شهادة من ميدان الحرب: الاحتلال جعل الحياة بغزة بدائية لكن الشعب صامد
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره العاشر، وما زال تصنيف الفلسطينيين هناك بين شهداء وصل عددهم إلى نحو 40 ألفا، ونحو 90 ألف مصاب تنزف جراحهم في طرقات المستشفيات المهدمة، ومئات آلاف النازحين بلا مأوى أو تمزقهم آلام الجوع وسوء التغذية.
وفي شهادة ميدانية من قطاع غزة، قالت مديرة أكاديمية المسيري للبحوث والدراسات في القطاع إسلام شحدة العالول إن الاحتلال ربما استطاع تدمير قطاع غزة وخلق بيئة غير مناسبة للعيش، ولكنه لم يستطع ولنْ يستطيع قتل روح المقاومة والدفاع عن الأرض عند الشعب الفلسطيني.
وأشارت إلى أن حياة الغزيين في ظل الحرب تحولت إلى حياة بدائية تشبه ما قبل اكتشاف الكهرباء والبترول؛ فالطبخ يكون على الحطب الذي نحتاج إلى شرائه، والغسيل يتم بشكل يدوي، أما صناعة الخبز فتكون في فرن بُني بالطين ووقوده الحطب.
وأضافت العالول -في شهادتها للجزيرة نت- أنه لا توجد أحذية في أسواق غزة، وأصبح من المعتاد جدا رؤية الناس حفاة أو بأحذية مهترئة، لأنها بُليت بعد أشهر طويلة من الاستخدام في شوارع مليئة بركام المنازل التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي مما يسهم في اهتراء الأحذية بسرعة كبيرة.
وفي ما يتعلق بصمود السكان في قطاع غزة، قالت الباحثة الفلسطينية إن الشعب الفلسطيني اختار الصمود؛ فكان بإمكانه الخروج للشوارع وإعلانه نبذ المقاومة، أو كان بإمكانه الوقوف على الحدود وطلب فتحها ليهرب من هذا الواقع، ولكنه قرر الصمود كخيار ضمن خيارات كانت متاحة له.
وإسلام العالول باحثة فلسطينية نالت وسام "امرأة فلسطين لعام 2022" في المجال التطوعي في قطاع غزة، ولها عدة كتب أهمها "التطهير العرقي ضدّ الشعب الفلسطيني: فعل استعماري استيطاني صهيوني محوري ومستمر" (2023)، و"نظام الأبارتايد في دولة الاحتلال راهنا وجنوب أفريقيا سابقا وسبل مناهضته" (2021)، و"محطات فاصلة في تاريخ فلسطين القديم والحديث" (2019).
كما أنها انتقلت في قطاع غزة من مكان إلى آخر هربا من القصف المدفعي والجوي، وبعد ذلك انتقلت إلى جنوب القطاع حيث مدينة خان يونس بحثا عن الأمان، وبعد دخول الاحتلال إلى هناك انتقلت إلى مدينة رفح، وتنقلت في رفح بين أكثر من مكان.
وإلى تفاصيل الشهادة:
مع الحصار وندرة فرص العمل لجأ آلاف الشباب للعمل عن بُعد مع مؤسسات خارج قطاع غزة، وهؤلاء الشباب يعيشون في ظل الحرب بلا مصدر رزق وبلا عمل مع انقطاع الكهرباء والإنترنت.
ومع طول فترة الحرب وكثرة النزوح والغلاء الفاحش وانقطاع الرواتب وإغلاق البنوك؛ أصبح الناس في فقر مدقع ويعيشون على المعونات والمساعدات، وأصبح الغني والفقير سواسية في انتظار المساعدات والبحث عنها، حيث يشعر المواطن الغزي بالقهر والإذلال أثناء الاصطفاف في طوابير المساعدات أو طرْق أبواب المؤسسات التي توزعها، ولكنه مضطر لذلك لأن عائلته ستموت من الجوع لو لم يقم بذلك.
علاوة على ذلك، فإن أوضاع المرضى صعبة في القطاع نتيجة انعدام المنظومة الصحية وتدمير المستشفيات، وعدم توفر الأدوية لكثير من الأمراض المزمنة والأوبئة، وسرقة الأدوية والمساعدات من قبل عصابات وعملاء تابعين للاحتلال، بل ويتم بيعها بأسعار غالية.
ولا ننسى أيضا حرب التجويع على شمال قطاع غزة، حيث يفرض الاحتلال سياسة العقاب الجماعي على السكان كلهم فقط لأنهم لم يستجيبوا للاحتلال ويتركوا شمال القطاع. هؤلاء السكان الذين يقدر عددهم بما يزيد على 700 ألف شخص منع الاحتلال دخول المساعدات إليهم، وكذلك المنتجات الزراعية والتجارية، ولاحقهم بالاجتياحات البرية والقصف والتهجير.
بعد احتلال معبر رفح وإغلاقه، تقلّص بشكل كبير دخول المساعدات إلى قطاع غزة، والمساعدات الجوية استعراض ولا تأثير لها
هل يعلم العالم ماذا يعني تجويع هذا العدد الكبير من الأشخاص لدرجة أنهم يأكلون ورق الشجر وطعام الدواب؟! ففي شمال غزة ما زال أهلي وأسرتي مرابطين، يُحارب والدي بجسده الهزيل من أجل توفير الطعام لإخوتي وأخواتي وأبناء أختي الشهيدة.
وأثناء بحثهم عن الطعام يحملون عتادهم ويرحلون من منطقة لأخرى مع اجتياح قوات الاحتلال منطقتهم، أو المنطقة التي ينزحون إليها. وفي كل مرة أتحدث مع والدي عبر الهاتف يحدثني عن أخي الصغير الذي لم يتجاوز العام، والذي تأخر نموه وتطوره الحركي بسبب عدم قدرته على توفير الحليب والبيض واللحوم والأسماك له.
يحدثني والدي وكله حرقة لأنه لا يستطيع توفير حياة كريمة لأبنائه ولا يستطيع سد جوعهم، ويخبرني أن الموت قد مر من أمامهم كثيرا! إنهم يرون الموت يتجولُ حولهم؛ يسرق الأرواح من بينهم، فتنطفئ القناديل المُضيئة وتُظلمُ الدنيا.
وكيف يحصل الغزيون على الغذاء والماء والدواء في ظل الحرب والحصار؟
في أغلب الأحوال يصطف الناس في طوابير لساعات، وتتخلل هذه الساعات مشاحنات ومعارك حتى يحافظ كل واحد على دوره خوفًا من انتهاء المياه من الخزان قبل أن يملأ الجالونات الخاصة به؛ فالمياه تتوفر لوقت قصير، وبكميات لا تكفي الجميع.
ولا بد أن أشير هنا إلى وجود نوعين من المياه على الفلسطيني تعبئتها والوقوف في طوابيرهما: المالحة والحلوة، وهذه الطوابير تصطف للحصول على مياه ليست مجانية في أغلب الأحيان.
ويتشارك كل الشعب في قطاع غزة في الوقوف في طوابير المياه، فلا يوجد شخص معفي أو لديه مياه تصله من دون حمل الجالونات. فمثلًا الطبيب يصطف في طوابير المياه مثل غيره قبل الذهاب إلى عمله في المستشفى.
هل تصلكم المساعدات التي تقول أميركا إنها تضمن وصولها إلى النازحين؟ما يصلنا من المساعدات هو الغذاء المعلب والطحين فقط، ويتم توزيعه من قبل المؤسسات الدولية في جنوب القطاع، أما في شمال القطاع فحتى هذه المعلبات إنْ وجدت فهي مرتفعة الثمن.
لكنّ هذا الغذاء لا يُعد غذاء صحيا، لأنه يفتقد أغلب العناصر الغذائية المهمة واللازمة لجسم الإنسان، وكذلك يُعد غذاء مُضرا لاحتوائه على كميات كبيرة من المواد الحافظة، فمع تناول هذا الغذاء لفترات كبيرة تجاوزت 9 أشهر ينتج سوء تغذية عند كثيرين وما يتبعه من أمراض عديدة، أخفها تساقط الشعر والأظافر وهزلان الجسم، وأشدها الوفاة.
ومن المتوقع وجود إحصاءات غير شاملة (لصعوبة الحصر) لوزارة الصحة للأطفال الذين يموتون نتيجة سوء التغذية، أما كبار السن الذين وافتهم المنية نتيجة سوء التغذية فلا توجد إحصاءات عنهم، وربما هم بالآلاف.
المواطن الغزي يشعر بالقهر والإذلال في طوابير المساعدات وعلى أبواب المؤسسات التي توزعها، لأن عائلته ستموت من الجوع إن لم يقم بذلك
ولا بد من الإشارة إلى أنه بعد احتلال معبر رفح وإغلاقه تقلّص بشكل كبير دخول المساعدات إلى قطاع غزة، في حين أن المساعدات الجوية استعراض ولا تأثير لها على إطعام المواطنين.
وأما الحصول على الدواء، فيتم إرسال الأدوية على شكل مساعدات، وتصل بشكل خاص لوكالة الأونروا وبعض المؤسسات الدولية، ولكن بكل أسف الكميات محدودة ولا تناسب كثرة الأمراض والأوبئة المنتشرة حاليا، بل إن هذه الأدوية لا تُغطي العديد من الأمراض المزمنة وحتى بعض الأمراض البسيطة.
وهذا الأمر فاقم معاناة مواطني قطاع غزة، حيث لا يجدون العلاج الذي يداوي أمراضهم المستعصية والجديدة مثل سوء التغذية، علاوة على أن هذه الأدوية الداخلة للقطاع محدودة جدا والتي يفترض أن توزع مجانا على المرضى، وهناك فئات مشبوهة تابعة للاحتلال تقوم بسرقتها وبيعها بأسعار عالية، مما يضاعف أزمة المرضى.
يفتقد النازحون الكثير من مقومات الحياة، ولعل أهمها: خيم السكن والملابس والأحذية والفرشات والأغطية والسجاد وأدوات المطبخ، ومواد التنظيف ومسحوق الغسيل… إلخ.
فمثلًا، لا تستغرب عند رُؤية الناس في غزة يمشون بلا أحذية أو بأحذية مهترئة، فلا أحذية في السوق يُمكن شراؤها، والأحذية بليت بعد أشهر طويلة من الاستخدام، إضافة إلى أن الشوارع مليئة بالركام والأحجار المكسرة مما يسهم في اهتراء الأحذية بسرعة كبيرة.
ويُمكن أنْ تُلاحظ وأنت تسير في الشوارع أن أغلب ملابس الناس بالية ومرقعة لعدم وجود ملابس يرتدونها، كما تسهم الأعمال الشاقة التي يقوم بها الناس يوميا في اتساخ الملابس وتمزقها.
ثم إن الناس في قطاع غزة يغسلون شعرهم بسائل الجلي أو سائل غسيل اليدين، لأنّ "شامبو الشعر" غير متوفر أو موجود بسعر فوق القدرة الشرائية للفلسطيني.
ولعل أصعب اللحظات التي مرت بنا نحن اللاجئين هي عدم توفر الملابس الشتوية في السوق للبيع، والنازحون الذين خرجوا من بيوتهم بلا ملابس لم يجدوا ما يقيهم برد الشتاء.
ومع عدم توفر الفرش والمراتب ينام الناس على التراب بعد أن كانوا ينامون على فرش ذات ضغط مرتفع ومريحة قبل الحرب، وهذا الأمر أدى بدوره إلى زيادة آلام الظهر والفقرات عند معظم الناس شبابا وكبارا.
كيف تقضي الأسر اللاجئة يومها وليلها في ظل القصف الجوي والمدفعي والتهجير من مكان إلى آخر؟
تقضي الأسر أيامها في الأعمال الشاقة، فقبل الحرب لم تكن تستغرق هذه الأعمال أكثر من ربع ساعة، لكنها في ظل الحرب أصبحت تحتل اليوم كله، إذ يقضي الفلسطيني يومه في الاصطفاف في طوابير عديدة، منها: طوابير المياه الحلوة، وطوابير المياه المالحة، وطوابير التكيات، وطوابير لطلب المساعدات، وطوابير لدخول الحمام أو الاستحمام، وطوابير للخبز… إلخ. وهذه الأعمال الشاقة اليومية يقوم بها الفلسطيني في ظل القصف والخوف والمرض والوهن.
وفي ظل الحرب تحولت حياة الغزيين إلى حياة بدائية تشبه حياة ما قبل اكتشاف الكهرباء والبترول؛ فالطبخ يتم على الحطب الذي يتطلب شراءه وتكسيره، أما الغسيل فيتم بشكل يدوي، وصناعة الخبز تكون في فرن بني بالطين ووقوده الحطب.
الأدوية التي تدخل القطاع محدودة جدا، والتي يفترض أن توزع مجانا هناك فئات مشبوهة تابعة للاحتلال تسرقها وتبيعها بأسعار عالية
أما التهجير والنزوح المتكرر فهذه قصة مختلفة ومعاناة تعجز عن وصفها الكلمات، فالنزوح في ظل قلة الوقود يكلف مبالغ مالية هائلة تزيد على 400 دولار للانتقال من شرق المدينة إلى غربها فقط، وهي مسافة لا تتجاوز كيلومترين اثنين.
ويؤدي النزوح كذلك إلى ارتفاع تكلفة بناء الحمامات في أماكن النزوح الجديدة، وفك الخيم وتركيبها، إذ قد يطلب الاحتلال إخلاء مفاجئا فيخرج النازحون من دون حمل أي شيء ومشيًا على الأقدام، ويتجهون إلى مكان مجهول يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بلا مأوى أو ملابس أو طعام.
إن هاجس النزوح لدى الغزيين صار شبحا يراودهم في كل يوم، لأنّ الاحتلال يتفنن في تهجيرهم من مكان إلى آخر بهدف إذلالهم.
تقول استطلاعات رأي فلسطينية إن الغزيين مؤمنون بانتصار المقاومة، فما المؤشرات التي يراها الفلسطينيون تبشر بالنصر؟صراعنا مع الاحتلال وجودي: إما نحن أو هم، والانتصار من أي طرف يعني إنهاء وجود الطرف الآخر على أرض فلسطين المحتلة، ولكن معاركنا مع الاحتلال هي جولات من الصراع، وفي كل جولة يسجل كل طرف نقاطا، والذي يكسب نقاطا أعلى يكون له السبق في تلك الجولة.
في حرب طوفان الأقصى سجلت المقاومة درجات مرتفعة حتى الآن متمثلة في:
ما قامت به المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي هو سَبق عسكري مَرّغ أنف دولة الاحتلال في التراب. صمود المقاومة وبقاء حضورها وفعلها القوي حتى الآن رغم كل ما قام به الاحتلال لتقويض قدراتها. عدم قدرة الاحتلال على استعادة أسراه رغم كل الإمكانيات العسكرية والتقنية والاستخباراتية التي يمتلكها. تنفيذ عمليات عسكرية قوية للمقاومة موجعة ومؤثرة، وبعضها تم خلف خطوط تقدم العدو. قدرة المقاومة على إعادة بناء قدراتها أثناء الحرب بالاستفادة من صواريخ الاحتلال التي لم تنفجر. كشف كذب الاحتلال عبر إعلام المقاومة الذي يوثق عملياته، وكذلك إخراج المقاومة مقاطع تؤثر على البعد النفسي لأهالي الأسرى الصهاينة. الاحتلال دمر قطاع غزة بشكل شبه كامل وأوقع عشرات الآلاف بين شهيد وجريح، لكنه لم يستطع تحقيق أهداف الحرب الأساسية التي أطلقها بدايةً، وبكل تأكيد الذي لا يستطيع تحقيق أهدافه من الحرب هو الطرف الخاسر.يقول البعض إن الشعب الفلسطيني لم يملك خيارًا آخر فأُجبر على الصمود! وهذه ليست الحقيقة؛ فشعبٌ مثل شعب غزة كان بإمكانه الخروج في الشوارع وإعلان نبذ المقاومة وملاحقتها، وكذلك كان بإمكانه الوقوف على الحدود وطلب فتحها ليهرب من هذا الواقع، ولكنّ الشعب الفلسطيني في غزة قرر الصمود كخيار من ضمن خيارات كانت متاحة له.
فذلك الذي فقد كل عائلته وبيته ومأواه وبقي الناجي الوحيد، كان كلامه التلقائي "الحمد الله، وفداء للمقاومة"، ذاك وغيره الآلاف هم نتاج تربية وطنية عقائدية عميقة، مفادها أن دحر الاحتلال لا يكون إلا بالمقاومة.
فالشعب الفلسطيني المعطاء أخذ العبرة مما قامت به الشعوب الأخرى وحركات التحرر وكيف انتصرت على المستعمر، ويعلم أنه لا انتصار يتحقق من دون تضحيات ومن دون خسائر جسيمة، وهذا الشعب يعلم أن مَن يريد أن يستمتع بحياته عليه أنْ ينسى أن له وطنا.
لهذا قرر شعب فلسطين الرباط على أرضه المحتلة، ويعلم أن كل هذا الضنك في العيش والجوع والخوف ونقص الأموال والأنفس والثمرات هو ابتلاء من رب العالمين وعليه أن يصبر على ذلك.
إن الاحتلال ربما استطاع تدمير قطاع غزة وخلق بيئة غير مناسبة للعيش، ولكنه لم يستطع ولنْ يستطيع قتل روح المقاومة والدفاع عن الأرض عند الشعب الفلسطيني.
ما أهم ما تطالب به الأسر من المنظمات العربية والإسلامية والدولية للعيش في ظل الحرب؟
الحقيقة لا نريد مساعدات ولا إغاثة، كل ما نُريده هو رفع هذا الاحتلال عنا فقط، ونحن نستطيع إدارة أمورنا واستثمار مواردنا في سبيل تنمية وطننا.
أما في ظل هذا الاحتلال الذي يمنع أصلًا دخول المساعدات للقطاع فلا قيمة لأي مساعدات، فكما يعلم العالم هناك مئات الشاحنات المكدسة في الجانب المصري والاحتلال يمنع دخولها لقطاع غزة.
ويمكن لهذه المنظمات أن يكون لها دور فاعل في الضغط من أجل وقف هذا العدوان عن أبناء شعبنا، إن قررت فعل ذلك.
الشعب الفلسطيني لا يرغب في سلطة تأتي على ظهر دبابة إسرائيلية أو بالتنسيق مع الاحتلال، ولا يرغب قوى عربية تدير القطاع
ما نوع السلطة التي يريد الغزيون أن تدير شؤون أمرهم؟بكل تأكيد لا يرغب الشعب الفلسطيني في السلطة التي تأتي على ظهر دبابة إسرائيلية أو تأتي بالتنسيق مع الاحتلال، وكذلك لا يرغب في سلطة أو قوى عربية تدير القطاع؛ الغزيون يتوقعون أن أهل غزة هم أولى الناس بإدارة شؤون وطنهم.
فهم يرغبون في سلطة تفرزها صناديق الاقتراع والانتخابات التي يُعطلها الاحتلال منذ سنوات، ويرغبون في سلطة عليها إجماع فلسطيني وتستطيع أن تدير إعادة إعمار قطاع غزة، وأن تلقى اعترافا دوليا، ويرغبون في سلطة لا تنزع سلاح المقاومة؛ فقد علّمتهم هذه الحرب أن بقاء المقاومة درع حماية لهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشعب الفلسطینی دخول المساعدات طوابیر المیاه سوء التغذیة مع الاحتلال کان بإمکانه فی قطاع غزة فی ظل الحرب فی طوابیر الناس فی فی سلطة من مکان لا یرغب التی ی من دون
إقرأ أيضاً:
غزة بلا حماس.. حين تحل الكارثة
شهدت منصات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية حراكًا نشطًا ومنظّمًا من حيث كثافة النشر بالتوازي مع مظاهرات محدودة في قطاع غزة، ركّزت في مضمونها على مطالبة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بالخروج من قطاع غزة، بداعي وقف إسرائيل المحتلة عدوانها على غزة، ومن ثم رفع الحصار وإشاعة الهدوء وبدء الإعمار، في إشارة غير مباشرة لتبرئة الاحتلال الإسرائيلي من الإبادة والكارثة الإنسانية التي صنعها عن قصد وتعمّد، كما ورد لسان مسؤوليه.
لسان عربي أم عبري؟يُلاحظ أن النشاط الإعلامي، المحرّض على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، قد جاء بلسان عربي من داخل فلسطين وخارجها، وتقاطع مع دعوات مشابهة جاءت على لسان وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس، وتزامن مع دعوات إسرائيلية ناطقة بالعربية، وموجّهة للفلسطينيين، وهي أصوات معروفة لأمثال؛ الناطق باسم جيش الاحتلال المدعو أفيخاي أدرعي الذي غرّد على منصة إكس؛ "برّا برّا حماس تطلع برّا"، واصفًا حماس بالإرهابية، ولأمثال إيدي كوهين، الذي وجّه نداءً إلى سكان غزة، على منصّة إكس، بقوله؛ "انتفضوا ضد إرهاب حماس.. الاحتجاجات لازم تكون في كل شارع، في كل حي، بكل زاوية من غزة، خلّوهم يسمعوا صوتكم..، وجودكم بالشارع هو الرد الحقيقي على الإبادة"، وتلك الدعوات واكبها أيضًا إسقاط جيش الاحتلال منشورات من الجو على المدنيين في قطاع غزة، تحرّضهم على الخروج ضد حركة حماس والمقاومة.
إعلانمن المعلوم أن واشنطن وتل أبيب والعديد من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين ولا سيّما الرئيس ترامب يرون في التهجير حلًا "مثاليًا" لإنهاء الكارثة التي صنعها الاحتلال في قطاع غزة، وهذا ما لم يلقَ قبولًا فلسطينيًا ولا عربيًا ولا دوليًا، ما حدّ من إمكانية تنفيذ هذا المخطط الكارثي على الفلسطينيين والقضية الفلسطينيّة.
لكن الخطورة في الحملة الإعلامية التي يقودها البعض بالتعاون أو التساوق مع إسرائيل المحتلة، بقصد أو بغير قصد، أنّها تروّج لوقف الكارثة بكارثة أخرى أشد تنكيلًا.
قد يتراءى للبعض أن خروج المقاومة من قطاع غزة فيه خلاص من الكارثة الإنسانية التي صنعها ويرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وبأن الأمر لا علاقة له بالتهجير أو استدامة الكارثة والإبادة الجماعية.
بإمعان النظر في الموضوع، يمكن رصد مجموعة من الملاحظات المساعدة على كشف المآلات المحتملة لخروج المقاومة المفترض، ومنها:
اعتماد سياسة سحب الذرائع مع الاحتلال الإسرائيلي، سياسة خاطئة وكارثية، فالاحتلال الإسرائيلي عندما قام على أرض فلسطين التاريخية لم يحتَجْ إلى ذريعة، فالشعب الفلسطيني لم يعتدِ على اليهود ولم يقتلهم، ولم يرتكب المجازر بحقهم، ولم يكن سببًا لمحرقتهم في أوروبا على يد النازية، ومع ذلك قامت إسرائيل كمشروع استعماري إحلالي لاهوتي على أرض فلسطين، ما تسبّب في تهجير ثلثي الشعب الفلسطيني، وتدمير أكثر من 500 بلدة وقرية فلسطينية؛ بقصد مسح الذاكرة التاريخية الحضارية للشعب الفلسطيني.
وفي ذات السياق، الاستيطان ما زال يتمدّد في عموم الضفة الغربية، دون ذريعة مسبّبة له سوى أنه تعبير عن مشروع استيطاني إحلالي لاهوتي في العقل الصهيوني، على اعتبار أن الضفة هي يهودا والسامرة التي قامت فيها مملكتا أبناء سليمان في القدس ونابلس حسب الرواية الصهيونية.
وعلى ذات المنوال، تقوم إسرائيل المحتلة بالعدوان المستمر على سوريا واحتلال أراضيها جنوب دمشق، تعبيرًا عن أطماع استعمارية أفصح عنها وزير المالية سموتريتش، ووزير الاتصالات شلومو كرعي، بإشارتهما إلى أن حدود القدس تنتهي في دمشق.
إعلانهذا التوجّه ينسجم أيضًا مع رؤية الرئيس ترامب لغزة فارغة من أهلها، وتحويلها إلى مشروع استثماري (ريفيرا الشرق)، ومع رؤيته لتوسيع حدود إسرائيل، عندما ألمح إلى أن إسرائيل دولة صغيرة على الخارطة.
خطورة سياسة نزع الذرائع، تعني الالتزام بشروط الاحتلال على الدوام، طلبًا للسلامة، وهذا يعني نزع عوامل القوّة لدى الشعب الفلسطيني، ما يعدّ خطيئة ترسّخ وجود الاحتلال واستدامته وغطرسته، ويغلق أبواب الأمل في التحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية.
تجربة منظمة التحرير الفلسطينية، اعتمدت طوال 35 سنة من المفاوضات على سياسة نزع الذرائع والاتكاء على القرارات الدولية، وعلى طلب الحماية من المجتمع الدولي، كما جاء على لسان الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله؛ "احمونا".
هذه السياسة جرّت الكارثة على القضية الفلسطينية، حيث انتهت اتفاقية أوسلو، وتحوّلت السلطة من نواة للدولة الفلسطينية إلى إدارة مدنية تحت سقف الاحتلال والتعاون معه أمنيًا ضد النشطاء والفاعلين السياسيين، مقابل تغذية السلطة بالمال السياسي الذي يحافظ على ديمومتها دون هوية وطنية.
الدعوة لخروج المقاومة من قطاع غزة، فرضية تشجّع نتنياهو على المزيد من التعنّت في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتحفّزه على الاستمرار بانقلابه على ما تم الاتفاق عليه، ما دام أنه يرى شرائح من الفلسطينيين تحمّل حركة حماس والمقاومة الفلسطينية مسؤولية الكارثة التي صنعها الاحتلال، وتطالب بخروج المقاومة من قطاع غزة، كما يريد نتنياهو وحكومته المتطرفة، وهذا عمليًا يقع في خدمة الاحتلال من حيث يدري البعض أو لا يدري.
بالنظر إلى تداعيات تلك الفرضية (خروج المقاومة) على مستقبل قطاع غزّة بشكل مباشر، لا بدّ من الإشارة إلى أن الاحتلال يسعى ويجاهر بضرورة تهجير الفلسطينيين من القطاع، بدعم من إدارة الرئيس ترامب، وقد صادق مؤخّرًا على تشكيل إدارة في وزارة الحرب معنية بتهجير الفلسطينيين، ومن هنا يصبح خروجُ المقاومة وحركة حماس كقوّة مقاومة رافضة للاحتلال؛ عاملًا مساعدًا ومسهّلًا لتنفيذ الاحتلال مخططاته بتهجير الفلسطينيين المدنيين العزّل من قطاع غزة، بعد أن فشل في ذلك طوال سنة ونصفٍ مضت، بسبب صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري، وشراسة المقاومة في الميدان.
إعلان ذاكرة داميةالتجربة الفلسطينية تؤكّد أن الاحتلال الإسرائيلي بطبعه وسياساته المعهودة، لا يحترم العهود والمواثيق والاتفاقيات، ولا يحترم القانون الدولي ولا القرارات الدولية، والشاهد السياسي القريب والحي هو مصير اتفاقيات أوسلو التي مضى عليها نحو 35 سنة، وواقع السلطة الفلسطينية التي تحوّلت من نواة للدولة الفلسطينية المفترضة، إلى مجرّد إدارة مدنية تحت الاحتلال المباشر، ولا تملك من أمرها شيئًا.
قانون القومية اليهودية الصادر عن الكنيست (البرلمان) لعام 2018، يرفض حق تقرير المصير لغير اليهود في أرض فلسطين التاريخية، ويشجّع ويدعم الاستيطان في الضفة الغربية كقيمة قومية لإسرائيل، ما يؤكّد انتهاك إسرائيل وتجاهلها القانون والقرارات الدولية التي قامت عليها اتفاقيات أوسلو التي أفضت إلى نزع سلاح المقاومة من يد الشعب الفلسطيني، وحوّلته إلى سلاح أجهزة أمنية تتعاون مع الاحتلال ضد النشطاء والمناضلين الفلسطينيين.
وقبل مسار أوسلو وفي ظل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وحصار بيروت الشهير، تعالت الأصوات بخروج ياسر عرفات والمقاومة الفلسطينية من لبنان كحل ضامن لحقن دماء المدنيين، حيث ضمنت الولايات المتحدة الأميركية، والأمم المتحدة، وقوى غربية حماية المخيمات الفلسطينية من الاستهداف.
بعد استجابة ياسر عرفات لتلك الدعوات، وخروج المقاتلين من لبنان بأسبوعين، وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا المروّعة التي راح ضحيتها نحو 3 آلاف فلسطيني بمشاهد قاسية لم تستثنِ طفلًا أو امرأة أو مسنًا.
هذا وغيره في الذاكرة الفلسطينية المُرّة مع الاحتلال الإسرائيلي، يؤكّد أن التساوق مع شروط الاحتلال، والنزول عند رغباته يأخذان الفلسطينيين من سيّئ إلى أسوأ.
في المقابل، فإن المواجهة والعناد على الحق والتمسّك بالحقوق الوطنية التاريخية للشعب الفلسطيني، على عِظم تضحيات التمسّك بها، تعدّ أجدى وأقل خسارة إستراتيجيًا من الذهاب بعيدًا مع الاحتلال القائم على فكرة سلب الأرض والتخلّص من السكّان الأصليين قتلًا أو تهجيرًا.
إعلانالدعوة إلى خروج المقاومة الفلسطينية من أرضها تعدّ توطئة لتهجير من تبقى من الشعب الفلسطيني في أرضه، ولذلك فإن واجب الوقت يُملي على الجميع الوحدة في مواجهة الاحتلال لإفشال مخططاته الاستعمارية والتهويدية لأرض فلسطين ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
الاحتلال لجأ إلى هذه الأساليب الملتوية، لأنه فشل في تحقيق أهدافه السياسية عبر المواجهة المباشرة مع الشعب الفلسطيني والمقاومة وحركة حماس.
مزيد من الثبات والصمود الذي لا بديل عنه، قادر على تفويت الفرصة على الاحتلال الذي يعاني بدوره من انقسامات داخلية اجتماعية وسياسية وهويّاتية بين الليبراليين والمتدينين المتطرفين، في وقت ترفض فيه أغلبية المجتمع الإسرائيلي استمرار الحرب على غزة، لما لها من تداعيات سلبية على ملف الأسرى والاقتصاد والأمن والتماسك المجتمعي.
لا شك في أن مصاب الشعب الفلسطيني كبير، والكارثة أكبر من أن توصف، والتضحيات أعظم من تعبّر عنها الكلمات، ولكن قدر الفلسطيني أن يواجه احتلالًا استئصاليًا.
فالمعركة تحوّلت من إدارة للصراع إلى صراع وجودي، الهزيمة فيه تبدأ بانكسار الإرادة وانهيار العزيمة، لأن معايير القوّة المادية عادة تكون لصالح الاحتلال، والمعيار المادي لا يُقاس عليه في قضايا تحرّر الشعوب وخلاصها، ويبقى الصبر والصمود والمقاومة والتمسّك بقوّة الحق هي مفتاح الفرج بإذن الله، ولنا في حركات التحرر الوطني عبر التاريخ لعبرة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline