تساءلت صحيفة ليبراسيون ما الذي سيحدث بعد الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الشعبية الجديدة دون أغلبية مطلقة؟ لترد بما قالت إنه تمرين صغير في الخيال السياسي، يجمع بين تحليلات بعض الخبراء بناء على الإمكانيات التي توفرها مؤسساتنا، وبين واقع الجمعية الوطنية المستقبلية.

ورأت الصحيفة -في تقرير بقلم لوسي ألكسندر- أن انقسام الجمعية الوطنية إلى كتل كبيرة متعارضة، لن يسمح بظهور أغلبية مطلقة في هذه الانتخابات التشريعية المرتقبة، لتقف أمام مشهد سياسي جديد لم تعرفه الجمهورية الفرنسية الخامسة منذ إنشائها عام 1958.

ومع أن اليسار احتل المرتبة الأولى، فقد بقي بعيدا من الحصول على 289 نائبا، وهي الأغلبية اللازمة لتمرير مشاريع ومقترحات تشريعية دون وقوع حوادث، مما يعني حالة انسداد مؤسسي، تحاول ليبراسيون تلخيص مآلاته في 10 سيناريوهات محتملة على النحو التالي:

التعايش
شهدت فرنسا، منذ بداية الجمهورية الخامسة، هذا الوضع 3 مرات، عندما لم يعد اللون السياسي لرئيس الجمهورية هو نفس لون رئيس الوزراء وحكومته، بسبب خسارة الرئيس في الانتخابات التشريعية.
وقد وقع ذلك مرتين في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، ثم حدث مرة في عهد الرئيس اليميني جاك شيراك، ولكن في كل مرة كان اليمين أو اليسار يحصل على الأغلبية المطلقة، أما في هذه الحالة، فقد دعا قادة اليسار الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تعيين رئيس وزراء من صفوف الجبهة الشعبية الجديدة بصفتها "القوة الأولى" الناتجة عن الانتخابات. واعتبر أستاذ العلوم السياسية بنجامين موريل أن "هذا هو السيناريو الأبسط من وجهة النظر المؤسسية والبرلمانية"، ولكن لا أحد يعرف كيف سيتصرف ماكرون المتعود على تركيز السلطة في شخصه، في هذه الحالة، كما أن التصويت على القوانين، وحتى على الميزانية، سيكون معقدا للغاية.
وقد تظهر خلافات شائكة بين رئيس الوزراء المستقبلي والرئيس، لأن ما اعتدنا أن نطلق عليه "المجال المحجوز" لرئيس الجمهورية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لا ينص عليه الدستور، وبالتالي سيتعين على ماكرون أن يكافح بشدة من أجل الاحتفاظ بامتياز تجسيد فرنسا بالنسبة للخارج.

تشكيل ائتلاف
ولعدم ظهور أغلبية واضحة، فهناك إمكانية تشكيل تحالف بين المجموعات السياسية المختلفة لتشكيل ائتلاف حاكم، وإن هذه الممارسة الشائعة في الأنظمة البرلمانية حالة غير مسبوقة في فرنسا في ظل الجمهورية الخامسة.
ومن المؤكد أن شيطنة اليسار من قِبل المعسكر الرئاسي لا تساعد في تعاون بين الماكرونيين، وهذا الجزء من الطيف السياسي الذي يشمل حزب فرنسا الأبية، التي حذر قادتها حلفاءهم في الجبهة الشعبية الجديدة من أي "اندماج" مع الأحزاب المنتهية ولايتها، كما أنه من غير المتصور أن يقع ائتلاف يميني يشمل حزب التجمع الوطني، وبالتالي فإن خيار الأغلبية النسبية، يبقى ضعيفا جدا. حكومة وحدة وطنية
هنالك صيغة تصورها ماكرون من المفترض أن تجمع بين المجموعات السياسية المعروفة باسم "القوس الجمهوري"، ولكنها بقيت غير محددة ولم تر النور قط، ولكن تطبيقها على اليسار يتطلب كسر الاتحاد المبرم قبل الانتخابات التشريعية، ولا يمكن أن يكون على جدول الأعمال نظام التجمع. أجواء العودة إلى الجمهورية الثالثة
ولأن الدستور يمنع إجراء أي حل جديد في السنة التالية للانتخابات التي تعقب حل البرلمان، يتوقع أستاذ العلوم السياسية توماس إيرهارد وجود نظام جمعية مماثل لذلك الذي شهدته الجمهورية الثالثة، وهو مرادف لعدم الاستقرار الوزاري الكبير. و"خطأ ماكرون ومستشاريه -حسب توماس إيرهارد- هو أنهم لم يفهموا أن الحل يعمل مثل الأسلحة النووية، والتهديد به هو الذي يعطي القوة لا تنفيذه"، ولذلك سيكون ميزان القوة مختلا بين السلطة التنفيذية والبرلمان الذي يستطيع الإطاحة بالحكومة في أي وقت دون خشية الحل على الأقل لمدة عام.

حكومة فنية
لقد ظهر هذا التعبير في الأيام الأخيرة، بل قد تمت صياغته من قبل حزب التجمع الوطني لاستحضار حل افتراضي للانسداد المحتمل للمؤسسات، وتتمثل الفكرة في السماح للخبراء بإدارة الوزارات لمدة عام، قبل أن يسمح بحل جديد لجلب أغلبية أكثر وضوحا، وهي تذكر برؤية ماكرون بأنه "من الضروري أن تحكمنا الخبرة لا الأيديولوجيا". حكومة تصريف الأعمال
وليس من السهل التمييز بين حكومة تصريف الأعمال والحكومة الفنية، وهي سلطة تنفيذية مطاح بها أو مستقيلة تتمتع بسلطات مقيدة، وتظل في مكانها لإدارة الأمور وحالات الطوارئ، وبالتالي تجسيد استمرارية الدولة، في انتظار التوصل إلى اتفاق ائتلافي، وهي غريبة تماما على الفرنسيين، مع أنها شائعة بين جيرانهم البلجيكيين والإيطاليين والألمان. حل جديد
مع أن الدستور لا يسمح مبدئيا لماكرون بحل البرلمان مرة أخرى قبل مرور عام، "فقد تكون هناك طريقة" -حسب بنجامين موريل- فالرئيس لكونه الضامن للمؤسسات في نهاية المطاف، يمكن أن يكون لديه مسار قانوني لا يتم فيه التشكيك في قرار الحل الجديد، خاصة أن مثل هذا السيناريو لم يحدث قط".

الاستقالة
إذا كانت مارين لوبان أكدت خلال الحملة الانتخابية أن ماكرون لن يبقى أمامه إلا "أن يستقيل"، فإن ماكرون نفسه أعلن أنه يستبعد هذا الاحتمال وكتب "يمكنكم أن تثقوا بي للعمل حتى مايو/أيار 2027 كرئيس لكم وحام لجمهوريتنا وقيمنا"، علما أنه -كما يقول بنيامين موريل- ليست هناك أي مصلحة عقلانية في الاستقالة من منصب رئيس للجمهورية". ومن وجهة نظر عقلانية أيضا، لا فائدة من حل مجلس الأمة في هذا السياق أيضا، ومع ذلك بوسع الرئيس أن يختار التخلي عن مهامه، وسيكون الأمر لرئيس مجلس الشيوخ حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لا يسمح للحزب المنتهية ولايته بالمشاركة فيها إلا بعد انتهاء ولاية خلفه.

من اليمين إلى اليسار: بارديلا وماكرون وميلانشون (وكالات) الصلاحيات الكاملة
رأت ليبراسيون أن شائعة اللجوء إلى المادة 16 من الدستور لمعالجة غياب أغلبية واضحة في البرلمان يدحضها جميع المختصين الجادين، ولا يمكن تفعيل هذا الإجراء المسمى "الصلاحيات الكاملة" الممنوحة لرئيس الجمهورية، إلا "عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة بشكل جدي وفوري". و"من المستحيل الاستناد إلى هذا السياق"، كما يقول توماس إيرهارد. الإصلاح المؤسسي
تساءلت الصحيفة هل يستطيع رئيس الدولة أن يقترح إصلاح الدستور كحل؟ يقول توماس إيرهارد الذي لا يؤمن بهذا الخيار إنه "لا يمكننا أن نتجاهل نتيجة الانتخابات التشريعية"، خاصة أن ماكرون، خلافا للجبهة الشعبية الجديدة التي تريد إنشاء جمهورية سادسة ويقوم بعض أعضائها بحملة من أجل جمعية تأسيسية، لا يعتقد أنه ينبغي طي صفحة الجمهورية الخامسة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات الانتخابات التشریعیة الشعبیة الجدیدة

إقرأ أيضاً:

ما خيارات حماس للتعامل مع إجراءات نتنياهو ضد غزة؟

غزةـ يتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من قطع إمدادات الغذاء والوقود عن قطاع غزة ورقة ضغط على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بهدف دفعها للاستجابة لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن المزيد من الأسرى، والتهرب من التزامه بتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من الاتفاق وصولا لوقف إطلاق النار بشكل دائم.

وفي الوقت الذي لاقت إجراءات نتنياهو رفضا من قبل حركة حماس التي دعت الوسطاء للضغط عليه لتنفيذ مراحل الاتفاق بكل تفاصيله، إلا أن ذلك يفتح التساؤل حول خياراتها للتعامل مع تهديدات الحكومة الإسرائيلية لفرض المزيد من العقوبات ضد غزة.

سحب الذرائع

ومع تواتر الأخبار التي يتداولها الإعلام العبري عن أن إسرائيل تبحث إمكانية وقف إمداد غزة بالمياه كجزء من إجراءات إضافية ضد القطاع، قال القيادي في حركة حماس محمود مرداوي إن حركته وقعت اتفاقا واضحا من 3 مراحل.

وأضاف أن الحركة التزمت بتنفيذ جميع بنود المرحلة الأولى، في الوقت الذي تهربت فيه حكومة الاحتلال من الالتزام بالبروتوكول الإنساني، وأخلّت بمواعيد الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، ولم تسمح بتوفير الاحتياجات الأساسية لتيسير الحياة في قطاع غزة.

إعلان

وأوضح مرداوي، في حديث خاص للجزيرة نت، أن حماس ملتزمة بتطبيق الاتفاق الذي رعاه الوسطاء بكل مراحله والذي يقوم على وقف دائم لإطلاق النار، وإعادة الإعمار، وإطلاق سراح الأسرى.

وطالب الوسطاءَ الضامنين للاتفاق بالضغط على الاحتلال للدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، ووضع حدا لتهديدات الاحتلال، لأنه من حق الشعب الفلسطيني الوصول لمرحلة من الاستقرار.

وشدد مرداوي على أن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح أيٍّ من أسرى الاحتلال لديها.. إلا من خلال المفاوضات، وكل الشواهد تدلل على أن جميع وسائل القتل التي استخدمتها إسرائيل لن تمكنها من الحصول عليهم دون اتفاق.

اتفاق شامل

وأضاف القيادي في حماس: "لن يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين إلا وفق اتفاق شامل، تتم بموجبه صفقة تبادل أسرى ويحقق الاستقرار ويعيد بناء قطاع غزة".

وجدد مرداوي تأكيده على أن الشعب الفلسطيني سيبقى ثابتا على موقفه، ولن يبرر للعدو الإسرائيلي العودة للحرب كونها لن تحقق له شيئا.

وفي السياق ذاته، قال القيادي في حركة حماس مشير المصري إن حركته استجابت بمسؤولية لكل المبادرات التي طرحت بشأن تحمل الكل الفلسطيني مسؤولية إدارة غزة وإعادة الحياة للقطاع الذي دمرته قوات الاحتلال من جديد.

وأوضح المصري، في حديث خاص للجزيرة نت، أن حماس خاضت حوارات مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية بهذا الشأن، وقبلت بالطرح المصري لتشكيل لجنة إسناد مجتمعي وذلك من منطلق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.

المصري يؤكد حرص حماس على نزع أي مبرر لتعطيل أيٍّ من مراحل الإغاثة والإيواء (الجزيرة)

وكشف المصري عن حرص حماس على نزع أي مبرر يتخذه البعض لتعطيل أيٍّ من مراحل الإغاثة والإيواء وصولا إلى إعادة إعمار قطاع غزة.

وأشار القيادي في حركة حماس إلى أنهم معنيون بالتعامل وتعزيز الشراكة مع كل القوى العربية والدولية باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة جمعاء.

إعلان

أما على صعيد التحدي العسكري فقال المصري "واثقون أن كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس التي بنت نفسها من الصفر ووجّهت ضربة مؤلمة وقاتلة لأقوى قوة في المنطقة، قادرة على أن تستعيد قدراتها وكفاءتها العسكرية والأمنية".

ويعتقد المصري أن تصعيد الاحتلال الإسرائيلي من جرائمه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة يأتي في إطار محاولته البحث عن نصر مزعوم، والهروب من فشله في قطاع غزة، لافتا إلى أن الضفة قادرة كما كل مرة على الخروج من القبضة الأمنية، وإيلام المحتل.

ضغط سياسي وميداني

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن حماس تدرك جيدا أن نتنياهو يناور سياسيا ويحاول كسب المزيد من الوقت لتحقيق مكاسب داخلية، ولا سيما في ظل الضغوط الداخلية التي يواجهها، وبالتالي قد تعتمد الحركة على نهج متعدد الأبعاد يجمع بين التلويح بالتصعيد الميداني، والضغط السياسي، والمناورة التفاوضية لإجبار الاحتلال على العودة إلى الطاولة بشروط أكثر توازنا.

ويعتقد عفيفة، في حديث خاص للجزيرة نت، أن خيارات حماس تكمن بتسليط الضوء على المعاناة الإنسانية لزيادة الضغط الدولي على الاحتلال، واستثمار ذلك في معركة الرأي العام، بالإضافة إلى تكثيف الدور القطري والمصري لكسر الجمود الحالي.

وذهب عفيفة إلى احتمالية أن تلجأ حماس للتهديد بوقف التفاوض تماما حال استمر التعنت الإسرائيلي، مما قد يشكل ضغطا داخليا على حكومة الاحتلال، خاصة مع تزايد الضغوط عليها من عائلات الأسرى الإسرائيليين.

ورجح الكاتب والمحلل السياسي أن تستغل حماس الانقسامات الإسرائيلية حول استمرار الحرب وملف الأسرى، وتمارس ضغطا على عائلات الأسرى الإسرائيليين للتأثير على القرار السياسي، لأن خيار العودة إلى الحرب الذي يلوّح به الاحتلال لن يحقق أهدافا جديدة رغم خطورته.

إعلان

مقالات مشابهة

  • ما خيارات حماس للتعامل مع إجراءات نتنياهو ضد غزة؟
  • العراق بقلب العاصفة.. تقارب واشنطن وموسكو يحرج طهران ويدفعها لـ4 خيارات
  • شهر الصوم في الصحافة الفرنسية
  • الزرقاء: الاكتفاء بإجراء الانتخابات التشريعية فقط لا يقود لاستقرار البلاد
  • الزرقاء: لا تراجع عن التزامن بين الانتخابات التشريعية والرئاسية
  • السويح: لقاء القاهرة لم يبحث فصل الانتخابات التشريعية عن الرئاسية
  • ليبراسيون تقابل أحد مصممي فيديو غزة الذي نشره ترامب
  • وزير الداخلية: حاضرون لأية خيارات
  • هل هي حرب معلنة بين رئيس الجمهورية الفرنسية ووزير داخليته بخصوص الجزائر ؟
  • البحرية الفرنسية تعود إلى العراق بعد غياب 13 عاماً.. صور