هل يستطيع حزب العمال تحسين مكانة بريطانيا في العالم؟
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
على الورق، الاختلافات طفيفة بين معظم عناصر السياسة الخارجية لحزبي العمال والمحافظين، أكبرها يتعلق بأوروبا والهجرة، أما مواقفهما تجاه الصين وأوكرانيا وباقي القضايا فمتشابهة على نحو مدهش، لكن ستكون هنالك قرارات مبكرة تحدد مقاربة الحكومة العمالية لمكانة بريطانيا في العالم وتبدأ في الإجابة على الأسئلة التي تُركت معلَّقة أثناء الحملة الانتخابية.
ما هو أكثر من ذلك سيعتمد تحسين حزب العمال لمكانة بريطانيا في العالم على قدرته في حل مشاكلها الداخلية بما في ذلك فشلها في تحقيق النمو في الإنتاجية ونظامها التعليمي الذي يفتقر إلى الاتساق والتفاوتات المناطقية والنظام الصحي الفاشل.
ستحين أول فرصة بعد خمسة أيام فقط من الانتخابات بانعقاد قمة الناتو في واشنطن. وستكون لدى ستارمر الفرصة لتأكيد دعمه لأوكرانيا الذي سبق له أن عكس به موقف أسلافه المحافظين في رئاسة الوزارة. لكنه سيتعرض إلى الضغط لكي يوضح بالضبط متى ينوي حزب العمال إنفاق 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع (حاليا حوالي 2.3%) وهذا موضوع ترك مفتوحا حتى الآن.
ما هو أكثر من ذلك أيضا، لقد تغير المشهد الأمريكي منذ تعهده بذلك الدعم، فالهشاشة الواضحة لوضع جو بايدن أضافت قدرا جديدا من عدم اليقين في السباق الرئاسي، وفي اللحظة الراهنة يبدو ترامب أقرب إلى الفوز بالرئاسة، السؤال هو: إلى أي حد سيحاول ستارمر حث الولايات المتحدة (وكذلك باقي أعضاء الناتو المتذبذبين) على الاستمرار في بالدفاع عن أوكرانيا ليس فقط على أساس السيادة ولكن أيضا الأمن الأوروبي. هذا ما ينتظره.
بالنسبة لأوروبا ستكون هنالك فرصة ثانية في 19 يوليو عندما يستضيف رئيس الوزراء البريطاني 50 زعيما أوروبيا في قمة الجماعة الأوروبية السياسية، هذه ليست فقط فرصة لكي يبدو كزعيم سياسي ماهر ولتأكيد اهتمام بريطانيا بالقيم الليبرالية (بما في ذلك حكم القانون وتلك سمعة أضرَّت بها المناوراتُ الحكومية منذ مغادرة الاتحاد الأوروبي). إنها ستكون أول فرصة لاستيضاح القادة الأوروبيين حول تفاصيل ما قد يمكن أن تعنيه العلاقة الوثيقة، وهذا ما قال ستارمر: إنه يريده.
هنالك مجالات أكثر سهولة رغم أنها ليست واضحة تماما لكلا الجانبين مثل بعض التعاون حول الدفاع واتفاقيات تجارة الغذاء والمنتجات الحيوانية وإمكانية تمديد حرية الانتقال لبعض المهنيين والمبدعين. لكن قادة الاتحاد الأوروبي سيضغطون الحكومة الجديدة بسؤالها عن سبب نكوصها قبل الانتخابات عن الأفكار الأوروبية بشأن إتاحة المزيد من حرية الانتقال للشباب (لأغراض الدراسة والعمل) بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
سيلزم ستارمر أيضا تحديد الكيفية التي يموضِع بها حكومة يسار الوسط البريطانية الجديدة في قارةٍ (أوروبا) تشهد تصاعدا لتأييد اليمين، وسيكون عليه أيضا توضيح البديل لخطة رواندا التي تقدم بها ريشي سوناك للتعامل مع الهجرة غير الشرعية بالنظر إلى تعهده بالتخلي عنها. فالمقاربات البديلة ستتطلب في الغالب التعاون مع البلدان الأوروبية التي تواجه مشاكل شبيهة.
اختار ستارمر قبل الانتخابات تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها عقب أحداث 7 أكتوبر. وكان ذلك موقفا مماثلا لموقف حكومة سوناك. لكن ثمنه كان أكبر لستارمر من سوناك نظرا إلى شدة المعارضة وسط أنصار حزب العمال لممارسات إسرائيل في غزة.
سيتعرض ستارمر للضغط في الداخل لتشديد الموقف ضد إسرائيل وسيرغب في اختبار نفوذ بريطانيا مع الولايات المتحدة لزيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية.
لكنه ربما سيواجَه بحقيقة ضعف نفوذ بريطانيا في مثل هذه المسائل على الرغم من أن تحركاتها لها وزن رمزي. أعظم استخدام لبريطانيا ربما في ترتيب محادثات بين التشكيلة الواسعة من اللاعبين الإقليميين حيثما يكون لديها نفوذ.
أما فيما يتعلق بالصين فلا يبدو في الأفق قرار فوري حولها، حيث رتَّب حزب العمال توازنا دقيقا على نحو ما فعل سوناك (بين التجارة وإجراء محادثات حول المشاكل العالمية والدفاع ضد مهددات بريطانيا). في الواقع اقترح حزب العمال «تدقيقا» لروابط بريطانيا مع الصين ربما يبدأ في أول مائة يوم من عمر الحكومة.
على الرغم من أن «التدقيق» يبدو مثل تمرين فنّي سيكون السؤال الكبير: إلى أي حد يمكن لبريطانيا تجنب ضغط الولايات المتحدة لكي تقف إلى جانب إجراءاتها التجارية ضد الصين.
لقد اشتدت الجفوة بين الصين والولايات المتحدة هذا العام حول التجارة وموقف الصين «العدائي» في جنوب شرق آسيا ومؤخرا جدا دعمها لروسيا. وربما يجد ستارمر أنه مجبر على اتخاذ موقف منحاز لا يتَّسق مع سعيه لتحقيق النمو الاقتصادي.
قد يتعلق أول قرار صعب بتحديد موقفه من واردات السيارات وألواح الطاقة الشمسية الصينية الرخيصة وما إذا كان يرحب بها أم لا.
قالت راشيل ريفز التي تتولى وزارة الخزانة الآن في حديث لها بمعهد شاتام هاوس يوم الإعلان عن موعد الانتخابات أن رُخْص المنتجات ليس سببا في حد ذاته لشرائها. لكنه يمكن أن يكون كذلك إذا كان النمو هو الهدف. وكذلك الوفاء بأهداف التغير المناخي.
حزب العمال بحاجة إلى حل هذه المعضلة، وسيلزمه ذلك إذا كان عليه أن يلعب الدور القيادي في مجال المناخ، وهو دور قال إنه يسعى إليه. وفي حين سيتجه اهتمام الحكومة نحو المخاطر العالمية الآنيّة إلا أن العام الفائت كان الأشد حرارة على الإطلاق.
سيكون للتغير المناخي عواقب مهمة على الهجرة وأسعار الغذاء والنزاعات. وسيلزم الحكومة التي وعدت بتوفير الأمن للناخبين لعب دورها في مواجهته.
قاد ستارمر حملته الانتخابية لأسابيع أمام غابة من اللافتات الحمراء التي تنادي «بالتغيير» نفوذ أي بلد في العالم يرتكز على أدائه وتحديدا استقرار ترتيباته السياسية ونموه الاقتصادي. بعد 14 عاما فشل المحافظون في كلا هاتين الجبهتين. ودفعوا ثمن ذلك في اضمحلال نفوذ بريطانيا في الخارج كما دفعوا ثمنه انتخابيا الآن بما يبدو أنها أسوأ نتيجة للحزب في تاريخه.
إذا كان هذا عهد جديد كما يَعِد حزب العمال بذلك عليه إظهار أن لديه أجوبة على مشاكل بريطانيا التي طال بها الأمد والمتمثلة في انعدام النمو الاقتصادي والضغوط التي تتعرض لها أنظمتها التعليمية والصحية وانعدام الاستثمار في البنية التحتية من الكهرباء والطاقة والى تقنية الجيل الخامس والتفاوتات الإقليمية والاجتماعية.
فوز حزب العمال ليس فقط مرحلة جديدة في السياسة البريطانية وواقع سياسي مختلف بعد ما يزيد عن عقد من هيمنة المحافظين ولكن سيقترن معه إقرار بالحاجة الى أفكار جديدة في عالم تغير كثيرا منذ عام 2010.
كثيرا ما تُعزي العديد من التحديات التي تواجه بريطانيا إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي. وفي حين أن ذلك لم ولا يفيد إلا أن هنالك مشاكل أعمق سبَّبت عَنَتَا لبريطانيا في عهد المحافظين (وفي بلدان ذات أنظمة ديمقراطية شبيهة).
المطلوب أجوبة أفضل للضعف الاقتصادي المستمر الذي أعقب انهيار عام 2008 وحول قدرة الدولة على التعامل مع المخاطر العالمية المتزايدة كالتغير المناخي وجائحة كوفيد. هذا إذا لم نذكر العودة إلى الحرب في أوروبا والشرق الأوسط.
هنالك إحساس ينشأ عن هذا الفوز الكبير بأن الوقت قد حان لكي يحاول أحدٌ ما إيجاد هذه الأجوبة.
برونوين مادوكس مديرة المعهد الملكي للشئون الدولية (شاتام هاوس)
أوليفيا أوسوليفان مديرة برنامج المملكة المتحدة بالمعهد
عن موقع معهد شاتام هاوس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی بریطانیا فی حزب العمال فی العالم إذا کان التی ت
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع ترامب أن يفرق بين الصين وروسيا؟
ترجمة: نهى مصطفى -
في مقابلة في أكتوبر الماضي تفاخر دونالد ترامب قائلا: «الشيء الوحيد الذي لا تريد حدوثه أبدًا هو أن تتحد روسيا والصين. سأضطر إلى فك وحدتهما، وأعتقد أنني أستطيع أن أفعل ذلك». خلال حملته الانتخابية، قال الرئيس المنتخب إنه سيوقف الحرب في أوكرانيا «في غضون 24 ساعة» وأنه سيكون أكثر صرامة من الرئيس بايدن مع الصين.
لم يوضح ترامب قط خطته بالضبط لـ«تفكيك» هاتين الدولتين، وبناءً على تاريخه، وقد يضطر لابتكار خطة فورية. لكن المؤشرات المبكرة تشير إلى أن الإدارة المقبلة قد تسعى إلى الإضرار بالشراكة الصينية الروسية من خلال الحد من التوترات (وحتى تحسين العلاقات) مع موسكو من أجل الضغط على بكين ــ وهو عكس ما خطط له وزير الخارجية هنري كيسنجر منذ أكثر من خمسين عاما، عندما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق الوفاق مع الصين لاستغلال الانقسام الصيني السوفييتي.
يبدو أن هذه المدرسة الفكرية تحظى بشعبية كبيرة في عالم ترامب، بما في ذلك أولئك الذين تم ترشيحهم لفريق الأمن القومي الخاص به.على سبيل المثال، دعا مايكل والتز، عضو الكونجرس الذي اختاره ترامب ليشغل منصب مستشاره للأمن القومي، إلى مساعدة الولايات المتحدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن ثم تحويل الموارد إلى «مواجهة التهديد الأكبر من الحزب الشيوعي الصيني».
في بكين وموسكو، يترقب القادة فترة الفراغ الرئاسي التي ستستمر بضعة أسابيع وبداية ولاية ترامب الجديدة. وتتمثل الأولوية القصوى للكرملين في اجتياز هذه الفترة بأمان وتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا قبل انتقال ترامب إلى البيت الأبيض. ويأمل الرئيس بوتن أن تؤدي ولاية ترامب الجديدة إلى خفض الدعم الغربي لكييف، إذا لعبت موسكو أوراقها بشكل جيد، حتى لو لم يتم التوصل إلى إنهاء رسمي للعدوان في أوكرانيا.
لكن مخاوف بكين عكس ذلك تمامًا. أشار اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينج مع بايدن في نوفمبر خلال قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ إلى أن الإدارة الديمقراطية لن تعطل بشكل كبير العلاقات الأمريكية مع الصين في طريقها إلى الخروج، أما بالنسبة للفريق الجمهوري القادم، فلدى بكين أسباب للقلق ــ سواء من خطاب حملته أو من مجموعة الشخصيات التي رشحها ترامب لشغل وظائف رئيسية في حكومته.
لا يوجد الكثير من التفاصيل حول «خطة السلام» التي يعتزم ترامب تنفيذها في أوكرانيا. لكن حتى قبل الدخول في محادثة رسمية مع ترامب، يتعين على الكرملين أن يتغلب على الأسابيع القليلة المقبلة، التي يراها واحدة من أخطر فترات حرب أوكرانيا.
بعد ما يقرب من عام من المداولات المؤلمة، منحت إدارة بايدن أخيرًا كييف الإذن باستخدام أسلحة بعيدة المدى تنتجها دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك الصواريخ التكتيكية للجيش (ATACMS) المصنوعة في الولايات المتحدة وصواريخ Storm Shadow البريطانية، ضد أهداف عسكرية داخل الأراضي الروسية. في 19 نوفمبر، تعرض مستودع أسلحة روسي في منطقة بريانسك لقصف زعمت وزارة الدفاع الروسية أنه صاروخ ATACMS ، وبعد يومين تعرض مركز قيادة ورد أنه يضم جنرالات كوريين شماليين لقصف بصواريخ Storm Shadow في منطقة كورسك الروسية.
لن يكون لهذه النكسات، مهما كانت مؤلمة بالنسبة للروس، تأثير كبير على مسار القتال. فروسيا تكتسب تدريجيا المزيد من الأرض على الجبهة الشرقية. وما يقلق الكرملين هو تجاهل الغرب الواضح للخطوط الحمراء التي أعلنتها موسكو بوضوح والردع النووي. فقد قال بوتن في مناسبات عديدة إن أوكرانيا لا تستطيع استخدام أنظمة مثل ATACMS و Storm Shadow دون مساعدة فنية كبيرة من أفراد حلف شمال الأطلسي، وبالتالي، من وجهة نظر الكرملين، فإن استخدام الأوكرانيين لها يشبه إطلاق الناتو النار على روسيا. والاستهداف داخل الحدود الروسية مسألة مختلفة تماما؛ وفي رأي الكرملين، يجب وقف هذا الأمر عاجلاً وليس آجلاً.
في رد فعل على هذا العدوان الغربي الملحوظ، نشرت روسيا في التاسع عشر من نوفمبر عقيدة نووية جديدة تخفض بشكل كبير حدود استخدام الأسلحة النووية وتمهد الطريق لشن ضربات نووية ضد الدول غير النووية (مثل أوكرانيا) التي تشن هجمات بعيدة المدى بدعم من دولة نووية. ولتعزيز هذه التهديدات اللفظية، التي لم يول الغرب أهمية كبيرة لها، أطلقت روسيا في الحادي والعشرين من نوفمبر صاروخا قادرًا على حمل رؤوس نووية على مصنع عسكري في دنيبرو. من الانفجارات الطفيفة نسبيًا، فإن الصاروخ كان يحمل حمولة ضئيلة أو معدومة ــ وهذا يعني أن الإطلاق كان إشارة سياسية توضح قدرة الكرملين واستعداده للتصعيد.
من وجهة نظر موسكو، عادت الكرة الآن إلى ملعب واشنطن. فقد حذر بوتن صراحة زعماء الغرب من أنه سيرد على أي خطوات تصعيدية، مثل توجيه ضربات جديدة إلى روسيا أو إرسال قوات إلى أوكرانيا. وبذلك، يأمل في استقرار الوضع حتى يفتح تنصيب ترامب نافذة جديدة من الفرصة للتفاوض على إنهاء الصراع لصالح الكرملين.
يدرك الكرملين أن التحركات الأخيرة التي اتخذتها إدارة بايدن، بما في ذلك رفع القيود المفروضة على الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا، تعمل على تعزيز نفوذ واشنطن في أي مناقشات مستقبلية. ولهذا السبب فإن موسكو تقاوم بشدة التصعيدات الأكثر خطورة، بينما لا ترد على تلك التي تعتبر أقل أهمية، مثل العقوبات الجديدة ضد النظام المالي الروسي التي كشفت عنها إدارة بايدن في 21 نوفمبر، أو قرار واشنطن بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالألغام الأرضية.
لا شيء في هذه المرحلة يشير إلى أن بوتن مستعد للتراجع عن أهدافه الأصلية الأكثر تطرفًا - والتي، على حد تعبيره، هي «نزع السلاح وإزالة النازية من أوكرانيا»، وهو ما يعني في نهاية المطاف تغيير النظام في كييف وحق النقض الدائم لموسكو على السياسة الخارجية لأوكرانيا. سيصبح الكرملين سعيدًا بتحقيق هذه الأهداف على طاولة المفاوضات، ولكن إذا لم يتمكن من تأمين الشرط المسبق الأكثر أهمية - التراجع عن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا - فإن الزعيم الروسي سيستمر في القتال، على أمل أن يكون الوقت في صالح روسيا في حرب الاستنزاف، وأن مخزونات الأسلحة الغربية المستنفدة والإحجام عن التصعيد سوف يحد من قدرة ترامب على مساعدة أوكرانيا.
على النقيض من بوتين، لدى شي العديد من الأسباب لتوقع أن يكون الانتقال من بايدن إلى ترامب فترة من الهدوء النسبي في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. ومع ذلك، بمجرد تولي ترامب منصبه، قد يصبح الوضع بالنسبة لبكين محفوفًا بالمخاطر. في السنوات الأخيرة، عملت بكين وواشنطن بجد للحفاظ على الاستقرار والقدرة على التنبؤ في علاقتهما. باستخدام العديد من قنوات الاتصال، بما في ذلك الاتصالات المنتظمة بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ووزير الخارجية الصيني وانج يي، نجحت بكين وواشنطن في الصمود في الانتخابات الرئاسية في يناير في تايوان، وتجنبتا في الغالب حروب التجارة والسيطرة على الصادرات المزعجة، وخفضتا درجة الحرارة في النقاط الساخنة المحتملة للمواجهة العسكرية، بما في ذلك مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.
أكد آخر اجتماع عقده بايدن وشي في نوفمبر أنهما يعتزمان تمديد هذا النهج حتى 20 يناير. وقد ردت بكين على الفور على مجموعة تدابير الرقابة على الصادرات الجديدة التي فرضتها الإدارة المنتهية ولايتها والتي تستهدف قطاع صناعة الرقائق الصيني، والتي تم الكشف عنها في الثاني من ديسمبر، بحظر صادرات العديد من المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة بما في ذلك الجاليوم والجرمانيوم والانتيمون. لكن هذه التحركات تم إعدادها منذ فترة ولم تكن مفاجئة. وفي الوقت الحالي، لدى الجانبين سبب للحفاظ على الهدوء وممارسة ضبط النفس. يتعامل بايدن مع الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، والصين ليست في مزاج يسمح لها بالسعي إلى مواجهة غير ضرورية وسط تدهور الظروف الاقتصادية.
في حين أن لدى بوتن أسبابًا للتفاؤل بشأن ترامب، فإن شي لديه الكثير مما يدعو للقلق. فخلال فترة ولاية ترامب الأولى، بدأ حربًا تجارية مع الصين، واستهدف شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي بالعقوبات وحملة ضغط لإلغاء تثبيت معداتها من شبكات الحلفاء، وعزز الأصول والشراكات العسكرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأطلق العنان لحرب دعائية بشأن جائحة كوفيد-19. وقد يبدو الوضع أسوأ هذه المرة. ففي عام 2016، كان الاقتصاد الصيني على مسار نمو أقوى بكثير مما هو عليه الآن، وكان الاقتصاد الأمريكي ضعيفًا. واليوم، انقلبت الأمور، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى السياسات الاقتصادية التي انتهجها شي على مدى العقد الماضي.
معظم فريق خبراء الأمن القومي والتجارة الذي يجمعه ترامب، الذين تم ترشيحهم حتى الآن، معروفون بآرائهم المتشددة بشأن الصين، وهم يدعون إلى زيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة بكين، فضلاً عن التعريفات العقابية، والمزيد من القيود على مراقبة الصادرات، ودعم تايوان. ولجعل الأمور أسوأ، فإن معظم كبار المسؤولين الجدد في إدارة ترامب إما غير معروفين تمامًا في الصين أو لم يزوروا البلاد منذ سنوات، ويقضون وقتًا في تايوان بدلاً من ذلك. وبالمثل، فإن فريق شي الحالي، وخاصة كبار مساعديه في الاقتصاد، ليسوا معروفين جيدًا في واشنطن. منذ عام 2022، أحاط شي نفسه بأشخاص - بما في ذلك رئيس أركانه، كاي تشي، ونائب رئيس الوزراء هي ليفينج – ليس لديهم مكانة دولية، ولا يتحدثون الإنجليزية، ومن الصعب التواصل معهم منذ ترقيتهم إلى المكتب السياسي.
في خضم حالة عدم اليقين التي قد يجلبها ترامب، فإن آخر ما يقلق بوتن وشي هو قدرة واشنطن على تحقيق انقسام حقيقي بين بلديهما، على الرغم من وعد ترامب بالقيام بذلك أثناء الحملة الانتخابية. أولا وقبل كل شيء، ما زال من غير الواضح ما إذا كان ترامب قادرًا على التفاوض على صفقة بشأن أوكرانيا ترضي بوتن. وإذا لم تتم معالجة المخاوف الأساسية للكرملين، فقد تستمر موسكو في القتال، وستكون الخطة بأكملها لتحسين العلاقات مع الكرملين على حساب بكين غير مؤكدة. وحتى إذا توصلت جميع الأطراف إلى اتفاق بشأن أوكرانيا وخفف ترامب العقوبات الأمريكية ضد روسيا، فإن السحابة السامة حول الاقتصاد الروسي لن تتبدد على الفور. تزويد موسكو بتدفقات نقدية إضافية سيتطلب موافقة أوروبية، وهو أمر غير مضمون بأي حال من الأحوال، لأن العديد من العواصم لا تزال متشككة في روسيا بوتن ولا تريد العودة إلى عصر ما قبل الحرب من الاعتماد الاقتصادي.
تعتمد روسيا بشكل كبير على الصين اقتصاديًا، حيث إن 40٪ من الواردات الروسية تأتي من الصين و30٪ من الصادرات الروسية تذهب إلى هناك على مدى العامين الماضيين. هذا الاعتماد يتعمق، ولا يمكن التراجع عنه بين عشية وضحاها. ووقف هذا الاعتماد يتطلب جهودًا منسقة من قبل الأمريكيين والأوروبيين لزيادة التجارة الثنائية مع روسيا، وهو أمر يصعب تصوره في ظل ترامب.
أخيرًا، يعرف بوتن وشي أن هذه ستكون فترة ولاية ترامب الأخيرة، وأنه يمكن بسهولة أن يتبعه رئيس من شأنه أن يعكس أي اتفاق تم التوصل إليه في عهد الرئيس الجمهوري. على النقيض من ذلك، يخطط كل من شي وبوتن للبقاء في السلطة بعد عام 2029، عندما تنتهي ولاية ترامب. وبصرف النظر عن العلاقة الشخصية بين بوتن وشي، فإن عدم ثقتهما المشتركة في واشنطن وآمالهما في أن يصبحا أكثر قوة في نظام متعدد الأقطاب - على حساب الولايات المتحدة - من المرجح أن يوفر أساسًا قويًا بما يكفي للحفاظ على الشراكة الصينية الروسية مستقرة ومتنامية.
ألكسندر جابويف مدير مركز كارنيجي روسيا وأوراسيا.
نشر المقال في Foreign Affairs