العارنوت… حراس الطبيعة
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
د. أحمد بن علي العمري
خلق الله سبحانه كل شيء بدقة وإتقان، ولكلٍّ دوره ومهمته المحددة في هذا الكون الواسع، ولم يكن جلَّ جلاله ليخلق شيئا عبثا، بل لسبب ومهمة مُكلَّف بها فلا شك أن كل ما نراه حولنا يسبح في هذا الفضاء الكبير بتدبير من رب العالمين، وقد يبين لنا لقصر نظرنا ومحدودية علمنا أنَّ هناك كائنات ضارة وخطرة تهددنا وتهدد من حولنا.
ولقد لاحظت في الآونة الأخيرة توجًّهًا إعلاميًّا، وربما بعض الحملات لمحاربة العارنوت، وهو الاسم المحلي للحشرات الصغيرة جداً التي تتواجد أينما تواجدت الأشجار الكثيفة. ورغم أن الدراسات حولها قليلة جدًّا وشحيحة، فهي تنشأ حول المياه وفي الغابات والأحراش وفي لحاء الأشجار والنباتات الرطبة، وهي لا تنقل الأمراض كما هي الحال في البعوض أو الزاعجة المصرية وغيرها من الحشرات.. إنها لا تتواجد في السهول أو الهضاب أو التلال أو القمم، وهي الأماكن التي يرتادها المتنزهون، لكنها تتواجد في بطون الأودية والأشجار الكثيفة والغابات، وكأنما رب العالمين سخرها لحماية هذه الأشجار والمعتدين عليها، وربما لولا تواجدها ودفاعها عن هذه الأشجار لزحفت السيارات إلى هذه الأشجار، ونعلم أنَّ إطارات السيارات تُغلق مسامات التربة الرطبة، مما يجعلها تنسد ولا تتنفس، وعليه يتعذر إعادة إنباتها للسنوات القادمة، وهذا هو التصحر بعينه، ونحن دائمًا نشكو ونتذمَّر من الزحف الصحراوي على الشريط الأخضر؛ سواء كان ذلك من جهة السهول أو من جهة القطن (منطقة ظل المطر)، والشريط الأخضر يتناقص عاما بعد عام بسبب التعدي البشري عليه.
فالعارنوت هذه تعتبر حراس الطبيعة، كما يحلو لي تسميتها دائمًا؛ حيث لا تعتدى على أحد، ولكن تدافع بما آتاها الله من قوة عند الهجوم عليها، كما توجد كريمات مصرَّح بها صحيًّا ومتوفرة في الصيدليات للحماية منها، وكذلك بعض الأساور الطاردة لها للذين يضطرون للذهاب لأماكن تواجدها كالباحثين والمصورين وهواة الطبيعة وغيرهم ، ويا حبَّذا لو دخلوا هذه الأشجار سيرًا على الأقدام وليس بالسيارات للمحافظة على التربة من الانسداد.
إنَّني من الناس الذين يؤمنون بضرورة الإبقاء عليها، وعدم محاربتها، ولنترك الطبيعة تجري بمجراها كما خلقها رب العالمين الذي جعل الطبيعه تتكامل وتتناغم في منظومة يعجز كل علماء الكون عن الإتيان بمثلها، علما بأنَّ كل الغابات في جميع أنحاء العالم توجد بها هذه الحشرات أو شبيهاتها لتقوم بدور الحماية والدفاع عنها.. وعليه فإنِّني أدعو الجهات المعنية والمختصة وذات العلاقه للنظر للطبيعة بمنظورها المبدع؛ فالعارنوت تدافع عن الطبيعة، فلنحافظ عليها حتى تحافظ لنا على أشجارنا وطبيعتنا في توازن بيئي محكم.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها...،
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مدير عام صون الطبيعة لـ"الرؤية": محمية أشجار الغاف تعزز جهود الحفاظ على التنوع الأحيائي وخلف فرص عمل للمواطنين
◄ إعادة تأهيل الموائل الطبيعية في البيئات البرية الصحراوية
◄ تعزيز جهود حماية تجمعات الأشجار والحيوانات البرية والزواحف
◄ العمل على إعادة توطين بعض الحيوانات التي تناقصات أعدادها
◄ قرار إنشاء المحمية يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي والأحيائي
◄ إنشاء مشاتل لإنتاج شتلات الغاف والنباتات المحلية الأخرى
◄ إطلاق برامج سياحية لجذب محبي الطبيعة والتخييم المستدام
◄ إشراك أفراد المجتمع في تقديم الخدمات السياحية مثل الإرشاد وبيع المنتجات التقليدية
الرؤية-ريم الحامدية
أكد المهندس سليمان الأخزمي مدير عام صون الطبيعة بهيئة البيئة، أن الهدف من إنشاء موقع محمي مؤقت في محافظة جنوب الشرقية باسم "محمية أشجار الغاف" على أن تكون مدة حماية المحمية 30 عامًا، هو حماية تجمعات أشجار الغاف في البيئات البرية والصحراوية، وحماية الأشجار والنباتات الأخرى مثل السدر والسمر والارطى وبعض النباتات الحولية والموسمية.
وأضاف- في تصريحات لـ"الرؤية"- أن قرار هيئة البيئة بإنشاء هذا الموقع يعزز من جهود حماية الحيوانات المنتشرة بالمحمية مثل الثعلب الأحمر والأرنب والقط البري والقنفذ والنمس، ومجموعة من الزواحف مثل الضب والرول، وأيضا بعض الطيور المهمة مثل الحجل العربي والرخمة المصرية وعقاب السهول وغيرها من الطيور، إلى جانب حماية الموائل الطبيعية المتعلقة بتلك البيئات البرية الصحراوية وإعادة تأهيل الموائل ومكافحة التصحر، بالإضافة إلى إعادة توطين بعض الأنواع التي تناقصت أعدادها مثل الغزال العربي.
وحول إسهام هذا القرار في تعزيز التنوع البيولوجي وحماية البيئة في المنطقة، أوضح مدير عام صون الطبيعة أن أحد اهداف إنشاء المحمية هو الحفاظ على القيم الطبيعية الرئيسية بالمحمية وهي أشجار الغاف، والتي تأتي على رأس الهرم الغذائي للأنواع الاحيائية، كما أنها الحاضن الرئيسي لعدد من الطيور والزواحف والثديات الصغيرة، مبينا: "خلال فترة الحماية سوف يتم البدء في عمليات استزراع أشجار ونباتات متنوعة وسيتم إعادة توطين أنواع أحيائية، ما يعزز من دور المحمية في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
وأكد الأخزمي أن هناك معايير رئيسية تم الاستناد إليها في مسألة تحديد الموقعين بالمحمية، وأهمها هو الجانب الطبيعي وتوفر الموائل، إذ تم الأخذ في الاعتبار المناطق التي تعرضت للتصحر بحيث سوف يتم التركيز على اعادة تأهيلها، كما تمت مراعاة التوسع الحضري والتخطيط للمستقبل، حتى لا يتعارض الموقعان مع الخطط الاستراتيجية للتوسع الحضري.
وبيّن مدير عام صون الطبيعة أن اشجار الغاف تعتبر من الأشجار السائدة في مناطق المحمية أو بمثابة "أيقونة المحمية"، كما أنها ذات طبيعة اقتصادية باعتبارها عنصرا رئيسيا للرعي في المنطقة، ولها دور في امتصاص وتخزين الكربون، مضيفا: "فيما يخص خطط الهيئة لتوسيع حماية أشجار الغاف في مناطق أخرى في السلطنة، فبموجب قانون المحميات الطبيعية وصون الأحياء الفطرية فإن حماية أشجار الغاف تعتبر أساسية في المحميات وخارجها، وأغلب المحميات بها أشجار الغاف وهي من العناصر الرئيسية في تلك المحميات".
وأكد مدير عام صون الطبيعة أن المجتمع بكافة شرائحه عنصر أساسي في إدارة المحميات الطبيعية وتحقيق أهدافها، ولذلك من الضروري إشراكه في عمليات الحماية وتوعيته حول الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وحماية مكونتاتها الطبيعية، مشيرا إلى أنه سيتم تنفيذ برامج رئيسية لإدارة المحمية مثل برنامج الصون وبرنامج الرقابة وبرنامج السياحة البيئية وبرنامج إعادة التأهيل، إلى جانب تدشين المبادريات والمشاريع التي تتطلب كادرا بشريا مؤهلا لتنفيذها.
وعن التحديات المتوقعة في حماية المحمية على المدى الطويل، بين الأخزمي أن هناك مجموعة من التحديات أبرزها التوسع العمراني والذي يتمثل في ازدياد النشاط السكاني والحضري، وهو ما قد يشكل ضغطا على حدود المحمية، وكذلك الرعي الجائر خاصة أن أشجار الغاف تُستخدم كعنصر رئيسي للرعي، وكذلك الأنشطة الاقتصادية غير المستدامة مثل الزراعة المكثفة والتي قد تؤدي إلى تدهور الموائل، وكذلك التغير المناخي الذي قد يؤثر على نمو الأشجار والنباتات الطبيعية، بالإضافة إلى التحديات الإدارية والمالية، لأن الحفاظ على المحمية يتطلب موارد مالية مستدامة.
وفي هذا الإطار، قال مدير عام صون الطبيعة: "إن التعامل مع الأنشطة البشرية أو الاقتصادية التي قد تؤثر على المحمية سيتم عبر عدة محاور، تشمل التوعية المجتمعية لتعريف السكان بأهمية المحمية وضرورة الحفاظ عليها، وفرض قوانين صارمة للحد من الأنشطة غير القانونية مثل الرعي الجائر وقطع الأشجار، كما سيتم إنشاء مناطق تقسيم لحماية المناطق الحساسة داخل المحمية ووضع مناطق عازلة تحيط بها لحمايتها من التأثيرات البشرية المباشرة، بالإضافة إلى إطلاق برامج بديلة تعزز دور السكان في تبني أنشطة اقتصادية مستدامة".
وأوضح أن الهيئة ستعمل على تنفيذ برامج تهدف إلى زيادة عدد أشجار الغاف وتعزيز نموها في المنطقة من خلال استزراع الأشجار لزيادة التغطية النباتية وإنشاء مشاتل متخصصة لإنتاج شتلات الغاف والنباتات المحلية الأخرى، كما سيتم التعاون مع أفراد المجتمع لتشجيع زراعة أشجار الغاف في المزارع والمناطق المحيطة، وإعادة تأهيل المناطق المتدهورة عبر زراعة أشجار الغاف والنباتات المساندة.
ولفت إلى أنه بعد انتهاء مدة الـ30 عامًا ستقوم الهيئة بإجراء تقييم شامل لتحديد نجاح أهداف المحمية، وإذا أظهرت النتائج أن البيئة والأنواع لاتزال بحاجة إلى الحماية، ستستمر الحماية مع العمل على تحويل المحمية إلى نموذج دائم يدمج في خطط التنمية المستدامة بالتعاون مع الشركاء لضمان تمويل طويل المدى ودعم إضافي للمحمية.
وعن تأثير إنشاء المحمية على الأنشطة الاقتصادية في المحافظة مثل الزراعة أو الرعي، أوضح: "سيؤثر ذلك بشكل إيجابي عبر تطوير فرص السياحة البيئية وتحسين الموارد الطبيعية مما يعزز الزراعة والرعي المستدامين، إلى جانب توفير فرص عمل للسكان، إذ سيتم تنظيم أنشطة الرعي والزراعة داخل حدود المحمية وتقليل الأنشطة الاقتصادية غير المستدامة".
وبشأن السياحة البيئية، قال إن المحمية ستتيح فرصًا سياحية مهمة حيث سيتم إنشاء مسارات مخصصة للزوار تتيح مشاهدة الطبيعة دون الإضرار بها، كما سيتم إطلاق برامج سياحية تعرف الزوار بأهمية المحمية مثل الجولات التعليمية وتنظيم فعاليات تشمل رحلات مراقبة الطيور والتخييم المستدام، وسيتم إشراك المجتمع في تقديم خدمات سياحية تشمل الإرشاد وتوفير المنتجات التقليدية، مما يعزز التنمية المستدامة في المنطقة.