الزينة والبشاعة طرفا نقيض، والاعوجاج غير الاعتدال، وهذا ما أثار ذهني عندما جلستُ مع صديقي في مكتبة قديمة تعج برائحة الكتب العتيقة وأوراقها المصفرّة، محاطين بأرفف تضم كنوز الأدب والحكمة، أشعلتُ المصباح الزيتي الذي يضفي على المكان نورًا خافتًا وشعورًا بالسكينة، جلسنا على مقعدين خشبيين عتيقين، وأمامنا طاولة صغيرة تراكمت عليها الكتب والأوراق.
في ذلك المساء، لاحظتُ أن صديقي يحمل كتابًا قديمًا بين يديه، وعلامات التفكير العميق ترتسم على وجهه، لقد كان الكتاب يحتوي على أشعار وقصائد عن الحياة والدنيا، قلت له مستفسرًا: “ما الذي يشغلك يا صديقي”؟
أجابني بابتسامة خفيفة: “كنت أقرأ في هذا الكتاب عن قيمة المال والحياة، وهو ما يشغل بالي كثيرًا في تلك الآونة، وأشعر حقًّا أني أزهد عن المال والدنيا، ولا أريد شيئًا منها، يكفيني ما أكنّه في نفسي من السعادة والرضا”.
قلت له بصوتٍ هادئ: “عليك بعقلية الوفرة والتكسب من الدنيا ما وسعت، وإياك أن تكون من أولئك الصعاليك الذين يرددون شعارات فارغة “المال وسخ الدنيا” ولو رأوه لجروا وراءه جري الوحوش، أما سمعت قول الشاعر:
إن الدراهم في المواطن كلها .. تكسو الرجال مهابةً وجمالًا
فهي اللسان لمن أراد فصاحةً .. وهي السلاح لمن أراد قتالا.”
نظر إليّ صديقي نظرةً تأمليّة وقال: دع عنك الدنيا فالفقر ليس منقصةً، والمال هم وسيّد فاسد، وإذا كان الفقر ابتلاء فالغنى ابتلاء أعظم.
لم أكن لأستسلم بهذه السهولة، فأردفت قائلًا: “ولكن يا صديقي، الفقر مذلة والغنى ستر، قال الإمام علي بن أبي طالب: “لو كان الفقر رجلًا لقتلته”، ألا ترى أن المال يمكن أن يحقق لنا الحرية والاستقلال؟ أن يكون لنا كرامة دون الحاجة إلى سؤال الآخرين”؟
ابتسم برفق وقال: “نعم، ولكن الغنى الحقيقي هو غنى النفس. كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “ليس الغنى عن كثرة العرض” إن المال قد يفتح لنا الأبواب، لكنه لا يضمن لنا السعادة ولا الطمأنينة.
وأمام سيل كلماته ، رأيتني لا أتوافق معه البتّة وشعرت بصدى كلماته في أعماقي، فقررت أن أبحث عن نقطة توازن بين أفكارنا، قلت: “ربما يكون الحل في الوسط، المال إذا كان في اليد وليس في القلب، يمكن أن يكون وسيلةً لتحقيق الخير، كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا .. تعبت في مرادها الأجسام
لنجعل المال في أيدينا وسيلةً لتحقيق أهدافنا السامية دون أن نكون عبيدًا له.”
هزّ رأسه موافقًا وقال: “أحسنت القول، يا صديقي. التوازن هو المفتاح، الزهد الحقيقي هو أن نملك المال دون أن يملكنا، أن نستخدمه بحكمة في خدمة الآخرين وفي بناء حياة متوازنة، تذكر قول جبران خليل جبران: “ليس التقدم بتحصيل الأموال، بل بتوجيهها في وجهتها الصحيحة”.
في تلك اللحظة، شعرت بأننا قد وصلنا إلى فهم أعمق لمعنى الحياة، أدركنا أن الإدارة الحكيمة للمال والزهد ليست في الرفض الكامل للدنيا ولا في اللهث وراءها، بل في استخدام الدنيا وسيلةً لتحقيق أهدافنا النبيلة دون أن نفقد قيمنا ومبادئنا.
نهضنا من المكتبة ونحن نشعر بسلام داخلي، مدركين أن الحياة تتطلب منا أن نعيشها بتوازن بين التكسب والزهد، بين الغنى الخارجي والداخلي، وكان اتفاقنا النهائي أن نجعل الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا، وأن نعيش بحكمة ورؤية تتجاوز المظاهر السطحية إلى جوهر الأمور.
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
حالة واحدة تتيح للموظف سحب مستحقاته من نظام الادخار
أبوظبي: عبد الرحمن سعيد
أكدت وزارة الموارد البشرية والتوطين أن الموظف في القطاع الخاص يستطيع سحب مبالغ الاشتراك الأساسي من نظام الادخار، في حالة واحدة، وهي انتهاء العلاقة التعاقدية مع جهة العمل فقط، مشيرة إلى أنه على جهة العمل الالتزام باحتساب المبالغ المستحقة للموظف قبل تسجيله في نظام الادخار وفقاً للتشريعات النافذة في هذا الشأن، ويكون ملزماً بسدادها عند انتهاء العلاقة التعاقدية محسوبة على قيمة الأجر الأساسي للموظف وقت الاشتراك في نظام الادخار.
وأشارت الوزارة إلى أنه يحق لجهة العمل الانسحاب من نظام الادخار بعد مرور سنة من الاشتراك بناءً على موافقة الوزارة مع مراعاة 4 شروط هي: ألا تقل مدة الاشتراك في النظام عن سنة، إلا في الحالات الاستثنائية التي يحددها وزير الموارد البشرية والتوطين، كذلك عدم وجود غرامات إدارية مستحقة أو منازعات عمالية قائمة قيد التسوية على صاحب العمل، وتقديم التقرير الائتماني للوزارة لضمان وجود ملاءة مالية كافية لسد استحقاقات مكافأة نهاية الخدمة للموظفين، وعـــدم التأثير على حقوق ومستحقات الموظف. وأوضحت الوزارة أن نظام الادخار يتيح بحد أدنى 3 خيارات استثمار رئيسية هي: خيار محفظة ضمان رأس المال: وهو خيار يخلو من أي مخاطــر ويضمن الحفــاظ على رأس المال، الذي يجــب التقيد به إذا كان الموظف من فئــة العمالة غير الماهرة، وخيارات الاستثمار القائمة على المخاطر: تشمل خيارات لمختلف المحافظ الاستثمارية التي تحمل درجات متباينة من المخاطر المالية بما يتناسب مع العوائد المتوقعة منها، وخيارات صناديق الاستثمار المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وذكرت أنه يتم تسجيل العمالة غير الماهرة حصراً في خيار محفظة رأس المال فقط، أما العمالة الماهرة فهي مخيرة بين خيارات الاستثمار القائمة على المخاطر المتنوعة الذي يتيحها النظام.