التمسك بالسنة من صفات المتقين وتحدث الدكتور كريم مصطفي نفادي استاذ الفقه عن : اختلف السادة المحدثون في حدِّ (الحديث المرسل) ، فكان لهم فيه تعاريف كثيرة ، لكن بعد الوقوف عليها، يتضح أنها تعود إلى الأوجه الثلاثة الآتية: (الأول): ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي(صلى الله عليه وسلم). وهذه الصورة صرَّح بها عددٌ من أهل العلم كالإمام الشافعي، وقد ذكرها ابن الصلاح في علوم الحديث، وغيره من المحدثين.

ولكن جمهرة المحدثين والفقهاء والأصوليين لا يقصرون المرسل على هذه الصورة وحدها، وإنما يرون أن المرسل: ما رفعه التابعي إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، سواءٌ كان ذلك التابعي من كبار التابعين أو من صغارهم، وسواءٌ كان المرفوع قولًا أو فعلًا، وهذا هو (الوجه الثاني). وهذا التعريف هو المشهور عند أهل الحديث كما ذكر ابن الصلاح، وابن دقيق العيد، والعراقي، وابن حجر، والسخاوي، وغيرهم كثير. وقد ذهب إليه من الأصوليين والفقهاء: أبو نصر الصباغ، وأبو بكر ابن فورك، وابن برهان ، والسمعاني، والقرافي، كما أشار لذلك العلائي. وتعقَّب الحافظ ابن حجر -رحمه الله- هذا التعريف، وذلك: لأنه يدخل فيه ما سمعه بعض الناس في حال كفره من النبي(صلى الله عليه وسلم)، ثم أسلم بعد ذلك ، وحدَّث عنه بما سمعه منه ، كالتنوخي رسول هرقل ، فإنه مع كونه تابعيًّا، محكوم لما سمعه بالاتصال لا الإرسال ، ولذلك ذكر الحافظ -رحمه الله- في (النكت على كتاب ابن الصلاح): أنه ينبغي أن يُضاف في هذا الحد ما يخرج ذلك بحيث يقال: (هو ما أضافه التابعي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) مما سمعه من غيره. وقد اعتذر لهم السخاوي في (فتح المغيث): بأنهم أعرضوا عن هذا التقييد ، لأن وقوع مثل هذه الحالة نادر. أما (الوجه الثالث للمرسل): فعرفه الإمام النووي -رحمه الله- في (مقدمة شرحه على مسلم): "أما المرسل فهو عند الفقهاء وأصحاب الأصول والخطيب الحافظ أبي بكر البغدادي وجماعة من المحدثين (ما انقطع إسناده على أي وجه كان انقطاعه) فهو عندهم بمعنى المنقطع". قال الحافظ ابن الصلاح -رحمه الله- في مقدمته بعد أن ذكر الفرق بين المرسل والمنقطع والمعضل عند أهل الحديث: "والمعروف في الفقه وأصوله أن كل ذلك يسمى مرسلًا، وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب وقطع به". ومذهب الخطيب -رحمه الله- الذي أشار إليه النووي وابن الصلاح هو ما صرَّح به في كتابيه (الكفاية في علم الرواية) و(الفقيه والمتفقِّه)، حيث عَرَّفَ المرسل في (الكفاية) بقوله: "وأما المرسل، فهو: ما انقطع إسناده بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه، إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وأما ما رواه تابع التابعي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فيسمونه المعضل، وهو أخفض مرتبة من المرسل ... والمنقطع: مثل المرسل ، إلا أن هذه العبارة تستعمل غالبا في رواية من دون التابعين عن الصحابة (رضي الله عنهم". وعَرَّفَه في كتابه (الفقيه والمتفقِّه) بقوله: "هو ما انقطع إسناده، وهو أن يروي المحدِّث عمن لم يسمع منه، أو يروي عمن سَمِعَ ما لم يَسْمَع منه، ويترك اسم الذي حدَّثه به فلا يذكره". ونقل ابن عبد البر في (التمهيد) تعريف المحدِّثين للمرسل ثم قال: "المنقطع عندي كل ما لا يتصل سواء كان يعزى إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) أو إلى غيره". وهذا المذهب هو ظاهر كلام الإمام الشافعي -رحمه الله- حيث سمى المرسل منقطعًا كما في (الرسالة). وممن أطلق المرسل على المنقطع من أئمة المحدثين كما نقل السخَّاوي في (فتح المغيث): أبو حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن "ابن أبي حاتم" ، وأبو زُرْعَة الرازي ، والبخاري ، وأبو داود ، والترمذي، والدارقطني، والبيهقي. ومن المهم هنا ذكر ما قاله الحاكم بنقله إجماع المحدثين على أن "المرسل" ما رفعه التابعي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) مطلقًا سواء كان كبيرًا أو صغيرًا ، حيث يقول في (معرفة علوم الحديث): "فإن مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي فيقول التابعي: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)". هنا قد يشكل البعض بكيفية الجمع بين ما قاله أعيان المحدثين المذكورين آنفًا: (بأنهم يطلقون "المرسل" على كل منقطع)، وبين نقل الحاكم لإجماع المحدثين: (بأنهم يطلقون "المرسل" على ما رفعه التابعي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم))؟! ويجاب بأن كلام الحاكم المنقول: كان في سياق ذكر (المرسل الذي قوي الاختلاف في الاحتجاج به) لا على مطلق المرسل. بدليل فعل الحاكم نفسه في كتبه: كالمستدرك والمدخل إلى معرفة الإكليل وغيرهما: فإنه كان يُطلق المرسل على المنقطع في مواطن كثيرة؛ مما يدل على أن عبارته المذكورة لا يقصد بها على أن المحدثين أجمعوا على أن هذا هو المرسل وما سواه ليس بمرسل، وبذلك يزول الإشكال.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: استاذ الفقه صلى الله علیه وسلم التابعی إلى رحمه الله إلى النبی ما سمعه على أن

إقرأ أيضاً:

كسر حصار غزة.. واجب إنساني

 

 

د. سالم بن عبدالله العامري

إنَّ ما يحدث من محاصرة وتجويع، ومنع للماء والدواء والأكل لسكان قطاع غزة، هو امتدادٌ لأسلوب أتباع منهج الشياطين والمجرمين على مَرّ التاريخ في مُحاربة أهل الحق والإيمان، ولعل الحصار الذي تعرض له المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في شِعب أبي طالب، على أيدي المشركين آنذاك، هو ذاته الذي يُعانيه أهل غزة اليوم، إذ كابدوا المشقة والمعاناة والمِحن من مقاطعة اقتصادية واجتماعية، وحرب نفسية، وأذىً وتضييق وجوع، والتي لا يُمكن لأي إنسان أو فئة أن تتحمله ولكنّها الدعوة الحقة، والإيمان الصادق والقوي بالله وحده، وما يتعرض له شعب غزّة وفلسطين اليوم من عقاب جماعي، وحصار وتجويع وقتل وتشريد، وخذلان عالمي، يجعلنا نقارن حصار المؤمنين في زمنين، في بدايات انتشار دعوة الإسلام، وما تعانيه اليوم في ظل الحصار والعدوان والخذلان للمستضعفين في فلسطين.

لمَّا رأى أبو طالب أنَّ قريشاً قد أجمعت على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيةً؛ جمع بني عبد المطلب، وأمرهم أن يُدخِلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شِعْبَهم، ويمنعوه ممَّن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمُهم وكافرُهم، فمنهم مَنْ فعله حَمِيَّةً، ومنهم من فعله إيماناً، ويقيناً، فلـمَّا عرفت قريشٌ: أنَّ القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أجمعوا أمرهم ألا يجالسوهم، ولا يُبايعوهم، ولا يَدْخُلوا بيوتهم؛ حتَّى يُسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا من مكرهم صحيفةً، وعهوداً ومواثيق؛ ألا يتقبَّلوا من بني هاشم أبداً صلحاً، ولا تأخذهم بهم رأفةٌ؛ حتَّى يسلموه للقتل.

وقد لبث بنو هاشم في شِعْبهم ثلاث سنين، واشتدَّ عليهم البلاء، والجهد، فلمَّا كان رأس ثلاث سنين، قيَّض الله -سبحانه وتعالى- لنقض الصَّحيفة أناساً من أشراف قريشٍ (من غير المُسلمين)، وأجمعوا أمرهم، وتعاقدوا على القيام في الصَّحيفة حتَّى ينقضوها، فقام زهير بن أبي أميَّة قائلاً: أنأكل الطَّعام، ونلبس الثِّياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون، ولا يُبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تُشقَّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة؟! فقام في حينها المُطْعم بن عدِيِّ إلى الصَّحيفة ليشقَّها، فوجد الأَرَضَةَ قد أكلتها، إلا "باسمك اللَّهمَّ" فمُزقت الصحيفة ورفع الحصار عن بني هاشم وانطوت المحنة بحمد الله تعالى، فما أشبه الليلة بالبارحة، فأعداء الله في كل زمان ومكان يستخدمون في حرب الإسلام وأهله قديماً وحديثاً ذات الأساليب من حصار ومقاطعة وتضييق " وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا".

ومن هنا نقول: ألم يئن الآوان لأحرار العالم مسلمهم وكافرهم كسر هذا الحصار الظالم عن سكان قطاع غزة؟ ألم يئن الآوان للشرفاء أن يقفوا في وجه الصهيونية وقوى الإجرام والظلام ويمزقوا صحائف الشر والظلم والبغي التي يفرضها الكيان الصهيوني على شعب أعزل خذله القريب والبعيد والصديق والغريب؟

ألم يئن الآوان لقادة العالم والشعوب الحرة للتحرك من أجل كسر هذا الحصار غير القانوني المفروض على قطاع غزة، هذا الحصار المطبق وحملة التجويع الممنهجة التي حولت القطاع إلى سجن كبير وعزلته عن العالم على مدى ما يقارب سبعة عشرا عاماً والاحتلال يفرض حصارًا بريًّا وجويًّا وبحريًّا مطبقًا على شعب أعزل واشتد عنفوانه عقب طوفان الأقصى، تدمير همجي للمستشفيات وأماكن الإيواء ومنع ادخال الدواء والغذاء والوقود، وقطع الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية، بما فيها خدمات الاتصال والانترنت، عقابا جماعيًّا تفرضه سلطات الاحتلال يمثل جريمة حرب وفق القانون الدولي؟!!!

يجب أن يُكسر هذا الحصار عاجلا غير آجلاً، وأن تُفرض ادخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية عاجلة، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، وتأكيد ضرورة دخول المنظمات الدولية، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وفتح المعابر البرية والبحرية والجوية من وإلى القطاع.

وأخيرا.. يا أهل غزّة ويا أبطال فلسطين، اِعلموا أن ثباتكم هو منهج نبوي راسخ، وأن ما يحدث من محاصرة وتجويع، ومنع للماء والدواء والأكل، وما تقدمونه من بطولات وتضحيات هو ثمن باهظ في طريق الحق حتى بلوغ النصر والتحرير (بإذن الله). فأقدار الله ماضية، وسننه جارية، ولا تمكين إلا بعد الابتلاء والتمحيص، وستمضي سنة الله في إهلاك الظالمين والمجرمين: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ".

مقالات مشابهة

  • حكم قول "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"
  • تعرف على الأسباب الدينية لأهمية يوم عاشوراء
  • يوم عاشوراء وفضله في الإسلام "تفاصيل"
  • ماذا قال الرسول عن صيام يوم عاشوراء؟
  • فضل صيام يوم «عاشوراء» وأفضل الدعاء
  • خلوا البيت سعيد.. نصيحة مهمة من وزير الأوقاف بِشأن يوم عاشوراء - فيديو
  • فضل صيام يوم عاشوراء وأحداثه الهامة
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • مركز الأزهر: صيام يوم عاشوراء على 3 مراتب
  • كسر حصار غزة.. واجب إنساني