لم تمر سوى بضعة أيام على عقد اجتماع بشأن اليمن بين السفيرين الصيني والأمريكي في سفارة بكين بالرياض، حتى أطل السفير الصيني لدى اليمن شاو تشنغ في مقابلة موسعة مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية، متحدثاً عن بعض القضايا في الأزمة اليمنية ودور بلاده في حلها. 

المقابلة التي نُشرت الأحد ركز فيها السفير الصيني على دور بلاده في التنسيق بين القوى الدولية والإقليمية لدعم الحل السياسي في اليمن وإنهاء الحرب، وعن هجمات المليشيا الحوثية ضد السفن التجارية والحضور الصيني في البحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن والبحر العربي.

وكان "نيوزيمن" نشر تحليلاً سياسياً، الأربعاء الماضي، عن إمكانية توسع الدور الصيني في إنهاء الحرب في اليمن في ضوء التقدم الملحوظ في العلاقة بين بكين والرياض، مما يشير إلى دور المملكة في توسيع الشراكة مع الصين نحو الملفات الساخنة في المنطقة، ومنها اليمن، وهو ما أكده السفير الصيني لدى اليمن في هذه المقابلة، حيث وصف الدور السعودي في الأزمة اليمنية بـ"الإيجابي"، وأنه سبق أن التقى بالسفير السعودي لدى اليمن "مرارا وتكرارا" واصفا إياه بالصديق العزيز.

وقال شاو تشينغ، إن بلاده على تواصل مستمر مع القوى الدولية والإقليمية بشأن الأزمة اليمنية، وعلى رأسها السعودية، مؤكداً دعم بكين لخارطة الطريق وللجهود الإيجابية السعودية لتحقيق السلام في اليمن، وأنه يتطلع إلى "تحقيق السلام في الأيام القريبة بما يفيد المنطقة والعالم". وفي تطابق في الموقف الصيني مع السعودية إزاء الأزمة اليمنية، قال السفير تشنغ، إن دعم الصين للحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي ثابت، مطالباً الأطراف اليمنية بالجلوس إلى طاولة الحوار لتوقيع اتفاق سلمي "قريباً". 

ويأتي إجراء هذه المقابلة متزامناً مع انتهاء جولة المفاوضات بشأن الأسرى والمعتقلين بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي في العاصمة العمانية مسقط، حيث لم يخرج الوفدان المتفاوضان بأي نتائج عملية للإفراج عن أسرى ومعتقلين لدى الطرفين، الأمر الذي يشير إلى رغبة الصين في الظهور كدافع دولي للمفاوضات المتعثرة مع المليشيا الحوثية.

كما كشف السفير الصيني، خلال المقابلة، أن "لدى الصين تواصلاً مع جماعة الحوثيين، وبقية الأطراف اليمنية؛ داعياً إلى التوقف عن استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر". وقال إن الصين تتمتع بعلاقة تواصل مع الحوثيين والأطراف المعنية الأخرى، وذلك بهدف معرفة النية الحقيقية لها، وبذل جهود مشتركة لتحقيق السلام في اليمن، على حد وصفه. كما تطرق إلى أن الصين تستعد لتعزيز التعاون مع الأحزاب اليمنية المختلفة، مشيراً إلى أن زيارة وفد حزب "التجمع اليمني للإصلاح" إلى بكين مؤخراً جاءت تلبيةً لدعوة حضور مؤتمر مهم في الصين.

وأضاف: "لدينا تواصل مكثف مع المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي، والأحزاب اليمنية الأخرى. أتمنى من الأحزاب اليمنية أن تبذل جهوداً مشتركة لتحقيق السلام في اليمن، وتفيد الدولة والشعب".

وبشأن أحداث البحر الأحمر، كشف تشنغ أن بلاده تستعد للتنسيق مع الدول الإقليمية لتحقيق السلام في هذه المنطقة بشكل سريع، مبيناً أن القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي لا تشارك في أي مهمات في البحر الأحمر حالياً.

وأشار الدبلوماسي الصيني إلى أن البحرية الصينية الموجودة في خليج عدن وقبالة الصومال استطاعت خلال السنوات الـ15 الماضية، تقديم الحماية لـ7200 سفينة صينية وأجنبية في المنطقة، بمشاركة 35 ألف جندي صيني. ودعا الحوثيين في هذا السياق أن "يتوقفوا عن الاستهدافات العسكرية للسفن التجارية في البحر الأحمر"، مؤكداً رفض بلاده الاستهداف العسكري للسفن التجارية والملاحة في البحر الأحمر، وقال: "علينا أن نضمن أمن البحر الأحمر، ونعبِّر عن موقفنا للحوثي وللأطراف الأخرى. أزمة البحر الأحمر تتواصل منذ نحو نصف عام، وخلقت خسائر كبيرة في دول مختلفة، لذلك ندعو لوقف الاستهداف العسكري للسفن التجارية".

وأضاف: "في الوقت نفسه، فإن الصين تعتقد بأن أزمة البحر الأحمر تتعلق بالصراع في غزة، لذلك ندعو لتحقيق السلام في غزة فوراً، وتقديم مساعدات إنسانية لتجنب انتشار الأزمة في المنطقة".

وفي تعليقه على استهداف جماعة الحوثي إحدى السفن الصينية الفترة الماضية، أكد تشنغ أن الصين تتابع الأوضاع في البحر الأحمر بشكل مستمر، وقال: "كما تعرف سوق السفن الأجنبية معقدة نسبياً، ولا يمكننا أن نميز هذه السفينة تتبع لأي دولة، وعليه ندعو لوقف الاستهداف العسكري للسفن التجارية؛ لتجنب التأثير في سلاسل الإنتاج والتوريد في العالم". وشدد على أنه "يجب على المجتمع الدولي أن يضمن السلام في البحر الأحمر وفقاً للقانون الدولي... ومن ناحية أخرى علينا أن نحقق السلام في غزة ونتجنب انتشار استهداف المدنيين حول العالم، وأن نحترم السيادة للدول المطلة على البحر الأحمر مثل اليمن، كما ندعو وننبه السفن التجارية لأن ترفع الوعي الأمني".

وأوضح القائم بأعمال السفارة الصينية لدى اليمن أن بكين "أكبر دولة في العالم من حيث الصناعة، وهي شريك تجاري لنحو 100 دولة"، لافتاً إلى أن ارتفاع أسعار التأمين للبضائع بسبب الهجمات الحوثية على السفن، وأن السفارة الصينية تقوم بتزويد السفن التابعة لشركات صينية بالتنبيهات أثناء مرورها من جنوب إفريقيا.

وعن مستقبل العلاقات الصينية مع اليمن فقد وصفه السفير شاو تشنغ بالمشرق، لافتا إلى إمكانية تعزيز هذه العلاقات عبر مبادرات الحزام والطريق والأمن العالمي والتنمية العالمية والمبادرات الصينية الأخرى. وعن نتائج زيارته الأخيرة لليمن، وهي الثالثة خلال عام واحد، أوضح شاو أنها شملت حضرموت وعدن، حيث حضر مراسم وصول مساعدات طبية صينية، بما فيها أكثر من ألف قطعة طبية و10 سيارات إسعاف.

وأضاف: "وجدت كثيراً من التقدم في المجتمع المحلي، على سبيل المثال سرعة الإنترنت أفضل من قبل، لكن اليمن يواجه مشكلات أخرى مثل توليد الكهرباء، وخلال وجودي في عدن التقيت رئيس الوزراء والوزراء في الحكومة الشرعية، وقمنا بتبادل مكثف بشأن العلاقات الثنائية والأوضاع اليمنية، ونحن ندعم الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي".

وبحسب المسؤول الصيني، فإن التعاون الصيني- اليمني الآن يتمحور حول الطاقة النظيفة بدلاً من الصناعات التقليدية في الماضي، مؤكداً معرفة الصين بأن اليمن يتمتع بموارد طاقة شمسية غنية، وأن الشركات الصينية تتمتع بالقدرة في هذا المجال، ومع تحسّن الأوضاع اليمنية وإحلال السلام، ستبدأ الصين واليمن التعاون في مجال الطاقة الجديدة والنظيفة، والمجالات الأخرى".

وكشف الدبلوماسي الصيني أن بلاده ستقدم 100 ألف فرصة دراسية لدول الجنوب العالمي خلال السنوات الخمس القادمة ومنها اليمن، وأن هذا يأتي ضمن أعمال تعزيز التعاون التجاري مع الدول النامية والتي أعلنها الرئيس الصيني في يونيو الماضي بمناسبة الذكرى ال70 للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، متوقعاً أن تتجاوز قيمة الواردات الصينية من الدول النامية 8 تريليونات دولار حتى عام 2030.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: لتحقیق السلام فی فی البحر الأحمر الأزمة الیمنیة للسفن التجاریة السفیر الصینی لدى الیمن فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

معهد واشنطن يدعو لدعم عملية برية ضد مليشيا الحوثي في اليمن والتنسيق مع الرياض وأبوظبي ..ودعم مجلس القيادة الرئاسي

 

حذّر تقرير صدر عن معهد واشنطن من أن حملات ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران لتعطيل حركة الشحن البحري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تمثل تهديداً مباشراً لقدرة الولايات المتحدة على نشر قواتها بسرعة وتأمين إمداداتها في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

ويطرح التقرير، الذي أعدّه العقيد جيمس إي. شيبرد، زميل معهد واشنطن للعام 2024-2025، حزمة من الحلول المتكاملة اللوجستية والعسكرية والدبلوماسية لمعالجة هذا الخطر.

وقال الكاتب، إنه "يجب جعل الحوثيين غير قادرين أو غير راغبين في تهديد الملاحة. ويستلزم ذلك تصعيد الحملة الحالية بما يتجاوز الضربات الجوية الأمريكية"، مشددا على أنه من الضروري وجود تهديد موثوق من قبل القوات البرية اليمنية، بالتنسيق مع شركاء موثوقين مثل السعوديين أو الإماراتيين.

كما شدد على أنه وينبغي دعم مجلس القيادة الرئاسي، وهو كيان حكومي معترف به دولياً من قبل الأمم المتحدة، لاستغلال الفرصة التي أوجدتها الضربات الجوية الأمريكية.

خلفية

منذ مارس 2023 تصاعدت هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية والعسكرية، مستفيدين من دعم إيران وتدريباتها، عبر إطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيّرة باتجاه الممر البحري الحيوي، والذي يمر عبره سنوياً نحو تريليون دولار من البضائع و30% من الحاويات العالمية.

ومن ابرز التوصيات السياسية التي دعا لها معهد واشنطن من أجل الحفاظ على الوصول اللوجستي إلى المنطقة، يجب على واشنطن وشركائها العسكريين اتباع نهج مزدوج يركز على أولاً، تلبية الاحتياجات الفورية من خلال الحلول العاجلة والضغط على الحوثيين، وثانياً، البحث عن حلول طويلة الأمد عبر استراتيجية قابلة للتطبيق لتحييد التهديد. وفيما يلي التوصيات التي تلبي كلا الاحتياجين:

مواصلة الضغط : يجب جعل الحوثيين غير قادرين أو غير راغبين في تهديد الملاحة. ويستلزم ذلك تصعيد الحملة الحالية بما يتجاوز الضربات الجوية الأمريكية. ومن الضروري وجود تهديد موثوق من قبل القوات البرية اليمنية، بالتنسيق مع شركاء موثوقين مثل السعوديين أو الإماراتيين. وينبغي دعم مجلس القيادة الرئاسي، وهو كيان حكومي معترف به دولياً من قبل الأمم المتحدة، لاستغلال الفرصة التي أوجدتها الضربات الجوية الأمريكية.

تحويل التركيز نحو المنبع: يجب على إدارة ترامب السعي لردع إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، من خلال عرض تعزيز قدرات القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة مؤخراً. ويمثل النشر الأمامي لقاذفات "بي- 2" ودخول حاملة طائرات أخرى تهديداً كبيراً لكلا الخصمين - وهو تهديد يجب تسليط الضوء عليه في المفاوضات النووية الحالية مع طهران. فعلى سبيل المثال، يمكن للمسؤولين الأمريكيين مطالبة إيران بوقف جميع أشكال الدعم العسكري للحوثيين كأحد الشروط المسبقة للحصول على تخفيف العقوبات.

توسيع التعاون الأمني: يجب على واشنطن تسريع الجهود الدبلوماسية لحشد تحالف من الدول المستعدة للاستفادة من تأمين البحر الأحمر، بما في ذلك الشركاء الإقليميين مثل مصر، وإسرائيل، والأردن، والسعودية. وتُعد قوة "أسبيدس" البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي -على الرغم من نقص الموارد - نقطة انطلاق جيدة لتمكين تقاسم الأعباء الدفاعية مع القوات الأمريكية.

استكشاف طرق بديلة: في حين أن تأمين البحر الأحمر وباب المندب يجب أن يبقى الهدف الرئيسي للولايات المتحدة، يجب على الإدارة الأمريكية أيضاً تسريع الجهود الرامية إلى تعزيز المرونة في الخدمات اللوجستية في ساحة العمليات وتطوير بدائل برية سريعة وفعالة من حيث التكلفة مثل "خط إمداد إقليمي" و/أو الممر البري بين الإمارات وإسرائيل.

ومن خلال هذه التدابير وغيرها، يمكن للولايات المتحدة وضع استراتيجية شاملة ضرورية للمهمة طويلة الأمد المتمثلة في التصدي للتهديدات الحوثية والإيرانية للخدمات اللوجستية العسكرية والتجارة العالمية بشكل نهائي.

   

وفي الخامس عشر من آذار/مارس، أطلق الرئيس ترامب حملة عسكرية متواصلة ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، مستهدفاً كبار المسؤولين ومراكز القيادة ومستودعات الأسلحة والبنية التحتية في جميع أنحاء البلاد.

"يتمثل هدف الإدارة الأمريكية في استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث نفذ الحوثيون المدعومون من قبل إيران هجمات متفرقة على مدار سنوات قبل أن يصعدوا من استهدافهم للسفن التجارية والعسكرية مع بدء الحرب على غزة في عام 2023".

إن الدور الحاسم لهذا الممر المائي في التجارة العالمية معروف جيداً - فهو يسهل نقل بضائع بقيمة تريليون دولارسنوياً، إلى جانب 30% من حركة الحاويات في العالم.

ومع ذلك، يعمل هذا الممر أيضا بوصفه طريق عبور رئيسي للخدمات اللوجستية العسكرية المشحونة تجارياً، مما يتيح النشر السريع والفعال للقوات والموارد الأمريكية عبر مسارح عمليات متعددة.

ومن خلال تعطيل كل من هذين الدورين، تمثل هجمات الحوثيين تحدياً مباشراً لما وصفته الولايات المتحدة بأنه "مصلحة وطنية أساسية".

تحدي استراتيجي

ينبع بروز هذا التهديد من الاستراتيجية الأوسع نطاقاً التي تنتهجها إيران، والمتمثلة في تمكين وكلائها من حرمان خصومها من حرية المناورة في المنطقة. فقد تضمنت التعزيزات الضخمة التي قامت بها الولايات المتحدة وقوات التحالف في حملتي 1991 و2003 في العراق استخدام الموانئ في جميع أنحاء الخليج العربي.

 ورداً على ذلك، طورت إيران استراتيجية متعددة الطبقات (A2AD)، اعتمدت فيها على الميليشيات الوكيلة، وأنظمة الضربات بعيدة المدى، والصواريخ أرض - جو، والقوات غير التقليدية، بهدف تقييد حرية الوصول إلى الخليج.

وفي اليمن، أتاح دعم طهران وتوجيهها للحوثيين إمكانية تهديد حركة المرور في البحر الأحمر والموانئ السعودية الرئيسية مثل جدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، مما يعزز الهدف الإيراني المتمثل في عرقلة الطرق اللوجستية البديلة ويخدم مصالح الحوثيين أيضاً.

وتُعزى تكتيكات الجماعة - التي تشمل الضربات الدقيقة بالمسيرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية - إلى التدريب الإيراني والمعدات وغيرها من أشكال الدعم.

ورداً على هذا التهديد، واصلت السفن العسكرية المتحالفة عبور مضيق باب المندب، غير أن العديد من شركات الشحن التجارية اضطرت إلى سلوك مسار أكثر تكلفة من الناحية المالية والبيئية حول رأس الرجاء الصالح.

وبذلك، فإن قدرات الحوثيين تبطئ وتيرة الدعم اللوجيستي العسكري، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت الجماعة قد نجحت فعليًّا في "تحييد" واشنطن وشركائها في البحر الأحمر بشكل فعال.

ومن أجل الحفاظ على العمليات القتالية المشتركة في زمن الحرب، تعتمد الولايات المتحدة على الشحن التجاري لنقل ما يصل إلى 80% من العتاد الدفاعي.

وإضافة إلى قدرات النقل البحري الخاصة بالجيش، يمكن لوزارة الدفاع الوصول إلى السفن المملوكة للقطاع الخاص أثناء الأزمات من خلال اتفاقية النقل البحري الطوعي متعدد الوسائط، مما يعزز مرونتها ويخفض التكاليف ويضمن الانتشار السريع في مسارح العمليات البعيدة.

ويتطلب هذا الاعتماد الكبير على النقل البحري التجاري خطوط إمداد آمنة لنقل الخدمات اللوجستية العسكرية دون عوائق خلال عمليات الطوارئ. غير أنه نظراً للموارد المحدودة للبحرية الأمريكية والتزاماتها الواسعة النطاق، لا يمكن حماية كل شحنة غير مسلحة بمرافقة عسكرية.

فضلاً عن ذلك، حتى السفن المرافقة تعرضت للهجوم من حين لآخر في البحر الأحمر، وإن كان ذلك دون جدوى. لذا، فإن التهديد البحري المستمر للحوثيين سيكون له تداعيات خطيرة على أي عمليات طوارئ تكون فيها الخدمات اللوجستية ذات أهمية قصوى.

وللإيضاح: إذا سلكت شحنة نفط من بحر العرب إلى روتردام، الطريق البديل حول رأس الرجاء الصالح، فستحتاج إلى ما يقدر بخمسة عشر يوماً إضافياً وما يصل إلى مليون دولار من الوقود الإضافي، وبالتالي، من المرجح أن تواجهه الشحنات اللوجستية في الاتجاه المعاكس تأخيرات مماثلة (انظر الرسم البياني).

وحتى إذا كانت شركات النقل التجاري مستعدة للمخاطرة لتفادي هذا التأخير بعبور البحر الأحمر، فإن التأمين ضد مخاطر الحرب قد يرفع التكاليف بنسبة تقارب 1 % من قيمة تأمين السفينة.

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، فإن زيادة وقت العبور حول أفريقيا ستجعل هذا الخيار غير عملي بالنسبة للسيناريوهات التي تتطلب حركة سريعة وآمنة للموارد العسكرية عبر مسارح عمليات واسعة.

أذ تتطلب الطبيعة العالمية للمنافسة بين القوى العظمى من البنتاغون نقل الأصول بين المناطق الأوروبية، والوسطى، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وحتى في الظروف الاعتيادية، سيكون استخدام باب المندب إلزامياً كلما أصبحت هذه التحولات ملحة.

ومن الجدير بالذكر أن النقل البحري هو وسيلة النقل الأكثر فعالية من حيث التكلفة المتاحة للخدمات اللوجستية العسكرية. أما النقل الجوي فهو أكثر تكلفة وأكثر طلباً، لكن البنتاغون سيستمر في استخدامه لإعادة التموضع الاستراتيجي الفوري للقدرات ذات القيمة العالية.

 ويستعرض القسم التالي كيف يمكن للجيش الاستفادة بشكل أكبر من النقل البري كخيار ثالث.

خيار النقل البري؟

بالنظر إلى قدراتهم في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ، يمكن للحوثيين استهداف سفن الشحن في مختلف أنحاء البحر الأحمر وجزء كبير من بحر العرب وشمال المحيط الهندي، وذلك على الرغم من أن إصابة السفن المتحركةمن مسافة بعيدة تُعد مهمة صعبة.

وتكون السفن أكثر عرضةً للخطر أثناء تفريغ حمولتها في الموانئ، إلا أنه بمجرد نقل الشحنة إلى الشاحنات أو الطائرات أو غيرها من وسائل النقل داخل الميناء، تنخفض احتمالات اعتراضها.

وبناءً على ذلك، فإن استخدام مجموعة متنوعة من طرق النقل بالإضافة إلى باب المندب يمكن أن يساعد في التخفيف من التهديد الحوثي.

وتقترح شبكة النقل عبر البحر العربي (TAN)، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية إنشاء 300 مركز لوجستي يشمل المطارات، الموانئ البحرية، والمحاور البرية - في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية بهدف تنويع خيارات الشحن.

فعلى سبيل المثال، يمكن لبعض السفن أن تتجاوز المضيق وترسو في جدة، ثم تنقل حمولتها بعد ذلك جواً أو براً.

وكما ذُكر سابقاً، تقع جدة ضمن نطاق استهداف الحوثيين، غير أن إدخال هذا المسار وغيره من المسارات البديلة من شأنه أن يربك حسابات الجماعة ويوفر قدراً أكبر من المرونة في اتخاذ القرارات الأمريكية الرامية إلى تعزيز السلامة والجاهزية بشكل عام.

وقد تم اختبار نظام (TAN) ، إلا أنه لم يتم تفعيله بشكل كامل بعد. وتشير تجارب القيادة المركزية الأمريكية، التي بدأت عام 2015، إلى التوصل لنتائج واعدة، إلا أن التأخيرات الجمركية لا تزال قائمة بسبب عدم توحيد اللوائح، كما أن الاشتراطات المسبقة للتخليص الجمركي تُعيق الكفاءة.

من الناحية النظرية، يمكن أن يتعامل الممر الجمركي مع آلاف الأطنان يومياً إذا تم تفعيله بالكامل وتطبيق الاتفاقيات الجمركية كافة، مما قد يجعله منافساً لحجم التجارة اليومية عبر مضيق هرمز في الخليج العربي.

غير أن هذا الممر ما يزال مقيداً بمشكلات تتعلق بالمقاولين، وحدود الشحنات العسكرية، وضعف التكامل بين وسائل النقل، فضلاً عن أن جهود تحسين العمليات لم تكتمل.

ومن بين الخيارات المطروحة أيضاً الممر البري بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وهو طريق تجاري يمتد من ميناء حيفا الإسرائيلي، مروراً بالأردن والمملكة العربية السعودية والبحرين، وصولاً إلى الإمارات، ليربط الخليج العربي مع تجاوز البحر الأحمر بالكامل.

وتنشط شركتا نقل - شركة "تراك نت" الإسرائيلية وشركة "بيور ترانس" الإماراتية - بالفعل على طول هذا الطريق، وقد تكونان من أبرز المرشحين للتعاقد مع الجيش الأمريكي.

وقد جرى تجهيز هذا الممر حالياً لاستقبال ما يصل إلى 350 شاحنة يومياً، وهو ما ينافس أو حتى يتجاوز الممر الذي يعمل بكامل طاقته.

أياً كانت الخيارات التي تعتمدها واشنطن، فإن إيجاد بدائل متعددة ومرنة سيكون ضرورياً طالما ظل الشحن البحري تحت التهديد.

ومع المزيد من الاستثمار في الاستكشاف واتخاذ التدابير الأمنية المناسبة، كتعزيز الدفاعات الجوية في موانئ التفريغ، يمكن لكل من ممر النقل البحري والممر الإماراتي الإسرائيلي تلبية هذه المتطلبات، ودعم عمليات النقل العسكري في مسرح الشرق الأوسط، وربما أيضاً تقليص أوقات التسليم إلى وجهات مثل الأردن، والكويت، والسعودية، والإمارات.

 

المصدر : معهد واشنطن

 

مقالات مشابهة

  • ترومان تفر من البحر الأحمر.. الهزيمة الأمريكية تتكرّس تحت وقع الضربات اليمنية
  • معهد واشنطن يدعو لدعم عملية برية ضد مليشيا الحوثي في اليمن والتنسيق مع الرياض وأبوظبي ..ودعم مجلس القيادة الرئاسي
  • حزب المؤتمر: زيارة الرئيس السيسي إلى جيبوتي تعزز الحضور المصري في القرن الإفريقي
  • صفقة البحر الأحمر.. السفير الأمريكي يفجّر مفاجأة بشأن التسوية الشاملة في اليمن
  • الكشف عن تفاصيل جديدة في حرب اليمن ..بعد تعهّد ترمب بإسقاط الذراع الإيرانية في اليمن وموقف الشرعية من التدخل البري
  • تقرير جديد يكشف عن جهود مكافحة تغير المناخ في اليمن
  • الصين: نسهّل جهود ميانمار لدفع عملية السلام في شمال البلاد
  • اليمن وكسر الردع الأمريكي: البحر الأحمر نموذجًا لفشل الهيمنة
  • المعركة اليمنية تكتب شهادة وفاة الهيمنة الأمريكية: الصين ترصد التراجع الأمريكي وموسكو تراقب صعود صنعاء
  • تقرير صيني : عمليات اليمن في البحر الأحمر “حرب استخباراتية مفاجئة”