◄ مبادئ الحكمة الصينية أسهمت في تقديم نموذج لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين مختلف الدول والشعوب

◄ الصين تُعلي مبدأي العدالة والإنصاف حتى لا تنتصر سياسة القوة على القانون وكي لا يتمكن صاحب العضلات من احتكار القرار الدولي

◄ العلاقات العمانية الصينية تشهد تطورا وتقدما مستمرا في مختلف المجالات أملا في تحقيق تطلعات الشعبين الصديقين

الدكتور خالد السعيدي *

قبل سبعين عاما، وتحديدا في الثامن والعشرين من يونيو عام 1954، وبعد أن عانى العالم من ويلات حربين عالميتين، أعلنت القيادة الصينية 5 مبادئ للتعايش السلمي بين مختلف شعوب العالم، والتي تهدف إلى العمل سويا لبناء مجتمعات مستقلة ومستقرة ومتعاونة، وتمثلت تلك المبادئ الخمسة في: الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، عدم الاعتداء، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، المساواة والمنفعة المتبادلة، التعايش السلمي.

ومنذ إعلان تلك المبادئ الخمسة في البيان المشترك الذي أصدره رئيس جمهورية الصين الشعبية، تشو إن لاي، ورئيس الوزراء الهندي، جواهر لال نهروا، عام 1954، تم اعتماد تلك المبادئ في العديد من الإعلانات والاتفاقات الدولية والإقليمية، وحظيت بقبول واسع كأعراف دولية للعلاقات بين الدول، كما إن تلك المبادئ مثلت روحا وجوهرا لمبادئ العشرة لمؤتمر "باندونغ" عام 1955، والذي ضم تجمع دول عدم الانحياز والدول حديثة الاستقلال، كما إن تلك المبادئ ساهمت على مدى السنوات التالية لإعلانها في تعزيز قوة السلام وتحقيق التطلع إلى الاستقلال والاعتماد على النفس، ومع مرور الزمن أصبحت تلك المبادئ تمثل المعيار الأساسي للعلاقات بين الدول وفقا لأحكام وقواعد القانون الدولي والأعراف القانونية الدولية.

وتتجلى الحكمة الصينية في تلك المبادئ التي ساهمت مُساهمة فاعلة في تقديم نموذج لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين مختلف الدول والشعوب، بغض النظر عن حجمها أو معتقداتها أو انتماءاتها الإثنية أو العرقية أو الدينية، فتلك المبادئ تمثل مقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وجوهرا لسيادة القانون الدولي وأساسا للعلاقات المتبادلة بين الدول القائمة على التعاون والتعايش والاحترام المتبادل وتبادل المنافع، بهدف تقدم البشرية وتوجيه الجهود نحو الاستقرار، بهدف التفرغ للإنتاج والبحث عما يسعد الإنسان ويحقق طموحه المشروع.

وفي 28 يونيو 2024، سعدت مع ممثلي أكثر من 100 دولة بالحضور والاستماع إلى كلمة فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، بمناسبة إحياء الذكرى السبعين لإعلان المبادئ الخمسة، حيث تضمنت تلك الكلمة العديد من المبادرات الإنسانية الهادفة إلى تعزيز العلاقات بين الدول والمجتمعات ومد جسور التعاون وتبادل المنافع ومنها: تقديم 1000 منحة دراسية سنوية في إطار منحة التفوق الدراسية للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، و100,000 منحة للدراسة والتدريب لدول الجنوب العالمي خلال الخمس سنوات المقبلة، وإطلاق برنامج رواد الشباب ومواصلة تفعيل دور صندوق الصين والأمم المتحدة للسلام والتنمية وصندوق التنمية العالمية.

كما تضمنت كلمة فخامة الرئيس الصيني رؤية شاملة لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول، من خلال دعوته إلى مشاركة الدول كافة بغض النظر عن حجمها أو ثروتها أو قوتها في بناء المستقبل، وأن تعمل يدا بيد على مواجهة التحديات وتحقيق الازدهار المشترك وبناء عالم نظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن العالمي والازدهار المشترك والانفتاح والشمول. كما دعا الرئيس الصيني كافة أطراف المجتمع الدولي إلى النظر إلى مستقبل البشرية ورفاهية الشعوب بعين الاعتبار، مشددا على التمسك بمبدأ المساواة والمنافع المتبادلة والتعايش السلمي، وإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية، وتنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، والتعاون في بناء الحزام والطريق بجودة عالية بما يزيد من المصالح المشتركة لشعوب العالم، مؤكدا: "إننا أمام مستقبل يستحق التطلع إليه، وتحديات يجب مواجهتها، نحن أمام خيار تاريخي بين السلام والحرب، وبين الازدهار والركود، وبين التضامن والمواجهة، نحتاج بشكل أكثر من أي وقت مضى إلى تكريس روح المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وبذل جهود دؤوبة لتحقيق الهدف السامي المتمثل في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية".

كما شدد الرئيس الصيني على أهمية الالتزام بمبدأ العدالة والإنصاف حتى لا تنتصر سياسة القوة على القانون، وحتى لا يتمكن صاحب العضلات من احتكار القرار الدولي ويصبح العالم بمثابة غابة يفترس فيها القوي الضعيف، مبينا أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال العودة إلى مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة وتعزيز مصداقيتها بدلاً من إضعافها والعمل على تحقيق مفهوم الحوكمة العالمية المتسمة بالتشاور والتعاون و النفع للجميع،  وتنفيذ تعددية الأطراف الحقيقية ومشاركة جميع الدول في صياغة القواعد الدولية للعلاقات بين الدول والحفاظ عليها.

وحول علاقة الصين مع كافة دول العالم، أكد فخامة الرئيس الصيني أن بلاده تسعى بنشاط إلى توسيع علاقات الشراكة العالمية المتسمة بالمساواة والانفتاح والتعاون، وتعمل على توسيع القواسم المشتركة للمصالح مع دول العالم، وأن تعزز التنسيق والتفاعل الإيجابي مع الدول الكبيرة، مع الدفع نحو تشكيل معادلة للعلاقات بين الدول تتميز بالتعايش السلمي والاستقرار العام والتنمية المتوازنة.

واختتم الرئيس الصيني كلمته بحكمة صينية لأحد رواد الثورة الصينية تقول: "طريق التاريخ ليس ممهدا بجميع أقسامه، وتكتنفه في بعض الأحيان صعوبات وعقبات لا يمكن تجاوزها إلا بالروح البطولية".

وباعتباري مواطنا عمانيا ينتمي إلى حضارة ضاربة في أعماق التاريخ، أتفهم وأقدر منطلقات الفلسفة والحكمة الصينية ذات الحضارة والتاريخ الممتد لآلاف السنين، إذ لم يسجل التاريخ قديما وحديثا أن جمهورية الصين الشعبية اعتدت على أي من جيرانها، كما أن الأسطول البحري الصيني الذي جاب المحيطات وزار العديد من الدول ومنها سلطنة عمان لأربع مرات قبل أكثر من 600 سنة بقيادة البحار الصيني المسلم، تشنج خه، حمل رسائل السلام والمحبة وسعى إلى تبادل المنافع من خلال تصدير البضائع الصينية واستيراد البضائع من الدول التي يزور موائنها، كما إن البحار العماني أبو عبدلله الصحاري الذي زار الصين قبل أكثر من 1200 عام على رأس أسطول عماني كان يحمل معه إلى جانب البضائع التجارية نموذجا للأخلاق العمانية الأصلية، حتى لقبه الامبراطور الصيني بسفير الأخلاق الحميدة، و يوجد له حتى الآن نصب تذكاري في مقاطعة جوانزو بمدينة كانتون الساحلية، كما يوجد للبحار الصيني نصب تذكاري بمحافظة ظفار بمنطقة الدهاريز.

وفي السنوات الأخيرة، تشهد العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان وجمهورية الصين الشعبية تطورًا ملحوظًا وتقدمًا مستمرًا في مختلف المجالات، سواء الصناعية أو التجارية أو الثقافية، أملا في تحقيق تطلعات الشعبين الصديقين.

ودائما ما تنظر الصين إلى سلطنة عمان باعتبارها شريكًا مهمًا في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، كما أن الصين تعد أكبر شريك تجاري لسلطنة عُمان وأكبر وجهة لتصدير النفط الخام، وأيضا اتسعت دائرة التعاون لتشمل مجالات التصنيع والتعدين والطاقة الجديدة والاتصالات عبر الأقمار الصناعية.

ويؤكد هذا التعاون والعلاقات القوية بين البلدين، ما تتمتع به سلطنة عمان من سياسة داعمة لجهود السلام والاستقرار في العالم كله، إلى جانب ما تميزت به من موقع فريد وجغرافية وثروات طبيعية متنوعة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي تساهم في جذب العديد من الاستثمارات خاصة في قطاع الطاقة النظيفة واللوجيستيات.

 

* رئيس مجلس إدارة جمعية الصداقة العمانية الصينية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دراما عن الغزو الصيني لتايوان تشعل مخاوف عالمية

طائرة حربية صينية تختفي بالقرب من تايوان، فترسل الصين أسراباً من الزوارق والمقاتلات، لفرض حصار على تايوان التي تستعد للحرب ويسود الذعر شوارع تايبه، هذه هي فكرة مسلسل Zero Day (اليوم صفر)، وهو دراما تلفزيونية تايوانية جديدة تتصور وقوع غزو صيني للجزيرة.

قضية حساسة

هذه هي فكرة مسلسل Zero Day (اليوم صفر)، وهو دراما تلفزيونية تايوانية جديدة تتصور وقوع غزو صيني للجزيرة.

وظل هذا الموضوع لسنوات عديدة حساساً للغاية بالنسبة للعديد من صناع الأفلام والبرامج التلفزيونية التايوانيين، الذين يخشون خسارة سوق الترفيه الصينية المربحة.

ولكن مع تصعيد الصين لتهديداتها العسكرية، بما في ذلك الحشد الكبير للقوات البحرية قبل أيام، والأنشطة العسكرية اليومية بالقرب من الجزيرة، فإن المسلسل المكون من 10 حلقات يهدف لمواجهة هذا الخوف من الغزو الصيني لتايوان.
وقالت تشنغ هسين مي، منتجة المسلسل: "كنا نعتقد أن هناك حرية في تايوان، ولكن في إنتاج الأفلام والتلفزيون، الصين تقيدنا على العديد من المستويات".
وتمتلك الصين، التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها رغم اعتراضات الحكومة في تايبه، سوقاً أكبر بكثير للسينما والتلفزيون، ويحظى الفنانون التايوانيون بشعبية كبيرة هناك، لأسباب كثيرة منها عوامل اللغة والثقافة المتشابهة.
لكن تشنغ قالت إن "المبدعين في تايوان الحرة والديمقراطية، مقيدين على نحو غير مباشر بالرقابة القوية التي تفرضها الدولة في بكين".

وتنتقد بكين بشكل منتظم الفنانين التايوانيين، الذين تعتبرهم ينتهكون الإيديولوجية السياسية للصين، وهددت بإدراج أولئك الذين لا يرغبون في التعاون في القائمة السوداء.
وقالت مصادر إن الصين ضغطت على فرقة روك تايوانية شهيرة، للإدلاء بتعليقات مؤيدة للصين قبل الانتخابات الرئاسية التايوانية، في وقت مبكر من هذا العام، ونفت بكين ممارسة ضغوط على الفرقة، في حين لم يرد مكتب شؤون تايوان في الصين على طلب للتعقيب.

التمويل 

وبالنسبة لطاقم عمل "اليوم صفر"، فإن طرح مثل هذا الموضوع الحساس يعني مواجهة صعوبات، بدءاً من التمويل واختيار الممثلين إلى العثور على أماكن للتصوير.
وقالت تشنغ إن أكثر من نصف طاقم عمل المسلسل طلبوا عدم الكشف عن هويتهم في قائمة طاقم العمل، كما انسحب بعض الأشخاص، بمن فيهم المخرج، في اللحظة الأخيرة، بسبب المخاوف من تعرض عملهم مستقبلاً في الصين للخطر أو بسبب المخاوف على سلامة عائلاتهم العاملة هناك.
المسلسل، الذي من المقرر أن يتم بثه عبر الإنترنت وعلى قنوات تلفزيونية لم يتم الإعلان عنها بعد في العام المقبل، يثير ضجة بالفعل في تايوان بعد أن تم نشر المقطع الدعائي الموسع على الإنترنت في يوليو (تموز).

مستقبل تايوان 

ويركز على العديد من التصورات التي قد تواجهها تايوان في الأيام التي تسبق الهجوم الصيني، بما في ذلك انهيار مالي عالمي، وتنشيط خلايا صينية نائمة، وذعر سكان يحاولون الفرار من الجزيرة.
وفي المقطع الدعائي للمسلسل، يقول الممثل الذي يجسد دور رئيس تايوان في خطاب عبر التلفزيون "بدون الحرية، تايوان ليست تايوان"، داعياً إلى الوحدة بعد إعلان الحرب على الصين.

ثم ينقطع البث المباشر بشكل مفاجئ، ويحل محله بث لمذيع على شاشة التلفزيون الصيني الرسمي يدعو التايوانيين إلى الاستسلام والإبلاغ عن "الناشطين المؤيدين للاستقلال المختبئين" للجنود الصينيين بعد هبوطهم في تايوان.

وقال ميلتون لين، وهو أحد سكان تايبه ويبلغ من العمر 75 عاماً، إنه يشعر بالامتنان لأن المسلسل التلفزيوني يسلط الضوء على التهديدات التي تشكلها الصين.

وأضاف "هذا يساعد التايوانيين على فهم أننا نواجه عدواً قوياً يحاول ضمناً، وكيف يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة مثل هذا الغزو".

Makers of Taiwan’s ‘Zero Day’ TV series set around invasion fear backlash from China – Reuters: ‘Cheng said more than half of the “Zero Day” crew asked to remain anonymous on the crew list, and some people including a director pulled out of the production’ https://t.co/sJMWHlSmEV

— Sense Hofstede (@sehof) December 23, 2024

مقالات مشابهة

  • هل تستطيع الصين قيادة التحول العالمي في مجال الطاقة؟
  • جامعة الدول العربية تعلن تجهيز 10 أطنان من الأدوية إلى فلسطين
  • وزير الأشغال يبحث مع السفير الصيني إعادة إعمار غزة
  • جامعة الدول العربية تعلن عن تجهيز 10 أطنان من الأدوية إلى فلسطين
  • دراما عن الغزو الصيني لتايوان تشعل مخاوف عالمية
  • داليا عبد الرحيم: التحول الديمقراطي السلمي في سوريا مرهون بإنهاء مخططات الهيمنة
  • نائب وزير المالية: تعزيز النمو المستدام فى إفريقيا يتطلب تضافر الجهود لخلق نظام مالى عالمي جديد أكثر عدالة وإنصافًا للبلدان النامية والناشئة
  • صبحي: تعزيز النمو المستدام بأفريقيا يتطلب تضافر الجهود لخلق نظام مالي عالمي جديد أكثر عدالة
  • الموقف الصيني من فلسطين وإسرائيل بعد 14 شهر على حرب غزة
  • في الـ71 من عمره وحطم أرقاما قياسية.. من هو نجم ألعاب القوة الصيني جين هوي؟