البوابة نيوز:
2024-10-03@06:19:04 GMT

العالم بين أوكرانيا والنيجر!

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

ربما نحتاج إلى عقد كامل أو يزيد حتى نرى العالم يعود إلى نوع من الاستقرار النسبى؛ بعد أن تفجرت حرب ثالثة بين القوى الكبرى تتخذ أشكالًا وصورًا غير تقليدية، يمتد مسرحها من شرق أوروبا إلي المحيطين الهندي والهادي، ومن بحر الشمال إلي وسط القارة السمراء.

الإنقلاب العسكرى الذى شهدته النيجر 26 يوليو الماضى ليس بعيدًا عن الصراع الدائر بين الشرق والغرب فى أوكرانيا، وفى بحر الصين الجنوبى حول جزيرة تايوان الصينية.

صحيح أن العملية العسكرية الروسية الخاصة بدأت فى 24 فبراير2022 لحماية الأمن القومى الروسى من أطماع حلف الناتو الذى كان يخطط لضم أوكرانيا ونصب صواريخه النووية على بعد بضعة كيلومترات من موسكو؛ إلا أن الأمر لن يتعلق منذ اللحظة الأولى بحدود هذه الأزمة.

الغرب الجماعى بقيادة الولايات المتحدة كان يسعى لبسط نفوذه وهيمنته على العالم بشكل متوازي، فبينما كان يحاول توسيع الناتو فى شرق أوروبا تلاعب فى الخفاء بما يعرف بمبدأ "الصين واحدة" لتعزيز تعاونه وتنسيقه مع الانفصاليين فى جزيرة تايوان فى الوقت الذى كانت القيادة العسكرية المركزية الأمريكية فى أفريقيا "أفريكوم" تحاول تعزيز تواجدها فى شمال افريقيا ووسطها.

لم يكن التحرك الروسى ليأتى منفردًا ودون تنسيق مع جمهورية الصين الشعبية التى كانت قد دخلت فى مواجهة تجارية أشبه بالحرب حامية الوطيس مع الولايات المتحدة بوصول الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب.

بعيدُا عن المواقف الرسمية، هزيمة روسيا فى أوكرانيا يعنى سقوط تايوان بين يدى الأمريكان، ولا يعنى ذلك أن موسكو كانت فى حاجة إلى دعم عسكرى صينى أو حتى دعم سياسى معلن، لكن القوتين اللتين تمثلان المعسكر الشرقى كانتا دائمًا تعملان بتنسيق فى أماكن دقيقة حول العالم.

انطلقت عدة مناورات عسكرية ضخمة للاسطولين البحريين الروسى والصينى فى منطقة المحيط الهادى والهندى ممتدة من بحر اليابان فى الشمال إلى بحر الصين الجنوبى ليؤكدا جاهزية عالية لأى مواجهة محتملة مع القطع الحربية الأمريكية والأوروبية التى تجوب المنطقة بين الحين والحين لتعزيز ما تسميه أمن التجارة العالمية وحرية الملاحة.

فى السياق ذاته، تأتى تحركات ومناورات مماثلة فى بحر الشمال، بل أن 11 قطعة حربية صينية وروسية اقتربت الأسبوع الماضى من سواحل ألاسكا الأمريكية ما أدى إلى استنفار الجيش الأمريكى الذى أرسل 4 مدمرات وطائرة استطلاع.

مع تصاعد العمليات العسكرية فى الساحة الأوكرانية ترتفع أصوات المحذرين من اندلاع حرب عالمية ثالثة يستخدم فيها السلاح النووى، ويبدو أن أغلب المراقبين والمحللين يذهبون فى تعريفهم أو وصفهم لشكل الحرب العالمية الثالثة بأنها تلك الحرب التى تستخدم الأسلحة التقليدية ثم تتطور لتستخدم أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووى؛ إلا أننا على ما يبدو بصدد حرب ثالثة فعليًا ولكن أطرافها لا يريدون تدمير ذواتهم وقرروا ألا ينخرطوا فى مواجهة مباشرة عبر حرب تقليدية أو نووية؛ إنهم يخوضون حربهم الثالثة بأدوات وأشكال جديدة، جانبها العسكرى يندلع بما يعرف بـ"الحرب بالوكالة" أى أن تقوم أوكرانيا نيابة عن حلف النيتو بقتال الدب الروسى وربما كان مخططًا أن تقوم تايوان بنفس الدور مع التنين الصيني.

أما المناورت التى تحوم حول مناطق تماس خطرة ليست سوى رسائل تهديد خشنة، وفيما يبدو أن منطقة الساحل الافريقى ستشهد مواجهة عسكرية جديدة بين المعسكرين الشرقى والغربى بالوكالة أيضًا والنيجر ستكون مسرحًا لعملياتها.

فرنسا أعلنت عبر وزارتى الخارجية والدفاع دعمها لإنذار منظمة "إيكواس" الاقتصادية لمجموعة دول غرب افريقيا للعسكريين الذين انقلبوا على حكم محمد بازوم فى النيجر.

الموقف الفرنسى الرسمى لم يشر إلى تدخل عسكرى مباشر مكتفيًا بدعم موقف "ايكواس"، لكن تقارير صحفية تحدثت عن استعدادات مقاتلات فرنسية مقاتلة فى قاعدة بدولة جيبوتى.

تعانى معظم دول غرب افريقيا من اقتصادات ضعيفة ربما لا تساعدها على تمويل حرب طويلة مع النيجر التى أعلنت كل من مالى وبوركينا فاسو وقوفها إلى جانبها لمواجهة أى تدخل عسكرى خارجى معتبرة إعلان الحرب على النيجر إعلاناً للحرب عليهما.

فى الشمال تقف الجزائر معارضة لأى تدخل عسكرى لأنه من ناحية سيشكل تهديدًا لأمنها القومى، ومن ناحية أخرى سيؤدى إلى تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية المنتشرة فى المنطقة (داعش وبوكو حرام).

ومن اللافت فى هذا السياق أن تنظيم داعش الذى تدعى القوات الفرنسية والأمريكية المتواجدتان فى النيجر محاربته، قاما بمهاجمة قافلة مساعدات أرسلتها مالى إلى النيجر خلال الاسبوع المنصرم.

هناك مخاوف جادة من أن تعمل الولايات المتحدة على استخدام التنظيمات الإرهابية فى هذه الحرب على غرار ما فعلت فى العراق وسوريا، وجميعنا يذكر حمولات المؤن والأسلحة التى كانت تلقيها الطائرات الأمريكية إلى عناصر داعش زاعمة أنها ألقيت بطريق الخطأ؛ فكان من اللافت أن دحر التنظيم الإرهابى وغيره من التنظيمات المسلحة فى سوريا لم يتم إلا بعد التدخل الروسى.

هنا يأتى دور قوات فاجنر المتواجدة فى مالى والتى من المرجح أن تقوم بتقديم الدعم لجيش النيجر حال اندلعت هذه الحرب.

فى هذا الإطار لابد من التذكير بالمناورات العسكرية التى أجرتها كل من الولايات المتحدة وروسيا مع دول إقليمية أخرى فى الشمال الافريقى يضاف إلى ذلك النفوذ الصينى المتنامى عبر المشروعات الاقتصادية فى المنطقة والذى يعد شكلًا آخر للمواجهة بين المعسكرين بالنظر إلى المصالح والشركات الفرنسية التى عملت طوال الوقت بذات المنطق الاستعمارى فى نهب ثروات افريقيا لتظل شعوبها فقيرة إلى حد الجوع.

إندلاع الحرب فى الساحل الافريقى ستكون له تداعيات خطيرة التى ستمتد إلى الجزائر وليبيا وسيخلق تحديًا جديدًا للأمن القومى المصرى على حدودها الغربية والجنوبية ولن تكونا تونس والمغرب بعيدتان عن تلك التداعيات، لذلك يتعين على دول الشمال الافريقي الكبرى (مصر-الجزائر – المغرب) العمل على صياغة استراتيجية لاحتواء هذا الصراع قبل اندلاعه، أو التعامل مع تداعياته الأمنية والسياسية حال وقوعه حتى لا يطالنا وهج سعيرها.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أوكرانيا النيجر الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

العالم يتخلى عن بايدن ويتجاوزه.. مايكل هيرش: خطاب الرئيس الأمريكى حول النظام العالمى عكس فشل دبلوماسية واشنطن فى الشرق الأوسط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فى خطاب وداعى ألقاه بالجمعية العامة للأمم المتحدة، قدم الرئيس الأمريكى جو بايدن رؤية للاستمرارية، وسط الفوضى،  مؤكدا أن السياق المحيط بخطابه يكشف عن تناقض صارخ، فهناك عالم يتحرك بشكل متزايد خارج نطاق نفوذه.
من جانبه وصف الكاتب الصحفي مايكل هيرش، فى عموده بمجلة فورين بوليسي، التحديات المتزايدة التى يواجهها بايدن على الساحة العالمية، مؤكدًا الشعور المتزايد بعدم الأهمية سواء فى الأمم المتحدة أو داخل السياسة الخارجية الأمريكية.
سلط خطاب بايدن، الذى اتسم بلحظات من البهجة التى لم تكن مؤثرة واستجابة صامتة بشكل عام من المندوبين، الضوء على الانفصال بين تطلعات إدارته والحقائق القاسية للسياسة العالمية، عندما أشار إلى عمره، بدا ضحك الجمهور قسريًا، مما يشير إلى عدم المشاركة فى رسالته.
لقد لاقى اعترافه بعدم السعى لإعادة انتخابه استحسانًا كبيرًا، وربما يشير ذلك إلى تفاهم بين القادة حول الثمن الذى قد تفرضه السلطة المطولة. ومع ذلك، كانت مفارقة هذه اللحظة ملموسة حيث يواصل المستبدون التشبث بالسلطة على مستوى العالم، مما يدل على انحراف واضح عن المبادئ الديمقراطية التى سعى بايدن ذات يوم إلى الدفاع عنها.
ويلاحظ «هيرش» أن تصريحات «بايدن» حول النظام العالمى الفاشل، الذى كان يأمل فى إنعاشه طغت عليها الأزمات الفورية، مثل التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وحزب الله. إن تأكيد والتر راسل ميد على أن «بايدن» قد يحب الدبلوماسية، لكن الدبلوماسية لا تحبه، يلخص بإيجاز الحالة الحالية للسياسة الخارجية الأمريكية - وهى حالة تتسم بالفرص الضائعة والافتقار إلى العمل الحاسم.
الأمم المتحدة: منتدى فى أزمة
يفترض المقال أن الأمم المتحدة تحولت إلى ساحة معركة للقوى الكبرى، وهو ما يذكرنا بعصر الحرب الباردة عندما مارس الاتحاد السوفييتى حق النقض دون عقاب. واليوم، ومع وجود الولايات المتحدة على جانب واحد وكتلة صينية روسية على الجانب الآخر، تجد الأمم المتحدة نفسها متورطة فى طريق مسدود بدلًا من أن تكون منصة للحل. وقد تجسد هذا العجز فى تصريحات أردوغان التحريضية بعد بايدن، والتى أكدت على تفكك الحوار التعاونى داخل الجمعية.
يشير تحليل شليزنجر إلى خطاب بايدن باعتباره بيانًا إرثيًا، يحدد التزامات إدارته بميثاق الأمم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بأوكرانيا. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى سياسات جديدة أو استراتيجيات مبتكرة ترك العديد من المراقبين يتساءلون عما إذا كانت إدارته قد أدركت حقًا تعقيدات الصراعات العالمية المعاصرة.
فشل بايدن الدبلوماسى فى الشرق الأوسط
إن الرواية المحيطة بولاية بايدن مشوهة بسلسلة من الإخفاقات الدبلوماسية فى الشرق الأوسط، وهى المنطقة التى يبدو أن نفوذ الولايات المتحدة يتضاءل فيها، ويؤكد هيرش على محاولات الإدارة لتعزيز الحوار بين إسرائيل وفلسطين، والجهود الرامية إلى احتواء إيران، والتدخلات فى السودان، والتى أسفرت جميعها عن نتائج ضئيلة. وكما لاحظ أحد الدبلوماسيين المجهولين، هناك شعور ملموس بين قادة الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة لم تعد حَكَمًا موثوقًا به فى المنطقة.
وتعكس ملاحظات المحللين السياسيين اتجاهًا مثيرًا للقلق: يبدو أن اللاعبين الرئيسيين فى الشرق الأوسط، وخاصة رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، غير راغبين فى الاستماع إلى نصيحة بايدن. والنتيجة واضحة - فبدون تحول كبير فى السياسة الخارجية أو القيادة الأمريكية، تظل احتمالات المشاركة البناءة فى المنطقة قاتمة.
مستقبل الأمم المتحدة
على الرغم من الانتقادات، يحذر هيرش من شطب الأمم المتحدة قبل الأوان. تواصل المنظمة لعب أدوار حاسمة من خلال وكالاتها المختلفة، التى تدعم الاستقرار العالمى والجهود الإنسانية. إن المنظور التاريخى لشليزنجر حول مشاركة الأمم المتحدة فى منع الصراعات الأكبر يؤكد على أهميتها المستمرة، حتى فى ظل أوجه القصور الحالية.
لقد قطعت إدارة بايدن خطوات واسعة فى حشد الإدانة الدولية لأفعال روسيا، مما يشير إلى أن الأمم المتحدة لا تزال تعمل كمنصة للعمل الجماعي، حتى لو كانت فعاليتها موضع تساؤل فى كثير من الأحيان. فى المستقبل، سيعتمد نجاح الأمم المتحدة إلى حد كبير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، مع الآثار المحتملة على المعايير الدولية والأطر التعاونية.
فى أعقاب خطاب بايدن، من الواضح أنه فى حين يحاول الرئيس إظهار شعور بالاستقرار، فإن المشهد الدولى يتغير بسرعة. توضح الديناميكيات فى اللعب عالمًا على استعداد متزايد لملاحقة مصالحه بشكل مستقل عن القيادة الأمريكية. وكما خلص هيرش، فإن الرئيس الأمريكى القادم سوف يلعب دوراً حاسماً فى تحديد ما إذا كانت الأمم المتحدة قادرة على استعادة موطئ قدمها، وما إذا كانت المبادئ التى تقوم عليها التعاون الدولى سوف يتم الحفاظ عليها.
 

مقالات مشابهة

  • حرب أكتوبر.. وصناعة التاريخ
  • «نصر أكتوبر» معجزة التاريخ
  • العالم يتخلى عن بايدن ويتجاوزه.. مايكل هيرش: خطاب الرئيس الأمريكى حول النظام العالمى عكس فشل دبلوماسية واشنطن فى الشرق الأوسط
  • عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»
  • الأمم المتحدة: شهر يوليو كان الأكثر دموية للمدنيين في أوكرانيا منذ عام 2022
  • استمرار الحرب في قطاع غزة لليوم الـ362 والجيش الإسرائيلي يحذر النازحين من العودة إلى الشمال
  • الوزير الأول يستقبل وفدا من جمهورية النيجر
  • شريف فتحى: السياحة تلعب دورًا هامًا فى تعزيز السلام والاستقرار العالمى
  • اجتياح لبنان واللغم التوراتى
  • عودة الدولة اللبنانية هى الحل