بوابة الفجر:
2025-03-04@06:36:45 GMT

أحمد رفعت وقتيل بني إسرائيل ورسائل الرحيل

تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT

عبر ورسائل تركها رحيل اللاعب أحمد رفعت، واضحة وضوح الشمس لا تخطئها عين، فلا أرى دخول اللاعب غيبوبة لفترة طويلة، نتيجة توقف قلبه، ثم إفاقته بأعجوبة شديدة، ليظهر في وسائل الإعلام ويشير إلى مشكلة أثرت فيه، وضغطت عليه، حتى وصل إلى مرحلة صعبة انتهت بتوقف القلب، ثم بعد أيام قليلة تصعد روحه إلى السماء، إلا رسالة تندرج تحتها مجموعة من الرسائل، لا يجهلها إلا غير المتعقل، فكل لبيب بالإشارة يفهم.

المتأمل في حالة أحمد رفعت الفريدة من نوعها، يعلم أنها رسالة إلهية، وتأصيل لمبدأ واضح وهو الظلم ظلمات، ولن ينسى الله تعالى أفعال الظالم، وأنه في لمحة بصر يفضحه، حتى لو كان بإحياء شخص من الموت، للإشارة ولو بتلميح إلى من ظلمه، ولنا في قصة قتيل بني إسرائيل التي وردت تفاصيلها في سورة البقرة، عبرة وعظة.

أحيا الله قتيل بني إسرائيل، عندما ضربوه ببعض من البقرة، التي ذبوحها، تنفيذا لطلب سيدنا موسى، ومن ثم اعترف القتيل على قاتله، وبعدها توفي مرة ثانية، ورغم الفارق بالطبع بين الحالتين، إلا أنهما في المضمون -أراهما من وجهة نظري- يتشابهان، فكلاهما كان في عالم آخر غير الذي نعيشه، أحدهما في عالم البرزخ بعدما توفي، والثاني في عالم آخر بعد دخوله الغيبوبة، وأحيا الله الأول وأفاق الثاني، واعترف الأول على من قتله وأشار الثاني إلى من ظلمه، ولو بتلميح للرأي العام -بينما المقربين منه يعرفون الظالم- ومن ثم أماتهما الله مرة أخرى.

في الدقيقة 88 من عمر مباراة فيوتشر (سابقا) ومودرن سبورت حاليا، الفريق الذي يلعب له أحمد رفعت، أمام نادي الاتحاد السكندري، سقط اللاعب على أرض الملعب بشكل مفاجئ، إيذانا بدخوله فترة كبيرة من الغيبوبة،  وشخَّص الأطباء حالته بأنها نادرا ما تحدث، بتوقف عضلة القلب والكلى وإجراء جلسات مكثفة للغسيل الكلوى، وفحوصات ورعاية مركزة استمرت لشهور، ثم أفاق الله اللاعب بعدها من الغيبوبة، ثم خرج في حديث إعلامي على إحدى القنوات، وقصَّ تفاصيل ما حدث له، وفي خِضَّم حديثه أشار إلى وجود ضغوطات شديدة تعرض لها، أرَّقت حياته وأوصلته إلى حالته الصحية التي انتهت بالغيبوبة، وتوقف قلبه، وحدد شخصا مسؤولا في الدولة، هو الذي مارس الضغوط عليه وظلمه، من دون أن يسمّه أو يحدد شخصيته واكتفى بتلك الرسالة.

حديث رفعت عن المسؤول لم يأخذ اهتماما وقتها، فربما انشغلنا جميعا بعودته وتعافيه، واكتفينا بتفحص تفاصيل وجهه وجسده الذي أكل المرض منه، ولكن الصدمة كانت بعدها بأيام قليلة، إذ خبر وفاته الذي نزل كالصاعقة، على المحبين والمتابعين، المقربين وغيرهم، والذين يعرفونه والذين لا يعرفونه، كلهم انتابتهم صدمة وتعاطف مع اللاعب، الذي رفع الله له ذكره بين الناس في ليلة وضحاها، وانهالت دعوات الملايين من الرياضيين والعوام بالرحمة والمغفرة للاعب، وكأن الله يريد أن يعوضه عما تعرض له قبل وفاته.

أرقام رفعت في الملعب كبيرة، فقد خاض مع الأندية التي لعب لها  وهي: إنبي والزمالك والاتحاد والمصري ومودرن سبورت والوحدة الإماراتي، 211 مباراة وأحرز خلالها 46 هدفا و40 أسيست، ومع منتخب مصر خاض 7 مباريات أحرز خلالها هدفين وأسيست، ولكن أرقامه خارج المستطيل الأخضر، كانت أكبر، فهو لاعب من نوعية اللاعبين الذين يتركون بصمة بإسهامتهم لا بتصريحاتهم، فلم نجد له تصريحا يثير أزمة أو إشارة أو صورة مخلة، لكها كانت إنجازات على أرض الملعب، تركت بصمة سواء على مستوى النادي أو المنتخب.

رسائل عدة تركها رحيل اللاعب، الذي تسبب في اتشاح مواقع التواصل الاجتماعي بالسواد؛ حدادا عليه، وحملة كبيرة تطالب بمعرفة من ظلمه ومن ضغط عليه ليموت كمدا وقهرا بهذه الطريقة، رافضين أي تهرب لأي مسؤول قهره، مهما كان منصبه أو مستواه، وضرورة تغيير المنظومة الرياضية وتغيير طريقة عملها لتفادي تكرار مثل حالة أحمد رفعت.

أولى تلك الرسائل كانت موجهة إلى كل من ظلموا اللاعب، فالله الذي شفاه من غيبوبته المميتة ليتحدث عن تعرضه للظلم والقهر، وإشارته إلى الظالم، يبعث برسالة إلى الظالم بأنه أمام أزمة حقيقية، وسيحاسبه على ما اقترفته يداه بحق اللاعب، وفضحه قبل رحيل اللاعب، فماذا كان الوضع لو لم ينج اللاعب من غيبوبته ويكشف عن ظلم تعرض لها؟ كنا سنتعامل مع قصته بأنه سقط مغشيا عليه لظروف عادية ومن ثم توفاه الله، وانتهى الأمر.

ثاني تلك الرسائل كانت للناس، بأن الموت ليس له معاد محدد، وما أكثر الموت فجأة وتحديدا بين فئة الشباب، وما أحقرها الحياة التي تشغلنا بما لا يستحق ولا يرضى الله عنا، أو ما ينفعنا، فقد انغمسنا في الظلم والكذب واللهو والسرقة واستباحة الأعراض والأموال، وما أحوجنا إلى وقفة حقيقية أمام أنفسنا نعيد فيها ترتيب أولوياتنا وتجعلنا مستعدين إلى لقاء الله.

قصة أحمد رفعت محزنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، فهناك ألف أحمد رفعت في جميع المجالات، والقهر مستشري، ولكن شهرة اللاعب كانت كفيلة بمعرفة قصته.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: أحمد رفعت غيبوبة وسائل الإعلام توقف القلب رسالة إلهية الظلم سورة البقرة سيدنا موسى فيوتشر مودرن سبورت الاتحاد السكندري الزمالك المصري الوحدة الإماراتي المستطيل الاخضر منتخب مصر مواقع التواصل الاجتماعي أحمد رفعت

إقرأ أيضاً:

محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت

بعد أن فقد بصره وهو ابن ثلاث سنوات سأل والده: "متى النهار يطلع يا بابا؟"، فبكى الأب بحرقة وقال "سترى بقلبك يا بني أكثر مما ترى بعينيك"، لم يعرف الأب وقتها أن صوت ابنه سيكون كالشمس في تاريخ مصر، لا يبدأ النهار إلا بسماعه عندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السابعة صباحا.

إنه الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- الذي تلاحم صوته مع نسيج الوعي المصري ووجدانه، فأراد الله أن يحيا صوت الشيخ رفعت في مناسبتين، الأولى طوال العام عند الساعة السابعة صباحا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هذا الوقت الذي يتعلق بذاكرة كل مصري أثناء ذهابه إلى المدرسة ونزوله إلى عمله صباحًا، إذا سمع صوت الشيخ رفعت أدرك أن الشمس قد أشرقت إيذانًا بميلاد يوم جديد مصحوب بصوت الشيخ محمد رفعت.

وأما الثانية فطوال شهر رمضان المبارك مع أذان المغرب، هذا الأذان الذي إن سمعه المصريون في أي وقت استشعروا بنسمات شهر الصيام، ارتبط أذان الشيخ محمد رفعت بالإعلان عن وقت الإفطار كل يوم في رمضان، فأصبح له خصوصية يتفرد بها عن أي أذان آخر.

الشيخ محمد رفعت هذا الصوت الملائكي الخالد الذي تجددت فيه معجزة القرآن، إلا أن التسجيلات التي وصلتنا لم توفه حقه، ذلك لأن أغلب التسجيلات كانت قديمة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فغير المونتاج الصوتي شيئا من حقيقة صوت الشيخ رفعت، والأمر الثاني أن التسجيلات بدأت في فترة مصاحبة المرض لهذا الصوت، كما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في إحدى لقاءاته إن تسجيلات الشيخ محمد رفعت تحمل تأثير مرضه وكأنك تسمع صوتا جميلا لكن عليه مسحة من المرض، وذكر أن تسجيل سورة مريم هو الذي يعطي بعضا من صوت الشيخ رفعت في اكتماله وشبابه ومقدرته.

في حي المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت سنة 1882 لأب يعمل ضابط شرطة بقسم الخليفة، وأم طيبة ترعى بيتها وتقوم على شئون الزوج والأولاد، واسم محمد رفعت هو اسم مركب أما والده فاسمه محمود رفعت وهو اسم مركب أيضًا، ولأن كل إنسان منا يسير إلى قدره المكتوب في الحياة، فقد واجه الشيخ محمد رفعت مصيره في الحياة مبكرا، المأساة الأولى عندما فقد بصره وهو في الثالثة أو الرابعة من عمره، والمأساة الثانية عندما فقد والده وهو ابن تسع سنوات.

ولأن في المنع عطاء، وفي كل محنة منحة، فكانت المأساة الأولى هي سبب العطاء الأعظم في حياة الشيخ محمد رفعت بعد أن قرر والداه أن يهباه للقرآن، وأتم حفظ القرآن وتجويده وهو طفل صغير في مسجد فاضل باشا، والذي عين فيه قارئا للسورة يوم الجمعة إلى أن أقعده المرض، وأما المأساة الثانية فكانت السبب في أن يتحمل الشيخ رفعت مسئولية أسرته الصغيرة المكونة من أمه وخالته وأخيه الأصغر بعد أن أصبح هو العائل الوحيد لهم، وظل على هذا الحال حتى ذاع صيته وأصاب سحر صوته كل من سمعه وتأثر به.

الشيخ محمد رفعت هو معجزة القرن العشرين في تلاوة القرآن الكريم، كان لصوته مفعول السحر على مستمعيه، فلا تسمع تلك الصيحات أثناء تلاوته كما يحدث في السرادقات مع قراء اليوم، ولكن طريقة قراءة الشيخ رفعت بما فيها من هيبة ووقار وإبهار كانت تجعل المستمعين لا يحركون ساكنا، يخشعون رهبة وإجلالا لعِظم ما يُقرأ عليهم.

تقليد الشيخ رفعت يحتاج لإمكانيات صوتية خاصة ولطبقة صوت اختص بها الله الشيخ رفعت، فيصعب جدا تقليده، تمتع الشيخ رفعت بصوت ماسي حاد جدا رنان كأنه الياقوت والمرجان، وبصوت عميق عريض جدا كأنه زئير الأسد في أدنى طبقات صوته، والعجيب أن في علو صوت الشيخ رفعت وهبوطه لا يشعر المستمع بأنه ينتقل بين القرار والجواب فهو يقرأ بطريقة السهل الممتنع، يلون الآيات بصوته وبما يناسب كل آية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكنها تحتاج لذكاء يوظفها بطريقة صحيحة، والشيخ محمد رفعت وهبه الله من الذكاء الفطري والبصيرة الربانية ما جعله يقرأ القرآن بوعي وتدبر وذكاء.

عاش الشيخ محمد رفعت واهبًا حياته لخدمة القرآن الكريم ينشر صوته في كل مكان ويلبي الدعوات بعفة نفس خدمة للقرآن، لم يكن طالب مال ولا شهرة أو جاه، ترك لأبنائه ساعة يد وروشتة طبيب ومصحفًا، كما أخبر بذلك ابنه الأكبر محمد رحمه الله، وأصيب الشيخ رفعت بمرض الزغطة الذي اتضح أنه سرطان الحنجرة، فتوقف عن القراءة سنة 1943 بعد أن حبسه المرض وهو يقرأ ولم يخرج صوته في بعض الآيات فسكت ثم غادر المسجد وسط بكاء كل الحاضرين، وظل يعاني من هذا المرض الذي فشل الطب في علاجه، كان راضيا صابرا ولم يسخط، وفي يوم التاسع من مايو سنة 1950 أخذ يردد (الحمد لله) ويسأل زوجته عن أولاده، ويقول (الحمد لله) ثم فاضت روحه إلى رب العالمين، ليترك لنا صوتا لم ينطفئ يومًا، هذا الإرث الذي يشهد له بما قدمه في حياته لخدمة القرآن وإيصال رسالته، رحم الله قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.

مقالات مشابهة

  • ليون: بن العمري هو اللاعب العربي الوحيد الذي حمل الرقم 3
  • ليون :”بن العمري اللاعب العربي الوحيد الذي حمل رقم 3 “
  • شاهد| معاناة نبي الله إبراهيم عليه السلام من الغربة لحالة الشرك التي وصلت حتى إلى محيطه الأسري
  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
  • صفورية التي كانت تسكن تلال الجليل مثل العصفور.. جزء من هوية فلسطين
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • ميتروفيتش يصل إلى الرياض بعد الفحوصات التي أجراها في صربيا
  • تعرف على الأغنية التي تسببت في شهرة عبد المطلب بأولى حلقات «رمضان المصري وأصحابه»
  • أشرف بن شرقي يكشف عن اللاعب الذي شجعه للانتقال للأهلي
  • محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت