شمسان بوست / متابعات:
بات اكتشاف ثلاثة قبور بجنوب فرنسا مطلع عام 2016، دفن أصحابها على جانبهم الأيمن واتجهت رؤوسهم نحو مكة، من أهم الحفريات التي أكدت وصول المسلمين في وقت مبكر جدا إلى فرنسا.
خبراء يصفون الاكتشاف بأنه غير متوقع، مشيرين على أن هذه القبور الثلاثة التي عثر عليها في مدينة “نيم” بمنطقة “غارد” بجنوب فرنسا، هي قرائن أولى تدل على وجود مجتمعات إسلامية في جنوب فرنسا منذ بداية القرون الوسطى.
هذه القبور الثلاثة التي اكتشفت صدفة أثناء حفر أساسات لموقف سيارات تحت الأرض، تعد الآن الأقدم التي عثر عليها في هذا البلد.
بعض الخبراء يرجعون هذه القبور إلى القرن السابع والبعض الآخر إلى القرن الثامن الميلادي، والبعض يتحدث عن أن زمنها يعود إلى حقبة الخلفاء الراشدين والدولة الأموية.
القبور الثلاثة لرجال دفنوا وفقا للشريعة الإسلامية، لخلاف قبور أخرى مجاورة عثر عليها في المنطقة. وقد عثر داخل القبور الثلاثة الفريدة على هياكل عظمية في وضع استلقاء على الجانب الأيمن، فيما توجهت الرؤوس إلى الجنوب الشرقي نحو مكة.
الخبراء وجدوا أيضا أثارا تدل على أن أصحاب الهياكل العظمية الثلاثة كانوا يزاولون أعمالا عضلية لسنوات طويلة.
من التفاصيل المثيرة أيضا أن تحليل الكربون المشع أظهر أن البقايا البشرية التي تم العثور عليها في ضواحي مدينة ” نيم” الفرنسية تعود إلى القرنين السابع والثامن، فيما خلص علماء الأنثروبولوجيا الذين فحصوا العظام إلى أن القبور تعود إلى ذكور بالغين، وأن أحدهم كان يبلغ من العمر ما بين 20-29 عاما، والثاني ما فوق الـ 30 عاما، أما الثالث فعمره تجاوز الـ 50 عاما. خبراء رجحوا أن يكون الرجل الأكبر سنا قد عاش فترة في جنوب فرنسا.
علاوة على ذلك، يقول الخبراء إن تحليل الحمض النووي من جهة الأب والحمض النووي للميتوكوندريا التي تتوارث عبر الأم، أظهر بالمقارنة مع بيانات الحمض النووي المتوفرة لمختلف الشعوب، أن أصحاب القبور الثلاثة تعود أصولهم إلى الأمازيغ “البربر”، أو أنهم كانوا على صلة بسكان شمال إفريقيا الأصليين، وأنهم ربما قدموا مع الجيش الأموي من الأندلس.
تقول كاثرين ريتشارتي، وهي عالمة أثار متخصصة في الوجود الإسلامي في منطقة “بروفانس”، التي تقع جنوب فرنسا على المتوسط وتجاور إيطاليا: “هذه الساحة الإسلامية الصغيرة توجد داخل مكان دفن مسيحي، وهي نفسها محاطة بجدار روماني. لذلك ربما لم تكن هناك رغبة هنا لفصلهم عن القبور الأخرى”.
هذه العالمة تشدد على أن “هذه الاكتشافات تساهم في إثبات أن عالمنا هو عالم تعددي، مصنوع من الهجرات، وأن الاختلاط كان متواصلا منذ فجر التاريخ”.
عدم توقع مثل هذه القبور التي يعود تاريخها إلى ما بين القرنين السابع والثامن، مرجعه الاعتقاد بأن المد العربي الإسلامي توقف بنتيجة معركة “بلاط الشهداء” المعروفة في الغرب باسم “بواتييه” والتي دارت داخل فرنسا الحالية في أكتوبر عام 732 ميلادي. المعركة التي قادها من جانب الفرنجة الملك شارل مارتل، ومن جانب المسلمين عبد الرحمن الغافقي انتهت بهزيمة الجيش الأموي ومقتل قائده الغافقي.
في البداية توقع الخبراء أن القبور الإسلامية الثلاثة تعود إلى ما بعد القرن 12 ميلادية، وذلك لأنه سبق أن عثر في فرنسا في مدينتي مرسيليا ومونبلييه على قبور يعود تاريخها إلى القرنين 12 و13 ميلادية على التوالي، إلا أن المفاجأة أن التحاليل أثبتت أنها تعود إلى وقت أبكر بين القرنين السابع والثامن.
اللافت أيضا في القبور الإسلامية بجنوب فرنسا، أن رفات الثلاثة لا توجد عليه علامات على الموت العنيف، أي أن الرجال الثلاثة لم يقتلوا في معركة ولم يتم إعدامهم.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: هذه القبور علیها فی تعود إلى
إقرأ أيضاً:
الأخطاء الثلاثة بغزة وأوكرانيا: خذلان الإخوة وحسابات الجغرافيا وخطايا السياسة بين الأمم
لا يوجد ما يضع السلم الدولي اليوم على حافة الانفجار أخطر من تبعات الحرب في غزة وأوكرانيا، حربان للولايات المتحدة فيهما أيدٍ طويلة؛ في غزة لم تقصّر الأسلحة والذخائر الأمريكية في أن تكون آلة الإبادة الجماعية التي حصدت الأرواح وتسبّبت في شلالات من الدماء وتلال من الأشلاء، بينما في أوكرانيا كان لها دور حاسم في لجم التقدم الروسي وإسناد الجيش الأوكراني.
لكن تعامل ترامب الذي ملأ الدنيا ضجيجا وقلب العالم بتصريحاته ومواقفه الغريبة، مع الأطراف المنغمسة في الحربين وأيضا الدول القريبة المتأثرة بتداعياتهما، مختلف تماما، حتى وإن كان يبدو جادا في إيقافهما بينما يبحث له عن جائزة نوبل للسلام يوشّح بها صدره العاري من أيّ مأثرة إنسانية قد يتيه بها على أنداده.
وتختلف أيضا جدية ترامب كثيرا بين غزة وأوكرانيا، ففي حين يؤكّد في الأولى على خيار التهجير الذي سيفضي إلى زلزال في خريطة فلسطين المحتلة؛ لن تتغير معالم آثاره على الجغرافيا إلى الأبد، عدا عن كونه امتدادا لجريمة الإبادة، نجده في الجانب الآخر يضغط على الروس والأوكرانيين ليقبلوا بما قسمته بينهما فوهات البنادق من حدود على أرض الواقع وفي اللحظة الراهنة، مع انسحابٍ لروسيا من بعض الأراضي التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة وتنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها، دون أن يلتفتا إلى ما قبلها.
ما يهمّ ترامب في الحربين أكثر من توقفهما وإحلال السلام بدلا عنهما، هي تكاليفهما التي أثقلت كاهل الولايات المتحدة خاصة في أوكرانيا، فهو يريد أن تدفع أطرافهما والدول المتأثرة من تداعياتهما مقدَّمها ومؤخَّرها، دون أن يفوته أن يبحث عن مكاسب مادية ومعنوية يمكن لها أن تتأتّى من أدوار الوساطة التي يلعبها في إخماد الحربين
وما يهمّ ترامب في الحربين أكثر من توقفهما وإحلال السلام بدلا عنهما، هي تكاليفهما التي أثقلت كاهل الولايات المتحدة خاصة في أوكرانيا، فهو يريد أن تدفع أطرافهما والدول المتأثرة من تداعياتهما مقدَّمها ومؤخَّرها، دون أن يفوته أن يبحث عن مكاسب مادية ومعنوية يمكن لها أن تتأتّى من أدوار الوساطة التي يلعبها في إخماد الحربين.
وهذا ما جعله يقف في المزاد كبائع عقارات خبير بالمسائل التجارية يستخلص الحلول من مهنته القديمة؛ فيسعى إلى إخلاء غزة من سكانها وتحويلها إلى منتجع سياحي ضخم وفخم على الساحل الممتد وعينه على بحرها الزاخر بالغاز، بينما يفرض على زيلينسكي فكرة تبادل الأراضي مع روسيا وعينه الأخرى على ثروة أوكرانيا من المعادن النادرة التي بوسعها وحدها استرداد ما أنفقه بايدن من سلاح ودعم على كييف.
وكما يدفع ترامب بالأوروبيين لتحمّل تكلفة أمن دولهم مستقبلا بزيادة ميزانياتها العسكرية ورفع سقف التزاماتها المالية تجاه الناتو الذي يشكّك في جدواه وأهميته للولايات المتحدة، يتعهّد العرب من خلال خطتهم التي تبدو معدّلة لخطته بدفع تكاليف إعادة إعمار غزة، حتى دون أن يطلب منهم فعله فيما يبدو، وكل ذلك تجنبا لتداعيات طلبه الملحّ في تهجير سكان غزة على أمن دولهم.
قد تكون هذه الخطة البديلة حلّا ممكنا لحماية الأمن القومي لمصر والأردن، وحتى محاولة لوضع حدّ لأطماع توسعية قد تستند مستقبلا إلى إفراغ غزة والضفة للمستوطنين من أجل استيعاب كتلة ديمغرافية إسرائيلية في دول أخرى بالمنطقة، ولعلّ السعودية من ضمنها حتى وإن لم تكن من دول الطوق؛ إلا أن القرب الجغرافيّ لا يعفيها من تحمّل هذا النزق الإسرائيلي، وهذا فعلا ما جعل المملكة تقلب الطاولة على نتنياهو وتغيّر من خطابها الدبلوماسي مع إسرائيل وتتهمها صراحة بنيّتها المبيتة في التوسع بالمنطقة.
لكنّ هذا الموقف المتصلّب من أبرز دولة عربية في المنطقة لم يعكس حرص العرب على قضيتهم المركزية في مساندة الشعب الفلسطيني في غزة بالوقوف إلى جانبه في محنته، على الأقل من الناحية الإنسانية، بمزيد من الضغط على إسرائيل لتطبيق البروتوكول الإنساني؛ خاصة وأنّ إطلاق النار قد توقف، فما الذي ينتظره العرب كي يضغطوا على إسرائيل لتسمح بمرور قوافل الشاحنات المزدحمة عند بوابة معبر رفح؟
الشعور بالأهمية تعكسه شدّة الاهتمام وسرعة المبادرة لإيجاد الحلّ وإنفاذه، وأن ينعقد اجتماع رفيع بين الولايات المتحدة وروسيا في الرياض لوضع مسار تفاوضي للأزمة في أوكرانيا، قبل احتضانها لاجتماع آخر يجمع مصر والأردن ودول الخليج من أجل مناقشة خطة إعادة الإعمار دون تهجير
إنّ الشعور بالأهمية تعكسه شدّة الاهتمام وسرعة المبادرة لإيجاد الحلّ وإنفاذه، وأن ينعقد اجتماع رفيع بين الولايات المتحدة وروسيا في الرياض لوضع مسار تفاوضي للأزمة في أوكرانيا، قبل احتضانها لاجتماع آخر يجمع مصر والأردن ودول الخليج من أجل مناقشة خطة إعادة الإعمار دون تهجير، قد يعطي ذلك ملمحا واضحا عن الزاوية التي ينظر منها العرب إلى الأشياء، خاصة وأنهم قرروا تأجيل قمّة القاهرة المتأخرة أصلا عن الأحداث الملحّة في غزة!
وفي حين لا تلقى المقاومة في غزة أيّ التفاتة من الدول العربية الرئيسية ذات الثقل الجغرافي والديمغرافي والعسكري، يجد زيلينسكي مساحة واسعة بين الأوروبيين والأمريكان للمناورة والخروج سالما من مرمى التهم المتبادلة بينهما؛ حول من يتحمّل أكثر تكلفة الحرب على بلاده، ليقنع الأوائل بأن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من أوروبا وهي جديرة بتحمّل ضريبة الجغرافيا الأوراسية التي أخرجتها من يد أوروبا ووضعتها في فم روسيا، وليتملّص من ابتزازات ترامب له بأن يضع يديه على ثروات بلاده من المعادن النادرة في مقابل 350 مليار التي زعم أنّ إدارة سلفه بايدن ألقتها في فرن الآلة الحربية الأوكرانية، حتى يقنعه هو الآخر بأنّ أوكرانيا هي من الناحية الجيواستراتيجية خطّ الدفاع الأوّل في أيّ مواجهة محتملة جدّا بين روسيا وأمريكا.
وفي خلفية المشهد البانورامي المتناقض الممتدّ من المحيط المتجمّد شمالا إلى باب المندب جنوبا، يختفي العرب تماما ولا تلفت انتباههم صيحات الثكالى وصراخ اليتامى في غزة، ولا يجتمعوا إلا إذا كثر لغط ترامب واحتدّ صخبه، أفلا يحتاج تردّدهم هذا إلى عزيمة تُصلح فساد رأيهم المخيّب لآمال شعوبهم؟!