د. نادر مصطفى يكتب: حكومة مقرها الشارع
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
ما الذى تريده من الحكومة الجديدة؟ سؤال قد تكون تعرضت له.. فما الذى يتبادر لذهنك الآن؟ زحام من الأفكار، فربة المنزل تفكر فى أسعار متطلبات البيت الأساسية التى تُمكنها من الوفاء بالتزامات الغذاء لأفراد العائلة، وهى ستتمنى أن يتم ضبط أسعار السوق لتصبح مقبولة تجعلها قادرة على التعامل مع ميزانية البيت فى الوفاء بالمتطلبات الأساسية للأسرة.
الموظف هو الآخر سيطلب أن يرتقى بمستواه الاجتماعى ليحافظ على البقاء فى الطبقة الوسطى أو الارتقاء عنها.
الفلاح يريد المعاش والأسمدة وكل ما يتطلبه المحصول الناجح، ويريد بيع منتجاته بسعر عادل يحقق له الربح الذى يتناسب مع عناء الموسم بأكمله.
ولا شك أن العامل والصياد يحتاجان لدعم الحكومة حتى يتحول المجتمع من الاستهلاك للإنتاج، ونتمكن من تحقيق فائض للتصدير يوفر لنا الدولار الذى أصبح صداعاً فى رأس المواطن.
لذا فإننا بحاجة إلى أن تسعى الحكومة الجديدة بكل السبل لتخفيف الأعباء عن المواطن بما يضمن له حياة كريمة. وهو ما يتطلب منها العمل على مواجهة التضخم وضبط الأسواق وإحكام الرقابة عليها، وتكون حكومة تسعى لتوفير بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، بما يساهم فى توفير المزيد من فرص العمل للشباب وتوفير العملة الصعبة التى تلعب دوراً حيوياً للخروج من أزمة اقتصادية تجعل المواطن يعانى.
ولن يتحقق ما سبق إلا إذا نجحت الحكومة الجديدة فى القضاء على الفساد.. فالفساد لا يستنزف التنمية فقط، بل يصفى دم المواطن نفسه ويجعل إمكاناتنا تتسرب من بين أيدينا كأنها مياه فى كيس ممتلئ بالثقوب.
«التفكير خارج الصندوق» مطلب معتاد فى هذا الظرف.. لكن قبل الخروج من الصندوق دعنا نفكر داخله قليلاً عن الأدوار والالتزامات الأساسية للمؤسسات الحكومية، فهل قامت المدرسة بدورها الأساسى حتى تتمكن من الابتكار.. وهل يُعقل أن يغيب الطالب عن المدرسة فى أهم سنوات دراسته فى الصفين الثالث الإعدادى والثالث الثانوى؟ وكيف يواجه وزير التربية والتعليم الجديد هذه المشكلة التى أصبحت مزمنة؟.. والحال كذلك فى العديد من المؤسسات، ومنها قصور الثقافة التى إن نجحت فى أداء دورها الأساسى فستغير الصورة من حولنا.
لذا فالحكومة الجديدة عليها أن تركز على إصلاح منظومتى التعليم والصحة باعتبارهما أهم وأخطر الملفات التى يجب أن تعمل عليها، فبناء الأمم يبدأ بالتعليم القادر على خلق طالب مبدع ومبتكر، يساهم فى مواجهة تحديات بلاده بأساليب جديدة.
وكما نقول دوماً إن العقل السليم فى الجسم السليم، فالمنظومة الصحية هى عمود الأساس الثانى فى بناء الأمم.
هل كثير علينا أن نطلب من الوزير فى الحكومة الجديدة أن يستمع بإنصات إلى المواطن الذى يطرق بابه.. ليفتح الوزير بابه وينظر إلى مشاكل المواطن بسعة صدر دون وسيط فلا يترك الأمر إلى سكرتير يفعل ما يشاء.. لماذا لا يترك الوزير مكتبه قليلاً إلى الشارع لتتضح الصورة أمامه من مختلف جوانبها؟.. وربما يكون حضوره للجلسات العامة بمجلس النواب أو اجتماعات اللجان النوعية بالبرلمان مفيداً للتعرف من نواب الشعب على المشكلات والحلول المقترحة.
فلسفة الاحتواء هى أفضل ما تسمعه فى هذا الظرف، لكن العبرة بالتطبيق العملى وليس الكلام النظرى.. فاحتواء المسئول لمطالب المواطن اليوم فرض عين.. والتطبيق العملى لمبادئ الحوكمة من شفافية وعدالة وحيوية فى الاستجابة أصبح مطلوباً الآن أكثر من أى وقت مضى.
الحكومة الجديدة يجب أن تكون ميدانية تتخذ من الشارع مقراً لها ليلمس المواطن وجودها وتكون خطواتها نابعة من الشارع مع السعى لرضا المواطن، فهى أمامها فرصة كبيرة لوضع سياسات أكثر تعبيراً عن نبض الشارع من خلال الاستفادة من مخرجات المرحلة الأولى للحوار الوطنى فى مجالاته الثلاثة السياسى والاقتصادى والاجتماعى.
أرى أن الحكومة هذه المرة لن تكون تقليدية.. وهى بحاجة إلى أن تنتهج مبدأ الحوكمة فى إدارتها لكافة الملفات، وهو ما يعنى بناء جسور من التعاون مع كل أطراف المجتمع المواطن والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، فالمطلوب حكومة مترابطة تعمل وزاراتها بشكل متكامل ومتناسق لتنفيذ السياسات العامة، حكومة تتخذ من المؤسسية مبدأ لها وتبنى على ما سبق من سياسات ناجحة، وتكون قدوة للمواطن، تتخذ من الترشيد أساساً لعملها.
وعلى الحكومة الجديدة إدراك حجم ما يدور حولنا من مخاطر وتكون قادرة على مواجهتها وحماية أمننا القومى، والتعامل بوعى مع القضايا العالمية، ولتجعل من مصر شريكاً رئيسياً فى مواجهة تلك القضايا. وأخيراً علينا أن نتذكر دائماً أن مصر تستحق منا أن نبذل الأفضل فى هذا التوقيت.. لعل المشاركة الفاعلة منا جميعاً أساس لتحريك الظروف نحو الأفضل بقوة السواعد المشتركة.
* وكيل لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب
عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: بيان الحكومة البرلمانيون الحوار الوطنى الحکومة الجدیدة
إقرأ أيضاً:
تواضروس الثانى.. البابا الذى أحبه المصريون
احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم ١٨ نوفمبر الماضى بمرور ١٢ عامًا على تجليس البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، على كرسى مارمرقس الرسول ليصبح البابا ١١٨، حيث أقيم قداس احتفالى فى مركز لوجوس البابوى بدير القديس الأنبا بيشوى بوادى النطرون، كما احتفلت إيبارشية حلوان بعيد تجليس قداسته وذلك خلال اجتماع الأربعاء الأسبوعى الذى أقيم هناك، والحقيقة أنه منذ تنصيبه حتى الآن عمل قداسته الكثير من الإنجازات والتى كانت لها أثر كبير ليس فى نفوس الأقباط فقط ولكن لدى جميع المصريين، فاستحق بذلك حب فئات الشعب المختلفة وتقديرها له.
عن ذلك قال الكاتب والمفكر القبطى كمال زاخر: فى علاقة البابا بالدولة ثمة ملاحظة مهمة، وهى التزامن بين اختيار البابا البطريرك ورئيس الدولة، فبينما يشهد البابا يوساب الثانى مواجهات كنسية تنتهى بتحديد إقامته حتى وفاته يشهد رئيس الدولة محمد نجيب مواجهات من رفقائه تنتهى بعزله وتحديد إقامته حتى وفاته، فيما يأتى البابا كيرلس السادس فى مقابل الرئيس جمال عبدالناصر وبينهما ود وقبول على أرضية مصرية ويرحلان فى تزامن لافت، الرئيس ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، والبابا فى مارس ١٩٧١، ويتكرر التزامن بين البابا شنودة والرئيسين السادات ومبارك، وتشهد العلاقات بينهم وفاقا وصداما فى مرحلة شديدة الحساسية والارتباك، ويرحل الرئيس مبارك عزلًا ويلحقه رحيل البابا شنودة بالوفاة، خلال فترة وجيزة، واللافت أن تمر الكنيسة والدولة كلتاهما بفترتين انتقاليتين متزامنين، ففى الأولى يتولى قيادتها المطران الأنبا باخوميوس (بشكل مؤقت لحين انتخاب بابا جديد) وفى المقابل يتولى المجلس العسكرى ثم جماعة الإخوان إدارة الحكم سنة لكل منهما، ثم الرئيس الانتقالى المستشار عدلى منصور، وينتهى الأمر فى الكنيسة والوطن بشكل متقارب زمنيًا، ليستقر الأمر فى كليهما بمجىء البابا تواضروس الثانى ومجىء الرئيس السيسى، لتشهد العلاقة بين الكنيسة والدولة مرحلة توافق وسلام ممتدة تضع نقطة فى نهاية سطر كان الإرهاب فيه صاحب الحضور الدامى.
وأضاف زاخر: ويتعاون كلا من البابا الجديد والرئيس، الجديد أيضا، فى إرساء قواعد علاقات سوية وقوية وبنّاءة بين الكنيسة والدولة، فبينما يؤكد الرئيس على مفهوم المواطنة، وينهى صداع أزمات بناء الكنائس بإصدار قانون تنظيم ترميم وبناء الكنائس لأول مرة، فى إزاحة لكل العراقيل المزمنة التى كانت تتصدر المشهد، نرى البابا يعلن بجسارة. فى مواجهة الأعمال التخريبية التى افتعلتها الجماعات المظلمة «أن وطنا بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، فى انحياز وطنى تام، وقد استن الرئيس سنة وطنية رائعة لها تداعياتها الإيجابية ومردودها فى تعميق المواطنة وهى زيارة الكاتدرائية فى قداسها الاحتفالى بعيد الميلاد بشكل دورى لم ينقطع، وفى الوقت ذاته لم يفقد البابا إصراره على الحفاظ على وحدة الكنيسة وسلامها برباطة جأش وهدوء يحسد عليهما، فى مواجهة المتاعب والقلاقل التى واجهته من داخل وخارج الكنيسة خلال الاثنى عشر عامًا من حبريته، وكان أبرزها اعتداء المتطرفين على الكاتدرائية، المكان والرمز، وأزمات المناوئين له بالداخل وما أثاروه من زوابع كان ابرزها ما عرف بأزمة الميرون، وهو شأن كنسى قفز فيه البابا قفزة علمية واعية بحكم تكوينه الثقافى والعلمى لم يقبل به الحرس القديم، ثم أزمة التقارب مع الكنائس الأخرى وأزمة البيان المشترك مع الكنيسة الكاثوليكية والتوافق على عدم إعادة المعمودية حال انضمام رعاياها للكنيسة القبطية، وسحب البابا فتيل الأزمة بإرجاء الفصل فيها، ثم الأزمة الأخيرة فيما عرف بأزمة السيمينار، والتى انتهت باعتذار أبرز مثيريها، ليعود البابا أكثر قوة بدعم جارف من الرعية.
كما قدم القس رفعت فكرى الأمين العام المشارك لمجلس كنائس الشرق الأوسط، التهنئة لقداسة البابا وقال: الحقيقة قداسته شخصية متفتحة وصاحب عقل مستنير ويؤمن بالعمل المسكونى، ونراه دائما فى الأعياد المختلفة يزور رؤساء المذاهب والطوائف ويقدم لهم التهنئة بالأعياد وفى مجلس كنائس مصر، كلنا رأيناه عندما ذهب إلى روما والتقى البابا فرنسيس وألقى كلمته فى ساحة الفاتيكان.
وقال الكاتب والمورخ الأستاذ ماجد كامل: ورث قداسة البابا تواضروس الثانى أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية– العشق الشديد لمصر وللوطن مثل كل البطاركة السابقين على الكرسى المرقسى وإن كان قداسته قد تولى المسئولية فى سنة صعبة مليئة بالأحداث المؤسفة واستمرت بعض هذه الأحداث خلال السنوات التى تلتها نذكر منها (حرق الكنائس فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣- حادثة الخصوص ٦ إبريل ٢٠١٣- الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية فى اليوم التالى مباشرة- الاعتداء على كنيسة الوراق فى ٢٠ أكتوبر ٢٠١٣– شهداء ليبيا فى ١٥ فبراير ٢٠١٥- شهداء الكنيسة البطرسية فى ١١ ديسمبر ٢٠١٦– شهداء كنيسة مار جرجس طنطا فى ٩ إبريل ٢٠١٧، وفى نفس اليوم الكنيسة المرقسية بالإسكندرية– شهداء القلمون فى ٢٦ مايو ٢٠١٧.. إلخ) إلا أن قداسته تمكن من استيعاب هذا بالمحبة والصدر الرحب.
وعند أداء السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى اليمين الدستورية فى ٨ يونيه ٢٠١٤، حضر قداسة البابا الحفل، وأرسل لسيادته برقية تهنئة قال فيها: «يسرنى بالأصالة عن نفسى وباسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن أهنئكم على ثقة الشعب المصرى بكم فى انتخابكم رئيسًا، والذى جاء تعبيرًا عن إرادة شعبية خالصة والكنيسة الوطنية تشد على أيديكم، وجاء الحدث التاريخى الضخم الذى عاشته مصر بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، يوم ١١ يونيه ٢٠١٥، ولقد شارك فى الاحتفال بالحدث بوفد كنسى ضخم يضم ١٥ شخصًا من الآباء الأساقفة وعشرة من الآباء الكهنة لزيارة مشروع قناة السويس الجديدة، وعبر قداسته عن سعادته بالمشروع وقال: «إن هذا المشروع فخر لكل المصريين والأجيال القادمة، ويصل إلى حد الإعجاز، ولرغبة قداسته الشديدة فى الحوار والتقارب الإسلامي– المسيحى، عبر قداسته عن تقديره الشديد لدور الأزهر الشريف فى دعم قيم المحبة والحوار والتسامح، وعند أول لقاء لقداسته مع شيخ الأزهر قال له: «نحن سعداء لهذه الروح الوطنية، ونشيد بمؤسسة الأزهر التى تحمل الفكر المعتدل الوسطى على أرض مصر».
كما شارك قداسته فى المؤتمر العام الـ٢٣ للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والمنعقد بوزارة الأوقاف بعنوان «خطورة الفكر التكفيرى والفتوى دون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية».
وأضاف كامل: كما شارك قداسته فى المؤتمر الذى نظمه الأزهر بعنوان «مواجهة الإرهاب والتطرف» ألقى فيه قداسته كلمة عن «الكنيسة المصرية والمواطنة». وفى ٤ ديسمبر ٢٠١٤ استقبل قداسته فى المقر البابوى السيد فيصل بن معمر، رئيس مركز «كايسيد» العالمى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بالنمسا.
وفى جميع المناسبات الوطنية المختلفة كنا نشاهد مشاركات قداسته، حيث شارك قداسته فى الاستفتاء على الدستور فى ١٤ يناير ٢٠١٤. واحتفالات عيد تحرير سيناء. كما شارك فى المؤتمر الدولى الثانى لتاريخ مصر فى العصر المسيحى، والذى عُقد فى كلية الآداب جامعة عين شمس خلال الفترة من (٥- ٧ مايو سنة ٢٠١٥م) بكلمة مسجلة عن أهمية العصر القبطى، واهتمام الأقباط بالتدوين التاريخى. «، كما قام قداسته بتوقيع بروتوكول تعاون بين الكنيسة القبطية ووزارة الموارد المائية والرى بهدف حماية نهر النيل من التعديات والتلوث وترشيد استهلاك المياه.