حمدوك: متفائل بلقاء قريب يجمع البرهان وحميدتي وهناك فرصة لاستئناف «منبر جدة» لوقف الحرب بالسودان
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
أعرب رئيس وزراء السودان السابق، ورئيس «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، عبد الله حمدوك، عن تفاؤله بإمكانية لقاء قريب يجمع طرفي الحرب في السودان؛ قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي».
حمدوك لـ«الشرق الأوسط»: متفائل بلقاء قريب يجمع البرهان و«حميدتي»
قال إن هناك فرصة لاستئناف «منبر جدة» لوقف الحرب بالسودان
أعرب رئيس وزراء السودان السابق، ورئيس «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، عبد الله حمدوك، عن تفاؤله بإمكانية لقاء قريب يجمع طرفي الحرب في السودان؛ قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي».
وقال في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، على هامش مشاركته في «مؤتمر القاهرة» للقوى السياسية السودانية: «إن الاجتماع بين الطرفين ممكن، من خلال آلية (اللجنة الرئاسية) المُشكلة من الاتحاد الأفريقي برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني»، عادّاً تلك اللجنة «خطوة في الاتجاه الصحيح، كونها توفر آلية لجمع طرفي النزاع، لم تكن موجودة من قبل».
حضور لافت خلال مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة (الخارجية المصرية)
وشكّل «مجلس السلم والأمن الأفريقي»، في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، لجنة برئاسة موسيفيني، لجمع طرفي الحرب بالسودان (قادة الجيش وقوات الدعم السريع)، في أقرب وقت ممكن، واقترح قمة طارئة للاتحاد الأفريقي للنظر في وضع السودان.
وعدّ رئيس وزراء السودان السابق أنه «لأول مرة يُجرى تشكيل آلية على مستوى رؤساء الدول»، مشيراً إلى أن «هذه اللجنة ستكون لديها القدرة على التأثير على الطرفين، باعتبارها مشكلة على أعلى مستوى»، وتمنى حال حدوث الاجتماع أن «يحقق هدف وقف الحرب».
ورحّب حمدوك، بنتائج اجتماع «مجلس السلم والأمن الأفريقي» الأخير، وعدّها تعكس «اهتمام القارة الأفريقية بالقضية السودانية».
وحول مشاركته في «مؤتمر القاهرة» للقوى السياسية السودانية، قال رئيس «تقدم»: «إن المؤتمر يعدّ الأول منذ بدء الأزمة في السودان الذي يجمع هذا الكم من الأطراف السياسية»، مشيراً إلى أنه تمت مناقشة «آليات وقف إطلاق النار، حتى لو بشكل مؤقت، ثم بشكل مستدام».
وعدّ رئيس وزراء السودان أن مؤتمر القاهرة «أتاح فرصة للقوى السياسية للمشاركة فيه للاتفاق على المبادئ العامة للعملية السياسية»، وقال إن لديه قناعة «بأنه لا يوجد حل عسكري للنزاع في السودان، وأنه يجب الدخول في عملية سياسية عبر التفاوض لمعالجة هذه الأزمة».
واستضافت القاهرة، السبت، فعاليات مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، بشعار «معاً لوقف الحرب»، الذي ناقش 3 ملفات لإنهاء النزاع، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية للحل».
وأوضح حمدوك، أن «السودان يمر بأكبر كارثة إنسانية في العالم، فهناك 25 مليوناً داخل السودان مهددون بالمجاعة... الموت جوعاً أكثر من الرصاص»، وعدّ أن الإشكالية في «عدم القدرة على الوصول للمتضررين من الحرب»، وطالب بالعمل على «توصيل المساعدات عبر الحدود المختلفة للسودان، ووصولها للمتضررين في مناطق النزاع».
دمار شامل
ووصف رئيس «تقدم»، ما أحدثته الحرب الداخلية، بأنه «دمار شامل للسودان»، وقال الحرب: «أحدثت دماراً يفوق التصور والخيال... ومرتبط بفقدان أرواح أكثر من 100 ألف ضحية حتى الآن»، وأشار إلى أن «هناك دماراً في البنية التحتية والموارد الخاصة والممتلكات».
وعدّ حمدوك «فقدان الكوادر المدربة في كل المجالات بالسودان بصفتها أحد الآثار الكارثية للحرب... وتعويضها سيكون صعباً»، مشيراً إلى أنه «سيكون مطلوباً مع انتهاء هذه الحرب القيام بمهام إعادة التأسيس للدولة، خاصة البنية التحتية».
وتوقف حمدوك عند الوضع الإنساني الصعب للفارين من الحرب، وأشار إلى «وجود 10 ملايين نازح داخل السودان، إلى جانب نحو مليوني لاجئ في دول الجوار». وقال: «إن مصر وحدها استقبلت نحو مليون لاجئ من الفارين من الحرب»، مشيراً إلى أن «الفارين من الحرب يواجهون ظروفاً قاسية لانعدام السكن والخدمات الأساسية من الغذاء والدواء».
وحول فرص العودة لإنجاح مسار «جدة»، لوقف الحرب، قال رئيس الوزراء السوداني السابق: «ما زالت هناك إمكانية لاستئناف التفاوض بمسار جدة»، مشيراً إلى أن «تنسيقية (تقدم) رحبت بهذا المسار، وترى أنه يمكن أن يتكامل مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى التي تتعامل مع الأزمة السودانية، مثل مسار الاتحاد الأفريقي والإيغاد».
وشدد البيان الختامي لـ«مؤتمر القوى السياسية السودانية» في القاهرة على «الالتزام بإعلان جدة، والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب».
وحول أسباب عدم استجابة طرفي النزاع، قال حمدوك إنه «لا يعرف أسباب عدم اكتمال تنفيذ بنود اتفاق جدة»، مشيراً إلى أن «هذا المسار كان مبكراً في بداية الحرب، ونجح في البداية في تطبيق فترات قصيرة لوقف النار»، عادّاً أن إحدى المشاكل التي تواجه هذا المسار «تعقيدات الأزمة نفسها».
وحول انفتاح تنسيقية «تقدم» مع باقي القوى السياسية، بعد مؤتمرها التأسيسي وتشكيل هيكل تنظيمي لها، قال حمدوك، إن «المؤتمر التأسيسي قدّم رؤية للحل السياسي، ومعالجة القضايا الإنسانية ووقف الحرب، إضافة إلى طرح رؤية مؤتمر المائدة المستديرة، وهي آلية للعمل مع القوى السياسية». وأضاف: «نريد أن نمد يدنا للجميع، ونريد أن نكون أكبر تجمع يضم قوى مدنية وسياسية ولجان مقاومة وتنظيمات مهنية ونقابيين وكفاحاً مسلحاً».
وأوضح رئيس «تقدم»: «لا ندعي تمثيل السودان، بل نعمل مع كل الفاعلين»، وقال: «ليست لدينا شروط محددة للانفتاح على باقي القوى السياسية غير التعامل مع مَن يعمل لوقف الحرب، واستعادة الانتقال من أجل عودة الحكم الوطني الديمقراطي في السودان».
قائد الجيش البرهان وقائد «الدعم السريع» حميدتي خلال إحدى المناسبات السابقة للحرب (أرشيفية)
وحول إذا كانت هيكلة تنسيقية «تقدم»، قد تمكنها من المنافسة في أي انتخابات مقبلة في السودان، قال حمدوك «(تقدم) غير مُشكّلة لتخوض الانتخابات، لكن من أجل العمل على وقف الكارثة في السودان ووقف الحرب»، مشيراً إلى أن «الانتخابات قضية أخرى».
ورفض رئيس الوزراء السوداني السابق ما يجري تداوله من تشكيل حكومة جديدة في السودان، من قبل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقال: «كيف نُشكل حكومة، وهناك حرب قائمة»، مضيفاً: «يجب أن تتوقف الحرب أولاً، قبل الحديث عن تشكيل حكومة في السودان».
واستبعد حمدوك، قبوله رئاسة حكومة مرة أخرى، وقال: «ما يشغلني حالياً هو إيقاف الحرب»، مشيراً إلى أن «موضوع رئاسة أي حكومة، متروك لخيارات الشعب السوداني، وهناك آلاف السودانيين المؤهلين لقيادة الحكومة».
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: رئیس وزراء السودان القوى السیاسیة الدعم السریع لوقف الحرب فی السودان وقف الحرب من الحرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
الحرب وبعض المفاهيم النظرية المغلوطة
قلنا في المقالات السابقة، وفي المقال الأخير تحديداً، إن تقييم ومحاكمة هذه الحرب التي توقّفت، ولكنها لم تتوقف كلياً بعد، قلنا، إن تقييما كهذا ومحاكمة كهذه يحتاجان ويتطلبان مناقشات مستفيضة ومعمّقة، صريحة، صادقة ومسؤولة قبل كل شيء لكي يصار إلى إعادة وضع الأمور في نصابها، وبهدف البحث عن مساحات وطنية مشتركة من شأنها إعادة الاعتبار لأهمية ترميم الحالة الوطنية، وإعادة العودة إلى طريق وحدة الشعب، وقواه الوطنية، ووضع مسار هذه الحركة من جديد على سكة المصالح الوطنية، وعلى سكّة الأهداف الوطنية، والحقوق الوطنية التي ما زالت، وستبقى مرهونة بإنجاز كل ما يلزم فعله من حوارات، ومن وضع مرتكزات، وبناء إستراتيجيات على طريق تحقيقها.
واحدة من أهم المسائل التي تتعلق وتتصل بهذه المفاهيم النظرية المغلوطة هي مفهوم موازين القوى في حالات الحروب الوطنية، طالما أننا في الحالة الفلسطينية نتحدث بالذات حول الحرب الوطنية الفلسطينية لانتزاع حقوقنا الوطنية من براثن المشروع الصهيوني الذي سعى ويسعى منذ أكثر من قرن كامل من الصراع لتصفية هذه الحقوق.
مهما يكن من أمر، وبقدر ما يتعلق الموضوع بالحالة الفلسطينية الملموسة فإن مفهوم ميزان القوى في معادلة الصراع في هذه الحالة هو مفهوم فريد من نوعه من بين قضايا التحرر الوطني في كامل تجربة البشرية المعاصرة، بكل ما يحمله هذا المفهوم من معانٍ، وما تقف خلفه من اعتبارات.
إذ لم يواجه أي شعب من شعوب الأرض مؤامرة كالتي تعرّض لها الشعب الفلسطيني عندما التقت مصالح «الغرب» الرأسمالي كلّه، وتقاطعت عند توفير مقومات متكاملة من العمل المثابر والدؤوب، وتكالبت على هذا الشعب أقوى قوى «الغرب» بهدف (اقتلاع) شعبنا من ارضه، وبهدف (إحلال) شعب آخر في مكانه.
التجربة البشرية الوحيدة التي سبقت هذه التجربة الفريدة في التاريخ كانت إبادة السكّان الأصليين في أميركا وأستراليا، أو استيطان أرض هؤلاء السكان وتطهير وجودهم عرقياً، والقضاء التام على أي إمكانية لإعادة انبعاث وجودهم المادي، مرّةً وإلى الأبد.
أما التجربة الجزائرية، وتجربة بعض الشعوب الإفريقية الأخرى، بما فيها النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وما كانت تسمى روديسيا فإنها وإن حملت بعض سمات الاقتلاع والإحلال فإنها لم تحمل مثل هذه السمات إلّا جزئياً، بصرف النظر عن حجم القوة الغاشمة التي استخدمت، وبالرغم من حجم الظلم الذي ألحقته القوى الاستعمارية بهم، ناهيكم عن أن الفترة الزمنية التي وقعت فيها عمليات الإبادة للسكان والتطهير العرقي لهم، ولاحقاً عمليات الإحلال والاقتلاع النسبي كانت قبل مئات السنين، وكان أحدثها قد وقع مع موجات الاستعمار في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وآخرها في القرن التاسع عشر.
بالعودة إلى وثائق الحركة الصهيونية ومؤتمراتها، وبالعودة إلى «الترتيبات» والإجراءات والسياسات التي وضعت من قبل كبريات البلدان الاستعمارية، وخصوصاً فيما يتعلق بإقامة «الوطن القومي لليهود» وفيما يتعلق بمصير السكان الفلسطينيين.. بالعودة إلى كل ذلك، ومنذ العقود الأخيرة للدولة العثمانية، ومنذ بدء التقاسم الاستعماري «للتركة» العثمانية في الإقليم العربي يتبين لنا أن المشروع المُزمع إقامته كان يحمل سمات الإبادة والتطهير تمهيداً للإحلال والاقتلاع.
هذه الحقائق التي لا يرقى لها أي شك تعطينا فكرة أننا كنّا أمام قيام أكبر تنظيم عالمي لقيادة وتولّي الإدارة التنفيذية لهذا المشروع مدعوماً من كل «الغرب»، وبإشراف مباشر من بريطانيا العظمى، التي كانت الدولة الأقوى في العالم، وبالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية كما تفيد الوثائق المؤكّدة حول «وعد بلفور»، وموافقة ومشاركة أميركا في أدقّ تفاصيله.
فإذا أضفنا إلى الحركة الصهيونية، وما كانت تتمتع به من نفوذ وإمكانيات وطاقات، ووسائل للتأثير بسبب وقوف الرساميل اليهودية خلف مشروعها، والأرضية الجاهزة المجهّزة من خلال الانتداب البريطاني، والدعم الأميركي الكامل، وتحكّم «الغرب» ببلدان الإقليم العربية بفلسطين نستطيع أن ندرك عن أي معادلات يتم الحديث في إطار موازين القوى في المراحل الأولى من الصراع.
الاختلال في ميزان القوى بين شعبنا، وبين هذا المعسكر الهائل في كل الاتجاهات، وعلى كل المستويات لم يحل دون «ثورة البراق»، ولم يحل دون الثورة الوطنية الكبرى في العام 1936، وحيث نشبت أكبر ثورة شعبية في التاريخ المعاصر لكامل دول الإقليم، (الإضراب الكبير)، واضطرّت بريطانيا لاستدعاء الآلاف من جنودها في الهند لإخماد الثورة المسلّحة، وهي ثورة ريفية امتدّت إلى المدن لاحقاً، وتجلّت فيها أسمى معاني وأكبر سمات الوحدة الوطنية.
وقبل وقوع النكبة وأثنائها قاوم الشعب الفلسطيني بكل إمكانياته، وبما يفوق هذه الإمكانيات إلى تفوقت القوات والعصابات الصهيونية عليه، وعلى «الجيوش» العربية التي قاتلت بما «توفّر» لها من إمكانيات أُريد لها أن تكون متواضعة، وخُطّط لأن «تنحصر» مهمتها في نهاية الحرب الوصول إلى «الهدنة».
لم يكن هناك أي إمكانية للحديث عن أي نوع من التوازن في كامل مسار هذا الكفاح، وكان الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة عالم متكامل من القوة والجبروت، ومن إبادة وتطهير وطرد وتشريد لحوالى ثلثي الشعب كلّه.
وفي الفترة الممتدة بين عام النكبة 1948 وعام النكسة 1967، وبالرغم من كل مشاريع الوصاية والإلحاق والملاحقة، بدأ الشعب بإعداد نفسه لجولات جديدة من الصراع، ونشأت منظمة التحرير الفلسطينية، وبدأت عملية وطنية جديدة من الانبعاث الوطني، وتم تأسيس جيش التحرير الفلسطيني، وشرعت قطاعات متزايدة من الشعب بتأسيس منظماتها الكفاحية الجديدة، ظهرت حركة فتح وقبلها أو بالتوازي مع ظهورها ظهرت جبهة التحرير الفلسطينية، وشرعت منظمات حركة القوميين العرب بالتحضير للكفاح المسلّح مثل منظمة «شباب الثأر» ومنظمة «أبطال العودة»، وتعزّزت إرهاصات تشكيل المنظمات المسلّحة بعيداً عن وصاية النظام العربي، بما فيها النظام «الناصري»، و»البعثي»، ومن أجل خلق مناخات وطنية مستقلة عن هذا النظام خشية من تكرار تجربتي الثورة الوطنية الكبرى في العام 1936، وحرب النكبة في الأعوام 1947/1948.
وكان لانطلاق «فتح» بالذات، والشروع بالكفاح المسلّح أهمية كبرى إن كان لجهة الاعتبارات الفكرية والسياسية، أو لاعتبارات النزوع نحو درجة أعلى من الاستقلالية عن النظام العربي، وعن الواقع العربي كلّه.
وبعد هزيمة حزيران 1967، ظهرت بسرعة انتشار النار في الهشيم المنظمات الفلسطينية الجديدة، وخصوصاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت معركة الكرامة هي المعركة الأولى بين قوات احتلال إسرائيلية كبيرة وقوات الثورة الفلسطينية في الأغوار، وخاص بضع مئات من القوات الفلسطينية معركة ملحمية مع قوات الاحتلال، وانتصروا فيها انتصاراً مبهراً دون أن يعرفوا، وقبل أن تتدخل مدفعية الجيش العربي الأردني من أجل إسناد القوات الفلسطينية القليلة بصورة أدّت إلى حسم المعركة، ومنيت دولة الاحتلال بأوّل هزيمة عسكرية في مواجهة مباشرة مع مئات المقاتلين.
لم يكن هناك أيّ مجال للحديث عن توازن للقوى في تلك المعركة، ولم يكن هناك أي توازن في كل معارك القشرة طول امتداد الحدود الأردنية الفلسطينية، ولم يكن هناك أي توازن في القتال من جنوب لبنان، ولم يكن في أي وقت من الأوقات مثل هذا التوازن لا قبل اجتياح وغزو لبنان ولا بعده.
وكان ميزان القوى الحقيقي هو في أنّ المقاومة عندما تحارب جيشاً مدجّجاً بالسلاح المتفوّق فإنها تراهن على عدة عوامل تشكل في محصّلتها نوعاً من إستراتيجية المواجهة المرنة، والتي قوامها حرب العصابات، والمغاوير، والضرب في مكامن الضعف، وتجنّب المواجهة إلّا إذا فرضت كما كان الأمر في «الكرامة»، هذا إذا تحدثنا عن ميزان القوى العسكري أو الميداني.
في مفهوم حركات التحرر الوطني للتوازن هناك عدة عوامل يحسب حسابها بدقّة:
الأوّل، أن تكون المعارك والحروب والمواجهات ليس لتحقيق النصر على العدو بصورة مباشرة، أو من خلال معركة واحدة فاصلة، أو خوض حرب لا يتم من خلالها استنزاف العدو وجرّه إلى الوقوع في مناطق الانقضاض عليه وضربه في نقاط ضعفه. وهذه المسألة تعني تحضير حركة التحرر الوطني لنفسها إذا كانت قادرة على المواجهة لحرب طويلة تنهك العدو وتستنزفه وتحبط قدرته من التمكّن أو الاستفراد بقوات الثورة.
الثاني، أن تكون لدى حركة التحرر قدرة على الصمود حتى تتحوّل الخسائر في صفوف العدو إلى وسائل ضغط كبيرة عليه بحيث يصبح هذا الضغط جزءاً لا يتجزأ من مفهوم التوازن.
الثالث، أن تكون الحروب والمعارك قادرة على خلق جبهات إسناد سياسية وميدانية، محلية وإقليمية ودولية.
والرابع، أن يكون للصمود الشعبي، ولصمود المقاتلين دور تعبوي في الوسط الخاص الوطني، وفي المحيط القومي القادر على تصليب الإرادة الوطنية، وعلى الحفاظ على أعلى درجات القوة المعنوية.
ميزان القوى بين مقاتلي حركة التحرّر وقوات المستعمر يبدأ بالإرادة، ويمرّ بالاستعداد والتجهيز وتوفير مقوّمات القدرة الطويلة على القتال، وينتهي بالمراهنة على يأس العدو من القدرة على تحقيق الأهداف.
في حروب التحرّر الوطني الرهانات جزء عضوي من الحسابات، والمغامرة حاضرة في أدقّ التفاصيل، والمراهنة مسألة أصيلة وطبيعية، والإرادة أقوى سلاح من أسلحة المواجهة. في حروب التحرّر الوطني الحق والعدل والعدالة مَعِين لا ينضب في إدانة الأعداء القتلة والمجرمين، والاستثمار في الضمير الإنساني الحيّ ليس فقط لشعوب «الجنوب»، وإنّما في ضمير شعوب «الغرب» نفسه.
في حروب التحرّر الوطني أنت تعرف وحشية الأعداء، وتعرف توحشّهم، ولكنك لا تستطيع أن تعرف دائماً ومسبقاً فيما إذا كانوا قادرين عليه، وفيما إذا كانوا قادرين على الاستمرار به.
الأيام الفلسطينية