الذاكرة الانتقائية وسلسلة التدمير الذاتي
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
مهدي رابح
هل هو الكسل أم نحن مصابون بمحنة فقدان الذاكرة الانتقائي (Dissociative Amnesia)؟, والميل إلى نسيان الأحداث المؤلمة أو غير المطابقة لما يلائمنا أو يريحنا، من تصورات عن أنفسنا والآخرين.
في تقديري هو مزيج من الاثنتين، أي سلوك يتعدى قبول النسخ الزائفة عن تاريخنا وهوياتنا وجذورنا إلى الانفتاح غير المشروط لتصديق نسخ موازية للواقع، نسخ معدلة لما يحدث الآن، وأمام مرئي ومسمع منا، مقرونا بميل إلى الهروب من مواجهته، بتعقيداته البالغة والركون بدلا عن ذلك لتفاسير بسيطة مجردة ومصطلحات تُحَمَّل دلالات فوق طاقتها حد الاهتراء.
ربما يكون هذا هو التفسير الوحيد لضبابية المشهد السوداني اليوم، الذي وفوق ذلك كله، تحجبه سحب الحريق الذي طال كل الناس، وكل شيء.
على أعتاب الشهر السادس عشر من الحرب البلهاء نشهد فقدان أرواح ما يقدر ب 150,000 من المدنيين منذ اشتعالها وتشريد ما يزيد ب 12 مليون سوداني وسودانية من ديارهم بعد أن دمرت ونهبت ممتلكاتهم وفشل الموسم الزراعي وظهور بوادر مجاعة طاحنة ستطال الملايين خلال الأشهر القليلة القادمة، والتي من المرجح أنها ستسهم في مضاعفة عدد الضحايا الذي قد يفوق المليون، غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
نعم، ونحن نشهد أكبر كارثة إنسانية علي مر تاريخ السودان الحديث والمرشحة لأن تكون أكبر كارثة إنسانية في القرن الواحد العشرين حتى اليوم، يظل الفضاء العام السوداني محتشدا بالإحن الصغيرة والبطولات الزائفة وحكايات قاع المدينة. يظل جانب منه يقتسم انتباهه المؤقت متابعة مباراة بين الهلال والمريخ أو الريال وبرشلونة أو كتائب البراء وقوات البيشي أو الجيش والدعم السريع أو البرهان وحميدتي، وهو يصفق لأحدهما، ويبصق في شاشة هاتفه الذكي علي الآخر، بينما جموع أخرى منشغلة بملاسنات خشنة بين مغنيتين علي الملأ، وبين هذا وذاك الجنون جنون من نوع آخر يحدث خلال حفلات الشواء التي لا تنتهي، والتي يقيمها مدعي الفضيلة الجدد لتطال حملات شيطنتها، وتخوينها الجميع ما عدا الجناة الحقيقيين أو أحدهما علي أقل تقدير.
وسط كل هذا الضجيج، وفي منتصف عاصفة التضليل الإعلامي والتهريج يقف الكثيرون ممن لم يتح لهم امتياز التعمق في الشأن السياسي، حائرين في ملاجئهم، ينتظرون حلول السماء بعد أن ضاقت بأحلامهم أرض السودان بما رحبت وهم يتساءلون صادقين، إذا من هم الجناة؟ والأهم من ذلك ما هو الحل؟.
تاريخ السودان الحديث لم يبدأ صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023م، حينما أشعل بعض الإسلامويين الحرب لقطع الطريق أمام أي اتفاق سياسي قد يعيد تأسيس عمليات الإصلاح المتعددة، وعلى رأسها تفكيك شبكات النظام السابق المستشرية في مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية وأجهزة الدولة الأخرى والاقتصادي. لم يبدأ أيضا في الأسابيع القليلة التي سبقتها، والتي وثق بها هؤلاء بالصوت والصورة مهرجانات التعبئة الحربية والخطب الحماسية الخرقاء الضاجّة بالتلويح بالحريق ما لم تتوقف الجهود الحثيثة لاستكمال الاتفاق الإطاري.
فالإحصاءات التي سبقت صبيحة حرب أبريل تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى ضياع أرواح ما يقارب ال 1.5 مليون ضحية من المواطنات والمواطنين السودانيين منذ أول حريق صبيحة ال 18 أغسطس 1955م في توريت، سقطوا نتيجة فشل المشروع السياسي والتنموي للدولة السودانية المستقلة في سلسلة من النزاعات المسلحة غير المنقطعة دافعها الرئيس هو مواجهة ثنائية الظلم الاجتماعي وعجز الدولة عن القيام بواجباتها الأساسية. ومقابل هذا العدد المهول غابت المحاسبة لأي من المسؤولين عن الانتهاكات المروعة والجرائم ضد الإنسانية التي وسمت كل تلك النزاعات دون استثناء. بينما الثابت فيها بجانب مئات آلاف الضحايا هو نمط الإفلات من أي نوع من أنواع العقاب ولو كان معنويا، كوصمة العار مثلا، التي عادة ما تطارد الجناة أينما حلّو في المجتمعات التي يتوافر لديها بعض من الذاكرة السليمة والشجاعة الكافية لمواجهة تاريخها غير المجيد كما هو، دون رتوش.
الناظر للتاريخ السوداني منذ عام 1821م إذا اعتبرنا غزو جيوش محمد علي باشا بدايةً لتكوين السودان بشعوبه وحدوده الحالية يجد أن بجانب ال 1.5 مليون ضحية منسية، المذكورة آنفا، يرقد ملايين آخرين منسيين أيضا، هم ضحايا عمليات تدمير ذاتي أقدم، ملايين قضوا بفعل النزاعات الداخلية والمجاعات والأوبئة إبان حكم الدولة المهدية. حيث تشير بعض التقديرات إلى انكماش عدد السكان خلال تلك ال 13 عاما إلى حوالي 60 إلى 70% من العدد الكلي السابق لها والبالغ ما بين 7 إلى 8 ملايين نسمة. وهي تقديرات اعتمدت علي تقديرات أشخاص يعملون ضمن منظومة الحكم الاستعماري، وعلى الأرجح لا تخلو من بعض التحيز، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، وفي ظل ما نعرفه خلال شهادات لا حصر لها من وضع مأساوي عاشته شرائح واسعة من الشعب السوداني خلال تلك الحقبة، لِمَ لمْ ينبر مؤرخينا لكشف الحقيقة المجرّدة حتى اليوم، ألا يتحملوا جزءا من المسؤولية؟.
وإذا اعتبرنا تلك الحقبة هي الموجة الأولى في سلسلة التدمير الذاتي يمكن اعتبار حمام الدم الذي ابتدأ قبيل أيام من الاستقلال، واستمر حتى صبيحة ال 15 من أبريل هي الموجة الثانية وما أعقبها الثالثة الكبرى.
لكي نتمكن من ربط الموجة الثانية بالثالثة بصورة وثيقة ولدواعي محدودية المساحة المتاحة لهذا المقال دعونا نتجاوز الأعمال المروعة التي ارتكبت في حق المدنيين خلال العقود الثلاث التي استغرقتها حرب الجنوب، والتي دفنت سيرتها ومعها العدالة تحت ركام تسويات اتفاقية السلام الشامل CPA عام 2005م، ولنقفز مباشرة إلى منتصفها أي إلى إحداث حرب دارفور في بداية الألفية الثانية كون الفاعلين الرئيسيين لحرب 15 أبريل “الموجة الثالثة”، أشخاصا ومؤسسات كانوا فاعلين رئيسيين أيضا في تلك الأحداث.
ثبت خلال حرب دارفور، التي راح ضحيتها ما يقارب ال 300 ألف ضحية، وبأدلة قطعية أن الجيش السوداني بجانب مسؤوليته عن تكوين المليشيات المسلحة “الجنجويد ثم حرس الحدود” قد ارتكب جرائم حرب، وشارك تلك المليشيات في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وربما أكثر ما يعبر عن هذا النمط هو التقرير الوافي الذي قدمته اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بدارفور في جنيفا بتاريخ 5 يناير 2005م، والذي تم علي إثره تحريك الإجراءات القانونية التي أدت إلى المطالبة بمثول الجنرال البشير وعدد من رموز نظامه أمام محكمة الجنايات الدولية ICC.
وهي لجنة كونها السيد كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة حينها بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1564 الصادر يوم 18 سبتمبر عام 2004م، والتي ترأسها السيد أنطونيو كاسيس وعضوية كل من محمد فايق، هينا جيلاني، دوميسا نسبيا وتيريزا سترينغر سكوت.
وهنا اقتطف إحدى أهم الفقرات التي تلخص ما توصلت إليه من نتائج:
الفقرة رقم 186- صفحة 54 من التقرير
” سُجّل تكراراً لنمط من الاعتداءات علي القرى والمستوطنات، مصحوبا أحيانا بهجوم جوي تُستخدم فيه طائرات الهيليكوبتر الحربية أو الطائرات ذوات الأجنحة الثابتة (أنتينوف أو ميج)، ويشمل ذلك القصف وإطلاق زخات الرصاص الكثيف من أسلحة آلية. لكن غالب حوادث الهجوم المسجل تتمثل في هجمات أرضية يقودها إما عسكريون رسميون أو جنجويد أو الاثنين معا.
مئات الأحداث المسجلة تضمنت قتلاً للمدنيين، مجازر، إعدام خارج نطاق القانون، اغتصاب وأشكال أخرى من الاعتداء الجنسي، تعذيب، اختطاف، نهب الممتلكات والماشية، كما تضمنت أيضا التدمير المتعمّد وإحراق القرى.
هذه الأفعال تسببت في النزوح الجماعي لشرائح واسعة من السكان داخل دارفور كما في المناطق المجاورة من تشاد. التقارير تشير إلى أن كثافة الهجوم وفظاعة الانتهاكات التي ترتكب في أي إحدى القرى تنشر درجة من الرعب تدفع بسكان كل القرى المجاورة للهروب والنزوح إلى مناطق أكثر أمانا.”
هذه الأحداث شهدت أيضا ميلاد حلف يدفع السودان ثمنه غاليا جدا اليوم، بين الجنرال البرهان أحد القادة العسكريين المسؤولين عن هندسة سياسات دولة الإنقاذ الدموية في دارفور وتنفيذها، والذين أطلق عليهم لقب المقاولين تهكما داخل أروقة المؤسسة العسكرية ذاتها، وبين “حميدتي” القائد القبلي الذي يقود فصيلا من قوات الجنجويد “حرس الحدود لاحقا” التي يترأسها حينها الزعيم القبلي سئ السمعة موسى هلال.
ودون الدخول في تفاصيل ارتقاء الحليفين التاريخيين أعلى سلم السلطة ومراحل صناعة قوات الدعم السريع علي يد الإسلامويين ضمن عمليات توازنات الضعف الداخلية للنظام السابق، والمعروفة للجميع، فقد دفعت ثورة ديسمبر المجيدة، التي مهرت بدماء المتظاهرين السلميين، الحليفين إلى قمة السلطة، البرهان قائدا للجيش وحميدتي مالكا لجيش مواز لا ينازعه فيه أحد، والأهم من ذلك متمتعا باستقلال شبه كامل ومتحكم في أهم مصدرين للمال هما ارتزاق الدولة والذهب. ما جعله كما توقع البروفيسور أليكس دي وال في دراسته المهمة عن السودان كسوق أعمال سياسي التي صدرت في أغسطس 2019م أن يحل محل الجنرال البشير كرئيس لمجلس إدارة هذا السوق في بلد تشوهت بنيته السياسية حتى النخاع، وأصبح فيه شراء الولاءات عنوانه الأبرز.
هذا الوضع الجديد مكّن “حميدتي” من شراء ولاءات جنرالات الجيش، وعلى رأسهم حليفه القديم، وبذلك وتحت إشراف الأخير استطاع مضاعفة قواته أربع مرات على الأقل، عدة وعتادا وقفز مجندوها من 30 ألفا إلى 120, وتضخمت إمبراطوريته المالية، وتمركزت قواته في مواقع استراتيجية داخل الخرطوم وفي الأقاليم. كل هذا الجهد كان واضحا أنه في يقع ضمن سياق سعي حثيث للانفراد بالسلطة. في الجانب الآخر تبني البرهان، ومن حوله من جنرالات عين المشروع، فاستندوا بدورهم على شبكات النظام السابق لتحقيقه، والتي كانت تعمل بدورها من داخل أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية لاستعادة السلطة. هذا الهدف المشترك هو ما جعل الأطراف الثلاث تتحالف بصورة تكتيكية أملا في إبعاد المدنيين الديموقراطيين أولا قبل التخلص من الآخر، فتخللت تلك الفترة مجزرة القيادة ثم المؤامرات المتتالية لعرقلة عمل الحكومة الانتقالية لتنتهي بانقلابهم المشترك المشؤوم في أكتوبر 2021م.
أعقب الانقلاب مباشرة محاولة البرهان الانفراد بالحكم عبر إعادة تمكين عناصر النظام السابق في السلطة تزامن ذلك مع سباق محموم بين الجيش والدعم السريع للسيطرة علي موارد البلاد ونهبها، خصوصا الذهب، وسعي كل منهما لخلق تحالفات دولية وإقليمية منفردة ما أدى إلى تصاعد التوتر بينهما وازدياد وتيرة الإعداد للمواجهة لتبلغ حدها الأعلى حينما استطاع المدنيون عبر الضغط الشعبي والدولي عزل الانقلاب وجمع الغريمين حول مسودة مشروع اتفاق سياسي ربما يمثل مخرجا لتلك الأزمة. لكنه اتفاق لا يكتفي باستثناء عناصر النظام السابق ووضع حد لمشروعهم، بل يهدد وجودهم السياسي المستقبلي، ويحمل في طياته آليات تفكيك منظوماتهم الأمنية والاقتصادية المافيوية وتقديم من أجرم منهم إلى سوح المحاكم من جديد.
هذا سبب الحرب، هؤلاء جميعا هم الجناة… الأطراف الثلاث.
والذين يصدحون دون حياء، ليل نهار، بفرية القضاء علي دولة 56 الظالمة من جهة والكرامة الوطنية من جهة أخرى، بينما تمرغ كرامة عشرات ملايين السودانيات والسودانيين بين النزوح واللجوء والتشرد والجوع، وتمرغ كرامة الجيش، وهو يواصل تقهقره غير المجيد.
هم جميعا من ولغت أيديهم في الدماء، وفي السحت لعقود.
الشركاء في قتل المتظاهرين السلميين، وفي مجزرة القيادة، وفي الخيانة الكبرى المتمثلة في انقلاب 2021م.
دعونا نفيق قليلا، حتى لا نعرف بكل يسر في شبر وحل التضليل الإعلامي الذي أجادت شبكات مجرمي النظام السابق وشبكات مخابرات طرفي الحرب صناعته.
لا الجيش بشكله الحالي ولا صنيعته الدعم السريع مؤهلان لترسيخ السلام الدائم في السودان ولا لبناء دولة. هي قوى تدمير يتم استخدامها من قبل قلة صغيرة لحسم الصراع حول السلطة والثروة. هما منتج مباشر وصريح لفشل المشروع السياسي والتنموي للدولة السودانية.
المحنة الحقيقية هي أنه ومنذ عام 1958م بدأت مسيرة استبدال أدوات الصراع السياسي والاجتماعي السلمية بالقوة الجبرية والقمع وشرعية حكم الناس لأنفسهم بشرعية العنف وسيادة حكم القانون بسيادة حكم السلاح.
وهو ما يعني أن الشرط الأساسي لكسر هذه الدائرة الشريرة وإيقاف سلسلة التدمير الذاتي الأزلية والوصول إلى سلام مستدام وامتلاك القدرة على تدشين عمليات البناء والإصلاح هو استعادة الجمهور لحقه في احتكار القوة الشرعية عبر مؤسسات أمنية وعسكرية مهنية غير قابلة للاستغلال ومملوكة له حصريا، قوات محترفة ومؤهلة فنيا وأخلاقيا وخاضعة بشكل كلي للسلطة السياسية المدنية. وبالمقابل يعني ضرورة البناء السياسي السليم لمؤسسات الدولة القائمة على أساس مبدأ المواطنة المتساوية، دولة توفر للجميع حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بإيجاز هو مشروع بناء صعب طويل ومعقد لا يمكن تحقيقه على أيدي من يسيطرون علي أدوات الدمار…
وهنا، وفي الختام استحضر مقولة بروفيسور علي مزروعي الملهمة
“كنتاج للانقلابات العسكرية المتكررة، أصبحت السلطة بدلا من أن تكون تحت سيطرة من يمتلكون وسائل الإنتاج محصورة في أيدي ضباط عسكريين يسيطرون على وسائل الدمار.”
الوسوممهدي رابحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: النظام السابق تلک ال
إقرأ أيضاً:
بشرى كركوبي.. الضابطة المغربية التي تقود نهضة التحكيم الإفريقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعتبر المرأة المغربية نموذجاً للعطاء والتميز، استطاعت عبر العصور أن تواجه كل التحديات، تمتلك قدرات استثنائية تمكنها من التفوق في العديد من المجالات وتجعلها مصدر إلهام عربي وعالمي.
بشرى كركوبي، الحكم الدولي في كرة القدم، واحدة من ألمع النماذج المغربية، جمعت بين التميز المهني والتميز الرياضي، استطاعت أن تحقق إنجازات رائدة محلياً وقارياً ودولياً، إيمانها بأحلامها وقدراتها كان حافزاً قوياً لتحدي الصعوبات والقيود الاجتماعية بغرض الوصول إلى القمة، تزاوج بين مهامها المهنية في الشرطة برتبة "مفتش شرطة ممتاز"، حيث تعمل بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة مكناس المغربية، وبين حملها للشارة الاحترافية كحكم دولي.
ولدت بشرى عام 1987، بمدينة تازة المغربية الواقعة بين جبال الأطلس المتوسط وجبال الريف، أحبت كرة القدم منذ صغرها لكن عائلتها المحافظة وقفت ضد رغبتها، مما جعلها تتمرد على الصورة النمطية للمرأة وتقرر مزاحمة الرجال في مجالات كانت حكراً عليهم خلال سنوات عديدة، ليلمع اسمها كأول امرأة أفريقية تتأهل كحكم الفيديو المساعد الفار(VAR)، هذه التقنية الذي تفرد بها المغرب أفريقياً في السنوات الماضية.
انضمت بشرى إلى المؤسسة الأمنية كضابطة شرطة، هذا الجهاز القوي الذي يرأسه السيد عبداللطيف الحموشي والذي يعد أبرز الشخصيات المغربية لتمتعه بشعبية كبيرة لدى المغاربة، حيث يتبنى رؤية حديثة انعكست على مسيرة بشرى كركوبي، إذ لا تقتصر مهامه على حفظ الأمن بل الإسهام في دعم وبناء قدرات المنتسبين لهذه المؤسسة الأمنية ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم من خلال توفير بيئة محفزة، الأمر الذي دفع بهذه الضابطة إلى التشبث بطموحها الرياضي وتحقيق التميز في مجال تحكيم كرة القدم، وبشخصيتها القوية وإدارتها الجيدة في الملعب كحكم، استطاعت لفت انتباه عشاق المستطيل الأخضر ودخول التاريخ بتتويجات مهمة.
انطلقت بشرى في مجال التحكيم عام 2001 من خلال مباريات محلية، وانضمت بعد ذلك إلى قائمة الحكام الدوليين المعتمدين لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)، لتكون أول خطوة نحو مشاركات عالمية وقارية مهمة، وبفضل كفاءتها العالية، أصبحت بشرى كركوبي أول امرأة في تاريخ المغرب تدير نهائي كأس العرش سنة 2022، أما الحدث الأكبر عندما وقع عليها الاختيار وأصبحت أول امرأة تدير بطولة كأس الأمم الأفريقية للرجال في 2024، كما أنها اختتمت نفس السنة بتتويجها بجائزة أفضل حكم في أفريقيا خلال حفل الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم الذي أقيم مؤخرا في مدينة مراكش.
لبنة أخرى في مسار التفوق المغربي في المجال الرياضي يتجسد في شخص بشرى كركوبي التي أكدت أن المرأة المغربية تستطيع أن تثبت حضورها في مواقع القرار سواء داخل جهاز الشرطة أو على المستطيل الأخضر، نجاحها لم يكن وليد الصدفة بل هو ثمرة كفاح ومثابرة لسنوات طويلة، هي اليوم نموذج ملهم ليس فقط في المغرب، بل على مستوى القارة الأفريقية والعالم.
*كاتبة وإعلامية مغربية