بقلم: إبراهيم سليمان

ما يربط الشعبين السوداني والمصري من أواصر، معرفة، ولا داعِ لتكرارها، تلك الوشائج التي تشكلت عبر الحقب التاريخية، بحكم العوامل الجيوسياسية، قدرياً أو قسرياً، ورغم انحياز الرعيل الأول من القادة السياسيين، إلى خيار الاستقلال التام من الحكم الإنجليزي المصري، بدلاً عن التحرر من الاستعمار البريطاني، وإبقاء البلاد تحت التاج المصري، إلا واقع الأمر، ظلت الأنظمة الحاكمة في السودان، تدور في فلك الأنظمة المصرية، منذ فجر الاستقلال إلى يوم الناس هذا.

أي أن مصر خرجت مع المستعمر بالباب، ودخلت بشباك النخب المركزية.
وظلت الأنظمة المصرية، هي المدبرة والمباركة لكافة الانقلابات العسكرية في السودان والمساندة لكافة الأنظمة الشمولية، آخرها انقلاب الـ 25 من أكتوبر 2021م وظلت مصر كذلك هي الحاضنة للمعارضة السودانية، عبر التاريخ. أي أن النخب السودانية بشقيها الحاكمة والمعارضة، ليست بمقدورها، التحليق خارج مدارات الأنظمة المصرية، فقد ظلت هي نقطة الضعف للجميع.
منهم من يكرها، ويحنق على تدخلها السافر في الشأن السوداني، واستغلال موارده، واحتلال أراضيه، إلا أن جميع الساسة والنخب المركزية (إلا من رحم ربه)، وتجار الحرب من قيادات الحركات المسلحة، ضعفاء أمام السطوة المصرية، إدراكاً منهم، عجزهم عن النجاح بعيداً عن رضى ومباركة "أم الدنيا".
لم تترك الأنظمة المصرية المتعاقبة، موبقة لم تمارسها ضد الشعب السوداني، ابتداءً من التحريض المشاركة الفاعلة في تقويض الحكومات المدنية ــ الديمقراطية، والوقوف مع الأنظمة الشمولية المنكلة بالشعب، مروراً بإبادة الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباي، وليس انتهاءً باحتلال أراضي سودانية خالصة (حلاليب وشلالتين وأبو رماد)، بل أن للأنظمة المصرية يدٌ مؤثرة في وضع المناهج التعليمية والتربوية، المشوهة لتاريخ البلاد، والمنحازة للسودان ــ النيلي ــ العروبي، على حساب المكونات الأصلية، التي تمثل الأغلبية العظمي لسكان البلد، فلحت في تمرير هذا المخطط الناعم، عبر النخب المركزية، التي رضعت من المؤسسات المصرية، والتي وجدت ان التدخل المصري في الشأن التعليمي والثقافي، يخدم غرضها، ويلبي تحيزاتها النخبوية.
المؤسف، لم تلد حواء السودانية بعد، سياسي يحترم نفسه، ويحترم شعبه، ليتجرأ ويقول #لا لمصر، حتى من خارج أراضيها، الكل يداهن تفادياً لسطوتها السياسية، ومقدرتها على التأثير السياسي المعاكس.
لا نظن في العالم هنالك ساسة جبناء وقد يكونوا طيبون أو متساهلين فيما يخص المساس بسيادة بلدانهم، وكرامة شعوبهم كما هو لدى ساسة ونخب السودان. لما كان ما عرف بالتجمع الوطني بقيادة فاروق أبو عيسى، والذي ضم كافة أطياف المعارضة السياسة بما فيهم الراحل د. جون قرنق، ولما كان التجمع في قمة عظمته وفورانه السياسي، احتلت مصر حلايب وشلاتين، ولم يفتح الله فم أحدٍ منهم بكلمة بغم، وأستمر الوضع كما هو عليه. فقط د. حمدوك، تجرأ وجاهر بأن #حلاليب سودانية، من داخل مصر، حينه، قال فرعون مصر "حمدوك لازم يمشي"، وقد كان. لكن بكل أسف د. حمدوك الطيب، لم يستطع الصمود على موقفه، وفهم الدرس.
في هذا الصدد، يستحق منا الحركة الشعبية شمال ــ التيار الثوري الديمقراطي، بقيادة الأستاذ ياسر عرمان والميرم بثينة دينار الإشادة، برفضها الدعوة المقدمة لها من قبل السلطات المصرية بخصوص المؤتمر الذي عقد مؤخراً للأطراف السياسية السودانية بالقاهرة، وبسالة نساء الحركة في طرد أميرة الفاضل القيادية بحزب المؤتمر الوطني المحلول من مؤتمر كمبالا.
الكل يعلم أن فرعون مصر، يرمي من عقده المؤتمر الأخير وليس آخرا، خلط الأوراق السياسية، وإضعاف تنسيقية "تقدم"، وتشتيت التركيز الدولي والإقليمي عليها، بخلق اعتبار لكيانات سياسية وشخصيات مغمورة مجرمة تحت ضيافته، وفي كنف مخابراته، وتحت أبطه. يضاف إلى غرض فرعون مصر من مؤتمر القاهرة الأخير النكاية من غريمه آبي أحمد، راعي تنسيقية "تقدم".
واهم من يعتقد أن مصر ترجو الخير للدولة السودانية، وتتمنى صادقة أن تتعافي وتستقر سياسياً، وتزدهر تنموياً، على أحسن الفروض، هم يريدونها، ألاّ تتحرك إلاً وفق هواهم، وحسب مزاجهم وحساباتهم التي تبقيها حديقة خلفية للمحروسة، لا يجوز لها أن تسرع الخطى لتتجاوزها سياسياً وتنموياً، أو حتى تتساوى أكتافها معها!
لن يتحرر السودان من سطوة الفراعنة المصريين، ولن ينعتق ساسته من مؤامرات مخابراتهم ، إلا بنهاية دولةـــ 56 ووضع حدٍ لمهازل نخبها السياسية، الذين لا يرون بأساً ولا حرجاً في التدخل المصري السافر في الشأن السوداني، حتى إن أبادت شعبه، ووأدت حلمه مراراً في تأسيس دولته المدنية ــ الديمقراطية، بل حتى إن احتلت أراضي سودانية خالصة، ونهبت موارده جهاراً نهاراً.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 157//  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأنظمة المصریة

إقرأ أيضاً:

الصحة العالمية: 70 قتيلا في الهجوم على المشفى في مدينة الفاشر السودانية  

 

 

الخرطوم- أسفر هجوم على مستشفى رئيسي في مدينة الفاشر المحاصرة في غرب السودان عن مقتل 70 شخصا وإصابة 19 بجروح، بحسب ما أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس الأحد 26يناير2025.

وقال غيبرييسوس في منشور على منصة "إكس" إن "الهجوم المروع على المستشفى السعودي في الفاشر... أسفر عن سقوط 19 جريحا و70 قتيلا في أوساط المرضى ومرافقيهم".

وأضاف "لحظة الهجوم، كان المشفى مكتظا بالمرضى الذين يتلقون الرعاية".

وفي بيان نادر من نوعه للتعليق على استهداف المرافق الصحية في السودان، دانت السعودية أيضا الأحد الهجوم الذي وصفته بأنه "انتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".

وشددت "على ضرورة توفير الحماية للعاملين في المجال الصحي والإنساني، وعلى أهمية ضبط النفس وتجنب استهداف المدنيين".

يشهد السودان منذ نيسان/أبريل 2023 نزاعا داميا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".

وتحاصر قوات الدعم السريع الفاشر في إقليم دارفور منذ أيار/مايو. وتتصدى مجموعات مسلحة متحالفة مع الجيش لمحاولاتها المتكررة للسيطرة على المدينة.

ولم تتمكن وكالة فرانس برس من التحقق بشكل مستقل لمعرفة أي من طرفي الحرب السودانية شن الهجوم.

وأدى النزاع في السودان إلى كارثة إنسانية ضخمة مع مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص فيما الملايين على حافة المجاعة.

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • السلمية: قوة المستقبل.. ثورة ديسمبر السودانية نموذجاً
  • وزير التربية والتعليم: مقترح "البكالوريا المصرية" يتواكب مع الأنظمة التعليمية العالمية
  • هل تستغل جوبا الأزمة السودانية لفرض واقع جديد في أبيي؟
  • بابا الفاتيكان يحث الأطراف السودانية على بدء مفاوضات لتحقيق السلام
  • وزير التعليم: مقترح البكالوريا المصرية خطوة نحو مواكبة الأنظمة التعليمية العالمية
  • وزير التعليم: مقترح "البكالوريا المصرية" هو مشروع يتواكب مع الأنظمة التعليمية العالمية ومتغيرات العصر
  • الصحة العالمية: 70 قتيلا في الهجوم على المشفى في مدينة الفاشر السودانية  
  • حسام هيبة: 240 مليون دولار الاستثمارات السودانية في مصر
  • الإمارات تُدين بشدة استهداف المستشفى السعودي في الفاشر السودانية
  • السوداني يثمن الجهود التي أمّنت وسهّلت مراسم إحياء ذكرى استشهاد الامام الكاظم