الجريمة والثواب: توريث الجريمة للأبناء والأحفاد وبقية الأهل
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
الأصل هو أنَّ لكل جريمة عقابا، عاجلا أو آجلا، عقابا من الدولة أو من النفس ذاتها باللوم والتبكيت.. "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ.."، الخطاب هو لأولي الألباب وليس للمؤمنين وحسب. القصاص في الغرب، لطيف لأبنائه، قاسٍ على الغرباء، لكنه عقوبة، وإذا لم يقتص القانون من الجاني اعتكرت النفس القاتلة، وضلّت واضطربت، كما تقول "الجريمة والعقاب"، رواية دستوفسكي الشهيرة، فثمة ميزان في النفس البشرية، أو في أغلب النفوس البشرية يضطرب عند ارتكاب الجرائم.
انسحبت أمريكا من أفغانستان بعد أن بلغ عدد جندها الأمريكيين المنتحرين كل يوم 18 جنديا، باعتراف بايدن وتصريحه بذلك!
للجريمة مكافأة لدى أقوام كثيرة، لا ليست جائزة قتل الظالمين، التي يتقرب به الأتقياء والعادلون إلى الله، والأبطال في الأفلام إلى قلب المشاهد، فهو قصاص، بل ثمة مكافأة على قتل الأبرياء. انظر مثلا إلى نتنياهو، هو يقتل كل يوم بمباركة أمريكية نحو 100 فلسطيني، قربانا إلى دولته ومنصبه. الجائزة هي البقاء على كرسي الملك، الذي يقال في النبوءات إنه ملك بني إسرائيل الأخير.
يحتفظ الأخلاف بطبائع الأسلاف، وإن فسدوا، فأين صبغة الظلم الأول؟
لا تغرنّك طبائع الغرب الجميلة في الأفلام (فيلم اميستاد مثلا) والأخبار والرياضية (ضربة الجزاء يجب أن تكون صحيحة ومراقبة بتقنية الفار)، وإلغاء حكم إعدام القتلة بالسجن المؤبد أو السجن بضع مئات من السنين، حيث يعامل القاتل كأنه مريض يحتاج علاجا نفسيا. ليس كل القتلة سواء، فقاتلهم مختل عقليا وإن أباد مدرسة كاملة، وقاتلنا إرهابي وإن قتل خطأ. القاتل لا يُقتل في محاكمهم، فقد عُطل حكم الإعدام في كثير من الدول الأوربية، لكن شعوبا بريئة كاملة تقتل، وتباد، كما يقع الآن في غزة؛ جلّ ما يطالب به رئيس أقوى دولة في العالم هو تقليل عدد الضحايا، وقد لاحق صحافيون متنفذين في الحكومة الأمريكية، وسألوهم عن عدد الضحايا الفلسطينيين المباح قتلهم، فتهربوا من الجواب.
تتهم حركات المقاومة بأنها تتخذ الأبرياء دروعا بشرية، والاتهام يُضمر القول بأن الدروع البشرية مباح قتلها! يمكن قتل مائة طفل برئ وامرأة مقابل قتل "إرهابي" تدرع بهم! هذه قاعدة استعمارية غربية.
توصف بلاد الغرب بأنها بلاد العدل، وهي دول حسنة التنظيم، جيدة الإدارة، تتلطف بمجرميها كثيرا، حتى إن عمرو بن العاص أحسن وصفهم قديما، ومدحهم بخمسة أوصاف من خبرته بهم، وما هي كذلك إلا لأن بلاد العرب بلاد ظلم وجوع وخسف، ولا يزال في الفرنجة بعض من هذه الخصائص.
الانتخاب يمنح الرئيس المنتخب رخصة قتل أعدائه الذين لا ينتخبون رؤسائهم، لذلك يحق لنتنياهو المنتخب ما لا يحق لغيره. هو الوحيد المنتخب في الشرق الأوسط، الرؤساء الباقون منتخبون بالتزوير. الديمقراطي يحق له ما لا يحق لغير الديمقراطي.
هناك ثمة قانون غير معلن يقول في السياسة الغربية: الجريمة تورث للأقارب والجيران ولكل الشعب وكل الأمة.
خذ مثال ارتكاب أفغاني جريمة قتل شرطي ألماني حاول فصل متخاصمين ألماني وأفغاني، شتم الألماني دين الأفغاني وسخر به، فقتل الأفغاني الشرطي، يقال إنه قتله غضبا أو خطأ، فوصم كل الأفغان إعلاميا بالقتل، أو ارتاعوا من الشبهة فمكثوا في بيوتهم هلعا.
لا يزال السوري منبوذا في العالم، هو شرير العالم الجديد، وكلما ارتكب سوري من أصل عدة ملايين مهاجرين جرما، توارى السوريون خوفا من الشبهة التي ستلحق بهم.
ارتكب أفغاني جريمة اغتصاب، فتوجس الأفغان خيفة، وأغلق اللاجئون أبوابهم. يحتلك الخوف في تركيا أكثر بكثير من أشد الدول الغربية تطرفا وعداء للاجئين. المدافعون عن حكم حزب العدالة والتنمية يقولون إن الدولة الأتاتوركية لا تزال تحكم، بل ثمة تحليلات تقول إنَّ الانقلاب ضد أردوغان نجح، أو لم يفشل. وأصل العنصرية التركية كائن في مناهج التدريس الرسمية التي تعادي العثمانية، وتسخر بها، والمسلسلات تهزأ من السلاطين العثمانيين الذين بنوا مجد تركيا القديم، ومن العرب الذين خانوا الترك، لنذكر مثالا أشهر على توزير الوازرة وزر أخرى:
مثال ضرب البرجين في نيويورك؛ أنَّ عصبة مكونة من 19عربيا، منهم 15 سعوديا وإمارتيان ولبناني ومصري ارتكبت الجريمة بطائرتين، فانتقم الأمريكان من أفغانستان! لأنَّ فيها أسامة بن لادن، الذي شمت بأمريكا أو نسبها العملية إلى نفسه، فدُمرت أفغانستان وليس بين الضاربين أفغاني واحد!
غُزي العراق بذريعة الأسلحة الكيماوية الذي لا يحق له حيازته، فهذا سلاح الأقوياء، وظهر كولن باول وهو يرفع أنبوبة مغلقة، زعم أن فيها أسلحة كيماوية جرثومية، كأننا في فيلم هندي، أو فيلم من أفلام التيك توك، فقتلوا نصف مليون عراقي ودمروا عشرات المدن ونبهوا ثروات العراق.
ثمة مثال غير كل هذه الأمثلة، أعم وأشمل، وهو مثال قارة أمريكا، التي غُزيت من غير أن يرتكب أحد جريمة ضد الغرب، ولم يكن فيها أسامة بن لادن، ولم يدمر هندي أحمر البرجين، أو حتى يستظل بظلهما، ولم يكن فيها أسلحة محرمة بل لم يكن فيها سوى أسلحة بدائية، هي السهام والرماح والمطارق والفؤوس، فأبيد الشعب عن بكرة أبيه وأمه!
لا يغرنكم مشهد القاضي الأمريكي إيطالي الأصل، فرانك كابريو، الذي اكتسب في السنوات الأخيرة شهرة عالمية بعد ظهوره في البرنامج التلفزيوني "Caught in Providence" الذي ينتجه شقيقه جو كابريو، والذي جرى ترشيحه لجائزة "داي تايم إيمي" سنة 2021، مع انتشار مقاطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهره في محاكمات وصفت بالرأفة والرحمة والطرافة، والتماس العذر للمتهمين، حتى لقب بـ"القاضي الرحيم" لمواقفه الإنسانية وانحيازه للضعفاء والمهاجرين. أقصى غراماته لم تجاوز المائة دولار، وهي أجرة نصف يوم في أمريكا، أو يوم كامل. إنه القاضي الذي حول العدالة إلى فرجة ودعاية أمريكية!
الجرائم التي يرتكبها مسلمون إرهابية، أما الجرائم الغربية فمرتكبها مختل، وحيد. وأصل "الجريمة والثواب" القديم هو في صلب المسيح حسب الرواية الغربية، المسيح الذي صُلب ظلما "ابن الله الوحيد". حُمّل أحفاد اليهود قرونا ذنب "قتله"، ولا شأن لهم بها أن كان أجدادهم ارتكبوها، ثم خطر لكهنة المؤمنين بالمسيح أن يغفروا لهم ذنبهم، وذنب الذين صلبوه أيضا!
لقد خلطنا الترك بالفرنجة، وسبب ذلك أن الدولة التركية الحديثة دولة إفرنجية، يحاول حزب العدالة والتنمية عثمنتها من غير نجاح. وليس المراد انتقاد اعتقاد ملة المسيحية، فما يحكمنا هي قاعدة: لكم دينكم ولي دين، لكن تحول المعتقد إلى محاكمة جنائية، باتهام أجيال وتبرئة أجيال أمر محله القضاء وليس الدين.
وليست الحروب الصليبية الماثلة ببعيدة عن الأذهان، وقد غُزيت بلاد المسلمين بتهمة انتهاك قبر المسيح عليه السلام، وليس له قبر معلوم أو حتى غير معلوم، فقد رفع المسيح عليه السلام عند المسلمين، وعاد حيا عند النصارى في اليوم الثالث. هذا أصل توريث الجريمة في الغرب وتعميمها جريمة الفرد على الجماعة، وتوريثها لأبناء المتهم وجميع الأهل والأقارب كما لو أن الجريمة أغنية في برنامج ما يطلبه الجمهور.
الغرب يعمم جناية الفرد اللاجئ على قومه جميعا، والغرب بلاد الفرد والفردية، فردية غربية وتعميم شرقي، بل يمكن أن ندعي أن فردية الغربي مقتبسة من فردية السيد المسيح في سيرته؛ ولادته، صلبه من غير نصير، عزوبته، وحشته، حتى أمه ليس لها في الإنجيل ذكر كبير.
x.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجريمة العنصرية الإنسانية الإرهاب العنصرية العقاب الجريمة الإنسانية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال الصهيوني.. إرهاب دولة برعاية الغرب ووصمة عار في جبين الإنسانية
منذ أكثر من خمسة أشهر، يشهد العالم واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث يواصل الاحتلال الصهيوني عدوانه الغاشم على قطاع غزة، متجاوزا كل القوانين والأعراف الدولية، وسط تواطؤ دولي وصمت مخزٍ من المؤسسات الأممية، بل ودعم غير مشروط من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
جرائم حرب موثقة.. والمجازر مستمرة
ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد حرب، بل هو إبادة جماعية ممنهجة تهدف إلى تصفية الشعب الفلسطيني والقضاء على وجوده. لقد استخدم الاحتلال كل أنواع الأسلحة المحرمة، واستهدف بشكل مباشر النساء والأطفال، حيث سقط أكثر من 30 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض.
لم تقتصر جرائم الاحتلال على القتل والتدمير، بل وصلت إلى منع دخول الغذاء والدواء، وتحويل غزة إلى سجن كبير يموت فيه الناس جوعا وعطشا، في مشهد يعيد إلى الأذهان حصارات العصور الوسطى، لكنه يحدث اليوم في القرن الحادي والعشرين، تحت سمع وبصر العالم المتحضر!
بينما تفشل الحكومات، تقع المسؤولية الآن على عاتق الشعوب الإسلامية وأحرار العالم. يجب أن تتجاوز الشعوب هذا التقاعس الرسمي، وتتحرك بكل الوسائل الممكنة -من خلال المظاهرات، والمقاطعة الاقتصادية، والدعم الشعبي والإعلامي المستمر، والضغط على الحكومات- لإجبارها على التحرك الفوري لإنهاء الحصار ودعم المقاومة ضد الاحتلال
عبادة جماعية للقتل والإجرام!
لقد تجاوز الاحتلال كل الحدود، حيث لم يعد يخفي طبيعته القائمة على العنف والإرهاب، بل أصبح قادته وجنوده يمارسون القتل كـ"عبادة جماعية"، مدعين أن المجازر التي يرتكبونها تقربهم إلى الله! هذا الفكر الإجرامي المتطرف يجعلهم يحتفلون بحرق البيوت على ساكنيها، ويهللون عند قتل الأطفال، بينما يتفاخرون بأنهم يحولون غزة إلى "محرقة"!
دعم أمريكي وغربي.. تواطؤ مكشوف
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يتشدقان بحقوق الإنسان والديمقراطية، أصبحا شريكين مباشرين في هذه الإبادة الجماعية. فواشنطن لم تكتفِ بتقديم الأسلحة والصواريخ، بل منعت أيضا أي قرار دولي يمكن أن يضع حدا لهذه الجرائم، وواصلت تقديم الدعم المالي والسياسي بلا توقف، في تأكيد جديد على ازدواجية المعايير والنفاق السياسي الغربي.
التخاذل العربي ودور الشعوب الإسلامية
إلى جانب التواطؤ الغربي، فإن دور العديد من الأنظمة العربية في هذه الأزمة كان مخزيا ويصل إلى حد الخيانة والتواطؤ. فبدلا من اتخاذ موقف حاسم لوقف المجازر، اختارت بعض الحكومات تطبيع العلاقات مع الاحتلال، أو التزام الصمت، أو حتى عرقلة الجهود الفاعلة لإيصال المساعدات إلى غزة. إن هذا التخاذل الرسمي شجّع المحتل على الاستمرار في عدوانه، وترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحده.
لكن بينما تفشل الحكومات، تقع المسؤولية الآن على عاتق الشعوب الإسلامية وأحرار العالم. يجب أن تتجاوز الشعوب هذا التقاعس الرسمي، وتتحرك بكل الوسائل الممكنة -من خلال المظاهرات، والمقاطعة الاقتصادية، والدعم الشعبي والإعلامي المستمر، والضغط على الحكومات- لإجبارها على التحرك الفوري لإنهاء الحصار ودعم المقاومة ضد الاحتلال.
دعم بيان المنتدى الإسلامي للبرلمانيين الدوليين وخطته العملية
في هذا السياق، جاء البيان الصادر عن المنتدى الإسلامي للبرلمانيين الدوليين ليؤكد الموقف الواضح من هذه الجرائم، ويدعو إلى تحرك دولي عاجل لكسر الحصار ودعم الشعب الفلسطيني في غزة بكل الوسائل الممكنة. إننا نثمن هذا البيان ونؤكد على أهمية دعمه سياسيا وإعلاميا، كما ندعو جميع البرلمانيين الأحرار حول العالم إلى التفاعل مع الخطة العملية التي تضمنها، واتخاذ إجراءات ملموسة داخل برلماناتهم للضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية لوقف هذه المجازر وكسر الحصار فورا.
دعوة عاجلة للتحرك الفوري
إن ما يحدث في غزة اليوم ليس قضية فلسطينية فحسب، بل هو اختبار للضمير الإنساني، واختبار لقدرة الأمة الإسلامية وشعوب العالم الحر على رفض الظلم والانتصار للمظلومين. من هنا، فإننا في المنتدى المصري (برلمانيون لأجل الحرية) ندعو إلى:
1- تحرك فوري وقوي من جميع الحكومات الإسلامية والمؤسسات الدولية لكسر الحصار وإدخال المساعدات دون إذن الاحتلال.
2- تفعيل الضغوط السياسية والدبلوماسية عبر البرلمانات الدولية لفرض عقوبات على الكيان المحتل ووقف التعاون العسكري والاقتصادي معه.
3- تحريك الشارع العربي والإسلامي عبر مظاهرات مستمرة وحملات مقاطعة اقتصادية للكيان الصهيوني وحلفائه.
4- محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، وملاحقتهم قانونيا في كل الدول التي تعترف بالولاية القضائية الدولية.
5- تحريك منظمات المجتمع المدني لدعم أهل غزة ماديا وسياسيا، وتعزيز حملات التبرعات لإغاثة المتضررين.
الأمل بالنصر وانكشاف الغمة
رغم الألم والمعاناة، فإننا نؤمن بأن الاحتلال إلى زوال، وأن الشعب الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات سينتصر في النهاية. إن إرادة الشعوب لا تُقهر، وعجلة التاريخ تتحرك دائما نحو العدالة، وسيأتي اليوم الذي تتحقق فيه وعود الله بالنصر والتمكين، وينقشع ظلام الاحتلال، ويرتفع صوت الحق فوق كل المؤامرات.
* رئيس المنتدى المصري (برلمانيون لأجل الحرية)