لجريدة عمان:
2025-03-31@05:29:44 GMT

كيف فـقـدت البشرية السيطرة؟

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

كيف يُعقَل أن نكون أكثر ثراء بخمس عشرة مرة على الأقل من أسلافنا في العصر الزراعي ما قبل الصناعي، ومع ذلك يكتنفنا شعور غامر بالتعاسة؟ يتلخص أحد التفسيرات في أننا لسنا مهيئين لذلك: فلا شيء في تراثنا أو ماضينا التطوري أعدنا للتعامل مع مجتمع يضم أكثر من 150 شخصا. لتشغيل تكنولوجياتنا المتزايدة التعقيد وتعزيز رخائنا، يتعين علينا بطريقة أو أخرى أن ننسق بين أكثر من ثمانية مليارات إنسان.

لهذا، عملنا على بناء آلات مجتمعية ضخمة تتألف من اقتصادات السوق، والبيروقراطيات الحكومية والشركاتية، والسياسات الوطنية ودون الوطنية، والأيديولوجيات الثقافية، وغير ذلك الكثير. لكننا برغم ذلك، نجاهد في محاولة ضبط عمل هذه المؤسسات، لأننا ببساطة لا نفهمها. لقد تُرِكنا تحت رحمة شبكة تمتد عبر العالم من وحوش بالغة الغرابة تتحكم فينا وتجعلنا تعساء، حتى في حين تجعلنا أثرياء بدرجة خيالية مقارنة بالأجيال السابقة. كتب الخبير الاقتصادي دان ديفيز كتابا صغيرا رائعا عن إبداعاتنا الـمُـلـتَـبَـسة. في كتابه «آلة انعدام الـمُـساءلة: لماذا تتخذ الأنظمة الضخمة قرارات مروعة ــ وكيف فقد العالم عقله»، ينسج ديفيز حجة من خمسة خيوط منفصلة. الأول يتمثل في ملاحظته أن عالمنا عامر ببالوعات المساءلة: وهي أماكن حيث تنحرف الأمور عن الصواب بوضوح، ومع ذلك لا يوجد من يتحمل اللوم عن هذا الانحراف. بل يكون النظام بالكامل ملوما، ولا يملك أي وسيلة لرصد المشكلة أو تصحيحها. ثانيا، يشير ديفيز إلى أن كل نظام اجتماعي لا يحتاج فقط إلى متابعة مهمته بل يحتاج أيضا إلى الحفاظ على ذاته. هذا يعني في عموم الأمر أنه لا يستطيع التركيز على مقياس ضيق واحد. بل يتعين على كل نظام أن يؤدي مهام فرعية متعددة بالإضافة إلى مهمته الأساسية. وتشمل هذه المهام توفير الموارد الكافية للأشخاص الذين يقومون بالعمل؛ وتنسيق الأمور في المكان واللحظة الآنية؛ والتطلع من المكان واللحظة الآنية إلى «أماكن أبعد في المستقبل»؛ والحفاظ على تركيز المشاركين من البشر على الغرض من المنظمة (فلسفتها التوجيهية). يضرب ديفيز مثالا بفرقة موسيقية تقدم أغاني إلتون جون، حيث تؤدى هذه المهام، بشكل تقريبي، من قِبَل «الموسيقيين، وقائد الأوركسترا، ومدير الجولة، والمدير الفني، وإلتون جون». ثالثا، يشكل التفويض أهمية بالغة في الحد من التعقيدات والحفاظ على قدرة المنظمة على إدارة مهمتها. فأنت لست بحاجة إلى مراقبة درجة الحرارة داخل قفص السنجاب دقيقة بدقيقة؛ بل تحتاج فقط إلى ضبط منظم الحرارة. رابعا، من المهم بناء حلقات تغذية مرتدة قوية. هذا يعني تضخيم الإشارات الخارجية التي تحتاج إلى رؤيتها أكثر من غيرها، والحفاظ على القدر الكافي من قوة المعالجة الداخلية للتعامل مع هذه الإشارات قبل فوات الأوان.

أخيرا، تتمثل الطريقة الأفضل لإصلاح المنظمات حتى لا تتحول إلى آلات تُـنـتِـج انعدام الـمُـساءلة في إحياء شبه الانضباط الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية والذي اعتمد على التحكم الآلي في الإدارة. حَـمَـلَ هذا النهج، الذي كان أول روّاده عالم الكمبيوتر نوربرت وينر وعالم السياسة هربرت سيمون، اسم مقتبس من الكلمة اليونانية kybernētikos: وتعني «بارع في توجيه القارب».

كان الـمُـعَـلِّـم الذي حقق أكبر قدر من التقدم في بناء علم التحكم الآلي في الإدارة هو مستشار الإدارة في عصر الثقافة المضادة ستافورد بير، الذي استكشف في كتابه «مُـخ الشركة» كيف يمكن إصلاح البيروقراطيات على النحو الذي يسمح بالإبقاء على توازن التدفق الداخلي للمعلومات بين أصحاب القرار والـمُـقَـرَّر بشأنهم. وبدون ذلك، لن يظل النظام قابلا للاستمرار ومفيدا للبشرية بمرور الوقت. في مراجعة لكتاب «آلة انعدام المساءلة» في صحيفة فاينانشال تايمز، يصف فيلكس مارتن نهج ديفيز بأنه «نوع من التحليل النفسي لأشكال ذكاء غير بشرية، حيث يلعب ستافورد بير دور سيجموند فرويد». لم أكن لأعبر عن ذلك بشكل أفضل. الواقع أن عالمنا الاجتماعي لم يعد محصورا في أسرنا وجيراننا وزملاء العمل وأولئك الذين نتفاعل معهم بشكل مباشر عبر شبكات المودة، والكراهية، والمقايضة والتبادل، والتخطيط على نطاق صغير، والإرغام. بل يأتي قدر متزايد من كل ما نقوم به من عمل مدفوعا بمجموعة شديدة التعقيد من الآليات الاجتماعية والتكنولوجية المتشابكة الشديدة الضخامة التي صنعناها ولكننا لا نفهمها. إذا كان التحدي الذي تفرضه الحداثة يتلخص في التوصل إلى طريقة أفضل للعمل والتفكير معا كمجتمع عالمي يضم أكثر من ثمانية مليارات إنسان، فكيف يمكننا تحسين فهمنا، وبالتالي سيطرتنا؟ من المؤسف أن ديفيز لا يقدم لنا إجابة واضحة على هذا السؤال. ويختتم كتابه بالثرثرة المألوفة في كليات إدارة الأعمال. لكنه رغم ذلك يستحق أن ننسب إليه الفضل في تحديد المهمة التي نواجهها وتوجيهنا نحو مسار فكري جديد إلى الأمام.

جيه. برادفورد ديلونج أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو باحث مشارك في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية ومؤلف كتاب «التراخي نحو المدينة الفاضلة: تاريخ اقتصادي للقرن العشرين».

عن بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

أكاديميون: مؤسسة زايد للتعليم استثمار استراتيجي في القدرات البشرية

أكد أكاديميون أن إطلاق مؤسسة زايد للتعليم في عام المجتمع، يجسد التزام القيادة الحكيمة بتطوير منظومة التعليم وتمكين الشباب من امتلاك الأدوات والمهارات اللازمة لقيادة المستقبل، مشيرين إلى أن هذه المبادرة تمثل استثماراً استراتيجياً في القدرات البشرية، وتعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي للمعرفة والابتكار النوعي.

وقال مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج، أستاذ جامعي بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، الدكتور عيسى صالح الحمادي أن "رؤية الوالد المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله، في تعزيز مكانة دولة الإمارات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، كانت تنطوي على الطموح في قيادة المستقبل وتقديم الخير للبشرية، وكان التعليم في مقدمة أولوياته كأداة أساسية لتحقيق النهضة والتطور".

تمكين الشباب

وأكد أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، كرس تلك الرؤية عبر إطلاق مؤسسة زايد للتعليم، بهدف تمكين الشباب القادة في الإمارات والعالم من إيجاد حلول للتحديات العالمية الملحة. 

دعم الإبداع والابتكار 

وقال: "المؤسسة ستعزز مكانة الإمارات كمركز تعليمي عالمي، عبر دعم العقول المبدعة وتطوير الأبحاث والاختراعات، وتحسين التنافسية الدولية. كما تهدف إلى دعم 100 ألف موهبة شابة، ما يساهم في تأسيس صناعات وشركات قائمة على الابتكار، ترسخ مكانة الدولة كمصدر رئيسي للحلول المستقبلية وخدمة البشرية".

رؤية طموحة 

وأوضحت، الأستاذ المشارك في قسم الممارسة الصيدلانية والعلاجات الدوائية، بجامعة الشارقة، الدكتورة نادية راشد علي المزروعي أن "إطلاق مؤسسة زايد للتعليم يعكس الرؤية الطموحة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في تمكين الشباب وإعدادهم لقيادة المستقبل من خلال التعليم والبحث والابتكار".

تطوير مهارات القيادة

وأكدت أن المبادرة الخلّاقة ستساهم في تطوير مهارات القيادة والإبداع، مما يمكّن الأجيال القادمة من التعامل مع التحديات العالمية بحلول مستدامة".
وقالت: "تأتي هذه المؤسسة لتواكب التطورات المتسارعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما يوفر بيئة تعليمية متكاملة تدعم الريادة والابتكار. كما أنها تمثل استثماراً طويل الأمد في العقول الشابة، حيث تمنحهم الأدوات والموارد اللازمة للمساهمة بفعالية في تنمية المجتمعات وصناعة المستقبل". 

تعليم نوعي

بدورها، أكدت أستاذة بكلية الاتصال في جامعة الشارقة، الدكتورة نوال النقبي، أن أهمية إطلاق مؤسسة زايد للتعليم تزامناً مع عام المجتمع تتجلى في تعزيز التعليم النوعي، وبناء قادة المستقبل المبدعين، ومن المتوقع أن تساهم المؤسسة في إثراء المشهد الأكاديمي، من خلال توفير فرص تعليمية متقدمة وبرامج تدريبية تواكب احتياجات العصر، مما يمنح الشباب الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات العالمية وتحقيق التنمية المستدامة. 
وقالت: "مؤسسة زايد للتعليم، تعكس رؤية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المنبثقة من نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، في جعل التعليم وتمكين الأجيال ركيزة أساسية لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة".

تعليم مستدام

 من جانبه، أشار أستاذ اللغة العربية، بجامعة خورفكان، الدكتور مصطفى محمد أبوالنور، إلى أن إطلاق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، مؤسسة زايد للتعليم، سيعزز من تمكين القادة الشباب وتطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية، وإلى إحداث نقلة نوعية في المشهد التعليمي عبر تقديم برامج تعليمية متطورة، ودعم البحث العلمي، وتعزيز الشراكات الأكاديمية الدولية. وأكد أن المؤسسة ستسهم في إرساء نموذج تعليمي مستدام ومبتكر.

مقالات مشابهة

  • ???? خطاب حميدتي .. صوت الهزيمة واعتراف غير مباشر بالانكسار
  • صنعاءُ تقدِّمُ (عيديةً) للحاملة الأمريكية “ترومان” والبنتاغون يحقّق
  • شاب: فقدت بصري ودخلت في غيبوبة 18 يومًا بسبب الألعاب النارية.. فيديو
  • مصلحة الجمارك تُهدي كمية من الزبيب للقوى البشرية بوزارة الدفاع
  • الجمارك تُهدي القوى البشرية بوزارة الدفاع كمية من الزبيب
  • ما علاقة الزلازل بالأنشطة البشرية والتغير المناخي؟
  • الأمم المتحدة: ما تقوم به إسرائيل استخفاف قاس بالحياة البشرية في قطاع غزة
  • «الرعاية الصحية»: مقترح لتعديل لائحة الموارد البشرية ومنظومة الأجور
  • بايرن ميونيخ يهدد بمقاضاة الاتحاد الكندي بعد إصابة ديفيز
  • أكاديميون: مؤسسة زايد للتعليم استثمار استراتيجي في القدرات البشرية