شيخة الجابري تكتب: في مديح الحَرّ
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
كلّنا نتأفف من الحر ومن الصيف ولهيب الشمس، وكثيراً ما نردد «قيظ السنة حار مب شرات العام»، رغم أنه يتكرر كل عام لكنها طبيعة البشر لا يرضيهم شيء، ونتناسى أن للحر فوائد كثيرة رغم مضاره الكثيرة كذلك، طبياً أعني لمن يعانون من مشكلات صحية، أو لمن يعملون تحت شمس النهار فيتعرضون لضرباتها القاسية، لكن فوائده متعددة فقد تغنّى به الأولون كلما بشّر النخل، وقاض، وكلما كشفت الفواكه الصيفية عن صفرتها عندما تتبسم الشفاه، وتترقب العيون موسم النضج والقطاف لتتمتع بصيف رائع بين النخيل، وأشجار الهمبا واللومي والفيفاي «المانجو والليمون والبابايا».
لقد عاش أجدادنا وآباؤنا وأمهاتنا، غفر الله لمن رحل منهم، وكتب الصحة والعافية للباقين بيننا، الزمن الماضي وهو يعملون في الزراعة، ويجوبون البحار، ويقطعون الصحراء الشاسعة في الصيف تأكلهم حرارة الشمس فيواجهونها بأساليب دفاعية طبيعية وبسيطة حيث يرتدون الملابس الخفيفة، ويخففون حرارة الأجواء بغمسها في الماء ثم يعيدون ارتداءها أثناء العمل في النخيل هذا بالنسبة للرجال، وكذلك النساء يرتدين الأثواب البسيطة الخفيفة كي يتّقين الحر وهن يعملن في المنزل بين طبخ ومراعاة للأبناء، واهتمام بالأنعام، ومساعدة الأزواج، وغير هذا كثير.
كانت حياتهم بسيطة جداً قائمة على الفطرة وعلى ما تجود به الطبيعة من خيرات في كل فصل، يفرحون كثيراً بمخاريف الرطب عندما تتنقل بين منزل وآخر حيث يتهادون بشائر الصيف، وما أجمل سلالهم قديماً تجدها وكأنها تبتسم من فرح، فهي مزيج من الرطب والهمبا تقوم الأمهات برش حبّات الياسمين فوقها ليبدو الشكل كرنفال محبة، لم يحتاجوا إلى بطاقات ليكتبوا عليها الإهداءات فقلوبهم تتهادى الحب بالفطرة، ما كان لديهم شركات للحلويات والورود والعطور يدفعون فيها «دم قلوبهم» مجاملة ومباهاة، كانوا بسطاء قلوبهم يجللها البياض، وتملؤها القناعة.
في مديح الحَر لمن يذمونه، نستذكر كيف كان الصيف في الأيام الخوالي والسالفات من الليالي يخلو من المكيفات، وملطفّات الأجواء، كانت المجالس تجمع الرجال، و«المَنامات» تجمع السيدات في المنازل التي تتهادى الحكايات والسوالف والخراريف وفناجين القهوة السّخيّة، وعلى السّجية يلتقون، يتبادلون الزيارات ويتجمعون في المناسبات، يتعايشون مع الأجواء سواء كانت ساخنة حارة أم في فصل الشتاء قارس البرودة، فلكل فصل لديهم لغة خاصة يتحدثون بها معه سلوكاً واحتياطاتٍ واحتفاء.
نمدح الحَر لأن الأراضي فيه تجود بالخيرات، ورغم قسوته وهروب الكثيرين منه نحو مصايف أوروبا وغيرها، إلّا أنهم يحرصون على أن يحملوا خيرات الصيف في حقائبهم لأنهم يعرفون بأنها أجمل وألذ من كلّ ما يمكن أن يتذوقوه من الطعام في رحلاتهم تلك. أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: لا تتركوا أبناءكم للريح شيخة الجابري تكتب: مُتغيرات ومسؤوليات
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال
إقرأ أيضاً:
منى أحمد تكتب: قناة الزمن الجميل
قناة ماسبيرو زمان هي أحد حراس الهوية المصرية وشاهدة علي زمن جميل بجميع مكوناته، كان الإعلام والفن أرقي سفير للغة الضاد التي صاغت وجدان الأمة ،فتعضدت مكانتها بالمحبين والداعمين وحينما أخلص لها أبناؤها حافظت علي مكانتها وبريقها وجمالياتها.
ومنذ أيام عرضت ماسبيرو زمان برنامج شريط الذكريات، الذي كان يقدمه الشاعر والإذاعي الراحل فاروق شوشة، وكانت ضيفة البرنامج القامة الكبيرة د.عائشة عبد الرحمن او بنت الشاطئ ، وحلقة جعلتني في حالة من الانبهار المصحوب بالدهشة والمرارة.
انبهار من الثراء اللغوي والثقافي للضيف والمضيف، فالأداء الإعلامي للراحل العظيم وهو القيمة الكبيرة مبهر ، كان الحضور راقي ومخارج حروف واضحة ، فاروق شوشة غني عن التعريف فهو الشاعر الكبير ولغة وصوت لا تخطئه أذن، فلم يقاطع الضيفة هو جالس أمامها في حالة أنصات تام واستمتاع، فهو في حضرة المستنيرة عائشة عبد الرحمن إحدي علامات التنوير من سيدات النهضة العلمية والفكرية والأدبية في العالم العربي، والتي تركت تراثا ثريا لأجيال متعاقبة.
وحديث يسير في عدة إتجاهات إتجاه أستعرضت فيه قصة كفاحها، وكيف استطاعت الحصول علي الماجستير والدكتوراة في أربعينيات وخمسينات القرن الماضي ، وميسرة علمية وفكرية لم تكن بالشئ الهين في وقت كانت تعاني فيه المراة المصرية من القيود المجتمعية.
فكانت د. عائشة عبد الرحمن النموذج والقدوة التي قدمتها الشاشة الفضية، وإتجاه أخر يسمو بالعقل والوجدان معا من خلال أعمالها الأديبة ورحلة عطائها، وحلقة متكاملة الأركان الإبداعية فأين نحن الأن من تلك الحالة التي ساهمت في ترسيخ وبناء الهوية المصرية.
ورغما عني وجدت نفسي أعقد مقارنات ليست في محلها بالتأكيد ، ولكن النقيض الذي استدعته الذاكرة للحالة الراهنة شكلا وموضوعا ، اثار علامات إستفهام كبيرة ،أين كنا وإلي أين وصلنا الأن؟ وكان هناك عدة إشكاليات من هذه اللوحة المتكاملة .
أولها الرسالة الأعلامية وهو مجال عملي والتي كانت تقدم للمواطن المصري والعربي ،عبر نوافذ إعلامية كانت محدودة بالنظر للتنوع الحالي ، فكان المحتوي الإعلامي واضح المعالم ، يرتكز علي تشكيل الوجدان المصري والعربي، ويؤكد دائما علي الهوية الثقافية الجمعية من خلال قامات تنويرية ،مما أدي إلي ترسيخ صورة ذهنية ساحرة عن حالة ثراء وريادة إبداعية .
جانب أخر كان مبعثا علي الإعجاب هوالمزاج المصري في ذلك الوقت ،فهذة الرسالة قابلها حالة إستيعاب بين عموم المصريين، علي أختلاف طبقاتهم ،مهد لها مستوي تعليم جيد وصخب فكري وأدبي وفني كان عنوانا أبرز لمرحلة إستثنائية من تاريخ مصر، فكان هناك حالة من الوعي المهيا لتقبل مثل هذة الجرعات الثقافية الفريدة.
والحقيقة أن هذا التنوع في المضمون الإعلامي لم يكن منصبا فقط علي الجانب الثقافي أوالأدبي ، بل كان يسير في جميع الإتجاهات من أجل هدف واحد وهو بناء شخصية الأنسان المصري والنهوض بها ، وتشكيل الوعي وترسيخ القيم والثوابت المجتمعية وهنا أتساءل أين الرسالة الإعلامية التنويرية الأن من هذا الماضي العريق.
إعادة بناء الأنسان المصري فكريا وثقافيا إحدي الركائز التي تبنتها وطالبت بها القيادة المصرية ، وإن كان هناك إجتهادات من بعض الإعلاميين إلا أنها تظل في خانة الفردية ولم تستطع الحالة الإبداعية المصرية بكل روافدها أن تترجمها حتي الأن.