كيف يمكن للجبهة المدنية في السودان تحقيق سلام دائم؟
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية تقريرا بينت فيه كيف أن تحقيق سلام دائم في الحرب الأهلية السودانية، يتطلب إشراك مجموعات المجتمع المدني في المفاوضات، وليس فقط الأطراف العسكرية المتحاربة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شريحة واسعة من منظمات المجتمع المدني السودانية اجتمعوا في 27 أيار/ مايو في أديس أبابا لحضور المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية في السودان أو "التقدم".
كان ذلك استعراضًا للقوة والوحدة للجبهة المدنية السودانية التي تضغط بشدة، من أجل إجراء مفاوضات بين الفصائل العسكرية المتحاربة في الدولة الإفريقية. ومع ذلك، هناك شكوك كبيرة حول ما إذا كان يمكن تحقيق وقف إطلاق النار على المدى القريب.
وذكرت المجلة أن وقف إطلاق النار سيتطلب ضغطًا مستمرًا من القوى المدنية والمجتمع الدولي، لزيادة تكلفة القتال على الأطراف الرئيسية للنزاع. وفي حالة حدوث وقف إطلاق نار، فإن احتمال انهياره مرتفع. إن كيفية التوصل إلى الاتفاق ومن يشارك فيه سيكون له آثار كبيرة على استدامة السلام.
الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار
مع تصاعد القتال حول عاصمة شمال دارفور، الفاشر، وفي أجزاء أخرى من السودان وتفاقم الأزمة الإنسانية، أصبح وقف إطلاق النار أمرًا ملحًا. واعتبارًا من 24 أيار/ مايو، وثق مشروع بيانات موقع وأحداث الصراع المسلح أكثر من 17 ألف حالة وفاة مباشرة نتيجة للصراع. ووفقًا للجنة الإنقاذ الدولية يحتاج حوالي 25 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية. ويجب على المجتمع الدولي بذل المزيد من الجهود لمنع المجاعة الوشيكة ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى السودان. وقد منع كلا الطرفين وصول المساعدات في عدة جبهات.
سيكون التوصل إلى وقف إطلاق النار خطوة حاسمة في فتح تدفق المساعدات الإنسانية، وزيادة مستوى المساعدة من المجتمع الدولي التي لا تقترب مما هو مطلوب.
وبينما وافقت قوات الدعم السريع المتمردة مرارًا على مبدأ وقف إطلاق النار، رفضت القوات المسلحة السودانية الدعوات لوقف إطلاق النار متعهدة بالقتال حتى النصر. وفي 29 أيار/ مايو، رفض نائب رئيس المجلس السيادي الذي تسيطر عليه القوات المسلحة السودانية، مالك عقار، مقترحات من وزير الخارجية الأمريكي بأن تشارك القوات المسلحة السودانية في عملية السلام في جدة قائلًا "لن نذهب إلى جدة إلا على جثثنا".
من غير المرجح أن تتوصل الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار ما لم ترَ كلتاهما أن تكلفة القتال أعلى من تكلفة وقف إطلاق النار. وبالنظر إلى الزخم الأخير للقوات المسلحة السودانية على أرض المعركة، فإن هذا صعب الحدوث. لكن تشير دراسات الحالة إلى أن جبهة مدنية قوية تعمل بتنسيق وثيق مع المجتمع الدولي يمكن أن تغير حسابات القوات المسلحة السودانية وتدفع بها وقوات الدعم السريع إلى طاولة المفاوضات.
يمكن للجبهة المدنية زيادة الضغط من خلال توسيع نطاقها لتشمل قطاعات المجتمع التي كانت محايدة سابقًا - وهو ما تعهدت "تقدم" بفعله مؤخرًا - ومن خلال الدعوة بقوة لرؤية واضحة ومتسقة على المسرح الدولي. يمكن للمجتمع الدولي زيادة الإجراءات العقابية بما في ذلك العقوبات ضد قيادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وأعضاء رئيسيين في الائتلاف الحاكم للقوات المسلحة السودانية بما في ذلك الشركات والجماعات الدينية المتشددة.
ويجب على المجتمع الدولي أيضًا زيادة الضغط على موردي الأسلحة الدوليين والممولين (بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية) لوقف دعمهم للمقاتلين بينما دعت "تقدم" إلى التدخل الدولي، إلا أن مثل هذا التدخل غير مرجح في المدى القريب. ومع ذلك هناك مجال كبير للضغط المتزايد على قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية دون اللجوء إلى التدخل العسكري. لقد كانت العقوبات المفروضة حتى الآن على قيادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية محدودة ولم يتم اتخاذ العديد من الإجراءات على المستوى الوطني لحظر الأسلحة أو للضغط بشكل كبير على داعمي الأطراف المتحاربة الدوليين.
دور المدنيين في المفاوضات
نادرا ما يتم إشراك القوى المدنية في المفاوضات المباشرة وهناك بعض الأمثلة، مثل عملية السلام في ليبيريا (التي أسفرت عن اتفاقية السلام الشاملة في أكرا سنة 2003) حيث تم تضمين مجموعة من جماعات المجتمع المدني (بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان والمرأة والقانون) كمندوبين رسميين، لكن هذا كان الاستثناء وليس القاعدة؛ ومع ذلك في حالة ليبيريا تم تمكين المشاركة المدنية بفضل وجود قوات دولية.
وفي حالات أخرى شكل المدنيون العملية بطرق غير مباشرة ولكن مهمة. في غواتيمالا، بدأ الضغط القوي من مجموعات المجتمع المدني لعملية السلام في أواخر الثمانينات، مما أدى إلى ظهور عملية سلام في سنة 1990 بفضل ضغط من الكنيسة الكاثوليكية، واستمر الضغط من المجتمع المدني مما أدى إلى إنشاء جمعية المجتمع المدني خلال الاتفاقية الإطارية لسنة 1994. وقد تم تشكيل جمعية المجتمع المدني من مختلف مكونات المجتمع المدني وكلفت بتقديم توصيات غير ملزمة حول القضايا الجوهرية. ولعبت الجمعية دورا مهما خلال عملية السلام التي توجت باتفاق نهائي في سنة 1996.
وحسب المجلة، لعبت الكنائس دورًا حاسمًا في اتفاقية السلام لسنة 1992 في موزمبيق حيث دفعت لإجراء محادثات من الخارج واجتمعت بشكل ثنائي مع المقاتلين وعملت في نهاية المطاف كوسيط خلال المفاوضات الرسمية. ومارست جمعية المجتمع المدني ضغوطًا كبيرة لدفع المقاتلين للعودة إلى طاولة المفاوضات قبل التوصل إلى اتفاقية السلام في كولومبيا (2016). وفي طاجيكستان (1997) وسيراليون (1999) لعبت الجمعية دورًا حيويًا خلال تنفيذ اتفاقية السلام.
حدود وقف إطلاق النار
في حالة السودان، من المرجح أن يكون وقف إطلاق النار اتفاقا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي لا يقدم خارطة طريق للمفاوضات أو يعالج أي قضايا جوهرية. وهذا مرجح نظرًا لصعوبة القضايا التي تكمن وراء نزاع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فضلا عن الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي لمنع المقاتلين الذين ينظر إليهم على نطاق واسع على أنهم غير شرعيين من فرصة رسم الترتيبات الدستورية والسلطوية المستقبلية للسودان.
ومع ذلك، فإن التحليل التجريبي لبيانات وقف إطلاق النار التاريخية يظهر أن وقف إطلاق النار على القارة الأفريقية الذي يتضمن جدولاً زمنياً للمفاوضات أو يعزز عملية السلام يكون مرتين أكثر احتمالاً للبقاء بنسبة نجاح تقدر بحوالي 26 بالمئة مقارنة بنسبة نجاح تبلغ 13 بالمئة لوقف إطلاق النار الذي يتم فصله عن المفاوضات الجوهرية.
لذلك من الضروري أن تحتوي أي اتفاقية لوقف إطلاق النار على خريطة طريق أو إطار عمل، والذي لا يمكن إنتاجه بشكل موثوق إلا من قبل الجبهة المدنية والمجتمع المدني فقط. وكما أشار المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، في تصريحاته الأخيرة: "لا ينبغي للمدنيين أن يحضروا المحادثات فقط، بل يجب أن يحددوا شروط النقاش. إن تشكيل مفاوضات وقف إطلاق النار بهذه الطريقة سيتطلب دفعة قوية من المجتمع الدولي".
كيفية تأثير أصوات المدنيين على المفاوضات
أظهرت الدراسات التجريبية أن التسويات التي تعالج التناقضات السياسية الجوهرية التي أدت إلى الصراع في المقام الأول تكون أكثر عرضة للنجاح. وبينما تم التركيز كثيرًا على شخصيات برهان والجيش السوداني وحميدتي وقوات الدعم السريع وتاريخهما الطويل والمعقد، هناك قوى هيكلية أكبر - وتناقضات أساسية - وراء الحرب الحالية والانقلاب والثورة السابقة.
بعد ثورة 2019 ضد نظام الديكتاتور العسكري عمر البشير، كان من المرجح أن يكون هناك مواجهة بين القوات العسكرية والقوى الديمقراطية (مع محاولة القوات العسكرية حل المسألة مؤقتًا عبر انقلاب 2021). وكان من المرجح أيضًا أن تكون هناك مواجهة بين النخب العربية المسيطرة (وقوات الجيش السوداني التي يسيطرون عليها) والمجموعات العربية الأخرى في الأطراف، التي ظلت تُستخدم للقيام بالأعمال القذرة لنظام البشير، أولاً كالجنجويد ولاحقًا كقوات دعم سريع، ولكنها ظلت دائمًا بعيدة عن السلطة السياسية الحقيقية.
وكان من المحتمل أن تكون هناك مواجهة بين قوى الإسلاموية، كعنصر جوهري من نظام البشير، والرغبة المتزايدة في العلمانية الحديثة بين شباب المدن السودانية. وكان من الحتمي أن تكون هناك مواجهة بين تركز السلطة الاقتصادية والسياسية في المركز تاريخياً على حساب الأطراف السودانية.
إن إنشاء إطار عمل أو خارطة طريق لمعالجة هذه التناقضات يتطلب مشاركة قوية من المجتمع المدني السوداني والأحزاب السياسية، والعديد منها منظم حاليًا تحت مظلة "تقدم" بالإضافة إلى الشباب السوداني، الذين تمثلهم لجان المقاومة السودانية وغيرها من المنظمات. وقد أكد المؤتمر التأسيسي الأخير لـ "تقدم" التزام المجتمع المدني بمجموعة واسعة من المبادئ، بدءا من الوصول الإنساني وصولا إلى تمثيل المرأة والشباب والفيدرالية والديمقراطية والعلمانية.
إن لجان المقاومة على وجه الخصوص، بسبب دعمها بين الشباب وشرعيتها المحلية في السودان، هي صوت يجب على المجتمع الدولي دعمه والارتقاء به، ودفعه لوقف إطلاق النار بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية.
وبغض النظر عن موعد بدء المفاوضات الجوهرية فإن فوائد وقف إطلاق النار واضحة على المدى القصير - حيث يمكن أن يسمح بتوزيع المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين والممتلكات. كما أن فشل وقف إطلاق النار يمكن أن يمهد الطريق لاتفاقات ناجحة في المستقبل. ولذلك فإن أي وقف لإطلاق النار ينبغي أن يكون تطورا مرحبا به.
ومع ذلك، فإن السلام الدائم يتطلب مفاوضات موضوعية تعالج بمصداقية حالات عدم التوافق الأساسية، ولا يمكن القيام بذلك دون المشاركة القوية للأصوات المدنية وزيادة الضغط الدولي بشكل كبير على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والجهات الدولية الراعية لهما.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الحرب السودانية الدعم السريع الجبهة المدنية الجيش السودان الجيش الحرب الدعم السريع الجبهة المدنية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات المسلحة السودانیة وقوات الدعم السریع لوقف إطلاق النار وقف إطلاق النار المجتمع المدنی اتفاقیة السلام المجتمع الدولی عملیة السلام من المجتمع بما فی ذلک السلام فی ومع ذلک کان من
إقرأ أيضاً:
هل تلعب تركيا مع الطرفين في الحرب الأهلية السودانية ؟
ترجمة: أحمد شافعي -
كشف تقرير حديث نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن تورط شركات تصنيع أسلحة تركية في بيع أسلحة لكل من القوات المسلحة السودانية، وربما لقوات الدعم السريع المتمردة التي تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب إبادة جماعية وانتهاكات لحقوق الإنسان طوال الحرب الأهلية السودانية.
يقدم التقرير تفاصيل عن قيام شركة «بايكار» التركية الرائدة في تصنيع الأسلحة التي يملكها سلجوق بيرقدار صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، ببيع أسلحة هجومية إلى نظام الصناعات الدفاعية السوداني، وهو وكالة المشتريات العسكرية السودانية. ويبدو أن شحنات بايكار إلى القوات المسلحة السودانية تنتهك العقوبات الأمريكية والأوروبية القائمة.
بلغت قيمة الصفقة بين شركة بايكار والقوات المسلحة السودانية مائة وعشرين مليون دولار، ونتج عنها بيع ست طائرات مسيرة من طراز TB2، وثلاث محطات تحكم أرضية، وستمائة رأس حربي في عام 2023. ومن المثير للاهتمام أن عملية البيع تمت في السادس عشر من نوفمبر لعام 2023، أي بعد خمسة أشهر من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على نظام الصناعات الدفاعية السوداني.
إضافة إلى ذلك، كشف تقرير صحيفة واشنطن بوست عن تورط شركة «أركا للدفاع»، وهي شركة تركية أخرى لتصنيع الأسلحة، في اتصالات مكثفة مع الغوني حمدان دقلو موسى، وهو شخصية بارزة في قوات الدعم السريع، ومسؤول المشتريات الرئيسي فيها، وشقيق قائدها. غير أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت شركة أركا قد باعت أسلحة لقوات الدعم السريع، فقد نفت الشركة هذا الاحتمال.
حرب السودان الأهلية
اندلعت الحرب الأهلية السودانية في أبريل 2023 إثر تصاعد توترات بين فصيلين متنافسين هما القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي). كان الجنرالان الكبيران في البلاد حليفين أول الأمر في انقلاب عام 2021 الذي أطاح بالحكومة الانتقالية السودانية الناشئة المؤيدة للديمقراطية عقب الإطاحة بعمر البشير عام 2019. غير أنهما اختلفا حول كيفية دمج القوات شبه العسكرية في الجيش النظامي.
وتصاعدت الحرب في السودان وتحولت إلى كارثة إنسانية كبرى. وقد انتهت بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024 إلى أن كلا الجانبين ارتكبا «مجموعة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية»، منها الاغتصاب الجماعي والاعتقالات التعسفية والتعذيب. ويحتاج نصف الشعب السوداني إلى مساعدات إنسانية، إذ يواجه خمسة وعشرون مليون نسمة انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، في حين أن الولايات المتحدة تقدر أن الحرب أودت بحياة مائة وخمسين ألف شخص.
استمرت الحرب لمدة عامين، وذلك جزئيًا بسبب تدخل قوى خارجية. ففي حين أن مصر والمملكة العربية السعودية هما الداعمان الرئيسيان للقوات المسلحة السودانية، فإن الكثيرين يعزون النجاحات الأخيرة التي حققتها القوات المسلحة السودانية في ساحة المعركة إلى التزويد السري بالطائرات الإيرانية المسيرة. وفي الوقت نفسه، أصبحت الإمارات داعمًا رئيسيًا لقوات الدعم السريع، وهي خطوة بررتها باتهام القوات المسلحة السودانية بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين. وقد خلص تقرير لمرصد الصراع السوداني «بشكل شبه مؤكد» إلى أنه فيما بين يونيو 2023 ومايو 2024، انتقلت اثنتان وثلاثون رحلة جوية بشحنات من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، التي اتهمتها إدارة بايدن بارتكاب إبادة جماعية.
من دوافع تورط القوى العربية والأفريقية في حرب السودان السعي إلى الوصول إلى البحر الأحمر الاستراتيجي والسيطرة عليه. ففي فبراير 2025، أعلن وزيرا الخارجية الروسي والسوداني التوصل إلى اتفاق يسمح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورسودان.
لا يخفى على أحد أن أردوغان قد عمل على توسيع العلاقات العسكرية والدبلوماسية التركية في منطقة القرن الإفريقي. إذ تكمن المصلحة، بالنسبة لتركيا، في ترويج نفسها بوصفها قوة كبرى. وفي ديسمبر 2024، اتصل أردوغان بقائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعرض عليه «التدخل لحل النزاعات بين السودان والإمارات».
كما أن تركيا قد عززت حضورها في القارة الإفريقية من خلال ترسيخ وجود عسكري في الصومال وتوقيع اتفاقية للتنقيب عن اليورانيوم مع حكومة النيجر. وفي حالة الصومال، استثمرت أنقرة استثمارًا كثيفًا، إذ عرضت التدريب والمساعدة على الجيش الصومالي، وحصلت على حقوق التنقيب عن الهيدروكربون، وأقامت علاقة ودية مع دولة لها موقع استراتيجي على ممرات الشحن الحيوية في القرن الإفريقي. وفي حالة النيجر، يبدو أن أنقرة تستكشف خيارات الحصول على اليورانيوم سعيًا إلى إنشاء قدرات نووية. فلطالما حلم الرئيس أردوغان بأن تصبح تركيا مستقلة عن الغرب من حيث التزاماتها بالتحالف ومن حيث احتياجاتها من المشتريات العسكرية.
يشير تورط أنقرة في السودان إلى أن سياستها الخارجية تفتقر إلى أي قيم، وعزمها على تجاهل العقوبات التي تستهدف ردع استمرار إراقة الدماء. ولا ينبغي أن يكون أي من هذا مدهشا. فأردوغان يلعب على كلا الجانبين في الصراع الأوكراني. إذ يتظاهر، من ناحية، بالوفاء بمسؤوليات تركيا بوصفها عضوًا في حلف الناتو، فيغلق المضائق التركية أمام السفن الروسية. ومن ناحية أخرى، سمح للنظام المصرفي التركي بتحويل الأموال الروسية غير المشروعة التابعة لرجال بوتين من الأثرياء، وسمح للشركات التركية ببيع سلع مزدوجة الاستخدام للجيش الروسي، موفرًا بذلك دعمًا حيويًا لجهود بوتين الحربية غير القانونية.
وفي عام 2012، أسست مجموعة من الجنرالات العسكريين الأتراك، بقيادة عدنان تانريفيردي، المطرودين من الجيش التركي بسبب ميولهم الإسلامية في عام 1997، أول شركة عسكرية خاصة في تركيا، وهي شركة (بي إم سي) سادات. وتانريفيردي هو أحد المقربين لإردوجان. ومنذ تأسيس (بي إم سي) سادات، قدمت الشركة الأمن والتدريب العسكريين للمنظمات ذات التوجهات الإسلامية في ليبيا وأذربيجان وغرب أفريقيا وسوريا والعراق. وتتضمن مهمتها المعلنة الرغبة في تشكيل تحالف من الدول الإسلامية يحتل مكانه بين القوى العظمى في العالم.
وينبغي أن تنتبه الولايات المتحدة وأوروبا لهذا الأمر. فهناك إجماع متزايد في الغرب على أنه من أجل مواجهة التهديدات الروسية التوسعية تجاه أوروبا، فلا بد من منح تركيا مقعدًا على الطاولة، على أن يتضمن ذلك إعادة إطلاق عملية انضمام أنقرة المتعثرة إلى الاتحاد الأوروبي. وثمة قناعة لدى رئيس وزراء بولندا والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بأن أوروبا، التي تضم تركيا بقدراتها العسكرية الهائلة، هي وحدها القادرة على مواجهة التحديات الأمنية الوجودية التي يفرضها العدوان الروسي. لكن السؤال هو: ما الذي يجعلهما يعتقدان أن تركيا سوف تكون دعما لأوروبا ؟
سنان سيدي زميل أول غير مقيم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، حيث يشارك في (برنامج تركيا) التابع لها وفي (مركز القوة العسكرية والسياسية) (CMPP).
صوفيا إيبلي متدربة في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وطالبة في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون.
عن ذي ناشونال إنتريست