الثورة /وكالات
متحدثا بحرقة، يشير المزارع ربيع الكرزون إلى الدمار الذي خلّفته دبابات الاحتلال في أرضه الواقعة في مواصي رفح جنوب قطاع غزة، «97 دونما ذهبت هباءً منثورا».
ويقول الكرزون لوكالة فرانس برس: «كنا جالسين، مسالمين، ففوجئنا بالطائرات والدبابات… نحمد الله أننا نجونا من هول ما رأينا».
ويوضح واقفا وسط أرضه بينما تظهر خلفه على التراب آثار الدبابات أنه كان يزرع «الطماطم، والخيار، والملوخية».
الكرزون ليس المزارع الوحيد الذي يخسر مزروعاته في قطاع غزة، إذ تعرضت 57% من الأراضي للضرر منذ بداية العدوان على قطاع غزة، وذلك وفقا لدراسة مشتركة نشرتها منظمات الأمم المتحدة في يونيو.
ويقول لارس بروملي من برنامج مراقبة الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة لوكالة فرانس برس، إن الأضرار بشكل عام «تعود إلى تأثير أنشطة مثل نشاط الآليات الثقيلة، والتفجيرات، وغيرها من الأحداث المرتبطة بالعدوان، وقد يكون هناك حرق أيضا في مناطق».
أما ماتيو هنري من منظمة الأغذية والزراعة، فيشير إلى أن الأضرار تهدد الاكتفاء الغذائي في غزة لأن 30% من الاستهلاك الغذائي في القطاع مصدره الأراضي الزراعية.
ويضيف: «إذا تضرر نحو 60% من الأراضي الزراعية فقد يكون لذلك تأثير كبير في الغذاء».
والمعاناة لا تقتصر على جنوب القطاع، إذ تتفاقم الأزمة الغذائية أيضا في شماله، بعد تعرض 68% من الأراضي الزراعية للضرر.
وفي شمال غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يتحسر المزارع إبراهيم ضهير على تدمير جيش الاحتلال أكثر من 20 دونما يستأجرها في منطقة «الشاكوش».
ويقول: «عندما دخلت جرافات الاحتلال ودباباته إلى المنطقة، باشرت تجريف الأراضي المزروعة بمختلف الأشجار، من فاكهة وحمضيات وجوافة وفقوس وملوخية وباذنجان وكوسا وقرع وعباد شمس».
ويضيف في إشارة إلى خصوبة المنطقة ووفرة إنتاجها، أنه كان يملك أيضا «دفيئات مزروعة بالطماطم والخيار والشمام والفلفل».
ويوضح ضهير (34 عاما) قائلاً وبحسرة: «أعمل في الزراعة منذ كنت طفلا مع والدي وجدي، إذ نقوم بزراعة الأراضي وبيع المنتجات الزراعية إلى التجار في كل غزة، وكنا أيضا نصدّر إلى الضفة الغربية».
ويستدرك: «جاءت الحرب… لم نعد نملك أي شيقل، كنا نعتمد على رزقنا من الزراعة، أما الآن فلا عمل، نبحث عن كيفية الحصول على مساعدات لإطعام أولادنا وأهلنا».
أما أبو محمود زعرب (60 عاما) فيملك 15 دونما في المواصي كان يزرعها بمختلف المحاصيل وخصوصا الحمضيات.
ويقول: «دخل جيش الاحتلال الأرض ومسحها، فلم يبق شجر ولا زرع، جرفها وقصف الأرض فأصبحت عبارة عن حفر، كما دمر كل شبكات المياه والآبار حتى خسرت كل مصدر رزقي».
ويبدي نضال أبو جزر (39 عاما)، استغرابه واستهجانه من تدمير دبابات الاحتلال أرضه وخصوصا أن «أحدا منا لم يطلق النار نحوهم».
ويقول: «(نحن) أناس آمنون، فجأة رأينا الدبابات تطلق نحونا قذائف وصواريخ… لا يوجد شيء هنا، فقط دفيئات وخضراوات وزراعة».
ويضيف بألم: «40 دونما تبخرت، قتلوا العمال الذين كانوا يعملون في الدفيئات، خمسة شهداء ارتقوا هنا».
ويؤكد بروملي من برنامج مراقبة الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة أن الضرر الذي يلحق بالأراضي الزراعية سيستمر حتى بعد التدمير والتفجير.
ويوضح أن «نسبة معينة من الأسلحة (لم تنفجر)، وبالتالي فإن إزالة تلك الذخائر غير المنفجرة مهمة دقيقة وصعبة»، تُوجب «فحص كل سنتيمتر قبل أن يُسمح للمزارعين بالعودة» إلى أراضيهم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. غزّيات يحيين مشاريعهن الزراعية رغم شبح الحرب
غزة – بكثير من العاطفة تتحدث المزارعة الشابة غيداء قديح عن عودتها لأرضها الزراعية في بلدة الفخاري قرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة بعد انقطاع طويل بفعل الحرب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولدى غيداء (28 عاما) حكاية ارتباط مع الأرض منذ خمسة أعوام عندما كونت مع رفيقتيها نادين أبو روك وأسيل النجار وزميلهن خليل أبو رجيلة فريق "الفتيات الخضر" (GREEN GIRLS GROUP)، وجميعهم ينحدرون من عائلات تشتهر بالعمل في مهنة الزراعة وتتوارثها جيلا بعد جيل.
في العام 2020 بدأت رحلة الفريق مع مشروع زراعي أسسه الأصدقاء الأربعة في بلدة خزاعة شرقي مدينة خان يونس. وتقول غيداء للجزيرة نت "لسنا خريجي كليات زراعة لكننا اكتسبنا المهارات الزراعية من عائلاتنا ومن تجارب تطوعية مع بلدية خزاعة وهيئات محلية أخرى".
وتحمل غيداء شهادة جامعية في المحاسبة، أما نادين فمتخصصة في العلوم المالية والمحاسبة، في حين أنهت أسيل دراستها الجامعية بتخصص التعليم الأساسي، ويحمل أبو رجيلة شهادة جامعية في علوم الاجتماع، "وتجمعنا الصداقة وحب الأرض والزراعة"، بحسب غيداء قديح.
بدأت رحلة هذا الفريق في عالم الزراعة باستئجار ثلاثة دونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وسرعان ما توسعت باستئجار خمسة دونمات أخرى، وأثمر جهد أعضاء الفريق عن نجاحات لافتة، وتقول غيداء إنها "لفتت انتباه مؤسسة دولية تواصلت معنا عبر جمعية الإغاثة الزراعية الفلسطينية وقدمت لنا منحة مالية".
إعلانوبفضل هذه المنحة، تضيف غيداء "استأجرنا 7 دونمات أخرى في بلدة الفخاري، وأقمنا عليها مشروعا زراعيا ثانيا من قسمين، الأول دفيئات زراعية على مساحة دونمين، وثلاثة دونمات ونصف الدونم كانت أرضا زراعية مكشوفة، وباقي المساحة كانت مخازن وثلاجات لحفظ الإنتاج".
وبدأت الحياة تفتح ذراعيها للمزارعين الأربعة حتى اندلعت الحرب فانقلبت حياتهم رأسا على عقب، وقد انشغل كل منهم بحياته وبالنزوح طلبا لأمان مفقود، واعتقلت قوات الاحتلال أبو رجيلة لنحو عام قبل أن تفرج عنه ضمن الدفعة الأخيرة من المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.
تشتت شمل أعضاء الفريق، تقول غيداء قديح "كان مستحيلا الوصول إلى المشروعين الزراعيين في بلدتي خزاعة والفخاري، القريبتين من السياج الأمني الإسرائيلي، وهما من المناطق العالية الخطورة، والوصول إليهما في ظل الحرب مغامرة محفوفة بالموت".
يبعد مشروع خزاعة عن السياج الأمني نحو 500 متر، وهذه البلدة واحدة من أكثر البلدات الشرقية لمحافظة خان يونس التي تعرضت لتدمير كلي، حيث اجتاحتها قوات الاحتلال في سياق عمليتها البرية بالمحافظة والتي استمرت أربعة أشهر في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2023 وأبريل/نيسان الماضي.
وتقدّر نادين أبو روك قيمة خسائر هذا المشروع بنحو 90 ألف دولار جراء تدمير 3 دونمات من الزراعة المكشوفة و3 دونمات من الدفيئات الزراعية، علاوة على أجهزة ومعدات ومخزن.
ويضاف لخسائر التدمير والتجريف في مشروع خزاعة، خسائر أخرى بآلاف الدولارات لحقت بمشروع الفخاري جراء عمليات السرقة والتدمير.
هذه الخسائر وتجربة الحرب القاسية لم تمنع غيداء قديح ونادين أبو روك من العودة لإحياء مشروعهن في بلدة الفخاري، وتقول غيداء "رغم التشتت الذي أصابنا بفعل الحرب، حيث كان خليل معتقلا، وأسيل عالقة في مصر ولم تتمكن من العودة إلى قطاع غزة، قررت ونادين العودة للأرض والزراعة من جديد".
إعلانلم يكن القرار سهلا على الصديقتين، لكن غيداء تقول إنه كان ضروريا، و"شعرت أن روحي عادت إلى جسدي عندما عدت لاحتضان الأرض من جديد وغرس البذور والأشتال ورعايتها".
وتضيف "عدنا لمشروع الفخاري لوجوده نسبيا في منطقة أقل خطورة، وسعدنا بتحرر خليل من السجن، ونشتاق لفتح معبر رفح البري وتمكّن أسيل من العودة، وأن ينسحب الاحتلال كليا ونعود لأرضنا في خزاعة لنحييها من جديد".
وتقول نادين إن في العودة للزراعة فرحة ممزوجة بكثير من المخاوف والتحديات، فلا أحد يضمن أن لا تعود الحرب من جديد، و"نعود مرة أخرى للدمار والنزوح والخسائر في الأرواح والممتلكات"، وتضيف "نعمل في المجهول، ولكن لا بد للحياة أن تستمر رغم المخاطر".
ويكابد هذا الفريق مشقة كبيرة لتجاوز الكثير من التحديات في ظل أزمات مركبة ومعقدة، حيث الكلفة العالية لتوفير الكهرباء في ظل انقطاع دائم منذ اندلاع الحرب، وشُح في الأسمدة والأدوية والمبيدات، وبحسب نادين فإن "أسعار هذه المواد تفوق 10 أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب".
وبسبب عدم توفر المياه العذبة اللازمة لتنوع المحاصيل الزراعية، تقول غيداء "تقتصر زراعتنا حاليا على أنواع محددة من الخضار من الأشتال المتوفرة في السوق المحلية، والتي لا تحتاج لمياه عذبة وبكميات كبيرة".
وتعتقد غيداء أن دولة الاحتلال انتهجت سياسة ممنهجة لتجويع الغزيين خلال حربها على القطاع بالتدمير والتجريف الواسعين للأراضي والمشاريع الزراعية، في وقت تواصل فيه الآن ممارسة السياسة نفسها بالحصار المشدد والقيود على المعابر.
وتفرض دولة الاحتلال قيودا على دخول السلع والمستلزمات الزراعية والمواد الخام والآليات، الأمر الذي يعوق استئناف النشاط الزراعي والصناعي في قطاع غزة المدمر.
إعلانويقول الناطق باسم وزارة الزراعة المهندس محمد أبو عودة للجزيرة نت إن "جيش الاحتلال دمر قطاعات الزراعة والإنتاج الحيواني والصيد البحري خلال حرب الإبادة على غزة".
ويشير إلى أن القطاع الزراعي يعد من أهم قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، لكنه يواجه تحديات كبيرة جراء الحرب ناتجة عن تدمير الأراضي الزراعية والبنى التحتية للزراعة، وتقييد الوصول إلى الموارد الأساسية من مياه وأراض، وفرض قيود صارمة على استيراد البذور والأسمدة والمبيدات.
ونتيجة لذلك، يقول أبو عودة إن سكان غزة يواجهون أزمات تتعلق بانعدام الأمن الغذائي وفقدان السيادة على الغذاء والحرمان من الحق في الغذاء وتراجع نسبة الاكتفاء الذاتي.