لماذا يصرّ النظام السوري على عقد الانتخابات التشريعية؟
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
دمشق- يواصل المرشحون حملاتهم الدعائية للتشجيع على المشاركة في انتخابات مجلس الشعب السوري، المقررة في 15 يوليو/تموز الجاري، عبر إعلانات تنتشر في شوارع دمشق والمدن الخاضعة لسيطرة الحكومة.
وتقدم هذه الدعايات وعودا بإنعاش الوضع الاقتصادي، وتحسين الواقع المعيشي، وتحقيق تطلعات السوريين للعيش الكريم، دون الإشارة إلى الأوضاع السياسية والأمنية المتدهورة.
في مقابل ذلك، يبدي الشاب أحمد (25 عاما) عدم رغبته بالمشاركة بسبب فقدان ما يحفزه على ممارسة حقه بالانتخاب حسب تعبيره؛ حيث يرى أنه بعد 3 تجارب انتخابية جرت خلال سنوات الحرب، فشل المجلس كسلطة تشريعية في أن يتخذ أي قرار إيجابي مؤثر يخفف من تداعيات الصراع على الوضع المعيشي.
وأحمد، الذي يقيم مع عائلته في العاصمة دمشق وقد تخرج في كلية الآداب قبل 3 أعوام دون أن يجد عملا، ينتمي لجيل يتعرض اليوم لضغوط نفسية وإخفاقات حياتية متواصلة، نتيجة انحدار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلاده.
ولفت في حديثه للجزيرة نت، إلى أن أي انتخابات تجري في هذه الظروف، لن تغير واقع معاناة من يعيشون بلا كهرباء، ويبرمجون حياتهم على مواعيد استلام الخبز وأسطوانات الغاز المنزلي و"المازوت" (الوقود)، وغيرها من السلع الضرورية والمواد المقننة الخاضعة للدعم الحكومي.
محاولات إثبات الشرعيةوتوقع رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات القاضي جهاد مراد، أن تجري الانتخابات المقررة بشكل هادئ ومريح، "وسط جو ديمقراطي" يتنافس فيه نحو 9 آلاف مرشح للوصول إلى المجلس، من بينهم نسبة جيدة من الشباب دون سن الـ40 عاما ومن حملة الشهادات الجامعية والشهادات العليا.
وأشار في تصريحات صحفية إلى ما وصفه بـ"محاولات البعض ربط هذا الاستحقاق بأطر تخرج عما نص عليه الدستور السوري، وتمثّل عدم احترام للسيادة السورية، وتدخلا سافرا في شؤونها الداخلية"، لافتا إلى أن إصرار الدولة على إجراء هذه الانتخابات بكل شفافية يعكس احتراما للأطر الدستورية، ويسقط كل محاولات التشكيك بها.
من جانب آخر، انتقد عضو مجلس الشعب المستقيل عماد غليون، إصرار نظام الأسد على إجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف التي تعيشها سوريا، مشيرا إلى انعدام شروط انعقادها من ناحية النزاهة والأمان، فضلًا عن وجود أكثر من 6 ملايين سوري لاجئ خارج البلاد، وخروج مناطق جغرافية واسعة عن سلطة الرئيس الأسد، إما بسيطرة المعارضة عليها أو أنها لن تشارك حكمًا بالتصويت.
وقال غليون في حديثه للجزيرة نت، إن النظام يهدف إلى دعم الصورة التي يروجها عن صموده وانتصاره، وعدم خضوعه للضغوط الداخلية والخارجية، وأنه يسعى لإرسال رسائل للداخل والخارج بمشروعيته وعدم إصغائه للحل السياسي المفترض تنفيذه وفق القرار الدولي 2254.
وأوضح أن تركيبة المجلس الفئوية والمناطقية المقررة كالعادة سلفًا، لا تمكّنه من لعب أي دور في الحياة السورية، لأنه أقرب إلى مجلس خدمات منه لمجلس تشريعي، ولا يستطيع مناقشة شؤون البلاد إلا بالحدود التي تقررها السلطة.
وانتقد عضو مجلس الشعب السابق غليون القانون الانتخابي المحدّث، الذي يعتبر المحافظة وريفها دائرة انتخابية واحدة، باستثناء دمشق وحلب، حيث قرر تقسيم الواحدة منهما إلى دائرتين انتخابيتين.
وقال إن اعتبار مدينة المركز مع مدن المحافظة دائرة واحدة لا يسمح لجهات أو شخصيات سياسية واجتماعية محلية بالمشاركة، لأنه من الصعب تشكيل قائمة على مستوى المحافظة، وطالما أن النظام لا يسمح بتشكيل قوائم منافسة لقائمته فهذا يعني أن نتائج الانتخابات محسومة سلفًا، ويرى أنه من الأفضل أن تكون الدوائر الانتخابية دوائر صغيرة، لتعبّر بشكل أفضل عن توجهات الناخبين.
حزب البعث يسيطر على الحصة الأكبر من مقاعد مجلس الشعب (مواقع التواصل) محاصَّة فئويةيرى الباحث في "مركز جسور للأبحاث والدراسات"، يوسف قدورة، أن مجلس الشعب يفتقد التأثير في المشهد السياسي، لكن النظام السوري يحاول عبر الانتخابات إظهار تمسكه بمظاهر الدولة التي تمتلك سلطة تشريعية، غير أنه يعكس في تركيبته الصورة الشمولية التي يريد فرضها على السوريين.
ويستحوذ حزب البعث الحاكم على الحصة الأكبر بعدد يصل إلى 166 من مقاعد المجلس البالغة 250 مقعدا، بينما تتوزع المقاعد الباقية على أحزاب حليفة له تحت مسمى "الجبهة الوطنية التقدمية"، ومستقلين تُوافق أجهزة المخابرات على قبول طلبات ترشيحهم.
وفي دراسة تركيبية أجراها قدورة على مجلس عام 2016، كشف أنه يتألف من كوتات ثابتة تقريبا:
المسلمون السنة: 70% من المقاعد. العلويون: 17%. المسيحيون: 7%. الدروز: 2%. الشيعة: 2% وتمثيل بسيط لا يزيد عن 1% لطائفة الإسماعيليين والمرشديين العلوية.كما يضم المجلس بشكل دائم عددا من المقاعد المخصصة لشيوخ العشائر، حيث تعمل الدولة من خلال هذه المقاعد على ضبط التوازن العشائري، وربط تحركات العشائر بزعامات من صنعها.
ثقة ضعيفةتعتبر الانتخابات التشريعية المقبلة الرابعة منذ اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه عام 2011، فقد شهدت سوريا انتخابات تشريعية في عام 2012 بعد إقرار دستور جديد سمح بالتعددية الحزبية، وانتخابات مماثلة في عام 2016 شهدت تعديلات في قانون الانتخابات سُمح بموجبها لعناصر القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي بالتصويت، وانتخابات أخرى جرت عام 2020.
وشهدت انتخابات عام 2020 برودا ملموسا ومشاركة شعبية ضعيفة، حيث قدرت اللجنة القضائية العليا للانتخابات حينذاك نسبة المشاركة فيها بنحو 33% من مجموع من يحق لهم التصويت، في حين قدرت مصادر مستقلة وبعضها مقربة من النظام نسبة المشاركة بنحو 10%، تم تحصيلها بفضل سياسة الترهيب التي كانت تتبعها الأجهزة الأمنية.
ويكشف الباحث محسن مصطفى، في ورقة تحليلية لمركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، أن مجلس الشعب المنتهية دورته ضم بين أعضائه 21 رجل أعمال، شكل بعضهم واجهة تجارية تساعد النظام على التهرب من عقوبات الغرب، وبعضهم على لائحة العقوبات الدولية.
بينما ضم 26 آخرين يقودون مجموعات مرتبطة بإيران وروسيا أو بأجهزة الأمن ذات الصلة، وفق مصطفى، إلى جانب 40 عضوا ينتمون لشبكات مدنية مرتبطة بتشكيلات عسكرية وأمنية.
ومن اللافت بحسب مصطفى أن يشارك العسكريون لأول مرة وبشكل واسع في الانتخابات التشريعية، مع أنه لم يسبق لهم أن شاركوا فيها أو بانتخابات الإدارة المحلية، رغم تعديل قانون الانتخابات العامة في فبراير/شباط 2016 الذي أتاح لهم حق الانتخاب، مع وقف حق الترشح طيلة وجودهم في الخدمة.
لكن مصطفى ربط مشاركتهم بحاجة النظام إلى زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات، ورفع عدد الأصوات التي تصب لصالح مرشحي حزب البعث، الذي ينتسب إليه معظم أفراد القوات المسلحة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مجلس الشعب
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم السوري يكشف مصير حزب البعث في المناهج الدراسية
قال وزير التعليم السوري الجديد إن سوريا ستمحو كل الإشارات إلى حزب البعث الحاكم السابق من نظامها التعليمي اعتبارا من الأسبوع المقبل لكنها لن تغير المناهج الدراسية أو تقيد حقوق الفتيات في التعلم.
وأضاف، بحسب صحيفة "النهار" اللبنانية، أن الطلاب لن يخضعوا هذا العام لاختبار في "الدراسات القومية" الإلزامية التي كانت في السابق وسيلة لتدريس مبادئ حزب البعث وتاريخ عائلة الأسد.
وتابع أن الطالب "كان يُدخل عليه أفكار نظام البعث البائد السابق، هذه التي يمكن أن نتخلص منها من منهاجنا، أما كمنهاج علمي وأدبي ومهني، فهذه المناهج ستبقى على حالها، لكن كل ما يمت إلى رموز النظام المستبد الظالم التي رسخها في أذهان الشعب السوري هذه سنطمسها وننتهي منها".
وقال نذير محمد القادري في مقابلة من مكتبه في دمشق إن "التعليم خط أحمر للسوريين، أهم من الطعام والماء".
وأضاف: "حقوق التعليم لا تقتصر على جنس معين، من حق الذكر والأنثى أن يتعلم، طالبنا بجنسيه من حقه أن يتعلم، وربما يكون البنات عددهم في مدارسنا يفوق عدد الشباب".
وحكم حزب البعث، القومي العروبي العلماني، سوريا منذ انقلاب عام 1963، وكان ينظر إلى التعليم باعتباره أداة مهمة لغرس الولاء مدى الحياة بين الشباب لنظام الحكم في البلاد.
وتمتعت سوريا على مدى زمن طويل بأحد أقوى الأنظمة التعليمية في العالم العربي وهي السمعة التي لم تتأثر إلى حد كبير بالحرب الأهلية على مدى 13 عاما.
وقال القادري إن الدين، سواء الإسلام أو المسيحية، سيظل يُدرس كمادة في المدارس.
وأضاف أن المدارس الابتدائية ستظل مختلطة بين الأولاد والبنات، في حين سيظل التعليم الثانوي يفصل بين الجنسين إلى حد كبير.
وقال الوزير الجديد: "طيلة حياتنا لم نجبر أحدا أن ينتسب إلى مدرسة معينة، لكن بطبيعة الحال، الشعب السوري منذ القدم حتى بزمن النظام، هنالك مدارس للإناث بعد المرحلة الأولى ومدارس للذكور، فهذه لن نغير في تكوينها شيئا الواقع كما هو لن نغير فيه شيء".
وقال القادري إن 13 عاما من الحرب دمرت مدنا بالكامل وإن نحو نصف مدارس البلاد البالغ عددها 18 ألف مدرسة تضررت أو دمرت.
وتابع القادري: "مهمتنا صعبة اليوم كون المدارس قد دمرها النظام، فهي بحاجة إلى ترميم وبناء أكثر من تسعة آلاف مدرسة وإعادة الطلاب إلى مدارسهم وهذه مهمة أيضا ليست سهلة. إعادة ترتيب المعلمين بكافة أطيافهم وأديانهم إلى مناطقهم وهذه أيضا مهمة ليست سهلة".
وولد القادري ونشأ في دمشق، وحبسه نظام الأسد في عام 2008 لاتهامه بما قال إنها اتهامات زائفة "بإثارة الفتنة الطائفية" مما منعه من الحصول على درجة البكالوريوس.
وأُطلق سراحه بعد عقد، وفر شمالا إلى إدلب التي كانت آنذاك تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وأصبح وزيرا للتعليم في حكومة الإنقاذ التابعة لها في عام 2022.
ويعكف القادري الآن على الانتهاء من رسالة الماجستير في اللغة العربية.