يمانيون/ كتابات/ عبدالعزيز ابوطالب
في مناسبة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة (1446هـ) التي ينظر إليها المسلمون كنقطة تحوّل نحو النور والنجاح أطل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي وفي كنانته الكثير من الرسائل الداخلية والخارجية، وفي خطابه وضع النقاط على الحروف التي شكلت عبارة “اليمن يستطيع”.
حضر الأنصار في ثنايا الخطاب كأسوة في الإيمان والإيثار منذ أن فتحوا ديارهم لإخوانهم المهاجرين استشعاراً منهم للمسؤولية الإسلامية نحو نصرة الدين، وختمها الأحفاد الذين آثروا نصرة فلسطين على معاناتهم وجراحهم وبذلوا في سبيل ذلك المال والأنفس جهاداً في البحر والسماء.
تجلت مظاهر الإيثار في تقديم قضية فلسطين كأولوية على قضيتهم وقبلوا بمشاركة إخوانهم في غزة في الحصار وتقديم الشهداء والجرحى، وإن تساءلوا عن مصير التغييرات التي يأملون من خلالها إصلاح أوضاعهم وتصحيح مسار عمل مؤسساتهم إلا أنهم كانوا على وعي الأنصار السابقين في ترتيب الأولويات على حساب المصالح الشخصية.
جاء الرد على تلك التساؤلات من سيد القول والفعل موضحاً أسباب ذلك التأخير والذي باعتقادنا أن مثل هذه التغييرات الجذرية لابد أن تدرس بعناية وتستغرق وقتاً ربما أطول في غير ظروف معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، فثمة ثلاثة مسارات استراتيجية ظل السيد القائد يعتني بها دراسة وإعداداً ومراجعة أولها إعادة النظر في الهيكلية وتلك مهمة ليست باليسيرة، الثاني النظر في ملف التعيينات الذي ضم في سجلاته آلاف الأسماء وما يلزمها من فحص وتقدير لاختيار الأنسب والأصلح، الثالث معالجة بيئة العمل الحكومي الذي وصفه بالملغم، وبالتأكيد فإن ما ذكره السيد عن الخلية التجسسية المعلن عنها ووعد بكشف خلايا أُخَر؛ أن ذلك من ضمن آليات الإعداد للتغييرات الجذرية لتوفير البيئة المساعدة لنجاح مهمة المسؤول وفاعلية الهيكل الجديد.
رسالة تحذيرية للنظام السعودي من سعي الأمريكي لتوريطه باتخاذ إجراءات عدائية بحق الشعب اليمني استجابة لأوامره وخدمة للكيان الصهيوني بعد فشل تحالف الشر الأمريكي البريطاني في الوقف أو الحد من العمليات اليمنية المساندة التي أجبرت قطعه العسكرية البحرية على الهرب من مياه البحر الأحمر، مؤكداً أن نجاح القوات اليمنية إنما كان بتأييد إلهي لو كُشِفَ للناس ما استوعبوا ذلك التأييد، إلا أنه يدل على تحقق وعد الله سبحانه وتعالى لعباده بالنصر: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”،
وفي لهجة غير مسبوقة وعبارات حادة حذر السيد القائد النظام السعودي من أن اليمن الأن سيفرض معادلات جديدة في الرد على الإجراءات العدائية في المجال الاقتصادي وحصار المطار أو الميناء، فمن الآن أصبحت المعادلة واضحة: البنك بالبنك والمطار بالمطار والموانئ بالميناء، مذكراً النظام الأحمق ألا يعول على الأمريكي الذي فشل في حماية حاملة طائرات وفرقاطاته.
المنتظر الآن أن تقرأ تلك الرسائل بشكل جاد وإلا فإن عواقب الخطأ سيكون على حساب أمنه واستقراره واقتصاده، فقد أكد السيد القائد أنه لن يكون مقبولاُ أن يحاصر الشعب اليمني ويستهدف اقتصاده حتى الانهيار بينما ينعم المعتدي بالأمن والاستقرار، وهو يعلم جيداً أن يد اليمن قد طالت حيفا بينما جدة وينبع أقرب وأقل كلفة، والشعب لن يكون خائفاً من تدهور الأوضاع إلى الأسوأ أو حدوث المشكلات فهو في معاناة مستمرة من هذا النظام الغاشم منذ تسع سنوات، وإذا كان لابد من خيار شمشون فلا مانع من تنفيذه ولكن أعمدة المعبد ستصيب فقط رأس النظام السعودي لأنه لم يعد لليمن أعمدة لتهدم.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السید القائد
إقرأ أيضاً:
حرب السَّفاهة والسُّفَهاء
الحربُ، حين تُدارُ بأطرافٍ عسكريّةٍ محليّة، وتُخلِّف وراءها الفوضى والخراب، تُشكِّل بلا شكٍّ لحظةً من لحظاتِ الانحطاطِ الكبرى في تجاربِ الشعوب. لكنّ حربنا هذه – كما تثبت الأيام يومًا بعد يوم – ليست مجرّد حربِ انحطاط، بل هي أيضًا حربُ سفاهة، يقودها سُفَهاء، أبت الحركة الإسلامويّة بشقّيها إلّا أن تُقدِّمها لنا كعرضٍ صارخٍ لتدنّي خِدماتها الأخلاقيّة والثقافيّة.
لقد كشفت هذه الحرب، وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، عن خروقاتٍ أخلاقيّةٍ غير مسبوقة. فمن تنامي ظاهرة من يُطلَق عليهنّ "القونات"، وما يُقابلها من رجالٍ يَتباهَون بالتماهي مع أنماط سلوكيّة مخنّثة وسوقيّة، إلى مشاهد للسكر والعري، تُبثّ بلا رقابة ولا وازع، وصولًا إلى القمّة: رأس المؤسسة العسكريّة، الذي ظهر على العلن يَكيل السبابَ والشتائم لقادة "الحرية والتغيير"، وغيرهم، بعباراتٍ نابيةٍ، لم تقتصر على اللغة المنطوقة، بل شملت أيضًا لغةَ الجسد، في انحدار غير مسبوق لهيبة القيادة العسكريّة.
بالأمس القريب، تجاوزنا عتبةً أخرى في هذا التدهور، عندما رأينا القائد العام للجيش، في مدينة الدندر، يُعانق أحد رموز الصفاقة والسفاهة الإعلاميّة – شخصًا اشتهر بعباراته المنحطّة وأسلوبه المستفز – ويقول له ضاحكًا: *"أنا أوّل ما وصلت، قلت ليهم شوفوا لي حماد ده!"*
لم يسأل القائد " الهمام " عن مقابر جنوده المدفونين هناك او عن اسرهم لتعزية افرادها المكلومين، بل عن اشهر سفيه في المنطقة لكى يسمعه ما وراء الكاميرات عباراته البذيئة.
لقد كان من الطبيعي، بل من الواجب القانوني والأخلاقي، أن يأمر سيادة القائد العام باعتقال حماد عبد الله – هكذا اسمه- لما صدر عنه من سبّ علني وإساءة للذوق العام، حتى لو كانت موجّهة لخصوم سياسيين وعسكريين كالـ"دعم السريع". فالقانون لا يُفصَّل على مقاس الولاءات، بل يُطبَّق على الجميع دون تمييز. لكن ما حدث كان العكس تمامًا: احتفاء، وربما تكريم، وإكراميّات تُقدَّم في الخفاء.
إنّ ما تفعله هذه القيادات ليس فقط تجاوزًا للقيم، بل تدميرٌ صريح لصورة القيادة نفسها. أولئك الذين سلّطتهم علينا الحركة الإسلامويّة، ما كان لهم أن يتجاهلوا حقوق هذا الشعب، وأهمّها: الأمن، والسلام، والكرامة. لكنّهم، عوضًا عن صون هذه الواجبات، تجاوزوها إلى ما هو أسوأ: نشرُ الفُجور، والترويجُ للرزيلة، وتطبيعُ السفاهة، دون أدنى حياء، أو خجل، أو إحساس بالمسؤولية عن التأثير العميق على الأجيال الناشئة.
هذه – بلا شك – ليست حربًا عسكريّة فقط، بل حربُ انهيارٍ أخلاقيّ، حربُ غياب القدوة، وضياع الحكماء، وتقدّم الفُجّار على المنابر، يُشكّلون الذوق العام، ويصوغون سلوك المجتمع بأسوأ النماذج. وهي، في غيّها هذا، لا تهدّد الحاضر فحسب، بل تنذرُ بخطرٍ عظيم على المستقبل: خطر الفساد الخُلقيّ الذي يهدّ أركان البلاد من الداخل، ويجعلها مستباحة لكلّ رياح الفوضى والانهيار.
ما يجب أن يكون عليه القادة:
في الأوقات العصيبة، تتعلّق أعين الشعوب بقادتها، لا لتسمع خطبهم فحسب، بل لترى فيهم القدوة. القائد السياسي أو العسكري ليس مجرّد مُنفِّذ للقرارات أو متحدِّث باسم الدولة، بل هو رمزٌ للقيم العليا: الانضباط، الترفّع، النزاهة، السموّ في اللفظ والسلوك. عليه أن يُمثّل كرامة الدولة لا أن يهدمها، أن يُربّي الأجيال لا أن يُفسدهم، أن يكون حارسًا للوعي، لا تاجرًا في سوق الابتذال.
القيادة مسؤولية أخلاقيّة قبل أن تكون منصبًا. وحين يفقد القائد اتزانه الأخلاقي، ينفرط عقد المجتمع، وتُكسر هيبة الدولة، ويُفتَح الباب واسعًا أمام كل من هبّ ودبّ ليعتلي المشهد ، فيَسُبَّ ويَلعَنَ كما يَشاء.
wagdik@yahoo.com