المؤسسات التعليمية.. تعزز منظومة القيم والهوية لدى النشء
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتوجيه نحو التفاعل الثقافي البنّاء
- على المؤسسات الأكاديمية إيجاد برامج تواكب اتجاهات الشباب
- دورات في التربية الإيجابية لطلبة المدارس وبرامج لتحقيق الاستقرار الأسري
- تضمين "محور التوعية الاجتماعية" للطلبة المبتعثين في الخارج
تعد الأسرة الواحة الحميمة التي يأوي إليها الفرد لينعم بظلال التراث ويرتوي من القيم التقليدية، وتمثل الأسرة أهم مصدر للقيم الاجتماعية المؤثرة في الشخصية العمانية والمجتمع، وجاءت التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- على أهمية الحفاظ وترسيخ الهوية الوطنية وضرورة التصدي للتحديات التي التواجه المجتمع والأسرة، حيث إن التمسك بالهوية الوطنية يقوي النسيج الاجتماعي ويعلي العلم والمعرفة للتعامل مع مواقف الحياة اليومية.
يوضح عزان بن سعيد المسروري: إنّ للأسرة دورًا مهمًّا في مجتمعنا العماني فيما يتعلق بتربية الأبناء وتنشئتهم على فضائل الأخلاق، فإنّ كلًّا من الزوجين يعدان عماد الأسرة وأساس صلاحها وقوتها، كما أنّ لهما التأثير الأول والأهم على الأبناء منذ الصغر، وذلك لأن الطفل أشد ما يكون ملازما لوالديه، فيتخلَّق بأخلاقهما، ويأخذ من طبائعهما جزءًا كبيرًا ليكون شخصًا صالحًا لهما ولمجتمعه، ومن المعلوم أن الأمم لا تقوم إلا على أكتاف أبنائها ولا تتحرك عجلة التنمية فيها إلا بسواعدهم، وهنا يأتي دور الأسرة في ترسيخ هذا المفهوم، وبث روح الأصالة في وجدانهم من خلال تتبعهم لآثار آبائهم وأمهاتهم، وجعلها ركيزة أساسية في حياتهم، وتكمن صعوبة تربية الأبناء في كيفية توجيههم من خلال تعاطي الأبناء مع مصاعب الحياة، والتعامل معهم بعقلية تواكب نمط الحياة التي يعيشونها وبأساليب وطرق لا تخل بالدين والآداب والأخلاق التي نشأ عليها الأبوان وهذا الجانب مهم جدا في طرق التعامل معهم.
ويفيد سالم بن خليفة الجاسري بقوله: إن تنشئة الأسرة للطفل منذ عمر مبكر على العادات العمانية الأصيلة لها دور محوري مهم، مثل كيفية استقبال الطفل أو الابن ضيفه وكيفية جلوسه أمام الضيف والترحيب به، كما أن على الأب اصطحاب ابنه للمجالس ما يساعد على غرس القيم العمانية والأخذ بالعادات والتقاليد الموروثة عن الأجداد، وغرس التعاون الأسري بين أفراد الأسرة في أعمال المنزل أو مساعدة الأب في مشروع معين، مشيرا إلى أن الحوارات الأسرية تبرز ما في خفايا نفس الطفل، حيث تعلمه التعبير عما يدور في خاطره.
الانتماء
وتقول ريم بنت حمد الرواحية، أخصائية إرشاد وتوجيه في مركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس: القيم العمانية تعكس قلب الثقافة العمانية والمبادئ التي يؤمن بها شعب عمان، بينما تعبّر الهوية الوطنية عن الانتماء والولاء لهذا البلد العريق، حيث يمتاز الشعب العماني بمجموعة من القيم التي تشكّل جوهر هويتهم الوطنية، ومن بين القيم الرئيسية التي يُعتمد عليها في المجتمع العماني هي الاحترام، والتسامح، والوفاء، والتعاون، والتواضع، والشجاعة، وتتجلى في التفاعلات اليومية للأفراد مع بعضهم البعض ومع المجتمع بشكل عام، مشيرة إلى أن القيم والهوية الوطنية تمثلان عمقًا نفسيًّا يشكّل أساس تكوين الذات الفردية والتواصل الاجتماعي؛ فالقيم تلك الأسس الأخلاقية التي تنير مسار حياتنا وتوجه سلوكنا وتحدد هويتنا الشخصية والهوية الجماعية، ومنها ينبثق الانتماء للوطن والتعلق بتراثه وثقافته، والهوية الوطنية ليست مجرد مظهر خارجي يمكن للعين أن تراه، بل هي شعور يتعاظم بداخلنا يغذيه الانتماء والولاء للوطن، مما يمنح الفرد شعورًا بالأمان والاستقرار النفسي في محيطه الاجتماعي ويسهم في النمو النفسي والتطور الشخصي للفرد وبناء شخصية متوازنة ومستقرة ومتضامنة مع المجتمع والوطن.
وأضافت الرواحية أن التربية تؤدي دورًا مهمًّا في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء للوطن، وذلك من خلال تشكيل شخصية الفرد وتوجيه سلوكه، فعندما يتعلم الأطفال والشباب القيم العمانية من خلال التربية في المنزل والمدرسة يصبحون قادرين على تطبيقها في حياتهم اليومية؛ إذ تعزز انتماءهم لوطنهم وبالتالي تسهم هذه القيم في بناء مجتمع عماني قوي ومتماسك، وهناك دراسات وأبحاث قد نُشرت حول كيفية تعزيز القيم العمانية من خلال التربية، من بينها دراسة أجراها باحثون عمانيون "دور التعليم في تعزيز القيم الوطنية والثقافية في سلطنة عُمان" تناولت كيفية دمج القيم العمانية في المناهج الدراسية والأنشطة المدرسية لتعزيز الانتماء الوطني والتمسك بالهوية العمانية لدى الطلاب، ودراسة أخرى "تأثير التربية على تطوير القيم الوطنية والمواطنة الفاعلة في سلطنة عُمان" استكشفوا فيها كيف يمكن للتربية والتعليم أن تسهم في تعزيز الوعي الوطني والمشاركة المجتمعية لدى الأفراد.
وتضيف الرواحية أن دور الأسرة والمجتمع يتجلى كعوامل حيوية في تشكيل الهوية الوطنية وترسيخ القيم العمانية بين أفراد المجتمع؛ فالأسرة كمصدر أول وأساسي للتعلم والتربية من خلال توجيه وتحفيز الأبوين، حيث يتعلم الأطفال قيم الاحترام والتسامح والتضامن التي تميز المجتمع العماني، ويقدم المجتمع بأطيافه المتنوعة والثرية بيئة محفّزة لتعزيز القيم العمانية والهوية الوطنية؛ فتلك المؤسسات الثقافية والاجتماعية تشكّل محطات لنقل التراث وتعزيز الانتماء للوطن من خلال الأنشطة الثقافية والفعاليات الاجتماعية، وبفضل التفاعل الإيجابي بين الأفراد والمؤسسات يترسخ الانتماء للوطن والولاء للمجتمع في قلوب الأفراد، مما يعزز الاندماج الاجتماعي والتلاحم الوطني، وهكذا يتوازن العمل المشترك بين الأسرة والمجتمع في تحقيق هدف مشترك وهو بناء جيل يحمل قيم الوطن بقلبه ويعبر عنها بفخر واعتزاز.
وبيّنت أن عصرنا الحالي يشهد تحديات كبيرة في مجال التربية نتيجة للغزو الثقافي والانفتاح الكبير، حيث يتعرّض الأفراد وخاصة الشباب إلى تأثيرات ثقافية خارجية قد تؤثر سلبًا على هويتهم الوطنية وقيمهم الثقافية، يمثل هذا التحدي تهديدًا محتملًا للحفاظ على الهوية الوطنية والقيم العمانية التقليدية، لكن من خلال تبنّي أساليب تربوية حديثة، يمكن للمجتمع أن يواجه هذا التحدي بنجاح وينشر القيم العمانية بين الأجيال الجديدة، يتضمن ذلك تعزيز التوعية بالتراث الثقافي العماني من خلال المناهج المدرسية والأنشطة الثقافية والاجتماعية، كما يجب تشجيع الحوار الثقافي والتفاعل الإيجابي مع الثقافات الأخرى، مع المحافظة على الهوية الوطنية والقيم العمانية كمرجع أساسي، بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي كأداة لتعزيز القيم العمانية وتوجيه الشباب نحو التفاعل الثقافي البناء والمفيد.
ويمكن للمؤسسات التعليمية أن تؤدي دورًا فعالًا في تعزيز القيم الوطنية بين الشباب من الناحية النفسية، وبناء جيل متمسك بقيم الوطن ومستعد لتحمّل المسؤولية نحو تطويره ورفعته من خلال دمج القيم الوطنية والثقافية العمانية في المواد الدراسية بطريقة متكاملة، مما يتيح للطلاب فهم تاريخ بلدهم وثقافتهم وتعزيز انتمائهم للوطن، إضافة إلى تنظيم الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تسهم في تعزيز القيم الوطنية، مثل الندوات والمحاضرات حول التراث العماني، والأمسيات الثقافية، والرحلات الميدانية إلى المواقع التاريخية، وتشجيع البحث والتفكير النقدي حول القيم الوطنية ودورها في بناء المجتمع، مما يساعدهم على فهم أهمية القيم الوطنية وتطبيقها في حياتهم اليومية، وتوفير برامج تدريبية ودورات عمل تستهدف تعزيز الوعي بالقيم الوطنية وتنمية المهارات اللازمة للمشاركة الفعّالة في بناء المجتمع، وتشجيع المشاركة في المبادرات الوطنية والأنشطة المجتمعية التي تسهم في تعزيز القيم الوطنية، مثل العمل التطوعي والمشاركة في الفعاليات الوطنية، من خلال تبنّي هذه التوصيات، كما يمكن للمؤسسات التعليمية أن تؤدي دورًا مهمًّا في تعزيز القيم الوطنية بين الشباب وتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع.
أسلوب الثواب
أما هلال بن سالم العبري، أخصائي إرشاد وتوجيه مركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس يوضح بأن الأسرة هي الأساس الذي من خلاله يستمد الفرد قيمه ومبادئه، ومن خلالها يمكن للفرد أن تتشكّل معه شخصيته الفريدة التي يواجه من خلالها العالم، ومن هنا يأتي دور الأساليب التربوية الناجحة، فعلى سبيل المثال يعد أسلوب الثواب والعقاب من الأساليب الأكثر انتشارا ويمكن العمل من خلاله على تعزيز السلوك الحميد المقبول وممارسة العقاب المدروس المتزن في حالة السلوك غير السوي أو السلوك غير المرغوب مع أهمية تصحيح المفهوم للطفل في كل الأحوال، كذلك على الوالدين أن يبنيا جسور الحوار بينهما وبين أبنائهم؛ لِما للحوار من أهمية كبيرة في جعل الطفل يشعر بشيء كبير من التقدير للذات وحبه لوالديه كونهما يتعاملان معه بطريقة تشعره بالاستقلالية.
ويضيف العبري: يعد أسلوب التربية بالنموذج من الأساليب المهمة بحيث يكون الوالدان هما القدوة التي من خلالها يستمد الطفل مجموعة من الصور والسلوكيات المحببة له وتكون ذات قبول اجتماعي وأسري، وتؤدي هذه الأساليب دورا بارزا في وجود سلوكيات إيجابية من قبل الأبناء تنعكس على تطورهم ونموهم الفكري والشخصي في مختلف الجوانب مما ينعكس ذلك جليا على جودة الحياة في المجتمع، وللمجتمع العماني خصوصيته الفريدة حيث قيم الأصالة والسمت العماني من بين أبرز تلك القيم التي تعمل الأسرة العمانية على الحفاظ عليها وتوريثها جيلا بعد جيل مع التعايش مع ما هو جديد دون المساس بتلك القيم وأصالتها؛ فالأسرة هي الأساس الأول والمنبع الدائم لتلك القيم.
ويفيد العبري بأن المؤسسات الأكاديمية لها ثقل كبير في عملية غرس القيم والحفاظ على الهوية العمانية من خلال تأصيل تلك المفاهيم كمفهوم المواطنة عبر فعالياتها المختلفة وكذلك إيجاد برامج نوعية تتوافق مع اتجاهات الشباب في العصر الحديث بما يتفق مع تعاليم الدين الحنيف وكذلك التراث العماني، كذلك على المؤسسات الجامعية الاهتمام بالهوية الثقافية للمجتمع لما لها من أهمية في الحفاظ على وحدة المجتمع وبقاء ثقافته تتوارث من جيل إلى آخر لجعله جيلا قادرا على تشكيل شخصية تفتخر بموروثها وتعمل على الحفاظ على تلك المكتسبات المتناقلة جيلا بعد جيل.
المبادرات الحكومية
أما عن دور وزارة التنمية الاجتماعية فيقول أسعد بن سعود المحاربي، رئيس قسم الإرشاد النفسي بدائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية: إن دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية في الوزارة تقدم برامج ودورات تدريبية للتوعية وغرس وتعزيز القيم العمانية في التربية، والتي تسهم في تنمية هذه القيم الأصيلة في النشء الصاعد، وتقوية الروابط الاجتماعية أسريًّا ومجتمعيًّا؛ فينشأ جيل يتحلّى بالعديد من القيم والصفات الاجتماعية السامية والإيجابية، وبمقدار ما تكون هذه الأسرة على وعي ودراية بهذه القيم كالاحترام، والتعاطف، والإنصاف، والصدق، ومساعدة الآخرين وغيرها كلما ساعد ذلك في غرس وتحقيق تلك القيم في أبنائها، وإنشاء جيل صالح متمسّك بالقيم الإسلامية والإنسانية التي يُبنى عليها التواصل الفعّال بين شعوب العالم، مفيداً بأن من ضمن الدورات دورة تدريبية بعنوان "التربية الإيجابية للأبناء" بالتعاون مع مدارس وزارة التربية والتعليم بجميع حلقاتها والمدارس الخاصة؛ لتوعية الأسر باستراتيجيات التربية الإيجابية، وتسهم في تحقيق القيم العمانية كمنهج يُتّخذ في أسلوب التربية، والوقاية من الظواهر الاجتماعية السلبية المؤثرة على تنشئة الأطفال في هذه المرحلة العمرية، واستهدفت أولياء الأمور ومقدمي الرعاية والمختصين، بالإضافة إلى تقديم "برامج الإرشاد الزواجي" الذي يتضمن عدة برامج منها "برنامج إعداد" للمقبلين على الزواج، الذي تم تفعيله في سنة 2022م، و"برنامج تماسك" للمتزوجين حديثًا، الذي تم تدشينه في سنة 2014م، ويقدم للمؤسسات الجامعية وجهات العمل بقصد تزويد المنتمين لها بمهارات اجتماعية ونفسية تسهم في تحقيق الاستقرار الأسري وتحسين جودة حياتهم الزوجية بما يتناسب مع الإطار الإسلامي والمجتمعي، كما تنفذ الدائرة برنامجًا توعويًّا حول القيم بعنوان "راقٍ بأخلاقي" بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، ويستهدف الأطفال من سن 7 سنوات إلى 10 سنوات؛ بهدف تعزيز الأخلاق الحميدة، وغرس القيم المجتمعية الإيجابية، وتنفيذ ملتقى الأسرة الأول "حوار" عام 2022م؛ لتعزيز تماسك واستقرار الأسرة وتنمية القيم الأخلاقية ومهاراتها في إدارة الحياة الزوجية، وتخطي الصعوبات التي تواجهها، وتنمية الوعي المجتمعي بأهمية الأسرة وتنمية البصيرة حول أدوارها المختلفة، ورفع مستوى وعي الأسرة بوسائل الإعلام الحديثة وما تتضمنه من قيم دخيلة على المجتمع العماني، وتنمية المهارات الوالدية الفعّالة والتربية الصحية والسليمة للأبناء.
ويفيد المحاربي بأن الوزارة قامت بتضمين "محور التوعية الاجتماعية" في اللقاءات التي يقدمها المعنيون بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار للطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج في إطار الشراكة بين المؤسسات في الندوات، ويستعرض المحور للطلبة الجوانب الاجتماعية والثقافية التي يحتاجها الطلبة المبتعثون مما تجنبهم الوقوع في مشكلات ذات أبعاد اجتماعية ونفسية في فترة دراستهم، كما يتضمن المحور أهمية الالتزام بالقيم والمبادئ والأخلاقيات العمانية والاندماج الإيجابي والاتزان والتكيف النفسي في إطار الثقافات والأنظمة الاجتماعية المعمول بها في سلطنة عمان.
وتحرص الدائرة على المشاركة في معرض مسقط الدولي للكتاب، وأن يكون لها برنامج توعوي يستهدف كافة شرائح المجتمع ومختلف الفئات العمرية طوال أيام المعرض، ومن أمثلتها برنامج توعوي عن "الحد والوقاية من التنمر" و"التحرش والتنمر" لطلبة المدارس في الفترات الصباحية للمعرض، ومحاضرات توعوية عن "الصورة الذاتية وعدم الانجراف مع الآخرين" لطلبة مدارس الحلقات المتقدمة، وتستمر دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية بالوزارة في نشر الوعي المجتمعي عبر المطويات والعروض التوعوية، وتقديم المحاضرات المعنية بقضايا الأسرة والتماسك الأسري وغيرها من الدورات التدريبية المتخصصة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الانتماء للوطن الهویة الوطنیة العمانیة فی تلک القیم تسهم فی من خلال التی ی
إقرأ أيضاً:
الوطنية للصحافة تستضيف وزير الأوقاف.. الأزهري: صحافة مصر القومية قلاع وعي وحصون فكر عريقة.. وتغييرات بخطبة الجمعة الموحدة
في إطار سلسلة اللقاءات والندوات التي تنظمها الهيئة الوطنية للصحافة، برئاسة المهندس عبدالصادق الشوربجي، مع عدد من الوزارات والهيئات، بهدف تعزيز التعاون المشترك والتنسيق حول عدد من الملفات والقضايا المهمة وذات الأولوية؛ نظمت الهيئة، ندوة موسعة، بحضور الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، لاستعراض جهود الوزارة في تجديد الخطاب الديني ومواجهة الفكر المتطرف وبناء الوعي الديني السليم وتعزيز قيم التسامح، فضلا عن استعراض آخر إجراءات تطوير الأداء الإداري بمديريات الأوقاف وتحسين الأداء العلمي والدعوي للأئمة.
حضر الندوة، علاء ثابت، وكيل الهيئة، المستشار محمود فؤاد عمار، حمدي رزق، عمرو الخياط، سامح محروس، أسامة أبو باشا، أعضاء الهيئة، ومروة السيسي، الأمين العام للهيئة، مدحت لاشين نائب رئيس مجلس الدولة والمستشار القانوني لرئيس الهيئة الوطنية للصحافة، د. أحمد مختار، وعدد من رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية ورؤساء تحرير الإصدارات، ومن وزارة الأوقاف محمود الجلاد، معاون الوزير للإعلام.
في بداية الندوة، رحب المهندس عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة، بفضيلة الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية ورؤساء تحرير الإصدارات، معربا عن تقديره لهذه الزيارة ومقدما التهنئة للوزير بالنجاح الكبير للمسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الحادية والثلاثين، متمنيا دوام التوفيق والنجاح.
وثمن رئيس الهيئة جهود الوزير الكبيرة في تنفيذ رؤية الدولة المصرية في العديد من الملفات والقضايا وفي المقدمة منها "تجديد الخطاب الديني" لمواجهة الفكر التكفيري المتطرف وبناء الوعي الثقافي والديني السليم، وتعزيز قيم التسامح ونشر الفكر الوسطي الصحيح، وأشاد بالمتابعة المستمرة للوزارة في تطوير الأداء الإداري بالجهات التابعة وتحسين الأداء العلمي والدعوي للأئمة والارتقاء بمستواهم الفكري والعلمي لتحقيق رسالة دينية مستنيرة.
وأثنى رئيس الهيئة على جهود الوزارة في إطار "إعمار بيوت الله" سواء بافتتاح مساجد جديدة أو عمليات الصيانة والتطوير، كما أشاد بالمبادرات المستمرة والمثمرة للوزارة في إطار التوعية الدينية والتنمية المجتمعية وبناء الإنسان.
وقال الشوربجي، إن العالم يمر بأزمات سريعة ومتلاحقة، الأمر الذي يفرض المزيد من التحديات ويتطلب تضافر جهود جميع مؤسسات الدولة للحفاظ على بلدنا قوية وسط هذه التطورات والأحداث، وأضاف: هنا يكون تكثيف التعاون ضرورة حتمية في إطار تعزيز الوعي ونشر الحقائق والرد على الأكاذيب ومواجهة الأفكار المغرضة.
وأكد رئيس الهيئة، أن صحافة مصر القومية ستبقى داعمة للوطن وقضاياه، وأداة قوية ورئيسية في عمليات التنوير والتثقيف ونشر الوعي ومواجهة الشائعات والأفكار المغلوطة، وقال: نحن مستعدون دائما لتعزيز ودعم التعاون مع وزارة الأوقاف في إطار الدور الوطني للمؤسسات الصحفية القومية لتوضيح الحقائق ومواجهة الأفكار المغلوطة ومساندة خطط ورؤية الدولة لتجديد الخطاب الديني ونشر الفكر الوسطي الصحيح.
من جانبه، أعرب د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، عن سعادته بالتواجد في الهيئة الوطنية للصحافة في ندوة مهمة بحضور كبار الكتاب والصحفيين، وأكد أن صحافة مصر القومية قلاع وعي وحصون فكر عريقة، وتمتلك كنوز وقامات صحفية كبيرة ملئت الوطن علمًا وفكرًا، وقال: أعتز أن أكون ضيفا عليكم في الهيئة الوطنية للصحافة وأعتز بكل الدعم منكم وبكم، نثق في الصحافة القومية، ونثمن حرص الهيئة على عقد هذه اللقاءات الدورية للحوار عن قرب وفق رؤية الدولة المصرية لمزيد من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات والقضايا.
وتطرق الوزير إلى أولويات عمل الوزارة خلال الفترة الراهنة والمستقبلية، والتى تتمثل في مواجهة التطرف الديني والإرهاب، التطرف اللاديني وتراجع القيم الأخلاقية، وتعزيز بناء الإنسان وصناعة الحضارة، وأشار إلى قضية تجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف الفكري، والعمل على تحصين المجتمع المصري من كل صور التطرف، وخاصة بعد التحدي الكبير الذي أوجدته التكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا على كثير من المستويات، سواء دينيا أومجتمعيا وأخلاقيا وغيرها، وأكد أن جهود كثيرة تمت في هذا الإطار لمواجهة التطرف بدءا من حصر التيارات المتطرفة والتي زال واختفى بعضها مع مرور الأزمان واختلفت مسمياتها وتوجهاتها، مرورا بأفكارها وهي الأفكار المغلوطة التي تم ويتم الترويج لها بمنصات مختلفة تستهدف العقول والتى تبدأ بالتكفير.
وتابع الوزير قائلا: المؤسسات الفكرية دورها هنا مهم للغاية، فقد تحملت المؤسسات الأمنية ما يفوق طاقتها بكثير، وحان الوقت لمعركة فكرية حاسمة تخفف العبء عن كاهل الأجهزة الأمنية لمواجهة المتطرفين وأفكارهم المسمومة، وأرى أن تسعة أعشار المعركة مع التطرف تقع على عاتق المؤسسات الفكرية، وأشار إلى أهمية حصر مواطن الخطر، فالتنظيمات المتطرفة تستغل التكنولوجيا وتسخرها في مخططاتها وهناك من القوى العالمية من ينفق عليهم بسخاء ويوظفهم ويستغلهم لضرب استقرار الأوطان، وهنا يجب أن تكون المواجهة مع مثل هذه التنظيمات منظمة ومدروسة ووفق مسار محدد بدقة وبتعاون من كل المؤسسات.
وأكد أسامة الأزهري، أن التطرف لا يعرف ديانة، ووقائع التاريخ تؤكد ذلك، والدين لا يصنع التطرف، فالإرهاب والتطرف فكرة عابرة للأديان والشعوب والثقافات، نحن في حرب فكرية نخوضها وخطر يجب مواجهته لحماية أوطاننا وأبنائنا وحتى أطفالنا، وهنا يجب علينا الحذر كل الحذر في التعامل مع النشء، والحرص من السوشيال ميديا التى تمتلئ بكتائب إلكترونية مغرضة تستهدف بث روح التشاؤم واليأس وإثارة الحيرة والشكوك في مؤسسات الدولة، ولذلك كان من أولويات عملنا -واعتبره من أولويات تجديد الخطاب الديني- إعادة جسور الثقة، سواء للمواطن في ذاته وقدراته ونجاحاته أو في بلده أو مؤسسات الدولة، وأضاف الوزير أن الحفاظ على الهوية والمكونات المصرية الأصيلة كانت أولوية وهدفا في مواجهة أهل الشر لردع محاولاتهم المستمرة لزعزعة ثقة الشعب في تاريخه أو مؤسساته ورموزه الوطنية والتاريخية.
كما تطرق الوزير إلى قضايا الإلحاد وكيفية التعامل والمواجهة، وقال: هذا خطر كبير وأحد أنواع التطرف الفكري وينبغي التعامل معه بحرص وبوعي كامل ودراسة، الإلحاد يتطلب مواجهة فكرية عميقة ومنظمة، وأشار إلى لقاء سابق جمعه مع بابا الفاتيكان، حيث تم بحث سبل التعاون لمواجهة الإلحاد، وشدد على أهمية بناء منظومة فكرية عقلية قادرة على التصدي للفكر الإلحادي ودعاته، والذين ينطلقون من محددات ثلاث، الاستفزاز، الافتخار والانتشار.
وأشار الأزهري إلى العمل المستمر لبناء علاقة قوية وراسخة بين المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء ومشيخة الطرق الصوفية ونقابة الأشراف، لصياغة وإقرار برامج عمل مشتركة لصالح الدين والوطن والمواطنين، وقال: نستمر في السعي معا لتعظيم جسور التعاون مع الجهات الأربعة، فنحن نريد أن نقدم للمصريين شيء تستريح له نفوسهم.
وأضاف د. أسامة الأزهري، أنه تم تكثيف الجهود الدعوية في إطار إستراتيجية شاملة لبناء الإنسان ومكافحة التطرف بجميع أشكاله؛ ضمت القوافل الدعوية المتنوعة ومبادرات مستمرة لتعزيز الوعي الديني وتنظيم الندوات وتفعيل الدروس الدينية بالمساجد، فضلا عن تعظيم دور المرأة وإشراكها في الأنشطة الدعوية ضمن النشاط الدعوي والعلمي والتثقيفي –واعظات الأوقاف- بالتنسيق مع عدد من الجهات في إطار توعية المرأة المصرية بالعديد من القضايا المهمة.
وأشار الوزير، إلى الحرص الكبير على العناية بالأئمة والدعاة علميا وفكريا وتطوير برامج تدريب الأئمة وتأهيلهم دعويا وثقافيا في مجالات متعددة بهدف صقل مهاراتهم وتعزيز قدراتهم على مواكبة قضايا العصر وتعزيز مكانتهم بما يليق بمسئولياتهم الدعوية.
وفيما يتعلق بخطبة الجمعة الموحدة، كشف الوزير، أنه جاري الآن دراسة أن تكون الخطبة الثانية-الجزء الثاني من الخطبة- مخصصة لمعالجة الإشكاليات أو التحديات المكانية التى يقع في نطاقها المسجد سواء قرية أو مدينة أو محافظة ، وأضاف: حريصون كل الحرص على الخطبة الموحدة، فهي تجعل المصريين على قلب رجل واحد وتوضع بعناية وتوازن، ومراعاة للتوازن بين المتطلبات والتحديات المكانية والأولويات حسب المناطق؛ نعكف على دراسة تخصيص الخطبة الثانية لأهم الموضوعات الملحة في هذا الإطار.
كما أشار الوزير إلى إطلاق مبادرة "عودة الكتاتيب" ووجود ترحيب كبير وتجاوب في عدد من المحافظات بهذه المبادرة، والتى لا تستهدف فقط تعليم وتحفيظ القرآن الكريم؛ بل المساهمة في تعليمهم القراءة والكتابة والحساب، وليكون الكُتاب مساعدا ومساندا لدور وزارة التربية والتعليم، وفي ختام الدرس يتم الدعاء لمصر لغرس قيم الولاء والانتماء للوطن في نفوس الأطفال، كما وضعنا ميثاق عمل للكتاتيب من خمس نقاط رئيسية، احترام الأكوان، إكرام الإنسان، حفظ الأوطان، ازدياد العمران وزيادة الأيمان، ونسعى للاستفادة منها في المناهج الدينية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والكنيسة المصرية.
وأكد الوزير استمرار الجهود لتجديد الخطاب الديني وتطوير آلياته، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة للوصول لأكبر عدد من المواطنين وحاليا يجري الإعداد لإطلاق منصة إلكترونية شاملة تغطي كثير من الجوانب المهمة، فضلا عن استمرار تعزيز عملية تشكيل الوعي الديني السليم، بما يسهم في بناء شخصية الإنسان المصري، ومواجهة كل السلوكيات التي تؤدي إلى تراجع في الأخلاق.