المتغيرات الدولية وانجذاب الشارع العربي نحو إيران
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
في خضم التطورات الجيوسياسية والمتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية والعالم، تلعب إيران دورًا معقدًا ومؤثرًا يتجاوز حدودها. ومع كل هجوم أو اتهام يوجه ضدها، تمكنت إيران من جذب دعم متزايد من الشارع العربي، متجاوزةً بذلك العديد من الاتهامات.
ومن خلال دعمها المتواصل لحركات المقاومة الفلسطينية والقضايا الشعبية العربية، أصبح يُنظر إلى إيران بشكل مختلف في عيون العديد من العرب، حتى ولو كانت هناك نقاط سوداء تظل تحيط بها وببعض حلفائها.
مثال على هذا التحول يمكن رؤيته في دعم إيران لجماعة الحوثي في اليمن. بالرغم من الانتقادات العديدة الموجهة لهذه الجماعة، فإنهم تمكنوا من إعادة تسويق أنفسهم بإغلاق الممر التجاري البحري في البحر الأحمر، ولو على نحو مؤقت، ما أثر إلى حد بعيد على التجارة العالمية. هذا الفعل الذي تم نصرة لغزة أظهر حجم التأثير الذي يمكن أن يحدثه الفاعلون المدعومون من إيران على المستوى الدولي. كما كشف ضعف القوات الأمريكية والبريطانية والأوروبية التي لم تستطع مجتمعة على وقف هذه الهجمات. في هذا السياق، يجد الشارع العربي نفسه أمام معضلة: كيف يمكن تجاهل إنجازات الحوثيين المدعومين من إيران في لجم الغطرسة الأمريكية وداعميها الصهيونيين، رغم كل الانتقادات الموجهة لهم؟.
وفي لبنان، يستمر حزب الله في لعب دور رئيسي في المعادلة السياسية والعسكرية. ورغم أن تدخله العسكري محدود جدا، ولم يصل بعد إلى مستوى واسع النطاق يتوازى مع حجم تصريحات زعيمها حسن نصر الله، إلا أن دعم الحزب لم يكن غائبًا عن أي ساحة تحتاج إلى مساندة. هذا الدعم الذي ينظر إليه الشارع العربي كنوع من المساعدة الحقيقية للقضايا العربية، يجعله أكثر تقبلاً لفكرة التعاون مع إيران وحلفائها.
ومع كل دعم أمريكي غير مشروط لإسرائيل التي لا حدود لها في البطش والطغيان والإبادة الجماعية، يجد الشارع العربي نفسه أمام خيار واحد: دعم إيران وحلفاء إيران معنويا طالما أنهم يسببون إزعاجاً وإرهاقاً للآلة العسكرية والسياسية الإسرائيلية. فمن جانب يجدون مساعدات إنسانية عربية لا تسمن ولا تغني من جوع مع وابل من تصريحات الشجب والإدانة والاستنكار، وفي الطرف الآخر يجدون سلاحاً وصواريخ ومسيّرات ورصاصات إيرانية تتجه ناحية إسرائيل ومناصريها الغربيين.
كثير من المحللين سواء في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أو مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أيدوا هذه النقطة في عدد من منشوراتهم، مشيرين إلى أن الدعم الإيراني للفلسطينيين يعزز من مكانتها في الشارع العربي، ويجعلها تظهر كمدافع رئيسي عن الحقوق العربية.
في المقابل، يبرز غياب واضح لأي مقاومة مسلحة سنية فعالة أو دعم من الدول السنية للقضية الفلسطينية. هذا الغياب يترك فراغًا تستغله إيران وحلفاؤها لتعزيز نفوذهم وزيادة تأثيرهم في الشارع العربي. ومع تزايد العمليات العسكرية والتدخلات من الأطراف المدعومة من إيران، يتساءل الكثير من العرب: أين المقاومة السنية؟ وأين الدعم الذي كان من المفترض أن يأتي من الدول السنية؟ وهل دورهم إرسال سلات غذاء وعلب دواء فقط في هذه الحال؟
رغم كل ما يحيط بها من مثالب وانتقادات، تبدو إيران أكثر قربًا من الشارع العربي، خاصة في ظل تحالفاتها الدولية واستمرار دعمها للقضايا الشعبية العربية.علاوة على ذلك، تجد إيران نفسها تتحالف مع قوى مثل الصين وروسيا، مما يزيد قوتها على الساحة الدولية. هذا التحالف يعزز من صورتها كقوة قادرة على التحدي والتصدي للضغوط الغربية والعربية. في هذا السياق، يصبح الشارع العربي أكثر ميلاً لرؤية إيران كقوة داعمة للقضايا العربية والإسلامية، رغم كل الانتقادات الموجهة لها.
ومن المصادر التي أشارت إلى هذه النقطة، معهد الشرق الأوسط في ورقة بحثية نشروها، والتي أكدت أن الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية يعزز من قدرتها على التأثير في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويجعلها تحظى بقبول أوسع في الشارع العربي.
وفي السياق الإيراني الداخلي، شهدت إيران انتخابات رئاسية جديدة تمت بهدوء ودون أي بلبلة تُذكر. هذا الاستقرار السياسي الداخلي يضيف إلى ثبات إيران في الساحة الإقليمية، ويعزز من قدرتها على الاستمرار في سياساتها الداعمة للحركات المقاومة والقضايا العربية. رغم أن إيران تُعتبر كيانًا فارسيًا ناشرًا للتشيع ومعاديًا للدول العربية، ومصدرًا للثورة بشعارها بعد الإطاحة بالشاه، إلا أنها الأقرب للشارع العربي.
في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، تتغير نظرة الشارع العربي التقليدية تجاه إيران. ما بين الانتقادات والاتهامات، وبين الدعم والإنجازات، تجد إيران مكانتها تزداد بين العرب. رغم كل ما يحيط بها من مثالب وانتقادات، تبدو إيران أكثر قربًا من الشارع العربي، خاصة في ظل تحالفاتها الدولية واستمرار دعمها للقضايا الشعبية العربية. في هذا السياق، يظل السؤال المطروح: هل ستستمر إيران في كسب المزيد من التأييد العربي، وما أثر ذلك على المنطقة؟ أم أن هناك تحولًا آخر يلوح في الأفق؟
*المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات - الكويت
عضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن العاصمة
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العربية إيران إيران العرب علاقات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشارع العربی رغم کل
إقرأ أيضاً:
مشروع قرار أميركي أوروبي ضد إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية
قدمت الدول الأوروبية والولايات المتحدة مشروع قرار يدين عدم تعاون إيران في الملف النووي إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفق ما ذكرت مصادر دبلوماسية، الأربعاء.
وقال مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس إنه "تم تقديم النص رسميا" قبيل منتصف ليل الثلاثاء (23:00 بتوقيت غرينتش)، وأكد مصدر آخر هذه المعلومات، في حين يعقد المجلس اجتماعه، الأربعاء، في مقر المنظمة التابعة للأمم المتحدة بفيينا.
وكشف تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، الثلاثاء، أن إيران تواصل تحديها المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي.
وقالت وكالة أسوشيتد برس التي اطلعت على التقرير، إن طهران رفعت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من درجة تصنيع الأسلحة.
وذكرت أسوشيتد برس أن إيران أصبحت بحلول 26 أكتوبر تمتلك أكثر من 400 رطل (181 كغم) من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة، بزيادة قدرها 38.8 رطلا (17.6 كغم) منذ تقرير وكالة الطاقة الذرية السابق في أغسطس.
وكالة رويترز ذكرت، من جانبها، أن تقريرا آخر لوكالة الطاقة الذرية، كشف أن طهران عرضت عدم زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المئة واتخذت الاستعدادات اللازمة لذلك.
وقال دبلوماسيون إن العرض كان مشروطا بتخلي القوى الغربية عن مساعيها لإصدار قرار ضد إيران في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي يضم 35 دولة، الأربعاء، جراء عدم تعاون طهران مع الوكالة، وأضافوا أن المساعي مستمرة.
يأتي هذا التطور، وفق وكالة بلومبرغ، بعد أن أجرى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الشهر الحالي، محادثات مع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في طهران. وقد أعربت إيران وقتها عن استعدادها لعدم زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة، "وهو ما يُعتبر خطوة مهمة نحو إعادة بناء الثقة بين إيران والمجتمع الدولي"، وفق بلومبرغ.
من جهتها لفتت أسوشيتد برس إلى أنه بعد مغادرة غروسي إيران، تحقق مفتشو الوكالة من أن إيران بدأت فعلا في تنفيذ إجراءات تحضيرية لوقف زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة في منشآتها النووية تحت الأرض في فوردو ونطنز.
وتثير عودة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض تساؤلات حول كيفية تعامل إدارته مع طهران.
وفي عام 2015، أبرمت القوى العالمية اتفاقا مع إيران للحد من قدرتها على تطوير أسلحة نووية.
وفقا لهذا الاتفاق، سُمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67 في المئة، والاحتفاظ بمخزون لا يزيد عن 300 كيلوغرام، واستخدام أجهزة الطرد المركزي الأساسية من نوع IR-1 فقط.
في المقابل، تم رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراقبة البرنامج النووي الإيراني.
وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018، خلال الولاية الأولى لترامب، بدأت إيران تدريجيا في تجاوز القيود المفروضة على برنامجها النووي، ووصلت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المئة.
هذا التطور أثار قلق المجتمع الدولي، إذ يُعتبر التخصيب بنسبة 60 في المئة قريبا من مستوى التخصيب اللازم لتصنيع الأسلحة النووية.
ولا يزال هناك قلق دولي بشأن برنامج إيران النووي، مع دعوات من بعض الدبلوماسيين الغربيين لفرض إجراءات رقابية أكثر صرامة لضمان التزام إيران بتعهداتها النووية.
وتواصل إيران التأكيد على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، في حين يحذر غروسي من أن طهران تمتلك كميات كافية من اليورانيوم المخصب لصنع عدة قنابل نووية إذا قررت ذلك.