صحيفة الاتحاد:
2025-02-19@23:04:56 GMT

محمد كركوتي يكتب: لا صراعات بلا خسائر

تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT

مشهد الصراعات العام على الساحة الدولية، لم يتغير كثيراً منذ الحرب العالمية الثانية. بالطبع خضعت هذه الصراعات لتطورات متعددة، بما في ذلك توقف بعضها فعلاً، وتأجيل تفاقم أخرى قدر المستطاع، وعلاج لا ينتهي لبعضها الآخر، إلا أن الخسائر الناجمة عنها كبيرة، وترتفع باستمرار، مقابل تراجع «الغنائم» -إن جاز الوصف- الآتية من الحراك الخاص باحتواء ما أمكن منها.

والصراعات (ولاسيما تلك المنفلتة) تلقي بظلالها على الجانب الاقتصادي الدولي بالطبع. فلا يوجد صراع من دون خسائر، ناهيك عن الويلات والأزمات والتأثيرات السلبية بعيدة المدى التي يولدها. ولذلك، فإن الإنفاق على هذه الصراعات يجلب الأعباء تلو الأخرى على أطراف هذا الصراع أو ذاك، وفي كثير من الأحيان ترزح هذه الأطراف تحت وطأة الديون مع تراجع الخدمات، وغياب النمو المطلوب.
الصراعات وأعمال العنف اليوم متفاقمة ومتفاعلة، حتى بلغت خسائرها على الاقتصاد العالمي في العام الماضي 19.1 تريليون دولار، أي ما يوازي 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع وصول الخسائر إلى هذا المستوى المخيف، تتصاعد الصراعات بأشكالها المختلفة لترتفع 20%، وفق مؤشر السلام العالمي الصادر عن «معهد الاقتصاد والسلام». 
والمشكلة تتفاقم أكثر، مع عدم وجود حراك فاعل وعملي لحل الأضرار الناتجة عنها، واللافت أن هناك 92 دولة في الوقت الراهن، تنخرط فعلاً بأشكال مختلفة في صراعات خارج حدودها، وتتحمل بالطبع الآثار الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك توجيه مزيد من الإنفاق للتسليح، ودعم القدرات العسكرية من خلال العمل على توسيع نطاق الجيوش التابعة لها، بالرغم من أن هذه النقطة الأخيرة لم تعد محورية في ظل التقدم التقني في ساحة السلاح.
ولأن الأمر كذلك، فإن إجمالي الإنفاق على تحقيق السلام وحفظه، والبناء على مخرجاته، بلغ العام الماضي نحو 50 مليار دولار فقط، ما يمثل في النهاية أقل من 0.6% من مجموع حجم الإنفاق العسكري، ويبدو واضحاً أن الصراعات ستظل ماثلة على الساحة العالمية لعقود طويلة، لعدم وجود آليات حقيقية فاعلة لإيقافها، وبالطبع ستتواصل الخسائر الناجمة عنها، وهي أموال يمكن أن تحقق نمواً لا حدود له في كل البلدان، ولاسيما تلك التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية مستعصية تحولت مع الزمن لتكون جزءاً أصيلاً من تاريخها.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: عبء ديون البلدان الفقيرة محمد كركوتي يكتب: تجارة غير نفطية تحلق

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: محمد كركوتي كلام آخر

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: التسامح الممنهج

ما نعيشه اليوم وما يحمله المستقبل في طياته، يؤكد علينا ضرورة أن نتبنى منهجية تتضمن سيناريوهات وظيفية؛ كي يتم تعضيد قيم التسامح لدى فلذات أكبادنا؛ فقد أضحت غمامة الظلم تحلق في أرجاء السماء، وكادت تغطي جوانب المعمورة، وباتت الأجيال تتبنى فلسفة الكراهية المصبوغة بالانتقام لدى أجيال اليوم، وأصبحت المادية والنفعية شعارًا مرفوعًا تحمله دول ومؤسسات دون استحياء، وأصبحت دعوى الكراهية سريعة الانتشار عبر سماوات مفتوحة توقد لهيب الصدور.

يصعب أن أحصي الأسباب، والمسببات، والدواعي، والأهمية، التي تقف وراء ضرورة إكساب الإنسان قيم التسامح بصورة مقصودة، عبر منهج يتضمن في طياته أنشطة تحض على ممارسة أداءات من شأنها تجعل الفرد واعيًا بماهية وأهمية تلك القيمة النبيلة، وتداعياتها الإيجابية على كافة المستويات الإنسانية منها والمجتمعية؛ فالمستقبل المشرق مرهون بتعضيد التسامح بكل صوره، وزوال الوجود للبشرية قيد استعار كل ما يضاد هذه القيمة النبيلة من انتقام وكراهية وغير ذلك مما هو معلوم لدينا.

هناك من يكرث لفكرة الأيدولوجيا المتطرفة، التي من شأنها أن تنزع فتيل الأمان، وتشعل فتيل اللهيب؛ حيث النزاعات المسلحة التي تقضي على الأخضر واليابس، بل تهلك البشر والحجر، ولا أجد من منجى، ولا منأى لهذا المنعطف الخطير، الذي يمثل جحيمًا للبشرية على المعمورة، غير تبني إكساب، وتنمية، وتعظيم، قيم التسامح؛ لنحدث انفراجه، تساعد في إطفاء النار المشتعلة في ربوع الأرض، لأسباب غير منطقية في مجملها.

وأرى أن قيم التسامح الممنهج، تعمل عليه باحترافية مؤسسات بناء الإنسان، بداية من الأسرة، والمؤسسة التعليمية، ومرورًا بكافة المؤسسات المجتمعية، والدعوية، والإعلامية؛ فلا مناص عن تكامل للجهود؛ كي يحدث التأثير الفعال، ونضمن غرس قيم التسامح لدى النشء المخول به خوض غمار الاندماج المجتمعي، بمستوياته الصغيرة والكبيرة، الداخلية منها والخارجية؛ فقد بات العالم قرية صغيرة، يدرك الفرد أحداثه المتواترة بشتى الطرائق التقنية.

ومنهجية التسامح تعتمد على ما نقدمه من معارف صحيحة نكسبها للفرد، وممارسات سوية ندربه على أدائها، وتهيئة الوجدان؛ لاستحسانها وتقبلها، بل والوصول به لمستويات متقدمة، تعرف لدينا بالاتصاف القيمي؛ حيث لا تنفك عن عاداته اليومية، وتعاملاته المتنوعة والمتعددة، في شتى مجالات، وميادين التفاعل الإنساني؛ فيصبح الإنسان قادرًا على العطاء، راغبًا في التعايش السلمي، متواصلًا مع الآخرين؛ من أجل إحداث التكامل البشري المحمود، الذي يستهدف تحقيق الغايات الكبرى المشروعة للمجتمعات.

إن التسامح الممنهج يرتبط بصورة وثيقة بماهية الاستثمار البشري؛ حيث البناء المتكامل، الذي يمكن الفرد من أن يكتسب الخبرات النوعية، التي تجعله متمكنًا في مجاله؛ ومن ثم يستطيع أن يحدث الفارق، ويضيف لرفوف المعرفة، أو يضع لبنات تقدم، يعتمد على فلسفة الابتكار، أو يضع فكرًا مستنيرًا، يغذي الوجدان بمشرب طيب، يملئ القلوب سعادة وبهجة، ويزيد من شغف الحب، والأمل، والتطلع، والطموح، بصورة مستدامة.

اعتقد أن هنالك ضرورة وحاجة ماسة لمراجعة لغة الخطاب؛ إذ يتوجب أن نتبنى لغة خطاب يحض على معاني التسامح، وصور ممارساته بين المجتمع وأفراده، في شتى المواضع والأماكن؛ ليرى شبابنا الواعد أن فكرة التسامح، لها مساحة كبيرة داخل إطار التعامل، وأنه يغير من مناخ التسلط والخروج عن المألوف، إلى فكرة التفاهم، الذي يقضي على كثير من الخلافات في مهدها.

إذا ما أردنا أن نحصن أركان المجتمعات، وندعم الأمن القومي للبلاد في أبعاده المختلفة؛ فلا نفارق منهجية تعضيد التسامح، لدى أبنائنا منذ نعومة أظافرهم؛ حيث إن قوة المجتمع تنبع من قوة منتسبيه الفكرية في صورتها القويمة؛ فتماسك الجبهة الداخلية للمجتمع تقوم على قيم تفرزها وتصقلها فلسفة التسامح دون مواربة؛ فلا حوار، ولا قبول لتنوع، ولا اعتراف بتعددية، ولا سعي لتحقيق التعايش السلمي، ولا مجال لعدالة، أو حرية، أو ديمقراطية، أو تحمل مسئولية، أو اعتراف بحقوق، أو بلين في التعامل، ومرونة في التداول، بعيدًا عن ماهية التسامح.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

مقالات مشابهة

  • 17.7 مليون إسترليني خسائر آرسنال
  • 1.6 مليار دولار خسائر جلينكور في 2024
  • 347 مليون دولار خسائر "فيليبس" في الربع الرابع 2024
  • الفتوى والتشريع: معاهد السينما والبالية نفع عام ولا بجوز أداء مقابل انتفاع عنها
  • عمر أبو رصاع يكتب .. العفو العام مرة أخرى
  • د. محمد بشاري يكتب: هل التعددية الثقافية والمذهبية عامل استقرار أم فتيل صراعات؟
  • صحيفة صهيونية: الحرب على غزة تستنزف الاقتصاد الإسرائيلي
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: التسامح الممنهج
  • أمين عام "الناتو" يدعو لزيادة الإنفاق الدفاعي لحماية الأمن الأوروبي
  • أمين عام «الناتو» يدعو لزيادة الإنفاق الدفاعي لحماية الأمن الأوروبي