لجريدة عمان:
2025-06-30@21:43:20 GMT

كيف فـقـدت البشرية السيطرة؟

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

كيف يُعقَل أن نكون أكثر ثراء بخمس عشرة مرة على الأقل من أسلافنا في العصر الزراعي ما قبل الصناعي، ومع ذلك يكتنفنا شعور غامر بالتعاسة؟ يتلخص أحد التفسيرات في أننا لسنا مهيئين لذلك: فلا شيء في تراثنا أو ماضينا التطوري أعدنا للتعامل مع مجتمع يضم أكثر من 150 شخصا. لتشغيل تكنولوجياتنا المتزايدة التعقيد وتعزيز رخائنا، يتعين علينا بطريقة أو أخرى أن ننسق بين أكثر من ثمانية مليارات إنسان.

لهذا، عملنا على بناء آلات مجتمعية ضخمة تتألف من اقتصادات السوق، والبيروقراطيات الحكومية والشركاتية، والسياسات الوطنية ودون الوطنية، والأيديولوجيات الثقافية، وغير ذلك الكثير. لكننا برغم ذلك، نجاهد في محاولة ضبط عمل هذه المؤسسات، لأننا ببساطة لا نفهمها. لقد تُرِكنا تحت رحمة شبكة تمتد عبر العالم من وحوش بالغة الغرابة تتحكم فينا وتجعلنا تعساء، حتى في حين تجعلنا أثرياء بدرجة خيالية مقارنة بالأجيال السابقة. كتب الخبير الاقتصادي دان ديفيز كتابا صغيرا رائعا عن إبداعاتنا الـمُـلـتَـبَـسة. في كتابه «آلة انعدام الـمُـساءلة: لماذا تتخذ الأنظمة الضخمة قرارات مروعة ــ وكيف فقد العالم عقله»، ينسج ديفيز حجة من خمسة خيوط منفصلة. الأول يتمثل في ملاحظته أن عالمنا عامر ببالوعات المساءلة: وهي أماكن حيث تنحرف الأمور عن الصواب بوضوح، ومع ذلك لا يوجد من يتحمل اللوم عن هذا الانحراف. بل يكون النظام بالكامل ملوما، ولا يملك أي وسيلة لرصد المشكلة أو تصحيحها. ثانيا، يشير ديفيز إلى أن كل نظام اجتماعي لا يحتاج فقط إلى متابعة مهمته بل يحتاج أيضا إلى الحفاظ على ذاته. هذا يعني في عموم الأمر أنه لا يستطيع التركيز على مقياس ضيق واحد. بل يتعين على كل نظام أن يؤدي مهام فرعية متعددة بالإضافة إلى مهمته الأساسية. وتشمل هذه المهام توفير الموارد الكافية للأشخاص الذين يقومون بالعمل؛ وتنسيق الأمور في المكان واللحظة الآنية؛ والتطلع من المكان واللحظة الآنية إلى «أماكن أبعد في المستقبل»؛ والحفاظ على تركيز المشاركين من البشر على الغرض من المنظمة (فلسفتها التوجيهية). يضرب ديفيز مثالا بفرقة موسيقية تقدم أغاني إلتون جون، حيث تؤدى هذه المهام، بشكل تقريبي، من قِبَل «الموسيقيين، وقائد الأوركسترا، ومدير الجولة، والمدير الفني، وإلتون جون». ثالثا، يشكل التفويض أهمية بالغة في الحد من التعقيدات والحفاظ على قدرة المنظمة على إدارة مهمتها. فأنت لست بحاجة إلى مراقبة درجة الحرارة داخل قفص السنجاب دقيقة بدقيقة؛ بل تحتاج فقط إلى ضبط منظم الحرارة. رابعا، من المهم بناء حلقات تغذية مرتدة قوية. هذا يعني تضخيم الإشارات الخارجية التي تحتاج إلى رؤيتها أكثر من غيرها، والحفاظ على القدر الكافي من قوة المعالجة الداخلية للتعامل مع هذه الإشارات قبل فوات الأوان.

أخيرا، تتمثل الطريقة الأفضل لإصلاح المنظمات حتى لا تتحول إلى آلات تُـنـتِـج انعدام الـمُـساءلة في إحياء شبه الانضباط الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية والذي اعتمد على التحكم الآلي في الإدارة. حَـمَـلَ هذا النهج، الذي كان أول روّاده عالم الكمبيوتر نوربرت وينر وعالم السياسة هربرت سيمون، اسم مقتبس من الكلمة اليونانية kybernētikos: وتعني «بارع في توجيه القارب».

كان الـمُـعَـلِّـم الذي حقق أكبر قدر من التقدم في بناء علم التحكم الآلي في الإدارة هو مستشار الإدارة في عصر الثقافة المضادة ستافورد بير، الذي استكشف في كتابه «مُـخ الشركة» كيف يمكن إصلاح البيروقراطيات على النحو الذي يسمح بالإبقاء على توازن التدفق الداخلي للمعلومات بين أصحاب القرار والـمُـقَـرَّر بشأنهم. وبدون ذلك، لن يظل النظام قابلا للاستمرار ومفيدا للبشرية بمرور الوقت. في مراجعة لكتاب «آلة انعدام المساءلة» في صحيفة فاينانشال تايمز، يصف فيلكس مارتن نهج ديفيز بأنه «نوع من التحليل النفسي لأشكال ذكاء غير بشرية، حيث يلعب ستافورد بير دور سيجموند فرويد». لم أكن لأعبر عن ذلك بشكل أفضل. الواقع أن عالمنا الاجتماعي لم يعد محصورا في أسرنا وجيراننا وزملاء العمل وأولئك الذين نتفاعل معهم بشكل مباشر عبر شبكات المودة، والكراهية، والمقايضة والتبادل، والتخطيط على نطاق صغير، والإرغام. بل يأتي قدر متزايد من كل ما نقوم به من عمل مدفوعا بمجموعة شديدة التعقيد من الآليات الاجتماعية والتكنولوجية المتشابكة الشديدة الضخامة التي صنعناها ولكننا لا نفهمها. إذا كان التحدي الذي تفرضه الحداثة يتلخص في التوصل إلى طريقة أفضل للعمل والتفكير معا كمجتمع عالمي يضم أكثر من ثمانية مليارات إنسان، فكيف يمكننا تحسين فهمنا، وبالتالي سيطرتنا؟ من المؤسف أن ديفيز لا يقدم لنا إجابة واضحة على هذا السؤال. ويختتم كتابه بالثرثرة المألوفة في كليات إدارة الأعمال. لكنه رغم ذلك يستحق أن ننسب إليه الفضل في تحديد المهمة التي نواجهها وتوجيهنا نحو مسار فكري جديد إلى الأمام.

جيه. برادفورد ديلونج أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو باحث مشارك في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية ومؤلف كتاب «التراخي نحو المدينة الفاضلة: تاريخ اقتصادي للقرن العشرين».

عن بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

“وزارة الموارد البشرية” تطبق إجراءات بحق المنشآت المسجل عليها عمالة ولا تمارس النشاط

 

أكدت وزارة الموارد البشرية والتوطين تطبيق إجراءات حازمة بحق المنشآت المرخص لها بشكل فعلي ومسجل لديها عامل أو أكثر وتم رصد عدم ممارستها للنشاط وعدم وجود علاقة عمل حقيقية بين الطرفين.

جاء ذلك بعد أن ضبطت المنظومة الرقابية للوزارة منذ بداية العام الجاري حوالي 1300 منشأة لا تمارس النشاط المرخص لها فعليا يملكها حوالي 1800 صاحب عمل، بالرغم من تسجيل عمالة لديها من دون وجود علاقة عمل حقيقية مع هذه المنشآت.

وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق هذه المنشآت من خلال إيقاف صلاحيات إصدار تصاريح العمل الجديدة وفرض غرامات مالية على أصحابها بأكثر من 34 مليون درهم وإدراجها في الفئة الثالثة ضمن التصنيف المتبع لمنشآت القطاع الخاص.

وفي إطار جهود الوزارة لضمان امتثال مالكي المنشآت لقوانين وتشريعات الموارد البشرية في الدولة، فقد تم اتخاذ إجراءات ضد مالكي المنشآت وذلك من خلال عدم تمكينهم بتسجيل أي منشآت جديدة في أنظمة الوزارة وذلك تنفيذا لأحكام قانون تنظيم علاقات العمل وقرار مجلس الوزراء رقم 21 لسنة 2020 والقرار الوزاري رقم 318 لسنة 2024.

ودعت الوزارة أصحاب العمل الذين تتوقف منشآتهم عن ممارسة نشاطها لأي سبب، الى إلغاء تراخيصها وتسوية أوضاع عمالها وفقا للآليات القانونية المعتمدة في الدولة، وذلك تجنبا للمساءلة القانونية.

وقالت الوزارة إن عدم ممارسة المنشأة للنشاط المرخص لها ووجود عمال مسجلين لديها تعد من المخالفات الجسيمة التي يتحمل تبعاتها القانونية أصحاب هذه المنشآت والمسجلين عليها على حد سواء، خصوصا في ضوء عدم وجود علاقة عمل حقيقية بين المنشأة والعامل المسجل عليها وهو ما يعد مخالفة صريحة للتشريعات.

وأكدت الوزارة كفاءة فاعلية منظومتها الرقابية والتفتيشية الميدانية والذكية في رصد وضبط تلك المنشآت خصوصا في ضوء توافر مؤشرات شاملة عن نشاط كل منشأة، والتي يمكن التعرف من خلالها على واقع عملها، من خلال نوع النشاط المصرح به وعدد العمال الموجودين على اقامتها وحركة معاملات المنشأة مع الوزارة، وغيرها من المعايير، والتي يتم اثباتها من خلال الرصد والتفتيش الميداني.


مقالات مشابهة

  • امتداد الحرائق في وادي الباصور بريف اللاذقية إلى جبلي الأكراد والتركمان وفرق الدفاع المدني تعمل على السيطرة عليها
  • ملتقى الموارد البشرية يناقش أنماط العمل الجديدة
  • صحف إسرائيلية: الوكالات الأمنية فقدت السيطرة على المتطرفين اليهود بالضفة
  • البوليساريو تجند قاصرين للتظاهر بالداخلة بعد فشل مخططاتها التخريبية
  • أمير تبوك يستقبل وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية
  • “وزارة الموارد البشرية” تطبق إجراءات بحق المنشآت المسجل عليها عمالة ولا تمارس النشاط
  • الموارد البشرية تطبق إجراءات بحق المنشآت المسجل عليها عمالة ولا تمارس النشاط
  • أحمد موسى: نحتفل غدًا بذكرى أعظم ثورة في تاريخ البشرية.. 30 يونيو أنقذت الوطن
  • الأعظم في تاريخ البشرية.. أحمد موسى يحتفل بذكرى 30 يونيو في حلقة خاصة| غدا
  • الروبوتات البشرية تدخل عالم كرة القدم بـ «الذكاء الاصطناعي»