شبكة العلاقات الإنسانية شبكة معقدة لما يتجاذبها من تشعبات علائقية ومعطيات وتأثيرات عاطفية اجتماعية مختلفة، تنسحب هذه التداعيات الملتبسة المتشابكة على كثير من جوانب الحياة التي قد تتجاوز السياق الشخصي في مساراته العاطفية، العائلية إلى سياقات أكبر مجتمعية ووظيفية عامة، وفي حين يتصدر بعض الأفراد هذه السياقات بمهارته وقدرته وحضوره المؤثر يتخذ بعضهم الآخر منزلة الوقوع في دائرة التأثر العام، وبالتالي الانقياد أو التبعية، أو المجاراة إن شئنا التخفيف من حدة التأثير السلبي بالصعود إلى نبرة المشاركة والتوافق الإيجابيين.

معرفة المؤثر بحدود وإمكانات تأثيره في الآخر هي -بلا شك- قوة بحد ذاتها يمكن استغلالها لتوجيه وتطويع واستغلال وربما تمكين في بعض سياقاتها الإيجابية كذلك، فماذا لو أنك أيها العارف بإمكاناتك عرفت في نفسك تلك القوة والحضور، ولكن الآخر لم يبلغ تلك المعرفة وربما أنكرها عليك؟! من متابعات سلطة الحضور ورفض الغياب أذكر سلوكا طفوليا ربما عايشناه جميعا، حينما يصرخ خاسر ما في لعبة جماعية «تلاعبوني وإلا أخرّب» متمردا على قوانين اللعبة رافضا الخروج من المشاركة، حتى لو أن قوانين اللعبة هي التي أسلمته لذلك الخروج المؤقت، المشكلة أنه يستطيع فعلا فرض نفسه بمنطقه ذاك إن لم يكن في الميدان من يحرس الآخرين واللعبة من تبجح ذلك الثائر بتهديده في غير الحق، ويبقى ليلعب رغما عن الجميع خوفا من تهديد التخريب أوان غياب المشاركة.

بذات المنطق في فكرة «ألعب وإلا أخرب» يمارس بعض الأفراد سلطته العاطفية أو المجتمعية أو الإدارية ليحصل على أكبر قدر ممكن من الفوائد الشخصية قد تتضمن تشاركات وتعاقدات ومنافع اختارها لنفسه رغما عن الجميع ليثبت بأن حيثما حضرتُ أنا كان النجاح والتميز والإنجاز لأكونَ صاحبَه الأوحد المتفرد، أو على الأقل شريكا به، وإن لم تعترفوا لي بذلك فإني مُسَخِّرٌ كُلَّ جهودي لإفساد الأمر، وفي السياق الشخصي نجدها ضمن أن الفرح والنجاح والمتعة معي وحسب، وإلا فلن تهنأوا بها ولن تصلوا إليها دوني، وقد تتطرف تصرفات الشخصية المتنفذة عاطفيا أو عائليا لدرجة تصل حدود الإجرام والعنف، وكذلك الأمر في السياق الإداري حين لا يجد المتنفذ إداريا سلطة أعلى تراقب تصرفاته وتتابع قراراته التي يحدث أن تصدر عن انفعالات شخصية وتراكمات ذاتية مفادها «إن لم يكن لي نصيب في هذه فلن تصل إليكم «لتتعطل مصالح موظفين، وتتقطع أسبابٌ لنجاح وإبداعِ آخرين، مما يحيل بعض المخلصين إلى انطفاء واحتراق وظيفيين دون أن ترمش لذلك المتنفذ المسيطر عين، أو يصحو له ضمير، بل قد يعتقد(واهما) أنه انتصر بتحقق نفوذه حينما اختاروا عدم مشاركته اللعبة!

بذات المنطق يتصرف اليوم بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي بعد تحقق السلطة بواقع الشهرة وضمان المتابعات، ليصل الأمر إلى التعامل بفوقية وتسلط مع الأفراد والمؤسسات، بل والحكومات أحيانا خصوصا إن سبق إشعاره بسلطته تلك في مواقف سابقة ثم حدث أن انقطع عنه ذلك المدد، أو تم استبداله بآخرين ربما يكونون أفضل في زمان أو مكان آخر، فلا يجد حينها بدا من استخدام ورقته الاستدراكية لإنقاذ مصلحته الشخصية «ألعب وإلا أخرّب» دون مراعاة حجم التخريب المتوقع أو مكانه حتى وإن كان يستهدف مصلحة عامة أو أهدافا وطنية.

ختاما: لا بد من التأكيد على أن الذاتية (الأنا) سمة للإنسان ولا يمكن تهذيبها إلا بكثير من التحضر المتكئ على العلم والمعرفة التراكمية، ثم الاكتفاء بتقدير الذات ومكانة الكفاءة، والتقييد باحترام القانون وعمومية المنفعة، كما لا يمكن تعزيز موضوعية التفكير وحتمية التغيير والتبادل والتكامل دون متابعة أعلى ومحاسبة دائمة، لا بدّ من تغليب المصلحة العامة على المنافع الشخصية بتقييد الاستثناءات القائمة على المحسوبيات والمعرفة الشخصية ونفوذ المناصب الإدارية أو الشهرة الاجتماعية، كما لا بد من التأكيد على أن التمييز القائم على الكفاءة والمهارة لا ينهض بصاحبه فقط، بل يتجاوزه إلى فضائه الإداري أو الاجتماعي ليشمل أولئك الممكنين أصحاب القرار في ذلك التمييز المستحق حينما يتجردون من ذواتهم الفردية مؤمنين بالمشاركة الجمعية، والقيادة بالتكامل والإحلال الدوري، لن ينشأ ذلك بطفرة فجائية بل يبدأ بتأسيس قيم أخلاقية تغرس منذ الطفولة في ضرورة تقبل التغيير وضرورته، الروح الرياضية في تقبل الهزيمة والاعتراف بالفضل لأهل الفضل، في احترام القوانين المنظمة لحياة الأفراد والمؤسسات وعدم التبجح بالقدرة على اختراقها أو التلاعب عليها في استغلال ثغراتها، في استشعار الجميع حيثما كانوا رقابة الله أولا، والقيم الإنسانية الثابتة، ثم المجتمع ومصلحة الوطن، حينها نطمئن إلى أن الميدان -على رحابته- ينعم بأمان دون تهديد أولئك المخربين ما لم يلعبوا، والمعطلين ما لم ينتفعوا.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نصائح هامة للتصدي للابتزاز العاطفي.. تعرف على أسبابه وأبرز أنواعه

يعد الابتزاز العاطفي سلوكا مدمرا للعلاقات، حيث يعتمد على التهديد أو الشعور بالذنب أو الخوف لجعل الطرف الآخر يفعل ما يريده المُبتز.

أسباب وأنواع وطرق مواجهة الابتزاز العاطفي

قال الدكتور عبد الفتاح درويش أستاذ علم النفس ووكيل كلية الآداب السابق بجامعة المنوفية، إن الابتزاز العاطفي (الوجداني) هو نوع من التلاعب النفسي الذي يستخدم فيه الشخص مشاعر الآخرين كوسيلة لتحقيق أهدافه الخاصة، أو للسيطرة عليهم. 

ضرره أخطر من نفعه .. تناول الباراسيتامول المتكرر يسبب مشاكل غير متوقعةلماذا تشعر بالدوخة بعد تناول الطعام ؟.. لن تتوقع الأسباب


 

وتابع عبد الفتاح درويش في تصريح خاص لموقع “صدى البلد” الإخباري، أن هناك أنواعا مختلفة من الابتزاز العاطفي، وقد تظهر في عدة صور، وتشمل ما يلي:


ـ الابتزاز بالتهديد المباشر: ويتمثل في توجيه تهديدات واضحة، مثل: القول: "إذا لم تفعل ما أريد، سأتركك أو أفعل كذا".


ـ الابتزاز غير المباشر (التهديد العاطفي): 

ويتضمن إيحاءات مبطنة مثل: "إذا كنت تحبني حقًا، ستفعل هذا من أجلي".
 

ـ الابتزاز باللوم والشعور بالذنب: 

يجعل الشخص الآخر يشعر بالذنب عن أشياء ليست مسؤوليته، كأن يقول: "بسببك أنا تعيس".


ـ الابتزاز بالتجاهل أو الانسحاب: 

ويتضمن تجاهل الطرف الآخر أو الانسحاب العاطفي لإجباره على التصرف بطريقة معينة.

وأضاف  عبد الفتاح درويش، أن أهم أسباب الابتزاز العاطفي ما يلي:
 

ـ عدم النضج العاطفي: قد يلجأ الأشخاص غير الناضجين عاطفيًا إلى الابتزاز كوسيلة للحصول على ما يريدونه دون التفكير في تأثير أفعالهم.


ـ الخوف من فقدان السيطرة: يستخدم بعض الأشخاص الابتزاز للحفاظ على سيطرتهم على العلاقة.

الابتزاز العاطفي

ـ التجارب السابقة: قد يكون المُبتز تعرض لسوء معاملة أو تحكم في الماضي، ما يجعله يعيد تلك الأنماط السلبية في علاقاته الحالية.
 

ـ الاعتماد العاطفي: قد يشعر المُبتز أنه بحاجة إلى السيطرة على الآخر لتجنب الشعور بالوحدة أو الضعف.
 

أما عن كيفية مواجهة الابتزاز العاطفي ، أكد الدكتور عبد الفتاح درويش، أن هناك عدة خطوات، وتتمثل فيما يلي:
 

ـ التعرف على العلامات: أول خطوة لمواجهة الابتزاز العاطفي هي التعرف عليه وعدم التهاون مع الأفعال التي تثير القلق.
 

ـ وضع حدود واضحة: يجب أن يحدد الشخص ما هو مقبول وغير مقبول في العلاقة، وأن يصر على احترام هذه الحدود.
 

ـ التواصل الفعال: يمكن مواجهة الابتزاز بالتحدث صراحة مع المُبتز، وتوضيح أثر أفعاله على العلاقة.
 

ـ التعامل مع الشعور بالذنب: الابتزاز غالبًا يعتمد على خلق الشعور بالذنب، لذا يجب أن يدرك الشخص أنه ليس مسؤولًا عن سعادة الطرف الآخر.
 

ـ طلب المساعدة: إذا استمر الابتزاز، فقد يكون من الضروري استشارة مختص نفسي أو طلب دعم من الأصدقاء والعائلة.
 

ـ الانسحاب عند الضرورة: إذا فشلت جميع المحاولات الأخرى، قد يكون الحل الأفضل هو الابتعاد عن العلاقة السامة تمامًا.
 

واختتم درويش، حديثه، بأن الابتزاز العاطفي ليس سوى أداة للتلاعب يجب الوقوف في وجهها بحزم؛ حيث إن مواجهة هذا السلوك تسهم في بناء علاقات صحية قائمة على الاحترام المتبادل والتواصل الإيجابي.

الدكتور عبد الفتاح درويش أستاذ علم النفس ووكيل كلية الأداب السابق بجامعة المنوفية

مقالات مشابهة

  • الالتزام قبل الرئيس.. وإلا!
  • Waymo تختبر سياراتها ذاتية القيادة في طوكيو العام المقبل
  • نصائح هامة للتصدي للابتزاز العاطفي.. تعرف على أسبابه وأبرز أنواعه
  • وزير الصناعة السعودي: نبحث التكامل في سلاسل الإمداد والتصنيع المتقدم مع مصر
  • بالمصرى.. الوجه الآخر للتقدم التكنولوجى
  • “وزير الصناعة” يبحث مع رئيس الوزراء المصري تعزيز التكامل الصناعي بين البلدين
  • حكم الشرع في السمسرة من طرف واحد دون علم الآخر؟.. أمين الفتوى يجيب
  • قصة قابيل وهابيل إمبابة .. أحدهما تدخل لحماية والدتهما من الآخر
  • بو صعب: الأسبوع الحالي حاسم في استحقاقات رئاسة الجمهورية
  • رئيس الوزراء يصدر قرارا باعتبار مشروع توسعة الطريق الدائري من أعمال المنفعة العامة