عربي21:
2024-09-19@20:32:16 GMT

المغفلون حقاً

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

لا يوجد أخطر على الوجدان الثوري العام، من منطق جماعات "المتأملين في الفراغ"، الذين يدعون الحكمة بأثر رجعي، ومن ثم فهم من واقع المتأمل الذي يضع رجليه في الماء، يعطون دروساً للثوار، فكيف لهم أن يسلموا بقرار "الرئيس المخلوع" تسليم السلطة للمجلس العسكري!

هذا التأمل في الفراغ الذي هو على "مدد الشوف"، أنتج من قبل مقولة إن الثوار أخطأوا عندما تركوا ميدان التحرير، قبل اكتمال أهداف الثورة، ونقرأ عن أصوات طالبت الثوار بالبقاء في الميدان، لكن في الحقيقة لم نسمع بهذه الأصوات عندما أعلن مبارك تخليه عن السلطة!

عدم اكتمال الصورة في بعض الأذهان، هو الذي ساهم في وجود تشكيل "المتأملين في الفراغ"، الذين يفتون في أمر الثورة، دون أن تتوفر لديهم المعلومات الكاملة، وفي هذا يقول المصريون بتصرف: "من لا يعرف يقل عدساً"!

عندما تنحى مبارك، كان جل الثوار أمام القصر الرئاسي، مع أقلية تمسكت بالاستمرار في ميدان التحرير، باعتباره أرضاً محررة، وإن كان "وائل غنيم" وأصحابه تنحى مبارك وهم في منزل وائل، وهناك تعانقوا وقدموا التهنئة بعضهم لبعض.



جو ميدان التحرير

وصلت ميدان التحرير قادماً من القصر الجمهوري بصعوبة، فقد بدت مصر كلها كما لو كانت خرجت للشارع ومتجهة إلى ميدان الثورة، وبدخولي الميدان وجدت جماهير غفيرة وأسرا كاملة، جاءت للاحتفال، وسبقني إلى هناك من سبق له أن هتف باكياً: "مبارك هذا والدنا، وحرام إهانته".

وجاء من لم يعيشوا "أخلاق الميدان"، فكانوا في مرورهم يدفعون الذين أمامهم، وعند أول عملية دفع، كنت على يقين أننا أمام طوفان من البشر، جاؤوا للميدان ويفتقدون أخلاقه، وقد كنت على مدى ثمانية عشر يوماً، هي عمر الثورة، أتحرك داخل الميدان بمرونة مع زحامه، إذ كان مثالاً حياً لدعوة "لينوا لإخوانكم"!

فمن ذا الذي يمكنه في هذه الأجواء الاحتفالية الصاخبة أن يصعد للمنصة ويدعو الناس للبقاء في ميدان التحرير حتى تتحقق أهداف الثورة؟.. وحتى من شاركوا في الثورة، كان قد استبد بهم اليأس، ونال منهم التعب، فانحصرت كل جهودهم في إسقاط الرئيس لا النظام، ثم إن النظام بدأ في السقوط، منذ عزل مراكز القوى من الحزب الوطني، وحل مجلسي الشعب والشورى، فماذا بقي من نظام مبارك؟ الجيش؟.

ثورة يناير لم يتزعمها حزب أو فرد، لكي يتحرك إلى القصر الجمهوري ليمثل البديل، ولا يرضى بخيار المخلوع وفرض الأمر الواقع، فهذه الثورة أفرزت مطالب ولم تنتج زعامات، وقد وجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة التحية في هذه الليلة لشهداء الثورة، ووعد بتسليم السلطة خلال ستة شهور، وإن اعتقد أنه يمكنه أن يحتفظ بها، وناور على مدى سنة إضافية، فقد أجبرته الثورة على الفرار غير المنظم من الحكم، وكانت الانتخابات الرئاسية!

ثورة يناير لم يتزعمها حزب أو فرد، لكي يتحرك إلى القصر الجمهوري ليمثل البديل، ولا يرضى بخيار المخلوع وفرض الأمر الواقع، فهذه الثورة أفرزت مطالب ولم تنتج زعامات، وقد وجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة التحية في هذه الليلة لشهداء الثورة، ووعد بتسليم السلطة خلال ستة شهور،وإذا كان هناك من يرون أنه من الخطأ بمكان الجري للانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية، فإني وقد كنت مبكراً من أصحاب دعوة التبكير بالانتخابات، لا زلت أعتقد أن هذا هو الرأي الصحيح إلى الآن، لأنه لم يكن هناك بديل مطروح لانتقال السلطة إلا بذلك، ويؤسفني أن الطرف الرافض للمسار الانتخابي، لم يكن لديه بديلاً، وقد بدا المجلس العسكري طامعاً في السلطة، ويطمع أن يزيد، وعندما طرح الميدان في فترة لاحقة مجلسا رئاسيا، من وجهاء الحركة السياسية، كان الرفض على الهواء، وفي ذات اللحظة من أسماء ذكرت.. حمدين صباحي مثلاً!

ثم إن الميدان في المرحلة الأولى بعد التنحي، كان يسيطر عليه من يبحثون عن حظوة لدى المجلس العسكري، فأدخلوا الغش والتدليس على خياره السيء بتعيين عصام شرف رئيساً للحكومة، وقيل يومئذ إنه قادم من ميدان التحرير، مع أنه قادم من لجنة السياسات!

سقوط حكم العسكر

ونأتي إلى المشكلة الأكثر عمقاً، وهو أنه بعيداً عن الدعاية في أيام الثورة وقبلها بسقوط حكم العسكر، فلم يكن الوجدان النضالي العام يتأمل الفكرة، فالحكم العسكري ليس بمعناه الآن، ولكنه كان يعني رأس السلطة، ولهذا كان من يقودون هذا الهتاف في بعض الأحيان ناصريون، هم في الأساس ليست لديهم مشكلة مع حكم العسكر، وقد كان عبد الناصر ضابطاً، قاد انقلاباً عسكرياً في سنة 1952!

وهناك نقطة غائبة عن الأذهان، وهي أن "الانكشاف" الحالي، لم يكن في أيام الثورة، ذلك بأن الجيش كان بعيداً عن الحكم فعلاً، فلا يشتبك معك في الشارع، ولا يتدخل في الممارسة السياسية، ولا يستدعى لفض مظاهرة، منذ التدخل لإنهاء مظاهرات الخبز سنة 1977، ونزوله مرة أخرى للتصدي لتمرد الأمن المركزي سنة 1986، وفي المرتين كان نزوله مرحباً به، فلم يحدث بينه وبين المتظاهرين اشتباك في الأولى، أما في الثانية فقد كان يؤدي مهمة وطنية!

لقد أنهى عبد الناصر الحكم العسكري تماماً بعد سنة 1968، وحكم حكماً منفرداً، ومن كانوا جزءاً من سياقات الحكم منذ هذا التاريخ من العسكريين لا يعطون دلالة على أنه حكم عسكري، وهو الحكم الذي ألغى السياسة، وأسس لدولة التكنوقراط، فقد كان وجودهم ضمن هيكل عام، يضم أساتذة جامعات، وقضاة وضباط شرطة سابقين، وكبار الموظفين في الإدارة المحلية، ولم يكن الحكم واضحاً في تشكيلات الحكومة، التي ظل قوامها مدنيون في كل التشكيلات، وإن أصبح الأمر واضحاً في تعيينات المحافظين، فقد كان نصيبهم في المحافظات الحدودية، مثل سيناء، والبحر الأحمر، وقنا، في حين كان محافظ العاصمة "القاهرة" لفترة طويلة ليس عسكرياً.

فقد كان محمود الشريف طبيباً، جاء بعده عمر عبد الآخر من الإدارة المحلية، ثم عبد الرحيم شحاتة وهو أستاذ جامعي، بينما محافظة كسوهاج تبادل عليها لواءات سابقين بالشرطة، وكذلك أسيوط بسبب وجود الجامعات الدينية بالمحافظتين!

الحكم العسكري ليس بمعناه الآن، ولكنه كان يعني رأس السلطة، ولهذا كان من يقودون هذا الهتاف في بعض الأحيان ناصريون، هم في الأساس ليست لديهم مشكلة مع حكم العسكر، وقد كان عبد الناصر ضابطاً، قاد انقلاباً عسكرياً في سنة 1952!عهد عبد الناصر الذي شهد تمكيناً لأجهزة عسكرية، كالمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، من الحياة العامة، وهو نفسه العهد الذي شهد إنهاء هذه السيطرة، وكانت قضية انحراف المخابرات، وعبد الناصر هو من هتف: سقطت دولة المخابرات، ليس لأنه كان في طور التحول إلى حاكم ديمقراطي، ولكن للحفاظ على حكمه من الانقلاب العسكري عليه، وقد كان هذا مطروحاً في زمن عبد الحكيم عامر، وشمس بدران، وصلاح نصر.

وعبد الناصر هو من حل مجلس قيادة الثورة، ثم حل مجلس الرئاسة بعد أن همشه، واستدار لينتقم من رفاقه في الثورة، ولم تكن البداية بتصفية عبد الحكيم عامر وسجن رجاله!

وانكفأ جهاز المخابرات العامة على نفسه، فتحول إلى جهاز مهني، وبنى سمعته بعد ما نالها من اتهامات موجهة إلى صلاح نصر، وكان عبد الناصر حريصاً على ابعاد ملف التعذيب من المحاكمات، وإن ركز على العلاقات النسائية، فإنه يعرف أين يوجعه، مع مجتمع محافظ، ولأنه لم يكن منفعلاً ضد انتهاكات السجون، التي هي من أساس حكمه!

وفي الاقتصاد، فإن كانت هناك مشروعات تخص القوات المسلحة، فقد كان المعروف منها هو شركات الاستيراد التابعة لجهاز المخابرات مثلاً، لم يكن هذا النشاط مزعجاً لأنه لم يكن مستفحلا من ناحية، ولأنه لم يكن منافساً لاقتصاد الناس!

نثق في مؤسسة الجيش

ولهذا البعد عن دائرة الحكم، ميز الناس بين نظام الحكم والجيش، وكانت هناك نغمة "نحن نثق في مؤسسة الجيش"، وظلت العبارة تتردد على ألسنة الناصريين حتى حصل التفريط في تيران وصنافير، فوسوس كل منهم في أذن صاحبه بما يعبر عن دهشته!

وهذه الرؤية التي صاحبت الناصريين لهذا الوقت المتأخر، كانت تشمل جميع المصريين وقت قيام الثورة، ولهذا كان الاستقبال التاريخي لمصفحات الجيش العابرة لميدان التحرير في الليلة الأولى من الثورة، فقالوا إنها جاءت لتتصدى للشرطة في عنفها ضد المتظاهرين. يا لها من سذاجة!

المشكلة ليست في من سلم بقرار مبارك الذي يعد موضوعيا إلى الآن، ولكن من عاصروا سوء إدارة المجلس العسكري للمشهد، ورغبته في الاستمرار في السلطة، وعدم اخلاصه للثورة، وخرجوا يهتفون بسقوط حكمه، ثم في أقل من سنة من هذه المغادرة، كانوا يطالبون وزير الدفاع بتخليصهم من الحكم المدني المنتخب، على أمل أن يسلم الحكم لحمدين صباحي!بيد أن التميز الأكثر رشدا، هو بين الجيش ككيان مهمته حماية حدود الوطن، وبين كونه سلطة حكم، حدث بعد أن تبدت للناظرين رغبة المشير طنطاوي في الاستمرار في السلطة، فكان الهتاف الواعي لأول مرة بسقوط حكم العسكر!

ومع أني كنت واعياً تماماً بأن وزير الدفاع ورجاله هم في مواقعهم باختيار مبارك وفق مقاييسه، وأن ولاءهم إن لم يكن له فأرى أن النكران يسيء إليهم، ومع هذا يظل قرار اختيارهم لإدارة المرحلة هو فن الممكن، فالثورة لم تنتج زعيماً تدفع به لاستلام السلطة ورفض قرار مبارك، فضلاً عن أن المجلس العسكري بدا واعياً لإرادة المصريين فكانت تحية الشهداء، ثم إنه قال سوف يغادر بعد ست شهور، فلما طمع في الاستمرار كنت من بين الذين عارضوا ذلك!

والمشكلة ليست في من سلم بقرار مبارك الذي يعد موضوعيا إلى الآن، ولكن من عاصروا سوء إدارة المجلس العسكري للمشهد، ورغبته في الاستمرار في السلطة، وعدم اخلاصه للثورة، وخرجوا يهتفون بسقوط حكمه، ثم في أقل من سنة من هذه المغادرة، كانوا يطالبون وزير الدفاع بتخليصهم من الحكم المدني المنتخب، على أمل أن يسلم الحكم لحمدين صباحي!

هؤلاء هم المغفلون حقاً!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير الثورة المصريون الرأي السياسة مصر ثورة سياسة رأي مآلات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجلس العسکری فی الاستمرار الاستمرار فی عبد الناصر فی السلطة فقد کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

جبهة الإسناد الأردنية

 

 

منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، لم يهدأ الشارع الأردني. لعله كان مع شقيقه اليمني الأكثر مثابرة على تأكيد الدعم الشعبي للمقاومة وخياراتها، ولم تستطع كل المحاولات الرسمية امتصاص هذا الموقف الثابت، سواء بالتظاهر أنها تتبناه أو حين انتقلت لاستخدام أدوات القمع ضده لثني الأردنيين عن التعبير عن دعمهم للمقاومة.
لعل المتابع للنشاط الانتخابي في الأردن يلحظ أن شعار دعم المقاومة ووقف التطبيع كان الأكثر جاذبية للجمهور، يليه شعار إزالة القواعد الأجنبية. حاولت السلطة استغلال الطبيعة العشائرية للانتخابات وحرف النظر عن دعم المقاومة، إلا أن فتى بدوياً قال كلمته ومضى… الأردن كل الأردن مع المقاومة.
اشتهرت قبيلة الحويطات بالبطولة، وأدى العديد من أفرادها أدواراً مهمة في تاريخ الأردن. عودة أبو تايه قاد جيوش الثورة العربية الكبرى في الأردن، ووصل بجيشه إلى محافظة حمص السورية.
وعندما أدرك بفطرته البدوية أن الإنكليز بقيادة لورنس العرب يبيتون الشر للأمة، اشتكى للأمير فيصل الذي عزله، وعاد الأمير عبد الله (الملك عبد الله الأول لاحقاً) ليسجنه لرفضه نتائج الثورة العربية الكبرى التي أدت إلى تقسيم بلاد العرب.
مشهور الجازي صانع نصر معركة الكرامة، الضابط الذي استجاب لأمر قلبه، وعصى أوامر قيادته ليصبح رمزاً للوطنية الأردنية المتلاحمة مع الوطنية الفلسطينية. جاء ماهر ذياب الجازي ليكمل مسيرة الحويطات البطولية، كأن هذه القبيلة على موعد مع صناعة التاريخ. لذلك، عبّر أبناء بلدته (الحسينية) وقبيلته عن سعادتهم بالعملية التي نفذها ابنهم بالخروج إلى الشوارع وإطلاق العيارات النارية.
عندما يستشهد البطل، يصبح ملكاً لوطنه، وليس لقبيلته فقط. لذلك، خرج الأردنيون في جميع المدن إلى الشوارع محتفلين، وبعضهم وزع الحلوى على المارة. البعض قال إن الفرحة مبالغ بها، وهي في الحقيقة رسالة من كل بيت أردني إلى السلطة التي تقيم علاقات وتطبع مع الكيان الصهيوني بأن الخيار الشعبي الأردني محسوم لمصلحة العداء للكيان الصهيوني والانتصار للمقاومة.
ما فعله ماهر الجازي، وإن كان يعبر عن حالة وجدانية من الشراكة والغضب تجاه ما يرتكبه العدو تجاه الشعب الفلسطيني، إلا أن مفاعيله السياسية أكبر بكثير من الفعل نفسه.
على جبهة التطبيع الأردني – “الإسرائيلي”، أثبت الجازي أن التطبيع لم يغادر المربع الأول، حتى بوابة التطبيع يمكن أن ينفذ منها المقاومون للنيل من العدو، ولسان حالهم يردد المقولة التاريخية: “وراء العدو في كل مكان”. لن يجرؤ صهيوني على دخول الأردن كسائح أو كمستثمر بشكل علني، فخلف كل حائط وفي كل شارع يمكن أن يخرج له “ماهر” جديد.
على جبهة الاقتصاد، شكل الموقف الرسمي الحقيقي للسلطة في الأردن شريان الحياة الاقتصادي للكيان خلال طوفان الأقصى. ورغم تعبير الأردنيين عن رفضهم لهذا الدور المتواطئ للسلطة الحاكمة في بلادهم، بل إن الصحافية هبة أبو طه حُكمت بالسجن لمدة عام، لكتابتها تحقيقاً صحافياً عن الجسر البري الذي ينقل البضائع إلى الكيان عبر الأراضي الأردنية، لكن السلطة الحاكمة صممت على موقفها حتى جاء ماهر الجازي ليغلق المعبر بثلاث طلقات وخلال بضع دقائق، ويحقق بشهادته مطالب الأردنيين بإيقاف الجسر البري الذي استمر أكثر من 300 يوم.
المعبر المغلق اليوم سيعود إلى العمل قريباً، لكن تشديد الإجراءات الأمنية على الجانبين سيجعل وتيرة العمل أبطأ، ويرفع التكلفة الناتجة من ساعات الانتظار الطويلة. هذه الآثار سوف تنعكس على المطبعين في الجانب العربي، وعلى التجار في الجانب الصهيوني الذين قد يجدون أن الاستيراد من وراء البحر أقل كلفة، فيصاب المطبعون في مقتل من حيث لم يتوقعوا.
على الجبهة السياسية، يخسر الأردن تدريجياً موقعه كجار معتدل يحافظ على أمن أطول خط حدودي بين الكيان المصطنع والأمة العربية. هذه الخسارة تساهم فيها “إسرائيل” نفسها بالتصريحات المتوالية لمسؤولين صهاينة حول ضم الضفة، والتهديد الذي تمثله الحدود الأردنية، والذي بلغ مداه بتصريح مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب حول ضرورة زيادة مساحة “إسرائيل”.
احتفظ الأردن الرسمي برباطة الجأش، وقدم ردوداً دبلوماسية على هذه التصريحات ضمن سياسته التاريخية بإحناء الرأس للعاصفة واستثمار موقعه الجغرافي المهم.
يعدّ ما قام به ماهر الجازي أول خرق مهم لأمن الحدود منذ عقود، وهذا يعني أن التهديد الصهيوني يضع الأردن أمام خيارات صعبة، فإما التصعيد الداخلي بالمزيد من القمع تجاه المعارضة، وهذه خطوة خطيرة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة الاحتقان الشعبي، وقد تؤدي إلى حالات من الفوضى والشغب تعمق بدورها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتدخل البلاد في حلقة مفرغة، وإما التصعيد الخارجي تجاه الكيان الصهيوني بشكل خاص، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي من جهة، والتلويح للمركز الرأسمالي باحتمال خسارة واحدة من أهم قواعده في المنطقة من جهة ثانية. هذا التصعيد قد يأخذ شكل الانفتاح السياسي على دول مثل سوريا وإيران وروسيا، أو الانفتاح الاقتصادي على الصين ودول أخرى من الاقتصاديات الصاعدة.
لقد سارع العدو إلى الربط بين عملية معبر الكرامة ومحور المقاومة، في محاولة لوضع المزيد من الضغط على السلطة السياسية في الأردن التي لم تصدر بياناً رسمياً عن وزارة الخارجية بشأن الحادث، واكتفت بإعلان قيادة الأمن العام إغلاق معبر الكرامة.
الربط مع أي قوة سياسة كلام غير حقيقي، لكن الحقيقة أن كل من يقوم بفعل مقاوم هو جزء من محور المقاومة، لأن المقاومة فكرة، وليست تنظيماً سياسياً.
لم أُضخم من نتائج عملية الشهيد البطل ماهر الجازي لأنه ابن بلدي، لكن الجبهة التي اختارها، والظروف التي نفذ بها عمليته البطلة، وتوقيت العملية بالعلاقة مع ما يحدث في فلسطين، كلها تعني أن الجبهة الأردنية أصبحت ساخنة، وأنها انضمت إلى جبهات إسناد المقاومة.
كاتب سياسي أردني

مقالات مشابهة

  • بشأن العمليّات العسكريّة في لبنان... هذا ما قرّرته إسرائيل
  • تاريخ مصر العسكري عبر العصور باتحاد الكتاب
  • غرور القوة والشعب المتحدي
  • الإخوان والتسوية السياسية في مصر
  • حكم جريء في قضية ابتزاز إلكتروني: تعرف على تفاصيل الحكم الصادر عن محكمة صيرة!
  • أكسيوس: العملية الإسرائيلية بلبنان عطلت نظام القيادة والسيطرة العسكري لحزب الله
  • المتحدث العسكري: القوات البحرية تنقذ 3 سائحين في البحر الأحمر
  • كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (2 من2)
  • التوجيه المعنوي العسكري عبر الأزمان
  • جبهة الإسناد الأردنية