أصدرت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة مجموعة جديدة من الكتب الثقافية المترجمة التي تلقي الضوء على معارف أدبية وتاريخية وعلمية متنوعة..

 

التمثيل الضوئي والتنفس وتغير المناخ

 

 ومن بين هذه الكتب التي أصدرتها مؤخرا ضمن برنامج النشر العلمي بالمكتبة، كتاب: ( التمثيل الضوئي والتنفس وتغير المناخ) من تحرير : كاتي بيكلين، وجوي ك.

وارد، وجوي أ. واي ، وهم من أساتذة قسم الأحياء وقسم علوم البيئة والمناخ بعدة جامعات أمريكية وكندية، وقام على ترجمته د. عبدالرحمن بن عبدالله العطر، ود. إسلام محمد عبدالسلام. 

يتضمن الكتاب خمسة أجزاء، وأحد عشر فصلا ، ويقع في (714) صفحة ، يتناول فيها مؤلفو الكتاب : التطورات في مجال التمثيل الضوئي والتنفس بما في ذلك الطاقة الحيوية والعمليات ذات الصلة، ويرى هؤلاء الخبراء أننا نحتاج إلى أن نكون قادرين على التنبؤ بكيفية تأثير التغيرات العالمية في المناخ والظروف الجوية في النباتات، لأننا نعتمد على النباتات، ليس فقط في الهواء الذي نتنفس، ولكن أيضا لخدمات النظام البيئي والغذاء والوقود والألياف. 
ويتناول الكتاب كذلك استجابات تدفق الكربون في الورقة لتغير المناخ ، والاستجابات على مستوى الأوراق لتغير المناخ، وتوصيل ثاني أكسيد الكربون عبر الانتشار في النسيج الأوسط للورقة في ظل سيناريو تغير المناخ، وتأقلم التمثيل الضوئي مع درجة الحرارة وثاني أكسيد الكربون، واستجابة الشعيرات الورقية للارتفاع المستقبلي لتركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، واستجابات مستويات السكان والمجتمع للتمثيل الضوئي والتنفس لتغير المناخ وغيرها من الموضوعات العلمية التي تتعلق بهذا المجال. 
وقد سعت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة إلى ترجمة هذا الكتاب ونشره اتساقًا مع رؤية المملكة 2030 وتطلعاتها نحو المساهم الفاعلة في الجهود العالمية المبذولة للتصدي للتغير المناخي، وتسارع رحلة المملكة العربية السعودية للتحول إلى الطاقة النظيفة للوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060م

ثقافة القهوة 


كما أصدرت المكتبة كتاب : ( ثقافة القهوة: التجارب المحلية ، الروابط العالمية )  من تأليف كاثرين .إم. تاكر  Catherine M. Tucker      
Coffee  Culture : Local Experiences, Global Connections ، و من ترجمة: د. ليلى بنت عبدالرحمن العكرش.
يستكشف الكتاب عالم  القهوة من خلال سبعة مجالات: القهوة لكونها سلعة رئيسية ترتبط بحياة ملايين الناس، ومنتجًا له تاريخ مثير، ومشروبًا متعدد المعاني والاستخدامات ( منشطًا، طعامًا يمنح الراحة، إدمانًا، نكهة، مزيجًا) ومصدرًا محفزًا على الفكاهة والنقد الثقافي ، ومحصولًا يمكن أن يساعد في حماية التنوع البيولوجي، وهو في الوقت نفسه قد يهدد البيئة، وخطرًا على الصحة وغذاءً صحيًّا، ومحورًا لجهود التجارة البديلة، ويقدم هذا الكتاب القهوة بوصفها سلعة تربط العالم بعضه ببعض، من منتجي القهوة وقاطفيها الذين يعتنون بالمزارع في الدول الاستوائية، إلى الوسطاء ومجهزي القهوة، ثم إلى المستهلكين الذين يشربون القهوة من دون الحاجة إلى التفكير إطلاقًا في كيفية وصول المشروب إلى أيديهم. 
يقع الكتاب في (256) صفحة، ويتضمن أربعة أجزاء ، جاء الجزء الأول بعنوان : ثقافة القهوة والحياة الاجتماعية والتاريخ العالمي، والثاني: التقدير والكراهية : الجدل حول القهوة عبر العصور، والثالث: إنتاج القهوة ومعالجتها، والرابع: الأسواق ونظام العالم الحديث. 


ويروى الكتاب قصة القهوة بوصفها سلعة قيمة تأتي في المرتبة الثانية ضمن السلع الأكثر قيمة في البيع والشراء بعد النفط ، وقصتها أيضا بوصفها مشروبًا يعشقه كثير من الناس على مستوى العالم. 
تكتب المؤلفة في مقدمة كتابها :"  إن شرب القهوة هو الخطوة الأخيرة في سلسلة تربطنا بالمزارعين الذين ينتجونها في الدول الاستوائية" وكثير منا لا يعرف القهوة إلا في خطوتها الأخيرة، وتعود بنا المؤلفة في هذه الدراسة الأنثروبولوجية إلى بداية هذه السلسلة في رحلة نكتشف فيها المراحل التي مر بها فنجان القهوة، منذ أن كانت حبات القهوة بذرة حتى وصلت إلى أيدينا، فتسلط الضوء على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية والسياسية لإنتاج واستهلاك القهوة. 
ويتضمن الكتاب مجموعة من العناوين هي : الثقافة والكافيين والمقاهي، ونظريات الطعام والمعاني الاجتماعية للقهوة، وثقافة القهوة والتاريخ والإعلام في عالم كوكا-كولا، وتتبع روابط القهوة، والقهوة وصعود النظام العالمي والقهوة والثورة الصناعية والانضباط الجسدي ، وغيرها من العناوين.كما يتضمن مجموعة من الرسوم التوضيحية والأشكال والصور والجداول المبثوثة عبر صفحات الكتاب.

سعادة الخيل

ويتناول كتاب : ( سعادةُ الإنسانِ مع الخيلِ ) من تأليف : إلمار شنتسر الذي ترجمه عن الألمانية : عبدالله مجير العمري علاقة الإنسان مع الخيل، من خلال سيرة إلمار شنتسر مع الخيول، وكيف تعلم الشعور والإحساس بالخيل والتعامل معها وفهم لغتها، حيث نشأت بينه وبين الحصان علاقة عميقة أفضت إلى سعادة داخلية .
وتتصدر الكتاب هذه العبارة:" إن الحصان هو الأخ الروحي للإنسان، لكن السؤال هو: كم يحتاج الإنسان من الحصان، وكم يحتاج الحصان من الإنسان ليصبحا شيئًا واحدًا؟"
ويحدد المؤلف مجالات هذه الاحتياجات في كتابه الذي أصبح الأكثر مبيعا في ألمانيا، من خلال (21) فصلا في (136) صفحة،  كُتبت بأسلوب أدبي شائق، ويبرز المؤلف فيها وجود مليون حصان في الإصطبلات الألمانية، تمنح السعادة – على حد تعبيره – لأكثر من خمسة ملايين فرد، وقد غدا الحصان الحيوان المنزلي المفضل، كما غدا هدفا لأكبر نزهة روحية في هذه الألفية الصغرى. 
ويذهب المؤلف إلى رصد العلاقة القديمة بين الإنسان والخيول، ثم يتتبع حضور الخيول في الأفلام والتليفزيون والكتب، وأنها مثال للفضيلة والعظمة، والنبل والشجاعة والولاء.
ويحكي المؤلف تجربته مع خمسة أحصنة ، ويصفها بتعبيرات أدبية عبر فصول الكتاب حيث يصدّر كل فصل من فصول كتابه بعبارة من هرمان هسه و فرد أمون و كونفوشيوس، و مارك أوريل وجوته وغيرهم أو بعدد من الأمثال الشعبية والحكم من مثل: من لديه آلام لا ينبغي له الانشغال بالسخرية، صبرا، فمع الوقت ينبت الحليب من العشب، لولا رماد المناجم ما عرفنا الألماس، وتبدأ السعادة حين يتحقق الطموح وقد اتخذ المؤلف هذه العبارات عناوين لفصوله التي يتناول فيها علاقته مع الخيول.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مكتبة الملك عبدالعزيز ف أدبية سعادة الخيل التمثيل الضوئي تغير المناخ برنامج النشر العلمي التمثیل الضوئی

إقرأ أيضاً:

استعراضان لكتاب “مصر والصراع على السلطة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الناصرية”

Two reviews of the book “Egypt and the Struggle for Power from World War two to Nasserism"

ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم: هذه ترجمة استعراضين لكتاب عنوانه "مصر والصراع على السلطة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الناصرية" من تأليف رامي قينت، الذي يعمل أستاذاً في قسم الدراسات السياسية في جامعة بار إيلان Bar- Ilan. والمؤلف متخصص في التاريخ المصري وسياسات الحرب الباردة في الشرق الأوسط، بعد أن نال درجة الدكتوراه من مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة لندن عام 1991م. وسبق أن نشر الرجل في عام 2011م كتاباً بعنوان "تاريخ الشيوعية المصرية".
أما الاستعراض الأول لهذا الكتاب فهو بقلم الأمريكي براين بيترسون Brian Peterson، الأستاذ المشارك بقسم التاريخ في كلية يونين (Union College) التي أُنْشِئَتْ عام 1795م. وتتركز أبحاث الكاتب كما ورد بصفحته في موقع كليته على "الكلولونيالية وفترات الحرب الباردة، مع اهتمامات خاصة بالسياسة، والثورات، والتغيير الديني، والإسلام، والتاريخ البيئي، وتاريخ النوع الاجتماعي، والهجرة". https://shorturl.at/TZOpw .نًشر الاستعراض عام 2019م في العدد الرابع من المجلد رقم 124 لمجلة The American Historical Review في صفحتي 1557 – 1558.
وكاتب الاستعراض الثاني هو بروفيسور بيتر وودوارد (Peter Woodward)، وقد نشره عام 2018م في العدد الأول من المجلد رقم 72 من مجلة الشرق الأوسط The Middle East Journal، صفحتي 153 - 154. ويعمل بروفسيور وودوارد أستاذا للعلوم السياسية بجامعة ريدنق البريطانية، وله اهتمام بحثي بالشأن السوداني والإفريقي والعربي، ونشر الكثير من المقالات والكتب عن السودان من أهمها "الحكم الثنائي والوطنية السودانية" و"السودان 1898 – 1989م". وسبق للرجل العمل في السودان بين عامي 1966 – 1967م مدرساً للغة الإنجليزية بمدرسة كوستي الثانوية (حيث كان مشجعا ولاعبا بمريخ كوستى!)، ثم محاضرا بقسم العلوم السياسية في جامعة الخرطوم حتى عام 1971م، حين غادرها للتحضير لدرجة الدكتوراه في جامعة ردينق، التي عمل بها لسنوات طويلة، خلا فترات قليلة في جامعات ديربان وناتال والجامعة الأمريكية بالقاهرة. وعمل أيضا في السنوات الأخيرة مستشارا لعدد من الحكومات (ومنها الحكومة البريطانية) في الشأن السوداني.
المترجم
********** ******** *************
الاستعراض الأول بقلم دكتور براين بيترسون
في بداية دراسته المعنونة:"مصر والصراع على السلطة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الناصرية" يطرح رامي جنات سؤالاً هو: لماذا كانت مصر مصممة على التمسك بالسيطرة على جارها السودان؟ يقدم قينت في كتابه الرائع إجابة دقيقة ومقنعة لهذا السؤال وغيره، ويتناول تيارين متناقضين: "نضال مصر من أجل الدفع بشعار وحدة وادي النيل، وزوال ذلك الشعار نفسه، وتحطم ذلك الحلم الوطني الذي وجد إجماعاً عاماً من الشعب المصري فيما بعد". ويظهر قينت بشكل موثوق أن ذلك الشعار كان قد جمع بين كل المصريين من ذوي التوجهات السياسية المختلفة، الذين يعتبرون السودان جزءًا أساسياً من وطنهم، وهو جزء له قيمة كبيرة نسبةً لموارده الطبيعية ورمزيته. وحتى عندما كان المصريون يناضلون من أجل طرد الإمبريالية البريطانية من المنطقة، كانوا يأملون في أن يفعلوا ذلك وهم يطالبون – في ذات الوقت - بأن يكون سكان السودان تحت سلطة التاج المصري (للملك فاروق)، ويؤكدون بذلك هيمنتهم على السودان. لقد تناولت هذه الدراسة الواضحة البيان والسهلة الفهم الوضع المتفرد للسودان في تاريخ الإمبريالية، "بحسبانه بلداً وقع – في وقت واحد - في إِسار قوتين إمبرياليتين (مصر وبريطانيا)، الأولى قوة إقليمية، والثانية قوة عالمية، وذلك من عام 1899 إلى 1956م، وكونه قطر مقسم داخليا إلى شمال وجنوب".
وأنصب التركيز الأساسي في الكتاب على الفترة بين عامي 1943 و1953م، إلا أن المؤلف وضع دراسته هذه في السياق التاريخي الأطول والأوسع للإمبريالية، موضحاً كيف أن الإمبريالية البريطانية كانت قد زُرعت / طُعمت (grafted) على إمبراطورية داخلية مصرية كانت موجدة أصلاً. وكان ما سُمِّيَ بـ "الحكم الثنائي" قد أُسِّسَ على نفس النظام التوسعي لمحمد علي الذي غزا السودان في عامي 1820 و1821م، وبدأ بذلك الإمبريالية المصرية في السودان. وبعد سقوط حكم المهدية في السودان (1885 – 1898م)، أعادت القوات المصرية والبريطانية حكمه باتفاقية "الحكم الثنائي" الموقعة في 1899م، وظل ذلك الترتيب قائماً حتى يناير 1956م. ومن المهم أن نذكر أن مصر قامت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بمحاولة جديدة لإحياء دعوتها القديمة للسيطرة على السودان، بل تقدمت بها لمجلس الأمن في عام 1947، ولم تفلح في دعواها. وفي ذات الوقت، عملت بريطانيا على تقويض تلك الدعاوى المصرية عن طريق تشجيع قيام حركة وطنية وحكم ذاتي للسودان. وعقب انقلاب عبد الناصر عام 1952م، هدف الضباط الأحرار إلى "إزالة رموز العهد الملكي وآثاره – التي كان من بينها شعار "وحدة وادي النيل"، وتبنوا في نهاية المطاف حق السودانيين في تقرير مستقبلهم.
لقد نُشِرَتْ من قبل الكثير من الدراسات حول العلاقات البريطانية – المصرية في تلك الفترة، غير أن كتاب رامي قينت أضاف الكثير من العمق والتفاصيل الدقيقة المعقدة إلى تلك الأدبيات المنشورة سلفاً. فالمؤلف يروي قصة جذابة ومقنعة ومتعددة الطبقات، ويلفت النظر إلى "الطرق والتكتيكات والحجج التي استخدمها الساسة والمثقفون المصريون على المستويات الدبلوماسية والدعائية لتسويغ دعوتهم لوحدة وادي النيل، ولإقناع المجتمع الدولي لمؤازرته وتحقيق مطلبهم". وأعتمد المؤلف في هذا الكتاب - بصورة رائعة وغَيْر مَألُوفة - على ثروة هائلة من المصادر الأولية من المحفوظات (الأرشيفات) الموجودة في مصر وبريطانيا وهولندا والهند والولايات المتحدة وروسيا. وبالإضافة لكل تلك الوثائق، أَطْلَعَ المؤلف على عدد ضخم من الصحف والمجلات والمطبوعات العربية. وستمكن تلك المصادر العربية الغنية القارئ (الذي ليس له عادةً إمكانية الاطِّلاع على مثل هذه المصادر) من الدخول إلى عالم الساسة والمثقفين المصريين"، ذلك العالم الذي يتسم بالتعقيد وسرعة التحول عبر الأطياف السياسية.
وفي الواقع، فإن ما تتميز به دراسة رامي قينت هذه هو تحليلها المتقن للمشهد الأوسع الثقافي المصري بكل أطيافه (من الشيوعين المصريين الى الوطنيين اليمينيين والمجموعات الإسلامية مثل جماعة "مصر الفتاة" (https://shorturl.at/W2nVA) وحركة الإخوان المسلمين، والدستوريين الأحرار، والمثقفين المحايدين) في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتحليلها الشامل للعلاقات المتغيرة بين الانتلجنسيا والدولة. ويغطي تحليل الكاتب للوحدات الخطابية (discursive unities) في مجموعة من الممارسات المعرفية، بدءًا من الدراسات الاقتصادية والجغرافية وحتى الحسابات التاريخية والإثنوغرافية. وقد شكلت تلك الأعمال الأساس النظري للمصريين الذين ظلوا ينادون بـ "وحدة وادي النيل". وعلى الرغم من أن المؤلف يؤكد على الاستمرارية (continuities)، إلا أنه يستكشف أيضاً الاختلافات الأيديولوجية العميقة والمناقشات داخل تلك المجموعات المختلفة، وكيف تغير الفكر السياسي فيها مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال قبل الشيوعيون المصريون في البدء (بحكم علاقتهم بالأممية الشيوعية "الكومنترن"، والمعروفة أيضاً باسم الأممية الثالثة) بنموذج paradigm مصر الجغرافي السائد لـ "وحدة وادي النيل"، باعتباره نموذجاً مناوئاً للإمبريالية البريطانية. غير أنهم غيروا موقفهم في سنوات الأربعينيات وساندوا السودانيين في مطلبهم لنيل حق تقرير المصير، وكان ذلك موقفاً يخالف "الموقف المصري الوطني العام". وتناول المؤلف أيضاً آراء السودانيين الذين تخيلوا "قيام أمة سودان مستقلة ..."، مستشهدا بعبارات إبراهيم أحمد رئيس مؤتمر الخريجيين العام. وكانت مجهودات السودانيين تلك قد لقيت عوناً سياسياً كبيراً من البريطانيين، خاصة في مشروعهم المتعلق بسودنة الوظائف والبيروقراطية والنظام التعليمي. وأفضت تلك السياسات البريطانية لنشوء الحركة الوطنية بالسودان (صفحات 129 – 133 في الكتاب). وفي النهاية، وعقب انقلاب الضباط الأحرار في مصر، وما صاحب ذلك من حركات اجتماعية عند التنظيمات اليمينية واليسارية المصرية، تبنى عبد الناصر ورفاقه ما كان يُعد "رأي الأقلية عند العناصر المعتدلة في التنظيم الشيوعي المصري لحل مسألة وادي النيل". وصار الشعار العام هو "دعوة السودانيين والمصريين للقيام معاً بالنضال ضد الامبريالية البريطانية في وادي النيل" (ص 244). وفي تلك الأيام فقد شعار "وحدة وادي النيل" شعبيته، وتضاعف التأييد لعمليات إنهاء الكلولونيالية في أجزاء كثيرة من القارة الإفريقية.
ولعله كان من المفيد لو أن المؤلف تناول الحالة السودانية – المصرية بمنظور مقارن، خاصة وقد ظهرت حديثاً كتابات كثيرة عن إنهاء الكلولونيالية الفرنسية في غرب أفريقيا والمغرب العربي، وكذلك المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا. غير أن نقدي الوحيد للكتاب هو أن المؤلف لم يتطرق فيه بعمق للتأريخ historiography الأوسع لإنهاء الكلولونيالية. غير أنه من الممكن القول باختصار، أن هذا الكتاب الذي تم بحثه بعمق، وطرحه ببراعة، يساهم في دراسة مهمة للتفكير السياسي والمناورات التي كانت وراء الجهود المصرية المستمرة لتأكيد الهيمنة على السودان خلال النصف الأول من القرن العشرين. إنه كتاب يغطي تاريخ فترة محورية ومضطربة انتهت بإلغاء اتفاقية الحكم الثنائي، وأخيراً استقلال السودان في عام 1956م. ويقدم هذا الكتاب للمؤرخين، عبر التنقل بين مستويات التحليل الإقليمية والدولية، دعوةً لإعادة التفكير في بعض الافتراضات حول العلاقات المعقدة والمتناقضة بين الإمبريالية والحركات الوطنية، ويقدم تاريخاً سياسياً وفكرياً محدداً لنضال مصر بعد الحرب من أجل السيطرة على السودان.
******* ******** **********
الاستعراض الثاني بقلم بروفيسور بيتر وودوارد
هذا كتاب متعمق عن فترة قصيرة نسبياً من التاريخ شهدت تفكك وضع إمبريالي معقد. ومن الناحية النظرية، كان "الصراع" يدور بين الشريكين المفترضين - مصر وبريطانيا- اللذين حكما السودان معاً بطريقة ثنائية منذ عام 1898م. غير أن هيمنة بريطانيا على مصر في أواخر القرن التاسع عشر مكنتها من خلق "حكم ثنائي" كانت في الواقع خدعة متعمدة تم تنفيذها بدهاء. وكانت مصر هي القوة الاستعمارية في السودان منذ السنوات الأولى من القرن التاسع عشر؛ وعقب نجاح الغزو الإنجليزي – المصري للسودان في الإطاحة بالدولة المهدية (1885 – 1898) سعت مصر لاستعادة سيطرة فعالة على ما كانت تعده أراضيها الجنوبية. غير أن بريطانيا كانت ترى عكس ذلك، وبذلت أقصى جهد لديها لتقليل اشتراك مصر في إدارة شؤون السودان، وبذا حافظت على وضع قوي بالنسبة لمصر ولكل مناطق وادي النيل.
لقد رُوِيَتْ من قبل قصة نهاية عهد الحكم الثنائي عديد المرات، إلا أن هذا الكتاب يقدم ما يمكن أن أصفه بأنه أشمل دراسة لرواية الجانب المصري من هذه المسألة. وقد قسم المؤلف كتابه إلى جزئين، وخصص الجزء الأول منه لدراسة الأساس النظري لدعوة مصر إلى ما يُعْرَفُ من قبل على نطاق واسع بـ "وحدة وادي النيل". وجاء في أول فصل من الجزء الأول السرديات التاريخية التي تشكلت في مصر بحسبانها أساس تلك الوحدة، وشملت القصة المتداخلة منذ أيام الفراعنة وما بعدها. وأعقب المؤلف ذلك بمناقشة مفصلة للصلات التاريخية والجغرافية والاقتصادية والإثنوغرافية. إنها حالة مهمة فيما يتعلق بشمال ووسط ما سيصبح "السودان"، غير أن مناطق الجنوب والغرب الأبعد بَدَتْ أضعف، كما أكدت بريطانيا ذلك مراراً وتكراراً.
أما الجزء الثاني من الكتاب فيحتوي على أربعة فصول رئيسية، تناولت بتفصيل شديد التطورات التي حدثت في الفترة التي تغطيها هذه الدراسة. وكانت مصر قد خرجت من الحرب العالمية الثانية وهي مصممة على المضي للأمام في ادعائها أن السودان يجب أن يخضع للتاج المصري. ويناقش الفصل الثالث الأسباب والطرق والوسائل التي تمكنت بها مصر من نقل صراعها (مع بريطانيا) إلى مجلس الأمن عام 1947م بالأمم المتحدة، التي كانت قد تكونت حديثاً. وأحدثت تلك الشكوى بعد عرضها على المجلس بعض الارتباك نسبة لشدة تعقيد المسألة، وعدم تعاطف الكثير من الدول، التي لم تر في تلك الشكوى إلا إعادة تأكيد لادعاء إمبريالي عفا عليه الزمن من ملك سيء السمعة. أما الفصل الرابع فقد تناول محاولة بريطانيا الدفع بفكرة "حكم ذاتي" للسودان، يقود إلى طريق طويل ينتهي – كما كان مأمولاً – باستقلال تام للبلاد. وكان التعليم بمصر قد أدى دوراً مهماً في معارضة مصر لمثل ذلك التوجه، وقد توسع مؤلف هذا الكتاب في ذكر المجهودات التي بذلتها مصر في هذا الجانب. وعقب فشل الأمم المتحدة في حل ذلك النزاع، بدأ المؤلف في فصل جديد ظهرت فيه حكومة حزب الوفد المصري وهي تحاول منهجاً مختلفاً، قاد في نهاية المطاف إلى إلغاء الحكم الثنائي من جانب واحد، وإعادة التأكيد على ما ظلت مصر تدعيه من سيادة التاج المصري على السودان. ودخلت مصر وبريطانيا في مفاوضات اتسمت بالطول والارتباك، أوقفت إلغاء الحكم الثنائي، وبقي البريطانيون وحلفاؤهم السودانيون يصرون على تأكيد حق الشعب السوداني في أن يستشاروا في ما تدعيه مصر، وخاصة فيما سيحدث إذا تم رفض تلك الدعوى. وانتهي الفصل الخامس بانقلاب جمال عبد الناصر في عام 1952م، الذي كسر جمود تلك الأزمة بإسقاطه للملكية في مصر، وقبوله بحق السودانيين في تقرير مستقبلهم. وكان عبد الناصر يأمل في أن قراره سوق يجعل مصر شريكا جاذباً في شراكة وحدوية جديدة. غير أن السودانيين آثروا في النهاية الاستقلال التام في بداية عام 1956م، ولكن تلك قصة أخرى.
أما الفصل الأخير في الكتاب فهو يتناول الآراء المختلفة لليمنيين واليساريين في مصر. فقد وقف الإخوان المسلمون موقفاً بالغ التطرف يساند دعوة الملك فاروق (في السيادة على السودان). وكان ذلك الموقف الداعي للوحدة مع السودان قد نال إجماعا عاماً في أوساط الشعب المصري. غير أن الشيوعيين المصريين كانوا يخالفون ذلك الإجماع ... (للعرض بقية لم أعثر عليها. المترجم)

alibadreldin@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • مكتبة الملك عبدالعزيز تختتم مشاركتها بمعرض الرياض للكتاب 2024 وسط نجاح لافت
  • الثقافة تصدر «الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة عام 1973» بهيئة الكتاب لـ اللواء محمود طلحة
  • يرصد مراحل نصر أكتوبر.. هيئة الكتاب تصدر «الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة»
  • دراسة: التلوث الضوئي يزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر
  • استعراضان لكتاب “مصر والصراع على السلطة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الناصرية”
  • هذا الجزء يتضمن جانباً من خطاب الكراهية
  • هيئة الكتاب تصدر العدد الجديد من مجلة «فنون».. يحتفي بانتصارات أكتوبر
  • محمد القس الحصان الرابح في دراما "الأوف سيزون"
  • وفد من " البحر الأحمر الدولية " يزور جامعة الملك عبدالعزيز
  • هيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية تختتم ورشة “التعريف بالتراث الثقافي غير المادي” بالتعاون مع هيئة التراث