بزشكيان و"الوجه الحقيقي".. هل تحاصره توقيعات بخط يده؟
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
بينما ينظر العالم بترقب إلى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إذا كان سيتمكن من إخراج إيران من عزلتها الدولية وتنفيذ وعوده الإصلاحية داخليا، تتزايد الأسئلة حول توجهاته الحقيقية وتأثيرها على مستقبل البلاد.
ففي انتصار حاسم وسط توترات داخلية ودولية متصاعدة، فاز مرشح الإصلاحيين مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، متغلباً على منافسه المتشدد سعيد جليلي.
وأراد بزشكيان أن يبعث برسالة هامة عبر اختيار مرقد "الإمام الخميني"، ليكون أول منصة لأول خطاب له في السلطة، حيث وفرت وكالة الأنباء الإيرانية الحكومية الجهد على المحللين بالتأكيد على أن الذهاب للمرقد كان "لتجديد الولاء والعهد مع مبادئ مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران".
وشكر بزشكيان "القائدَ المفدى للبلاد" (خامنئي) مضيفا أنه "لولا حكمته لم نكن نستطيع أن نصل لهذه الفرصة" مضيفا أن إيران في مواجهة امتحان كبير من التحديات والصعاب "لتحقيق حياة كريمة للشعب الإيراني".
وخلال حملته، دعا بزشكيان إلى تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية وعلى رأسها أميركا على أساس الأركان الثلاثة المتمثلة بـ"العزة والحكمة والمصلحة"، كما أصدر وعودا بإعادة النظر إلى قوانين الحجاب وبعض القيود الاجتماعية.
وقال بزشكيان خلال خطاب النصر إنه سيفي بالوعود التي قطعها، كما كتب بزشكيان على منصة إكس: "لقد انتهت الانتخابات، وهذه مجرد بداية لمصيرنا المشترك. إن الطريق الصعب الذي أمامنا لن يكون سلسًا إلا برفقتكم وتعاطفكم وثقتكم، أمد يدي إليكم، وأقسم بشرفي أنني لن أترككم وحدكم في هذا الطريق، فلا تتركوني وحدي".
ومن جهة عليا، أصدر خامنئي الزعيم الذي يمسك فعليا بالسلطة، نصيحة للرئيس الجديد بـ"مواصلة مسيرة الشهيد رئيسي، والاستفادة إلى أقصى حد من مقدرات البلاد الكثيرة، وخاصة الموارد البشرية الشابة والثورية والمخلصة، من أجل رفاهية الشعب وتقدم البلاد".
ما فعله النائب وما سيفعله الرئيس
بحسب محسن مهيمني، الصحفي في شبكة إيران إنترناشونال المعارضة، فإن قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أقره البرلمان قبل 14 عاما، وينص على فرض غرامات مالية ونفي وسجن المواطنين، عند مقاومة ومواجهة تدخل رجال الأمن في طريقة لباس المرأة وظهورها في المجتمع، لم يقترحه الأصوليون أو سعيد جليلي، وإنما "النائب عن تبريز مسعود بزشكيان".
بتوقيع بزشكيان
ووافق البرلمان الإيراني على هذا المقترح في يونيو عام 2010، وهي خطة وقّع عليها بزشكيان مع 102 من أعضاء البرلمان الآخرين، بحسب مهيمني.
وتدعو هذه الخطة إلى التذكير الشفهي والكتابي وتقديم الشكاوى إلى السلطات الحكومية بشأن القضايا المثيرة للجدل، مثل: "الحياء العام" و"الأمن الاجتماعي" و"القيم والحدود الإسلامية" باعتبارها "واجب الجميع"، وفي المرحلة التالية يضطلع النظام بتطبيقها بمفرده.
وينص مقترح القانون، الذي وافق عليه بزشكيان، على السماح بالحكم على المواطنين بالغرامات المالية والسجن والنفي، و"هو السبب الرئيس لحرب الشوارع ضد النساء في إيران"، بحسب مهيمني.
وأضاف مهيمني:"على الرغم من دوره في إقرار مثل هذا القانون، فإن مسعود بزشكيان ظهر في المناظرات الانتخابية الرئاسية كأنه مناصر للمرأة وضد فرض الحجاب، ويحاول استقطاب المحتجين من خلال اختيار عبارات تبدو أنها ضد شرطة الأخلاق ودورها، لكن مضمون عباراته يحمل إنكار حرية المرأة وحقها في الملبس، وهو يسير يدًا بيد مع النظام في هذا الاتجاه، بأن عدم ارتداء الحجاب أمر غير مرغوب فيه، والفرق الوحيد هو أنه يناقش طريقة فرضه".
واعتبر مهيمني أن "بزشكيان ليس مع حرية لباس المرأة، كما يحاول أنصاره ومؤيدوه الإصلاحيون تقديمه والترويج له، كما أنه ليس ضد دورية شرطة الأخلاق، ولكن المشكلة، كما يؤكد هو نفسه، هي أن خطة نور لقوات الشرطة كان ينبغي تنفيذها بشكل تجريبي في مدينة أو محافظة".
قانون تعزيز الحرس الثوري الإيراني
وبحسب مهيمني، يكشف توقيع آخر لـ "بزشكيان" في البرلمان الإيراني عن موقفه من الركائز الأساسية للسلطة، "فعندما صنفت الحكومة الأميركية الحرس الثوري، منظمة إرهابية، في عام 2019، ألزم بزشكيان، بصفته نائبًا في البرلمان، النظام الإيراني باتخاذ إجراءات في إقرار ما يُسمى تعزيز موقع الحرس الثوري الإيراني ضد الولايات المتحدة، مما أدى إلى مزيد من تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة".
ونشرت وسائل الإعلام صورة بزشكيان وهو يرتدي زي الحرس الثوري الإيراني في قاعة البرلمان مع نواب إصلاحيين آخرين عام 2019، وهو الإجراء الذي تم اتخاذه بعد أن تم تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية من قِبل إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
ولا يخفي بزشكيان دعمه المطلق للحرس الثوري الإيراني، وقال في مناظرات الانتخابات الرئاسية، إنه يعتبر صواريخ الحرس الثوري الإيراني وطائراته المُسيّرة "مصدر فخر".
لكن القضية بحسب مهيمني "أصبحت متناقضة عندما وعد، بصفته ناقدًا ومحتجًا على الوضع الحالي للبلاد، والذي يلعب فيه الحرس الثوري الإيراني دورًا كبيرًا بالطبع، بتغيير هذه الأوضاع الراهنة".
قانون دعم "اقتصاد المقاومة"
وفي المجال الاقتصادي، وقع بزشكيان عام 2017 على قانون لدعم "اقتصاد المقاومة"، وهو بحسب مهيمني يشير إلى أن الرئيس الجديد لم يكن في موقع المعارض للنظام بل كان "دائمًا عاملًا مساهمًا في دفع سياسات النظام، ودبلوماسية التوتر".
بزشكيان والخروج من العباءة
وربما سيحاول بزشكيان بحكم مسؤوليته كرئيس ممثل للناخبين الذين انتخبوه على أساس وعوده "الإصلاحية" أن يحاول التخلص من الماضي والتعامل بما يقتضيه منصبه الجديد، لكن إلى أي مدى يستطيع أن يخرج من عباءة المرشد.
أمام هذا المشهد، يتساءل الكثيرون عن إمكانية تحقيق بزشكيان للوعود والتي تبدو في مسار أكثر اعتدالا من الخط الذي وضعه المرشد علي خامنئي.
ويقول ديفيد سانغر، المحلل السياسي والأمني لدى شبكة سي إن إن: "هذا ممكن، لكنني أعتقد أنه سيكون صعباً".
وحصل بزشكيان على دعم مثير للاهتمام من بعض المسؤولين الحكوميين السابقين الذين شاركوا في التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، بما في ذلك وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الذي كان أحد مهندسي الاتفاق.
وأشار سانغر إلى أن هذا الدعم يعكس رغبة الناخبين في إنهاء العزلة.
لكن..
رغم هذا الدعم، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان للرئيس الإيراني السلطة الكافية لتنفيذ تغييرات جذرية.
وأشار سانغر إلى أن الحكومة الإيرانية، التي تقيد الانتخابات ولا تقرر نتيجتها بشكل مباشر، قد سمحت لبزشكيان بالفوز لتهدئة الغضب الشعبي المتزايد ضد الحكومة الحالية.
واعتبر سانغر أن "المنافس السابق لبزشكيان، السيد جليلي، الذي كان مفاوضًا نوويًا سابقًا، كان من المتشددين الحقيقيين، وهذا يبرز التحديات التي ستواجه بزشكيان في سعيه لتغيير مسار السياسة الإيرانية والتعامل مع القوى المحافظة التي تعارض التغيير".
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات مسعود بزشكيان بزشكيان مسعود بزشكيان إيران رئيس إيران الجديد مرشد إيران مسعود بزشكيان بزشكيان أخبار العالم الحرس الثوری الإیرانی مسعود بزشکیان
إقرأ أيضاً:
السودان يقاوم الجوع والاغتصاب والتدمير الممنهج.. مأساة شعب تحاصره المطامع
تزداد الأزمة السودانية الإنسانية تعقيدًا لتصبح الأشدَّ كارثيةً في العصر الحديث، حيث تتداخل حرب أهلية مدمرة مع: انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، تدمير كامل للبُنى التحتية، انتشار الأوبئة القاتلة، إضافةً إلى المجاعة التي تهدد بفناء الملايين من أبناء الشعب السوداني.
ووفقًا لتقارير المنظمات الدولية فإن أكثر من 30 مليون سوداني يصارعون الموت والأمراض والجوع، من بينهم 16 مليون طفل يدفعون ثمنَ تمرد الدعم السريع وتواطؤ دول إقليمية ودولية على قتلهم وتدميرهم.
ومن أشد الصور بشاعةً: الاستهداف الممنهج للقطاع الصحي، حيث تحوِّل الميليشيات المستشفيات إلى ثكنات عسكرية، واستخدام الاغتصابات الجماعية سلاحًا لإذلال الشعب، وإبادة قرى بكاملها تحت سمع العالم وبصره. وكل هذا يُبرز أن الحرب على السودان ليست مجرد تمرد ميليشيا على الدولة، وإنَّما هي تبلور انعكاسًا لمطامع دولية في ثروات السودان، وأحقاد إقليمية على هذا الشعب المتمسك بسيادته ووحدة أراضيه.
ومن خلال تقارير أممية دامغة، وشهادات ميدانية صادمة، يُكشف النقاب عن أدوار خفية لدولٍ تتبارى في استغلال المأساة السودانية لنهب ثروات هذا الشعب والسيطرة على مقدراته.
تورط خارجيتشهد الأزمةُ في السودان تدخلاتٍ خارجيةً مثيرةً للجدل، تُفاقِم من حِدة العنف وتعقِّد جهودَ إحلال السلام، و يحوِّل الصراع إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات الچيوسياسية، ويعمِّق معاناة المدنيين وسط تصاعدٍ مريعٍ في أعداد الضحايا وتدمير البُنى التحتية.
العنف الجنسي كسلاح حربتحوَّل العنف الجنسي في السودان إلى أداة وحشية لإخضاع المجتمع وتفكيك نسيجه الاجتماعي، حيث وثَّقت تقارير الأمم المتحدة 1، 138 حالةَ اغتصاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، تشمل 36 حالة من الاسترقاق الجنسي والاحتجاز القسري، بين ضحاياها أطفال دون الخامسة.
ولا يقتصر هذا العنف على كونه انتهاكًا جسديًّا، بل يُستخدم سياسيًّا لإجبار الأسر على النزوح القسري أو تسليم أبنائها للتجنيد في صفوف الميليشيات، كما كان في ولاية الجزيرة، حيث أُجبرت عائلات على تزويج بناتها قسرًا تحت تهديد السلاح.
وفي جلسة مجلس الأمن، الخميس الماضي، أدانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا هذه الممارسات، وطالبت بمحاسبة الجناة عبر آليات دولية، ودعم الناجيات عبر توفير خدمات الرعاية النفسية والملاجئ المؤقتة. إلا أن استمرار الميليشيا دون عقاب، وتراجع التمويل الدولي لبرامج الحماية، ينذران بتفاقم المعاناة في ظل صمت دولي يغذي ثقافة العنف ويعمِّق جراح الضحايا.
تدمير المنظومة الصحية وانتشار الأوبئة
أصبحتِ المنظومة الصحية في السودان شاهدًا على دمار ممنهج تخلِّفه الصراعات المسلحة، حيث حوَّلت قوات الدعم السريع مرافق طبية حيوية إلى ثكنات عسكرية، كـمستشفى شرق النيل ومركز قطر لغسيل الكلى، ما أدى إلى تدمير 20 ماكينة متخصصة في غسيل الكلى، وحرمان آلاف المرضى من خدمات كانت تنقذ حياتهم. ولم يقتصرِ الأمر على السلب والنهب، بل شمل تحطيم البُنى التحتية للمستشفيات، وتحويل أقسام الطوارئ إلى مقرات لوجستية، مما أفقد البلادَ قدرةً حيويةً على مواجهة الكوارث الإنسانية.
وفي ظل انهيار أنظمة الصرف الصحي وتلوث مصادر المياه، تفاقمتِالأزمات الصحية لتنشأ بؤر لانتشار أوبئة كـالكوليرا والملاريا وحمى الضنك، خاصة في مناطق مثل شرق النيل، حيث تعاني السلطات من صعوبات بالغةفي جمع الجثث المتحللة من بين أنقاض المعارك، مما يهدد بتفشي الأوبئة. وتشير تقارير محلية إلى أن تراكم النفايات الطبية والمخلفات البشرية حوَّل أحياء كاملة إلى أماكن غير صالحة للعيش، مع ارتفاع حاد في معدلات الوفيات بين الأطفال وكبار السن.
أمام هذا الوضع الكارثي، أطلق مسؤولون سودانيون نداءات عاجلة لإعادة تأهيل المرافق الصحية المدمَّرة، إلا أنهم يواجهون عقبات جسيمة تتمثل في:شُحِّ الموارد المالية، نقص الدعم الدولي، فضلًا عن استمرار الأعمال العدائية التي تعوق جهود الإصلاح.
ورغم المحاولات الأولية لاستعادة بعض المستشفيات، مثل بدء حملات تعقيم في شرق النيل، تظل الحاجة ملحةً إلى تقديم مساعدات دولية عاجلة لإنقاذ القطاع الصحي من الانهيار التام، وحماية المدنيين من تداعياتٍ أصبحت تهدد وجودَهم ذاته.
تراجع التمويل
شكَّل قرار إلإدارة الأمريكية بإلغاء المساعدات الخارجية ضربةً قاصمةً لأبناء السودان الذين يعانون من ويلات الحرب، وهم في أمسِّ الحاجة لتلك المساعدات، إذ خفَّضت 83% من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي كانت بمثابة شريان حياة لملايين السودانيين، ويثير هذا القرار مخاوفَ من تعطيل برامج حيوية تعالج سوء التغذية وتوفر الرعاية الطبية الطارئة، في وقت يحتاج فيه أكثر من 30 مليون سوداني -نصفهم أطفال- إلى مساعدات عاجلة.
من جهتها، حذرت منظمة اليونيسف من أن تقليص التمويل سيعطل إيصال المساعدات إلى 16 مليون طفل، بينهم 1.3 مليون يعيشون في مناطق مجاعة، و3 ملايين معرَّضون لأمراض قاتلة مثل الكوليرا والملاريا. وأكدت أن استمرار تقليص المساعدات يفاقم من «دوامة المعاناة» التي تهدد بضياع جيل كامل بسبب الجوع والعنف وانعدام الرعاية الصحية.
واقترح الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود اعتماد «ميثاق إنساني» مدعوم بآليات مساءلة مستقلة، لمراقبة التزام الأطراف بتسهيل وصول المساعدات، ومعاقبة مَن يعرقلها.
ويركز المقترح على إنشاء نظام دولي لرصد الانتهاكات، بدلًا من التصريحات الفضفاضة التي تفتقر إلى آلية تنفيذ، مما يعيد الأمل في إنقاذ حياة الملايين عبر ضمان تدفق المساعدات دون عوائق سياسية أو عسكرية.
المجاعة.. السيناريو الأسوأحذرتِ المنظمات الدولية من وقوع مجاعة في خمس مناطق بشمال دارفور وجنوب كردفان، فيما ترشح 17 منطقة أخرى لدخول مأساة المجاعة. حيث تكشف بيانات هذه المنظمات الدولية عن انهيارٍ شبه كامل للنظام الغذائي في تلك المناطق، وسط تقاعس دولي عن تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، الذين يعتمدون بشكل كلي على المساعدات في بقائهم على قيد الحياة.
وتُظهر الأرقام الصادمة حجمَ المأساة: فـ1.3 مليون طفل دون الخامسة يعيشون حاليًّا في بؤر المجاعة المعلنة، بينما يعاني 3 ملايين طفل من سوء التغذية الحاد، الذي يهدد حياتَهم بالإعاقات الدائمة أو الموت البطيء بسبب نقص المناعة وانتشار الأوبئة.
ولا تقتصر الكارثة على النقص الغذائي، بل تمتد لتفكيك البُنى الاجتماعية، حيث تجبر قوات التمرد الأسرَ على بيع ممتلكاتهم وتزويج بناتهم القاصرات لأفراد الميليشيا مقابل الطعام، أو إجبارهم على تجنيد أحد أفراد الأسرة مقابل بقاء البقية على قيد الحياة.
وهذا الوضع، الذي تصنِّفه الأمم المتحدة كواحد من أسوأ أزمات الجوع منذ عقود، يتطلب، أولًا: وقف التدخل الدولي في الأزمة السودانية، ثانيًا: تقديم المساعدات الإنسانية بشكل عاجل دون ربطها بتحقيق مصالح سياسية للداعمين، وثالثًا: التجريم الصريح لأفعال الميليشيا ومحاسبتها دوليًّا وجنائيًّا على تلك الأفعال.
مشاهد من المأساةنقلت وبشكل منتظم، وسائلُ الإعلام المختلفة تلك المشاهد المأساوية التي يظهر فيها الآلاف من أبناء الشعب السوداني -خاصة النساء والأطفال- وهم يهرولون من قراهم على الحدود مع تشاد تحت زخات البنادق والمدافع التي تُطلقها ميليشيا الدعم. وما بين أملٍ في النجاة وتوسُّل لأفراد الميليشيا، استقبلت رمال الحدود السودانية أنهارًا من الدموع والدماء، لتعكس هذا المشهد الجنوني من رغبة جزء من أبناء الوطن في القتل والذبح والإفناء بلا رحمة، خاصة في مواجهة المدنيين العزل.
كان صوت النساء النائحات على أزواجهن الذين ذُبحوا أمامهن، أو الثكالى على أطفالهن الذين نُحروا على يد الميليشيا، أو حتى هذا المتاع القليل الذي نهبته أفراد الميليشيا، وغيرها من الصور التي تكررت في مئات القرى، ومع عشرات الآلاف من أبناء دارفور.. نقول: كان كل هذا وغيره يعكس وحشيةَ هذه الحرب، وصدمةَ وذهولَ المراقبين الذين لم يتوقعوا يومًا أن جزءًا كان ينتمي للجيش السوداني ويقوم بحماية حدوده ينقلب حاله اليوم فيرتكب كل تلك الجرائم ضد الإنسانية، والمخالفة لكل القوانين الدولية، ليس لأن المدنيين شاركوا في قتالهم، ولكن لأن المدنيين فقط ينتمون إلى عِرقيات أخرى!! إنها مأساة العنصرية والجهل والقتل بالعمالة التي اصطبغت بلونها جرائمُ الحرب الدائرة في السودان الآن.
ومن دارفور إلى الخرطوم، وفيما يشبه أفلام الخيال، اختطفتِ الميليشيا الفتيات بعد ذبح أسرهن، ليتم اغتصابهن ثم بيعهن في أسواق (الجلابة) باعتبارهن عبيدًا وسبايا حروب!! إنها قمة المأساة الإنسانية التي تعيد أفعالَالبشر إلى المستوى الوحشي ما قبل الحضارة.
وفي كردفان دخلتِ الميليشيا البيوتَ للقبض على الأطفال وتجنيدهم قسرًا، وبدلًا من الذهاب إلى المدارس وممارسة الطفولة لعبًا وتعلُّمًا، تم اختطافُالأطفال للقتال، وقتل المئات من الأسر التي ترفض تسليم أطفالها للقتال مع قوات التمرد، ويتم تقييد هؤلاء الأطفال بسلاسل داخل العربات المسلحة حتى لا يهربوا من الميدان.
وكل هذه المشاهد لم توقظ ضميرَ العالم كي يفيق من سُباته ويهبَّ لينقذ الشعبَ السوداني ويقف ضد هذه الجرائم العلنية، التي نقلتها في معظم الأحيان هواتفُ أفراد الميليشيا أنفسِهم ولم تأتِ من الطرف الآخر في الجيش السوداني.
الحل سهل ميسور لو خلصتِ النياتويبقى أن قرار إنهاء الأزمة في السودان هو الأسهل في الصراعات الإقليمية، لأن الضغط على الأطراف الداعمة ومنع تقديم الأسلحة للميليشيا يسهم بشكل فوري في إيقاف هذه المأساة الإنسانية. ويُجمع المراقبون على أن إنهاء الأزمة يتمثل في:
1. فرض عقوبات دولية صارمة على الدول والجهات الداعمة لـقوات الدعم السريع، عبر: حظر توريد الأسلحة، تجميد أصول القادة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وجوب تفعيل آليات أممية لمحاسبة الجهات الخارجية التي تخالف اتفاقيات حظر نقل الأسلحة إلى مناطق النزاع.
2. حتمية توجيه تمويل دولي مستدام لبرامج الرعاية الطبية والنفسية للفارين من ويلات الحرب خاصة النساء والأطفال، وضرورة دعم منظمات المجتمع المدني التي توثِّق هذه الانتهاكات لملاحقة المجرمين أمام المحاكم الدولية.
3. إعادة إعمار السودان بعد تدمير مدنه الرئيسية بشكل شبه كامل، مع استعجال إعادة بناء وتأهيل المنشآت الطبية والخدمية باعتبارها المقومات الأساسية لبقاء الناس على قيد الحياة، عبر تعزيز التعاون بين الحكومة السودانية والمانحين الدوليين لتمويل مشاريع إعادة الإعمار، ويشمل ذلك:إصلاح شبكات المياه الملوثة، إعادة تأسيس المستشفيات، وتوفير معدات طبية حديثة لمواجهة الأوبئة.
4. وجوب ضغط المجتمع الدولي على قوات الدعم السريع لفتح ممرات آمنة لمواد الإغاثة، مما يسمح بتدفق المساعدات، ووصولها إلى الجائعين والمحتاجين، وخاصة النازحين في مخيمات اللجوء.
اقرأ أيضاًوزير خارجية السودان: القوى المدنية مسؤولة عن الحرب.. ومصر المستهدف الرئيس مما يجري حاليًا
الجيش السوداني: سيطرنا على موقف شروني المؤدي للقصر الجمهوري وسط الخرطوم