الكتاب: "إفريقيا أفقًا للفكر في مساءلة الكونية وما بعد الكونية"
الكاتب: سليمان بشير دياني وجان لو أمسيل
ترجمة: فريد الزاهي
الناشر: دار معنى للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى 2021
(عدد الصفحات 222من القطع الكبير).

ظهور براديغم ما بعد الكولونيالية


يملكُ مفهوم براديغم مَا بَعْدَ الْكُولُونْيَالِيَةِ دلالتين اثنتين؛ إِنَّهُ ظاَهِرَةٌ برزتْ بعد الاستعمار،وهو ظاهرةٌ تعارضُ الاستعمار وتبعاتهِ في العالم المعاصر في الجنوبِ كما في الشمالِ.

ثمَّ إنَّ براديغم مَا بَعْدَ الْكُولُونْيَالِيَةِ يلزم تصريفه بصيغةِ الجمعِ؛ لأنَّ ثمَّةَ كُتَابٌ و مفكرون و سياسيون عديدون ، ومتخصصون  آخرون في العلوم الإنسانية والاجتماعية ،لعبُوا دورًا مُبَشِّرًا فيه، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، التي شهدتْ ظهورَ وصعود حركاتِ التحرُّرِ الوطنيِّ في بلدان أفريقيا وآسيا، بوصفها تمرداتٍ وانتفاضاتٍ عسكريةٍ في عالم الجنوب  الخاضع للنظام الاستعماري الأوروبي، الذي أصبح مَحْكُومًا عليه بالأفول كما أبرز ذلك استقلال الهند والباكستان عام 1947.

عقب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، برزت على المسرح العالمي القوتان الكبريان المنتصرتان في الحرب أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وعرفتْ التعارض التام في مسألة الهيمنة، بحيث أنَّهما،على الرغم من اختلاف أيديولوجيتيهما السياسية (الرأسمالية الليبرالية للأولى، والاشتراكية للثانية)، كانتا تشتركان في معارضة الاستعمارالأوروبي  بأشكاله القديمة كما كانت أوروبا قَدْ أَرْسَتْهُ منذ بداية القرن السادس عشر. إِنَّهَا الفترةَ التي أخذتْ فيها الولايات المتحدة، بالأخصِّ، مكانَ أوروبَا في الهيمنةِ على بقيةِ المعمورةِ.

لقد تأسَّسَ النظام الرأسمالي العالمي منذ ما يقاربُ خمسة قرونٍ،وفي كل حقبةٍ تاريخيةٍ معينةٍ كانت تَقُودُهُ إمبراطوريةٌ مُحدِّدَةٌ: في الأول  كانت الإمبراطورية الآيبيرية بعد عام 1494، والإمبراطورية الهولندية في القرن السابع عشر. وفيما بعد  تمّ تشكيل النظام العالمي البريطاني لاحقاً نتيجة مؤتمر فيينا عام 1815، والذي كان من شأنه إعادة تقسيم أوروبا بعد هزيمة نابليون، وبعد مؤتمر برلين عام 1885، الذي قسّم القارة الأفريقية بين القوى الأوروبية على أساسِ تفوّقها العنصري المفترض لكونها محتضرة مقارنة بالأجناس الإفريقية المتخلفة بالفطرة، وتأكيد تجارة الرقيق ومبدأ الحرِّية في الداخل والعبودية في الخارج.

يُمْكِنُنَا أنْ نعتبرَ أنَّ التاريخَ الحقَّ لما بَعْدَ الْكُولُونْيَالِيَةِ يبدأُ مع مؤتمر باندونغ، أو"المؤتمر الآسيوي الأفريقي"، وجمع تسعة وعشرين بلدًا أفريقيًا وآسيويًا، وهو أول اجتماع لدول العالم الثالث، التي كانت قد استقلتْ حديثًا في منتصف القرن العشرين، عُقد في الفترة من 18 إلى 24 أبريل/نيسان عام 1955 في باندونغ بإندونيسيا.ومع انهيار العصر الإمبراطوري البريطاني بعد حربين عالميتين، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1945،تشكّل النظام العالمي الرأسمالي الليبرالي الأمريكي، من خلال مؤتمرينِ رئيسيينِ، عُقد الأول في برايتُن وودز في مقاطعة نوه امشِر البريطانية عام 1944، حين أنشأتْ 44 دولة حليفة تمويلاً دولياً للنظام الذي يجسّده البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. وبعد عام اعتمدت 50 دولة ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر مدينة سان فرانسِسكو.

كان على الحلّ الرسمي لتناقضات "حرية الداخل وعبودية الخارج" أن ينتظر حتى عام 1945، عندما قادت واشنطن دول العالم لصياغة مشروع ميثاق الأمم المتحدة ووعدت الشعوب بحرِّية تكوين دولها وفي الموافقة على إعلان آخر بعد ثلاثِ سنواتٍ، حين أكّدت حقوق الإنسان العالمية، وبوضوح فإنّ قيامَ النظامِ الدوليِّ الحاليِّ المكوّن من 193 دولة ذات سيادة وعلى قدمِ المساواةِ في الأمم المتحدة يمثّل تقدّماً هائلاً بعد العصور الإمبراطورية حين حكمت العشرات منها ثلث البشرية. ومع ذلك وفي سعيها وراء القوة العالمية، سرعان ما بدأتْ واشنطن في تحدّي الاتفاقيات الأممية التي حدّدتْ نظامها العالمي الخاصّ، مخالفة السيادة الوطنية من خلال التدخّلات السِرِّيَةِ لوكالة المخابرات المركزية والحروبِ الوحشيةِ في جميع أنحاء العالم وانتهاكِ حقوقِ الإنسانِ وممارسةِ التعذيبِ.

يُمْكِنُنَا أنْ نعتبرَ أنَّ التاريخَ الحقَّ لما بَعْدَ الْكُولُونْيَالِيَةِ يبدأُ مع مؤتمر باندونغ، أو "المؤتمر الآسيوي الأفريقي"، وجمع تسعة وعشرين بلدًا أفريقيًا وآسيويًا، وهو أول اجتماع لدول العالم الثالث، التي كانت قد استقلتْ حديثًا في منتصف القرن العشرين، عُقد في الفترة من 18 إلى 24 أبريل/ نيسان عام 1955 في باندونغ بإندونيسيا.

فقد جمع مؤتمر باندوينغ ، والذي يُعتبرُ تاريخَ دخولِ البلدانِ المستقلةِ في كل من أفريقيا وآسيا التي تسمى بلدان العالم الثالث للساحة الدولية،وتضمنَ القرار الأخير لهذا المؤتمر الدولي إدانةً للاستعمارِ والإمبرياليةِ و الصهيونيةِ  عُمُومًا، ولا سيما نظام الأبارتهايد بجنوب أفريقيا، وفرنسا التي كانت حينها إحدى القوتين الاستعماريتين العظميين بأفريقيا تنضافُ إلى ذلك إرادةِ البلدانِ المشاركةِ في أنْ تعتبر نفسها بلدانًا تلتزمُ بِعدمِ الإانْحِيَازِ لِإحْدَى الكتلتين العظميين، أي الكتلة السوفييتية والكتلة الغربية، وهي الإرادة التي كانت تعلنُ ربَّمَا أيضًا عن إرادة التخلص من الإيديولوجيات التي تهيمن في تينك المجموعتين، إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدان الأفريقية والآسيوية، وإنهاء الاستعمار.

خلال فِتْرَةِ الْحَرْبِ الْبَارِدَةِ كان العالم مقسمًا إلى معسكرين: شرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، وغربي بزعامة أمريكا، وكانتْ أغْلَبُ دولِ العالمِ مُنْحَازَةً إلى أحد المعسكرين، في هذا الوقت بدأت مجموعة من الدول على مستوى آسيا وأفريقيا، خاصة التي خرجتْ للتو من شَرْنَقةِ الاستعمارِ، التفكير في إنشاءِ تًكَّتُلٍ يجعلها خارج تصنيف "شرق غرب" ويُبْقِيهَا على مسافةِ الحيادِ من المعسكرينِ.

لذلك، تضمنتْ نتائج مؤتمر باندونغ إدانة جميع أشكال الإمبريالية والدعوة إلى التعاون الاقتصادي بين المشاركين لإنهاءِ الاعتمادِ المتزايدِ على الولايات المتحدة الأمريكية أو اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، مع الأملِ في مزيدٍ من التعاونِ والتآزرِ بين هذه الدول لتعزيزِ أنظمةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ بديلةٍ لحالة الانقسام بين الرأسمالية الليبرالية الأمريكية والشيوعية السوفياتية خلال فترةِ الحربِ الباردةِ.

بعد سِتِ  سنواتٍ من مؤتمر باندونغ، أُنْشِئَتْ حَرَكَةُ عدمِ الْانْحِيَازِ، التي ضمَّتْ بلدانًا أخرى خارج آسيا وأفريقيا، مثل يوغوسلافيا، وذلك حينما قادت مبادرة الرئيس اليوغوسلافي جوزيب براز تيتو إلى تنظيم المؤتمر الأول لرؤساء دول عدم الانحياز الذي عقد في سبتمبر/ أيلول عام 1961 بالعاصمة اليوغوسلافية بلغراد.

كانت المبادئُ الأساسيةُ لحركةِ عدمِ الانحيازِ هي ذاتها المبادئ التي وضعتها بلدان العالم الثالث في مؤتمر باندونغ مثل ضمان استقلال الدول المستعمرة والسيادة والسلامة الإقليمية والأمن لدول عدم الانحياز في كفاحها ضد الإمبريالية والاستعمار الجديد والعنصرية وجميع أشكال العدوان والاحتلال والسيطرة والتدخل الأجنبي.

وكان من أبرز مخرجات مؤتمر باندونغ، أنَّه جَمَعَ عددًا من القادةِ الذين انْضَمُّوا في النهاية إلى حركةِ عدمِ الانحيازِ، بما في ذلك نهرو وعبد الناصر، اللَّذَانِ كانَا إلى جانب تيتو رئيس يوغوسلافيا، من الْمُؤَيِّدِينَ المهمين لحركة "عدم الانحياز"، التي وصل عددُ الدولِ المنضمين إليها 120 دولة حتى نهاية عام 2022، وهي بذلك تُعَدُّ أكبرَ تجمعٍ للدول في جميعِ أنحاءِ العالم بعد الأممِ المتحدةِ.

عقب نهاية الحرب الباردة، انهارَ النظامُ ثُنَائِيُ القطبِ، بعد (انهيار أحد القطبين انهار الاتحاد السوفييتي في عام 1991). ما يطلق عليه اسم "النظام الدولي الجديد"، هو النظام الأمريكي القائم بالْفِعْلِ، حيث أعلنتْ الولايات المتحدة في عام 1990 أنَّها حققتْ الانتصار بقولها: "بأنَّ الحربَ الباردةَ قد انتهتْ.. لقد فُزْنَا فِيهَا". وهذا النظام الدولي ذو القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة، والذي يعكسُ جوهريًا أزمةَ العولمةِ الرأسماليةِ الجديدةِ، يقومُ على الثورةِ التكنولوجيةِ الهائلةِ التي تَعْتَمِدُ على المعرفةِ الْمُكَثِّفَةِ، وتُشَكِّلُ المراكزُ الرأسماليةُ الغربيةُ قاعدتَها الأساسيةِ، والتي سوف يكون لها إسقاطاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية في تغيير الوجه المادي للعالم.

فكر ما بعد الاستعمار يهتم بتفكيك الظاهرة الاستعمارية ويسعى إلى مناهضة المركزية الغربية ودحض نظرياتها الفكرية وتصوراتها الاستعلائية في محاولة لتغيير مفاهيمها الخاطئة التي تروج لفكرة تدني الأعراق والأجناس غير الأوروبيةوارتباطاً بما سبق نستنتج أن فكر ما بعد الاستعمار يهتم بتفكيك الظاهرة الاستعمارية ويسعى إلى مناهضة المركزية الغربية ودحض نظرياتها الفكرية وتصوراتها الاستعلائية في محاولة لتغيير مفاهيمها الخاطئة التي تروج لفكرة تدني الأعراق والأجناس غير الأوروبية، وقد اختلفت افكار أهم رواده حول معالجة الظاهرة الاستعمارية، في حين اعتمد فانون على مفهوم العنف للتخلص من الاستعمار، دعا أدوارد سعيد إلى فكرة التنوع الثقافي والتعايش السلمي كمشترك إنساني.

إن اللهجة التحريضية التي اتسم بها كتاب (معذبو الأرض) عند فانون بسبب الاضطهاد النفسي الذي مارسه الاستعمار، نجد ما يوازيها عند نكروما وكابرال وأنتا ديوب ومالك بن نبي، إذ يعتبر أن الجنس الأبيض أوقع ظلما غير مبرر بالجنس الأسود، وسيظل ماثلاً في ذهن الإنسان الأسود حتى يشعر أنه قد رد اعتباره، فإن محو الاستعمار؛ كما يذهب جان بول سارتر (1905م ـ 1980م) في تقديمه لكتاب فانون يستهدف تقييم نظام العالم وقلب النظم قلباً مطلقاً؛ لذلك نجد فانون في خاتمته لكتابه (معذبو الأرض) يقول: "إذا أردنا أن نحيل إفريقيا إلى أوروبا جديدة وأن نحيل أمريكا إلى أوروبا جديدة كان علينا أن نعهد بمصائر بلادنا إلى أوروبيين.. فمن أجل أوروبا، ومن أجل أنفسنا ومن أجل الإنسانية، يجب علينا يا رفاق، أن نلبس جلداً جديداً، أن ننشيء فكراً جديداً، أن نحاول خلق إنسان جديد".. إن فانون يريد أن يقول: إن الماركسية ليست حلاً شاملاً؛ كما أن البنيان التحتي الاقتصادي في المستعمرات، هو بنيان فوقي؛ فالمرء غني لأنه أبيض وأبيض؛ لأنه غني، حاثاً العالم الثالث لأن يقف بمنأى عن الصراع بين الاشتراكية، والرأسمالية؛ فهو يرى ان هناك اعتقاداً سائداً لدى الناس عامة أن على العالم والعالم الثالث خاصة أن يختار بين النظام الرأسمالي، والنظام الاشتراكي؛ لكن هذه البلاد يجب أن ترفض الانصياع لهذا التنافس، وأن لا يكون قائماً على أمر مسبق.

لكن بعد الإمبراطوريات الاستعمارية ثم سقوط حائط برلين، وبعد وضعية ما بعد الحرب الباردة، أخذت المواجهات العمودية، حسب جان لو أمسيل، وبشكل سريع، شكلاً جديداً من خلال التخلي عن البراديغم التاريخاني والماركسي لصراع الطبقات، الذي كان مع ذلك وليد حرب الأعراق، لبث روح جديدة في هذا الأخير بالمجاوزة الأكيدة للروابط الجانبية أو الصراعات الأفقية. ومما تبقى من العلاقات الاستعمارية فضلت لنا هويات عمودية وعرقية أضحت تقوم بعمليات القطع والتشذير والعزل للأجسام أو الحقول الاجتماعية والفكرية والأدبية والفنية وتقسيمها إلى قطع وحزات عمودية. إننا نشهد اليوم عودة قوية للعرق، وإضفاء متزايداً للطابع الإثني على العلاقات الثقافية كما برهن على ذلك الأنثربولوجي بشكل مستفيض (أثننة فرنسا، 2011؛ الحفر السفر الجدد، 2014).

اقرأ أيضا: الأبحاث ما بعد الكولونيالية وتأثيراتها على المجتمعات المستعمرة.. كتاب جديد (1من2)


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الاستعمار أوروبا العالم الثالث أوروبا كتاب استعمار عرض عالم ثالث كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة العالم الثالث التی کانت بلدان ا ما بعد التی ت

إقرأ أيضاً:

جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تنظّم حفل توقيع كتاب “الهُويّة الوطنيّة” لجمال السويدي

نظّمت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في أبوظبي، اليوم الثلاثاء، ندوة “قراءة في كتاب.. الهُويّة الوطنيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة.. بين خصوصية الثوابت والقيم وعالمية المعايير” لمؤلفه معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

وحضر الندوة التي عُقدت في مسرح الجامعة، سعادة الدكتور خليفة الظاهري مدير الجامعة وعدد من الأكاديميين وأساتذة الجامعة، وجمهور غفير من طلبة الجامعة والقرّاء، ووقّع معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي على نُسخ من كتابه، الصادر عن الأرشيف والمكتبة الوطنية، والذي يستعرض التجربة الفريدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في بناء هويتها الوطنية، التي تقوم على دعائم عديدة أبرزها التسامح والتعايش السلمي.

وقدّم الدكتور جمال السويدي الشكر إلى منظمي الحفل والحضور، معرباً عن سعادته البالغة لإقبال الجمهور والقرّاء على الحفل واقتناء الكتاب، قائلاً: إن كتابه محاولة بحثية جادة تهدف إلى إثراء النقاش حول الهوية الوطنية، والجدل الدائر حولها، في ظل التحولات العالمية والتحديات المحلية والإقليمية، كما يسلّط الضوء على كيفية تفاعل دولة الإمارات العربية المتحدة مع تلك التحولات، دون المساس بملامحها الثقافية والاجتماعية المميزة.

وأضاف السويدي أن الكتاب يتضمن رؤية مستقبلية للهُوية الوطنية في مرحلة ما بعد النفط، مشيداً بالجهود التي يبذلها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بالتعاون مع إخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات، في بناء مجتمع متماسك، يتجاوز الولاءات القَبَلية والعائلية، ويصون الهوية الوطنية للبلاد، ويجمعهم حول إرثهم الوطني وتاريخهم ومكتسباتهم في بوتقة الوطن الإماراتي الموحّد، لافتاً إلى أن الكتاب يستعرض نظريات الهوية، ويبرز الخصوصية الثقافية والاجتماعية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويناقش كيفية استجابة الدولة للتحديات الحديثة، عبر تهيئة الأجيال للمواطنة الإيجابية في مجتمع رقمي آمن.

وألقى الدكتور رضوان السيد، عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، كلمة تعريفية عن الكتاب والمؤلف، أشاد خلالها بموضوع الكتاب وفكرته، وأثنى على المسيرة البحثية والعملية للسويدي، ووصفه بالمفكر الموسوعي، مشيراً إلى أن الكتاب يوثّق التجربة الفريدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، في بناء هويتها الوطنية، التي تقوم على دعائم عديدة أبرزها التسامح والتعايش السلمي.

وقال عبد الهادي الأحبابي، الذي أدار جلسة القراءة في الكتاب، إن معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، نجح من خلال كتابه في سرد جهود القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، في تعزيز مفهوم المواطَنة، التي ترتكز على عدد من الأُسس هي: الهُويّة الوطنيّة، والوحدة، والسيادة، والاستقلال، والعدالة.

وتحدثت الدكتورة فاطمة الدهماني، رئيس قسم التسامح والتعايش، عضو هيئة التدريس، بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، عن دور الكتاب في برامج الجامعة، مؤكدةً أن الكتاب سوف يثري المكتبات الجامعية، لأنه يتناول مسألة في منتهى الأهمية، وهي مسألة الهوية الوطنية، ويوضح أن المواطَنة في دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر من أهم التجارب العربية، ويستند في ذلك إلى عمق فكرة المواطَنة ورسوخها لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تفوق العديد من الدول التي سبقتها في التأسيس بعقود عديدة.

وناقشت الدكتورة مريم الزيدي، رئيس قسم الفلسفة والأخلاق، الأستاذ المساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، قيمة الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، موضحةً دور الهوية الوطنية في دعم وتقوية التماسك المجتمعي، مضيفة أن المؤلف كشف مراحل تشكيل الهوية الإماراتية على مدار مئات السنين، كهوية مشتركة لأبناء هذه المنطقة، بحكم الجغرافيا والدين والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك، مشيرة إلى أن الكتاب يوثّق كيف أن تلك الهوية استقرّت بشكل تام، وتبلورت بصورة واضحة مع إقامة اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصبح هناك وطن يضم الجميع، تشكّلت معه وبه هوية وطنية واحدة، يؤمن بها كل أبناء الإمارات، ويدركون من خلالها أنهم شعب واحد، ومصيرهم واحد.

فيما تحدّث الأستاذ سعيد الكتبي عن مضمون الكتاب، مشيراً إلى أن الكتاب يتناول بحيادية وموضوعية دور القيادة الرشيدة في ترسيخ ركائز الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مضيفاً أن الكتاب يسعى إلى إبانة مدى انسجام نموذج الهُويّة الوطنيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة، من حيث الحقوق المدنيّة والسياسية والاجتماعية، مع مسارات التطور التي مرّت بها المفاهيم التقليدية والقانونية للمواطنة في التاريخ الحديث.

وتناول الأستاذ عبدالمعين المنصوري باحث في الدراسات الإسلامية في جامعة محمد بن زايد، التعريف بالمؤلف معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، وأهم مؤلفاته، فيما تحدثت الطالبة فاطمة المالود عن أهمية الكتاب، أما الطالبة بيّنة الكربي فتناولت آفاق الكتاب العملية والثقافية.

وفي ختام الندوة، أجمع الحضور على أن كتاب “الهُويّة الوطنيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة.. بين خصوصية الثوابت والقيم وعالمية المعايير” يقدم تأصيلاً تاريخياً لنموذج الهويّة الوطنية الإماراتية، ويسعى إلى إعادة بناء مفهومها، بهدف استيعاب التطورات العالمية والتكنولوجية والاجتماعية، بشكل متزامن ومتوازن في ظل التحديات الجديدة، وهو ما قد يمكّن المجتمعات الخليجية من الاستفادة بالخبرات والمقومات، التي تمتاز بها تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، لتعزيز الثقافة المشتركة والتلاحم الاجتماعي.


مقالات مشابهة

  • قافلة رياضية شاملة بنادي المستعمرة في القصير ضمن مبادرة «بداية»
  • بشعار العالم في كتاب.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47
  • حفل إطلاق كتاب رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود للناقدة شيرين أبو النجا
  • إطلاق كتاب «شوشا.. جوهرة أذربيجان» بالعربية في جناح الإيسيسكو بـ «كوب 29»|صور
  • كتاب وصحفيون لـ"الرؤية": "القاهرة السينمائي" بوابة العبور للعالم.. والقضية الفلسطينية في مقدمة اهتمام المهرجان
  • “هيفولوشن الخيرية” تخصص 400 مليون دولار لتعزيز الأبحاث العالمية بمجال إطالة العمر الصحي منذ بدء أعمالها عام 2021
  • أزمة بين فرنسا وأذربيجان بسبب "الاستعمار" و"جرائم ماكرون"
  • «جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية» تنظم حفل توقيع كتاب «الهُوية الوطنية» لجمال السويدي
  • مراجعات ريتا يتناول أجندة نتفليكس التي تثير غضب الجميع
  • جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تنظّم حفل توقيع كتاب “الهُويّة الوطنيّة” لجمال السويدي