أمريكا تخسر العالم العربي والصين تحصد الفوائد
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
ترجمة: نهى مصطفى -
قبل ثلاث سنوات، أطلقت أربع دول أعضاء في جامعة الدول العربية: البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة، عمليات تطبيع لعلاقاتهم الدبلوماسية مع إسرائيل. ومع اقتراب صيف عام 2023 من نهايته، بدت المملكة العربية السعودية، الدولة العربية الأكثر أهمية التي لم تعترف بإسرائيل بعد، على استعداد للقيام بهذه الخطوة أيضا.
ولكن بعد السابع من أكتوبر، أدت العملية العسكرية الإسرائيلية المدمرة اللاحقة في غزة إلى تقليص مسيرة التطبيع. وصرحت المملكة العربية السعودية بأنها لن تمضي قدما في اتفاق التطبيع حتى تتخذ إسرائيل خطوات واضحة لتسهيل إقامة دولة فلسطينية، واستدعى الأردن سفيره من إسرائيل في نوفمبر 2023، ولم تتم زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى المغرب والتي كان من المقرر إجراؤها في أواخر عام 2023. وقد راقب الزعماء العرب بحذر مواطنيهم الذين أصبحوا معارضين جهرا للحرب في غزة. وفي العديد من الدول العربية، خرج الآلاف للاحتجاج على الحرب الإسرائيلية والأزمة الإنسانية التي أنتجتها.
ويتبين أن 7 أكتوبر قد يكون لحظة فاصلة بالنسبة للولايات المتحدة أيضا. بسبب الحرب في غزة، تحول الرأي العام العربي بشكل حاد ضد أقوى حليف لإسرائيل، الولايات المتحدة، وهو تطور يمكن أن يربك الجهود الأمريكية ليس فقط للمساعدة في حل الأزمة في غزة ولكن أيضا لاحتواء إيران والتصدي للنفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط.
منذ عام 2006، قامت مؤسسة البارومتر العربي Arab Barometer، وهي منظمة بحثية غير حزبية، بإجراء استطلاعات رأي نصف سنوية في 16 دولة عربية، حيث قامت بالتقاط آراء المواطنين العاديين في منطقة لا يوجد بها سوى القليل من استطلاعات الرأي. وبعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وجدت استطلاعات أخرى أن قِلة من المواطنين العرب لديهم آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة. ومع ذلك، بحلول عام 2022، تحسنت مواقفهم إلى حد ما، حيث أكد ما لا يقل عن ثلث المشاركين في جميع البلدان التي شملها استطلاع البارومتر العربي أن لديهم رأيا «إيجابيا جدا» أو «إيجابيا إلى حد ما» تجاه الولايات المتحدة.
لكن الاستطلاعات التي أجريناها في خمس دول في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024 تظهر أن مكانة الولايات المتحدة بين المواطنين العرب قد تراجعت بشكل كبير. ويشير استطلاع للرأي أجري جزئيا في تونس قبل 7 أكتوبر وجزئيا بعده، بقوة إلى أن هذا التحول حدث ردا على الأحداث في غزة. ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الاستطلاعات أوضحت أيضا أن خسارة الولايات المتحدة لشعبيتها كانت بمثابة مكسب للصين. تحسنت آراء المواطنين العرب تجاه الصين في استطلاعاتنا الأخيرة، عكس ما كان عليه منذ 5 سنوات من ضعف الدعم العربي للصين. وعندما سُئلوا عما إذا كانت الصين قد بذلت جهودا جادة لحماية الحقوق الفلسطينية، وافق عدد قليل من المشاركين على ذلك. وتشير هذه النتيجة إلى أن وجهات النظر العربية تعكس استياء عميقا من الولايات المتحدة وليس دعما للسياسات الصينية تجاه غزة.
وفي الأشهر والسنوات المقبلة، سوف يسعى قادة الولايات المتحدة إلى إنهاء الصراع في غزة وبدء المفاوضات نحو تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتأمل الولايات المتحدة أيضا في حماية الاقتصاد الدولي من خلال حماية منطقة البحر الأحمر من الهجمات ، وتعزيز تحالف إقليمي يحد من الأزمات في المنطقة. ومع ذلك، لتحقيق أي من هذه الأهداف، تحتاج واشنطن إلى شراكة الدول العربية، وهو أمر سيكون من الصعب تحقيقه إذا ظل السكان العرب متشككين في أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
كثيرا ما يشير المحللون والسياسيون الأمريكيون إلى أن ما يسمونه أحيانا باستخفاف «الشارع العربي» لا ينبغي أن يكون ذا أهمية كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية. ولأن معظم الزعماء العرب، كما تقول الحجة، لا يهتمون كثيرا بالرأي العام، وبالتالي ينبغي لصناع السياسات في الولايات المتحدة إعطاء الأولوية لعقد صفقات مع حكام هذه البلاد.
ولكن بشكل عام، فإن فكرة أن الزعماء العرب غير المقيدين بالرأي العام هي مجرد أسطورة، أطاحت انتفاضات الربيع العربي بحكومات في أربع دول، وأدت الاحتجاجات واسعة النطاق في عام 2019 إلى تغييرات في القيادة في أربع دول عربية أخرى. والآن لا يرغب سوى عدد قليل من الزعماء العرب في أن يُنظر إليهم وهم يتعاونون علنا مع واشنطن، نظرا للارتفاع الحاد في المشاعر المعادية لأمريكا بين الشعوب التي يحكمونها. وقد يكون لغضب المواطنين العرب من السياسة الخارجية الأمريكية عواقب مباشرة وخطيرة على الولايات المتحدة، لقد أظهر بحثنا السابق المستند إلى بيانات من استطلاعات الرأي في الجزائر والأردن أن الغضب من السياسة الخارجية الأمريكية يمكن أن يجعل المواطنين يتعاطفون بشكل أكبر مع الأعمال الموجهة ضد الولايات المتحدة.
ومع ذلك، تكشف بعض نتائج البارومتر العربي أيضا أن الشكوك العربية المتزايدة حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليست أمرا لا رجعة فيه، وتشير الاختلافات في الرأي بين الجماهير في البلدان التي تعاملت معها الولايات المتحدة بشكل مختلف إلى أن الولايات المتحدة قادرة على تغيير الطريقة التي يُنظر بها إليها في العالم العربي من خلال تغيير سياساتها. وتشير نتائج الاستطلاع أيضا إلى تحولات محددة في السياسة من شأنها أن تحسن على الأرجح تصورات العرب عن الولايات المتحدة، بما في ذلك الضغط بقوة أكبر من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية الأمريكية للقطاع وبقية المنطقة، وفي الشرق الأوسط.
نتائج الاستطلاعات
يشمل كل استطلاع للبارومتر العربي آراء أكثر من 1200 مشارك ويتم إجراؤه في مكان إقامة المشارك. تسأل هذه الاستطلاعات المشاركين عن آرائهم حول مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والدينية، ووجهات نظر حكوماتهم، والمشاركة السياسية، وحقوق المرأة، والبيئة، والشؤون الدولية. منذ 7 أكتوبر، أكمل البارومتر العربي دراسات استقصائية في خمس دول عربية مختلفة: الأردن، والكويت، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب.
ونظرًا لأن الجولة السابقة من استطلاعات البارومتر العربي في هذه البلدان أجريت بين عامي2021 و2022، فقد تكونت عوامل أخرى غير الحرب في غزة، ساهمت في حدوث تغييرات في الرأي العام منذ ذلك الحين وحتى الآن. في الفترة ما بين 13 سبتمبر و4 نوفمبر 2023، أجرينا دراسة استقصائية مجدولة في تونس شملت 2406 مقابلات، تم إجراء حوالي نصف هذه المقابلات قبل 7 أكتوبر، وحوالي النصف بعده، لفهم كيف تغيرت آراء التونسيين بعد 7 أكتوبر، وقمنا بحساب متوسط الردود خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت 7 أكتوبر ثم قمنا بتتبع التغيرات اليومية في الأسابيع التي تلت ذلك، ووجدنا انخفاض سريع وحاد في نسبة المشاركين الذين لديهم آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة، واتبعت النتائج في معظم البلدان الأخرى التي قمنا بمسحها في الفترة 2021-2022 وبعد 7 أكتوبر نمطا مشابها: في جميع البلدان باستثناء واحدة، انخفضت أيضا وجهات النظر تجاه الولايات المتحدة بشكل ملحوظ،
واتفق عدد قليل من المشاركين في البارومتر العربي على أنه ينبغي وصف عمليات حماس بأنها «عمل إرهابي». وفي المقابل، اتفقت الأغلبية الساحقة على أن الحملة التي تشنها إسرائيل في غزة لا بد أن تصنف على أنها «عملية إرهابية». في أغلب الأحيان، قيم المواطنون العرب الذين شملهم الاستطلاع بعد 7 أكتوبر الوضع في غزة بأنه خطير، وعندما سُئلوا عن أي من الكلمات السبع، بما في ذلك «الحرب» و«الأعمال العدائية» و«المذبحة» و«الإبادة الجماعية»، أفضل وصف للأحداث الجارية في غزة، كان المصطلح الأكثر شيوعا الذي اختاره المشاركون في جميع البلدان باستثناء دولة واحدة هو «الإبادة الجماعية». وفي المغرب فقط، وصف عدد كبير من المشاركين -24%- تلك الأحداث بأنها «حرب»، وهي نفس النسبة تقريبا من المغاربة الذين وصفوها بأنها «مذبحة». وفي كل مكان آخر، اختار أقل من 15% من المشاركين كلمة «الحرب» لوصف ما يحدث في غزة.
علاوة على ذلك، وجدت استطلاعات البارومتر العربي أن المواطنين العرب لا يعتقدون أن الجهات الغربية الفاعلة تدافع عن سكان غزة. سألنا في استطلاعنا: «من بين الأطراف التالية تعتقد أنه ملتزم بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية؟» وسمحنا للمشاركين باختيار كل ما ينطبق عليه الأمر من قائمة تضم عشر دول، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة. ولم يوافق أكثر من 17% من المشاركين في أي دولة على أن الأمم المتحدة تدافع عن الحقوق الفلسطينية. وكان أداء الاتحاد الأوروبي أسوأ، لكن الولايات المتحدة حصلت على أدنى الدرجات: 8% من المشاركين في الكويت، و6% في المغرب ولبنان، و5% في موريتانيا، و2% في الأردن وافقوا على وقوفهم إلى جانب الفلسطينيين. وعندما سئلوا عما إذا كانت الولايات المتحدة تحمي الحقوق الإسرائيلية، وافق أكثر من 60% من المشاركين في جميع الدول الخمس على أنها تفعل ذلك. وهذه النسب تتجاوز بكثير نسب المستطلعين الذين وافقوا على أن الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة يحميان إسرائيل.
ويبدو أن هذه التصورات في العالم العربي حول الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وحول السياسة التي تتعامل بها الولايات المتحدة معها، كان لها عواقب وخيمة على سمعة الولايات المتحدة بشكل عام. في أربع من الدول الخمس التي شملها الاستطلاع في الفترة ما بين ديسمبر 2023 ومارس 2024، نظر أقل من الثلث إلى الولايات المتحدة بشكل إيجابي.
في الأردن، انخفضت نسبة المشاركين الذين ينظرون إلى الولايات المتحدة بشكل إيجابي بشكل كبير، من 51% في عام 2022 إلى 28% في استطلاع أجري في شتاء 2023-2024. وفي موريتانيا، انخفضت نسبة المشاركين الذين ينظرون إلى الولايات المتحدة بشكل إيجابي من 50% في استطلاع أجري في شتاء 2021-2022 إلى 31% في الاستطلاع الذي أجري في شتاء 2023-2024، وفي لبنان انخفضت من 42% في شتاء 2021-2022 إلى 27% في أوائل عام 2024.
ويشير توقيت استطلاعنا في تونس بقوة إلى أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة هي التي أدت إلى هذا الانخفاض العام. وفي الأسابيع الثلاثة التي سبقت 7 أكتوبر، قال 40% من التونسيين إن لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة، ولكن بحلول 27 أكتوبر، أي بعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، قال 10% فقط من التونسيين نفس الشيء.
فائدة هامشية
وعلى الرغم من تقديم دعم مادي وخطابي محدود لغزة، كانت الصين المستفيد الرئيسي من تراجع شعبية الولايات المتحدة بين الجماهير العربية، وأظهر البارومتر العربي في استطلاعاته للأعوام 2021-2022 أن دعم العرب للصين آخذ في الانخفاض. ولكن في الأشهر الأخيرة، اختلف الأمر، في جميع البلدان التي شملها استطلاع البارومتر العربي بعد 7 أكتوبر، وقال نصف المشاركين على الأقل إن لديهم آراء إيجابية تجاه الصين. وفي كل من الأردن والمغرب، الحليفين الرئيسيين للولايات المتحدة، استفادت الصين من زيادة قدرها 15 نقطة على الأقل في تصنيفاتها الإيجابية.
وعندما سُئلوا عما إذا كانت السياسات الأمريكية أو الصينية أفضل لأمن منطقتهم، قال المشاركون في ثلاث من الدول الخمس التي شملها الاستطلاع بعد 7 أكتوبر إنهم يفضلون سياسة الصين. والحقيقة، أن الوجود الفعلي للصين في المنطقة في أدنى مستوياته، حيث تركزت مشاركتها في الأغلب على الصفقات الاقتصادية من خلال مبادرة الحزام والطريق. يبدو أن الجماهير العربية في الشرق الأوسط تدرك أن الصين لعبت دورا محدودا في الأحداث في غزة: 14% فقط من اللبنانيين، و13% من المغاربة، و9% من الكويتيين، و7% من الأردنيين، ونسبة صغيرة 3% من الموريتانيين، اتفقوا على أن الصين ملتزمة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
بالرغم من أن سجل الصين في حماية الحقوق والحريات في الداخل والخارج ضعيف، لكن الشعبين اللبناني والأردني يعتبران أن سجل الولايات المتحدة أسوأ. تعكس هذه النتيجة اتجاها أكبر في بيانات البارومتر العربي: أن الجغرافيا مهمة. وأعرب الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الصراع في غزة والذين استوعبت بلدانهم تاريخيا أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين عن أدنى مستوى من الثقة في سياسات الولايات المتحدة المحددة في الشرق الأوسط.
تقرير الأقلية
تشير استطلاعاتنا إلى أن التراجع في الدعم العربي للولايات المتحدة ليس نهائيا وأن الشعوب العربية تستجيب بحساسية للاختلافات في سياسة الولايات المتحدة تجاه القضايا الأساسية في المنطقة. ويبرز هذا المؤشر بقوة من النتائج التي تحققت في المغرب، الدولة الوحيدة في المنطقة التي خالفت الشكوك المتزايدة بشأن السياسة الأمريكية. وفي عام 2022، كان لدى 69% من المغاربة نظرة إيجابية تجاه الولايات المتحدة، وهو أكبر دعم على الإطلاق في العالم العربي. وزاد هذا الدعم القوي بالفعل: فقد وجد استطلاع البارومتر العربي لشتاء 2023-2024 أن 74% من المغاربة ينظرون الآن إلى الولايات المتحدة بشكل إيجابي. كما أن المغرب هو البلد الوحيد الذي يفضل سكانه بوضوح السياسات الأمنية التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على سياسات الصين، بنسبة 13%.
وأدت الحرب في غزة إلى خفض الدعم العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما كان منخفضا بالفعل، إلا أن هذا لا يعني أن العالم العربي يتحول ضد التسوية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في الواقع، في استطلاعات الرأي التي أجريت بين ديسمبر 2023 ومارس 2024 في الأردن وموريتانيا والمغرب، أشارت نسب أكبر من المشاركين إلى دعمهم لحل الدولتين بدلا من حل الدولة الواحدة أو الكونفدرالية أو «حل آخر» مفتوح العضوية.
عملية شد الوجه
قبل أحداث 7 أكتوبر، بدا أن نظاما إقليميا جديدا ينشأ في الشرق الأوسط، وبينما سعت بعض الحكومات العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل -وهي أول اتفاقيات من نوعها منذ ما يقرب من 30 عاما- بدا أن الانقسام الأساسي في المنطقة قد لا يكون بين إسرائيل والدول العربية، بل بين طهران والدول التي تسعى لاحتواء الصراع. وكان من الممكن أن يكون تشكيل تحالف جديد لاحتواء إيران، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية الرئيسية، مفيدا للغاية للحد من نفوذ إيران في المنطقة.
لكن الجهود الرامية إلى إعادة التنظيم الكامل سوف تواجه صعوبات طالما استمر تراجع الدعم الإقليمي للولايات المتحدة. إن اتفاقيات السلام الباردة، مثل تلك التي تم التوصل إليها بين إسرائيل ومصر والأردن، معرضة دائما لخطر التمزق، ولا يمكن استبدال الولايات المتحدة كوسيط في صفقات التطبيع. لقد تم الحفاظ على اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية والإسرائيلية الأردنية إلى حد كبير بفضل الكم الهائل من المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لكلا البلدين العربيين، واعتمدت صفقات التطبيع على مدى نصف العقد الماضي على وعود قدمتها الولايات المتحدة لمعالجة مخاوف الدول العربية، بما في ذلك الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وإزالة السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب، وبيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة.
إن المنطقة تمر بمرحلة محورية، والولايات المتحدة في وضع جيد نظريا لتطبيق النفوذ اللازم للمساعدة في ضمان وقف إطلاق النار في غزة والمساعدة في دفع الإسرائيليين والفلسطينيين نحو السلام. ومع ذلك، لاستعادة مصداقيتها الإقليمية، يجب على الولايات المتحدة أن تضع خطوات ملموسة وعملية نحو حل الدولتين، وتحديد الشكل الذي سيبدو عليه الحكم الفعال في مرحلة ما بعد الحرب في غزة وما يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين القيام به لضمان إحراز تقدم نحو السلام.
وبدون تحول كبير في دعم الولايات المتحدة لحرب إسرائيل، ودون تغييرات ذكية في سياسة الولايات المتحدة للحد من تزايد العداء العربي لأمريكا على المدى الطويل، فإن الجهات الفاعلة الأخرى -بما في ذلك الصين- سوف تستمر في محاولة إزاحة الولايات المتحدة من دورها القيادي في الشرق الأوسط.
مايكل روبنز هو المدير والباحث الرئيسي المشارك في مؤسسة البارومتر العربي، وكان جزءا من شبكة الأبحاث منذ إنشائها ويعمل كمدير لها منذ عام 2014.
أماني جمال هي باحثة فلسطينية أمريكية في سياسات الشرق الأوسط، وهي حاليا أستاذة السياسة في جامعة إدواردز سانفورد ومديرة مركز ممدوحة إس بوبست للسلام والعدالة في جامعة برينستون.
مارك تيسلر هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة ويسكونسن ميلووكي ومدير مركز جامعة ويسكونسن ميلووكي / مركز جامعة ماركيت للدراسات الدولية.
** تقرير من موقع Foreign Affairs
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العسکریة الإسرائیلیة الولایات المتحدة فی البارومتر العربی للولایات المتحدة المواطنین العرب فی جمیع البلدان من المشارکین فی فی الشرق الأوسط الدول العربیة العالم العربی الزعماء العرب الحرب فی غزة بعد 7 أکتوبر الرأی العام من المغاربة فی استطلاع فی المنطقة التی شملها بما فی ذلک دعم العرب فی جامعة فی شتاء ومع ذلک إلى أن على أن
إقرأ أيضاً:
قلب الكون..كيف غيّرت قناة بنما التي يرغب دونالد ترامب بالإستيلاء عليها العالم؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قناة بنما ليست غريبة عن الاهتمام العالمي.
وأدّت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"المطالبة بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل وبسرعة، ومن دون تساؤلات"، وربما باستخدام القوة العسكرية، إلى المزيد من الإعجاب الدولي بهذا الإنجاز الهندسي البشري.
قالت المديرة التنفيذية والمسؤولة الرئيسية عن متحف قناة بنما، آنا إليزابيث جونزاليس إنه كان بمثابة مشروع هندسي ضخم غيّر العالم بمساعدة 97 جنسية.
وأضافت: "نحن جسر العالم، ولكننا أيضًا قلب الكون، كوننا بمثابة مكان صغير، ومركزي، ومحطة للتواصل الدولي".
تتيح مناطق المراقبة في مركز زوار ميرافلوريس للأشخاص مشاهدة السفن خلال مرورها عبر قناة بنما.Credit: Danny Lehman/The Image Bank RF/Getty Imagesووفقًا لما ذكرته جونزاليس، جاء حوالي 820 ألف زائر إلى ميرافلوريس، وهو مركز الزوار الرئيسي للقناة، لمشاهدة التجارة البحرية أمام أعينهم في عام 2024، مع قيام الآلاف بجولات على طول القناة.
ومن المقرّر أن يرتفع هذا العدد، بحسبما ذكرت هيئة قناة بنما (ACP).
لماذا تحمل قناة بنما أهمية كبرى؟ سياح يلتقطون الصور أثناء عبور قناة بنما وهم على متن قارب في عام 2014.Credit: Rodrigo Arangua/AFP/Getty Imagesيتدفق حوالي 5% من إجمالي التجارة العالمية عبر القناة البالغ طولها 80 كيلومترًا سنويًا، وتُشكّل البضائع المتجهة بين الساحل الشرقي للولايات المتحدة وآسيا الجزء الأكبر منها.
تدير هيئة قناة بنما، وهي كيان حكومي مستقل، الطريق السريع المائي الذي يربط 170 دولة عبر 1،920 ميناء.
وقبل افتتاحها في عام 1914، اضطرّت القوارب التي أرادت العبور بين المحيطين الأطلسي والهادئ أن تٌبحر أسفل أمريكا الجنوبية، وحول "كيب هورن" عند طرف باتاغونيا التشيلية في رحلة خطرة للغاية، وتستغرق وقتًا طويلاً.
وتسبب هذا الممر بمقتل ما يقدر بنحو 10 آلاف بحار منذ أن استكشفه البحارة الهولنديون لأول مرة في عام 1616، وحتى افتتاح المسار البنمي.
تُعتبر القناة اليوم نسخة مطوَّرة عن القناة الأصلية، إذ خضع الممر المائي لتوسعة كلّفت مليارات الدولارات انتهت في عام 2016، لاستيعاب سفن الحاويات الضخمة.
في عام 2024، بلغت إيرادات القناة حوالي 5 مليارات دولار.
وأكّد لويس بينتو ريوس، وهو مرشد سياحي في "Panama Canal Tours" أن "القناة بمثابة الذَهَب لنا".
كيف يمكن زيارة القناة؟ يشاهد هؤلاء الزوار سفن الشحن الدنماركية خلال مرورها عبر قناة بنما في عام 2024. Credit: Arnulfo Franco/AFP/Getty Imagesإذا كنت ترغب في رؤية هذه الأعجوبة التي صنعها الإنسان، فهناك ثلاث طرق للزيارة من خلال البر، والماء، والجو.
ويمكن للأشخاص التوجه إلى مراكز الزوار بشكلٍ مستقل أو الانضمام إلى جولة إرشادية تديرها العديد من شركات الرحلات المستقلة.
أما المسافرين الذين يفضلون الهواء الطلق، وأولئك الذين يرغبون بتجنب الحشود، فإن حدائق "سوبرانيا"، و"كامينو دي كروسيس"، و"تشاجريس" الوطنية توفر مسارات للمشي لمسافات طويلة على طول حوض القناة.
ويتوفر أيضًا خيار أمام الزوار متاح لركوب قارب وزيارة القناة بنفسك.
كما تبحر مئات السفن السياحية عبر القناة كل عام.
وتقدم شركات الرحلات أيضًا فرصة ركوب الطائرات المروحية، ليتمكن الزوار من مشاهدة إطلالة شاملة للقناة.
تاريخ طويل سفينة "Brilliance of the Seas" السياحية أثناء عبورها لقناة بنما في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2024.Credit: Martin Bernetti/AFP/Getty Imagesتعود مساعي شق قناة عبر أمريكا الوسطى لربط محيطات العالم إلى أوائل القرن الـ16، عندما قام المستكشفون الإسبان بمسح الطرق على طول نهر "تشاجريس"، واستنتجوا آنذاك أن الأمر مستحيل.
ونشأ الاهتمام الأمريكي ببداية "حمّى الذهب" في منتصف القرن الـ19، عندما بحث الأمريكيون المتلهفون عن طرق أفضل وأسرع للتوجه إلى كاليفورنيا.
وكان المهندسون الفرنسيون، بقيادة مطوري قناة السويس، هم من قاموا في النهاية بالخطوات الأولى لبناء القناة، وبدأوا العمل عليها في عام 1881.
لكن فشلت المحاولات الفرنسية في النهاية بسبب وفاة أكثر من 22 ألف شخص نتيجة الأمراض، وحوادث البناء، والمشاكل المالية، والفساد الداخلي.
واشترت الولايات المتحدة الحقوق من الفرنسيين في بداية القرن العشرين.
تم الانتهاء من بناء القناة في عام 1914، ولكن أُلغي حفل الافتتاح الكبير المخطط له بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكان مرور أولى السفن حدثًا صامتًا.
لم يتم استخدام الممر بشكل كافٍ طوال الحرب، ولكنه اعتُبِر ممرًا حاسمًا لجهود الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.
وتفككت العلاقة بين الولايات المتحدة وبنما ببطء بسبب الخلافات، التي أدت إلى العنف أحيانًا.
تمحورت الخلافات حول السيطرة على القناة، وعدم المساواة في معاملة البنميين، والجنسيات الأخرى مقارنة بالعمال الأمريكيين.
في مرحلةٍ ما، قطعت بنما العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر هو الذي توسّط في شروط نقل الممر المائي إلى السيطرة البنمية في ليلة رأس السنة الجديدة عام 1999.
القناة اليومرُغم القلق العالمي من أنّ بنما لن تكون قادرة على إدارة القناة بشكل مناسب بعد تسليمها في عام 1999، إلا أنّ الممر المائي ازدهر تحت السيطرة المحلية.
بعد خمس سنوات فقط من توليها المسؤولية، أعلنت القناة عن مضاعفة دخلها، وخفض معدل الحوادث، وتولي مشروع التوسع الطموح.
وبينما أنّ القناة عُرِفت في السابق بالعمالة والإدارة الأجنبية، فإن حوالي 92% من القوة العاملة اليوم تُعتبر من بنما.
مع ذلك، اعتبر ترامب أنّها بمثابة ملك له، وهي الفكرة التي رفضتها حكومة بنما على الفور، إذ قال رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو، ببيان في ديسمبر/كانون الأول: "كرئيس، أريد أن أعبر بدقة عن أن كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المجاورة لها تُعتبر ملكًا لبنما، وستبقى كذلك".