصطدام المباشر بالحائط، الواضح لنا أن العالم الإسلامي لم يحقق أي درجة من التماسك أو الوحدة أو التنسيق المشترك، ما يجعله غير قادر على التأثير بشكل حقيقي على الساحة الدولية، الأمر الذي يجعل السعي الفوري ومن دون تردد للتكتل مجددا، أو تشكيل تكتلات جديدة صلبة تقاوم «موجات الاستعمار التي لم تعد مغلفة»، مهمة وطنية وقومية وإنسانية ملحة جدا، ومطلوبة فورا لأغراض «البقاء» وتجنب التلاشي.
إذا صحّ القول بأن موجة الربيع العربي، قبل نحو عقد ونصف العقد، شكلت إطارا يحاول إيقاف تكرار سياسات عقيمة في دنيا العرب، فإن من الأصح القول إن اللحظة الراهنة هي انكشاف العرب، كل العرب ومعهم بعض الدول الإسلامية، في العراء حيث تدمير غزة بالكامل، والخسائر الفادحة في صفوف قادة حزب الله، وقوته الاستراتيجية، والإطاحة بالنظام السياسي في سوريا، وانهيار الدولة فيها وحلّ الجيش، ومغادرة القوات الإيرانية ومطاردتها، بل ضربها في عقر دارها خلافا لضرب مقدرات الشعب اليمني ما أدى إلى تقويض محور المقاومة في الشرق الأوسط بشكل شبه كامل.

كلّ ذلك يعني تغييرات جذرية في الإقليم، ناهيك عن ترابط هذه التغييرات، بتحولات استراتيجية أخرى في أماكن مختلفة من العالم، كأوكرانيا وأوروبا وبعض أقاليم افريقيا وغيرها. قد يكون من المفيد التذكير بالرؤية الأمريكية الاستراتيجية السابقة لهذه اللحظة، وهي رؤية عادة ما تضعها مؤسسات الدولة العميقة هناك، بصرف النظر عن الإدارة الحاكمة؛ ففي أكتوبر 2022، أعلنت الإدارة الأمريكية استراتيجية الأمن القومي الخاصة بها، التي تقع في 48 صفحة، وهي مقسّمة إلى ثلاثة محاور:
– تصوّر الإدارة الأمريكية للتحدّيات والتهديدات التي ينبغي مواجهتها، وتحديد كيفية الاستثمار في بناء عناصر القوّة الأمريكية.
– الأولويات الأمريكية حول العالم.
ـ وأخيراً رؤية الإدارة الأمريكية للعالم حسب الأقاليم/القارّات.
في تلك الاستراتيجية، تبدّت اللحظة العالمية في جملة من العناوين، أبرزها؛ «انتهاء حقبة ما بعد الحرب الباردة» و«العالم أصبح أكثر انقساماً واضطراباً وتنافساً» ويقف «عند نقطة انعطاف لناحية المواجهة مع الصين وروسيا والتحدّيات المشتركة» و«تزايد مخاطر الصراع بين القوى الكبرى» و«اشتــــداد المنافسة بيـــن النماذج الديمقراطية والاستبدادية» و«الارتفاع العالمي في معدّلات التضخّم» و»اشتداد التنافس على التكنولوجيا المتقدمة لتوظيفها أمنياً واقتصادياً». كذلك «تراجع التعاون الدولي في التحدّيات الوجودية للبشرية»، إضافة إلى التكرار المستمر في أدبيات الإدارة الأمريكية لمصطلح «العَقد الحاسم»، ما يشير إلى تصوّرها حول «حراجة الحقبة الحالية» بشكل جليّ وواضح، كما يشير إلى «الاستجابة لهذا الأمر متاحة ضمن نافذة زمنية محدودة». وهي عناوين ثبتت، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، صحة العديد منها، خصوصا في تداعيات الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا وما نراه اليوم من تداعياتها.
ما الذي يعنيه كل ذلك من انعكاسات على منطقتنا؟ هل طرحنا بتعقل وخبرة هذا السؤال؟
ثمة شكوك في أننا فعلنا أو نفعل على مستوى النظام الرسمي العربي على الأقل لكن بإزاحة الفجاجة، التي يعبّر فيها الرئيس ترامب عمّا يعتقد أنها مصالح الإمبراطورية الأمريكية، يمكن القول إن لحظة الرئيس ترامب هي اللحظة السياسية الحاسمة، لكل ما سبق ذكره من عناوين وتحديات استراتيجية أمريكية.
العلاقات الروسية الأمريكية تشهد انعطافا جذريا حول وقف الحرب في أوكرانيا، عبّرت عنها اجتماعات الرياض بين الطرفين؛ كما تشهد العلاقات الأمريكية الأوروبية انحلالا وتهتكا غير مسبوق، ينذر بتفكك الناتو ذاته، وتصعب رؤية وفهم ما حدث في سوريا من دون توافقات، ولو بالحدّ الأدنى، بين روسيا وأمريكا؛ بل أكثر من ذلك، فإن تصريح الرئيس الروسي بوتين حول استعداده للعب دور الوسيط بين أمريكا وإيران، يشير إلى تحولات إقليمية مقبلة كبرى، ذلك أن فك التحالف الإيراني الروسي، الذي تمّ مؤخراً، هو أحد الأهداف الاستراتيجية الأمريكية الحيوية في الإقليم.
الخلاصة، الأحداث والوقائع تزداد تعقيداً، في منطقتنا، ومعها يتواصل القتل والإبادة البشرية وتخريب العمران، وكل إمكانيات العيش البشري، في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والسودان وغيرها؛ كما ترتفع وتيرة امتداد هذه الحرب الهمجية إلى مساحات أخرى من منطقتنا، ومن دون أن تكون هناك أية بارقة أمل في وقفها، أو إنهاء المقتلة المتواصلة، أو منع امتدادها منذ أكثر من عام ونصف العام. نحن في لحظة بالغة الخطورة على الإقليم كله، وأوهام النجاة القُطرية، من مفاعيل ومخاطر ما يحدث، بالصمت أو بالتسويف عن مواجهة تلك المخاطر بجدية، لن تنجي أحداً. الإقليم وصلت درجة سيولة تغيير خرائطه الاستراتيجية إلى حدودها القصوى، وهنا حصرا لا يقيم الأقوياء اعتباراً لغير مصالحهم وأطماعهم المباشرة، وهو ما نراه اليوم من حروب إبادة همجية وحشية، لم تقم اعتبارا لا لقوانين أو قيم أو معاهدات دولية أو إنسانية؛ لا تتوقف حدود تأثير هذه الحروب المدمرة عند ساحاتها الملتهبة والمشتعلة فقط، بل تمتد مفاعيلها المتوقعة إلى كل جوارها القريب والبعيد، وهو ما ينبغي أن تراه عين السياسة العربية بوضوح شديد.
أعود وأقول ما كنت أكرره دائما: لا تطمح هذه الكلمات إلى تكريس حالة إحباط موجودة، ولا إلى الانحياز إلى ما هو كارثي في عالَم العرب اليوم، سياسةً وصراعات. كما أنّ صاحبها يدرك كلّ المعوقات والصعوبات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه. غير أنّ ضميري ووجداني يمنعانني من الصمت أمامَ ما أرى وأسمع وأحسّ، وبعد أن أصبح الصمت العربيّ، حول قضايا بقائنا ووجودنا، مدوياً في ضجيجه كالرعد، فيما البعض يراه فضيلة سياسية! التوحد مجددا على مستوى العرب لم يعد شعارا أو خيارا أو ترفا، بل «احتياج بقاء» في زمن كسرت فيه كل قواعد القانون الدولي وبدأ يتصرف على أساس «الأطماع والاستهداف الاستعماري» وعلينا أن نجيب على سؤال صغير: كيف ننجو وسنعيش في العالم الجديد؟ يا ساسةَ الأمةِ، ويا مفكّريها، ويا حكماءها، ويا كلّ مَن هو معنيّ بمصيرها، هذا نداءٌ لي ولَكم، لمحاولة وقف هذا الانهيار المريع، بجهد جماعيّ جاد.. مجرّد محاولة، كي لا يكون مصيرنا هو التلاشي، في عالم جديد لا يرى غير القوة أساساً لاستحقاق البقاء.
الّلهمّ فاشهد.
رئيس وزراء الأردن الأسبق

مقالات مشابهة

  • الوزير حيدر يلتقي سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان
  • كان ملتزمًا بقرارات الوزير.. متحدث التعليم ينعى مدير إدارة الباجور
  • الوزير شكره في الآخر| أول رد من التعليم على وفاة مدير إدارة الباجور
  • بالتزامن مع زيارة الوزير المفاجئة.. وفاة مدير إدارة الباجور التعليمية بأزمة قلبية
  • التوتر قد يكون ايجابيًا..5 نصائح للاستفادة منه
  • طاهر المصري: كي لا يكون مصيرنا التلاشي
  • كي لا يكون مصيرنا التلاشي
  • وزير يأمل بأن يكون التحول الكبير المرتقب في المنطقة مكسباً لاقليم كوردستان
  • ????إنتظرت طويلاً أن يخرج الوزير خالد الإعيسر ليبرئ ساحتي من حديث الإفك
  • في هذا الفيديو بدا عبد الرحيم دقلو أشبه بشخصية “الواد محروس بتاع الوزير”