طوفان الهمة يصعد القمة
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
من رحم معاناة أهل غزة فار تنور الغضب، انقلبت الحسابات والإستراتيجيات الدولية رأسًا على عقب، هناك من تمسَّك عند فورانه بمضمون وجوهر القضية، وهناك الذي اتخذ من المواقف ما يمكن أن يتعايش به مع مصالحه، ومصالح المعارف والأصدقاء، وهناك من سعى إلى حل ما يمكن حلحلته في العلاقات البينية، البعض ينتظر ما يمكن أن تجود به صراعات خلايا جسم الكيان المحتل من إفرازات تساعد على زواله، هل نحن ندرك أنَّ أشكال التغيير تُحاك في السياسة الدولية؟ وأن أبرز معالمها نظام متعدد الاقطاب، هل نحن واعون إلى أنَّ النظام الدولي الجديد يحتاج سياسة جماعية عربية أكثر مضمونًا وأقوى فاعلية؟ لإثبات قوتنا الإقليمية الجماعية، وحجز المقعد الإقليمي الوازن، ونستفيد من أشكال المعاناة التي مرَّرنا بها مع المستعمر القديم، ونروض صورته المستنسخة المزروعة منذ 76 عاما في فلسطين، ونغادر حياة البلاء والمعاناة، ونترك الانتظام مع مواقف وقرارات وفق اللزوم، والاستسلام لمسافات التناقضات البينية، وبحيث لا تظل المواقف والقرارات ورقة بيضاء؛ حياتنا قلقة في مجتمعاتنا مع وجود كيان سرطاني محتل.
فكلما حلمت شعوب المجتمعات العربية بأن تعيش بعض معاني الوحدة، فتح الكيان الخبيث باب الفتن على مصراعيه، وأصبحنا في كل يوم يشرق علينا يُخيَّل لنا أنَّ الهمة العربية لن تصعد، وأن الأصوات التي تنادي بالصعود يعود صداها إليها. ألم يئن الأوان أن تسري دماء أطفال غزة في شرايين جسم الأمة كما يجري الماء في النهر؟!! إذن المشكلة هي ازدياد طول وقت بقاء هذا الكيان الخبيث، الذى تمادى في إبادة أهل غزة؛ وبالتالي زادت الشعوب العربية من جرعة صراخها وصخب حراكها وهي مستمرة، لعل العالم يُدرك هول الخطب، ويوجِّه بوصلة الفعل إلى المكان الذي ظلَّ مسرحًا للاضطهاد والقتل والتهجير الذي تنفذه العصبة الصهيونية، بمساندة رعاة الكيان الغاصب، كلُّ هذا الصخب الشعبي العربي والإسلامي وحتى العالم الحُر، لم يأت حياله العالم بفعل ملموس، يمكن أن يوقف ما على المسرح من جرائم.
لقد حدَّثت الشعوب الحرة نفسها: قد يكون لمطبخ السياسة العالمي أسرار ونتائج عظيمة لكنه لم يكشف عن أي صعود في القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين.. خاب رجاء شعوب المجتمعات الحرة المساندة للحق الفلسطيني من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فجسدت مواقفها تساقط صخور الفعل ورد الفعل فيها، وصعد إلى أعلى "فيتو" مجلس الأمن، منذ "كامب ديفيد" وما تلاها من أحداث، اختلط الحابل بالنابل في أرشيف الأمم المتحدة، ولا تزال أمتعة ردود الأفعال محفوظة في بنود قراراتها وبياناتها.
ومع كثرة هذه القرارات والبيانات والفيتو، فإنَّ الأمم المتحدة عندما تمتطي صهوة السياسة في القضية الفلسطينية، فإنَّ الشعوب العربية والإسلامية، لا ترى منها إلا صيغة واحدة ملَّت من سماعها، في الوقت الذي كانت تنتظر فيه الإمساك بورقة "المرحلة" لإبراز صوت الحق والرؤية الأوضح في حل قضية يمتد ألم أصحابها على مساحات الإنسانية الأممية.
لذا؛ وفي ظل تعطل الفرص الأخرى، لم يعد الإنسان العربي يفكر في السياسة ومطابخها، قدر ما يفكر في الآلام الناتجة عن الجُرح الدامي، الذي أصاب جسد المنطقة. لم يعد يتمنى شيئًا سوى الحرية والانعتاق من أجل مستقبل وحاضر قضيته الكبرى. فقد الأمل في قيام المجتمع الأممي بموجبات انتزاع الحق، وإبراز الهمة في جوهر الفعل السياسي، ويرى أنَّ المقاومة الفلسطينية تعتلي القمة بعملها البطولي، بأغلى ثمن، مهما كانت النتائج التي ليس من بينها بالطبع بقاء المحتل الجاثم على الأرض، كان قد قيل لكتائب القسام إنَّ اعتلاء القمة خسارة فادحة، وقيل لها إنَّ هناك جيشًا عملاقًا لا يهزم، وقيل إنَّ هناك أعوانًا عمالقة له كثر، تحرسه وتدافع عنه، وقيل، وقيل... لكن أيًّا من تلك الأقاويل، لم تثن حقائق كتائب القسام، وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى. ومع كل ما قيل، صمَّمت المقاومة بكل عزيمة ويقين راسخ على صعود القمة، بما تملك من إيمان وقوة، وحاضنة شعبية وطنية، وإقليمية، بل وأحرار العالم. الشي الذي لا تملكه هو مضمون وجوهر العمل السياسي الأممي.. فقررت أن تدفع الظلم عن غزة العزة، حتى كان صباح 7 اكتوبر 2023م.
ازداد الطوفان ارتفاعًا من تحت أقدام المقاومين الأشاوس، وبهذه العملية البطولية تمكنوا مع الذين ساعدوهم وساندوهم من الوصول للقمة، وعندما وصلت تكشَّف كل شيء، ووشم الفلسطينيون في غزة أسماء أبنائهم على أيديهم، كان الغزاويون متعبين، جائعين، عطاشى جراء حصار جائر، لكنهم صاحوا بأعلى صوتهم قائلين: "بقوة الله ما وَهِنَّا ولا ضعفنا، الحق معنا والأرض لنا، معنا مئات المقاتلين، وما النصر إلا من عند الله"، لقد تمادى الكيان الغاصب في سفك الدم الزكي الطاهر، فحرق جلود أطفالنا، ومنع عن أهلنا كل سبل الحياة، فزادتنا مقاومتنا قوة، وبسالتها صمودًا وعلوًّا، وتنسَّمنا من عملها البطولي أكسجين الحرية في أجساد الشهداء، ومسحنا الغبار عن عينيْ الثكالى والجرحى، فأبرزنا مظلوميتنا، وأزلنا الغمة عن عيني العدالة الدولية، حاولنا مرة أخرى إيقاظ الضمير الإنساني ونجحنا، لدرجة أنَّنا لم نصدق أنفسنا. إن مقاومتنا اعتلت القمة، نظرنا لنتأكَّد، فرأينا جنودَ الجيش الذي لا يُقهر كأنهم أعجاز نخل خاوية. لم نرَ سوى أمواج الطوفان تعتلي قمة نضالنا نحو الحرية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
انتخابات غيرت خريطة السياسة العالمية في 2024.. أبرزها وصول ترامب للبيت الأبيض
منافسات انتخابية حامية شهدها العام 2024، أثمرت عن وجود أسماء من شأنها تغيير ملامح السياسة العالمية في السنوات المقبلة، بداية من التنافس الحاد في الولايات المتحدة إلى التغيرات الكبرى في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024الانتخابات الرئاسية الأمريكية جاءت على رأس المنافسات التي كانت محل اهتمام العالم، بسبب تأثيرها الكبير على السياسات العالمية، وفق وكالة أسوشيتد برس، حيث واجهت كامالا هريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، الرئيس الأسبق دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري. في سباق حافل بالتصريحات الحادة والوعود السياسية الكبيرة، وانتهى بفوز ترامب في الانتخابات واستعداده لـ4 سنوات أخرى في البيت الأبيض.
الانتخابات الرئاسية الروسية 2024: استمرار بوتين في السلطةانطلقت الانتخابات الرئاسية الروسية في 17 مارس 2024، وسط توترات مستمرة مع الغرب والنزاع القائم في أوكرانيا، إضافة إلى التحديات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الغربية، وأسفرت الانتخابات عن فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولاية جديدة.
الانتخابات البرلمانية في الاتحاد الأوروبي وفوز الأحزاب اليمينيةعلى الصعيد الأوروبي، كانت الانتخابات البرلمانية في بعض الدول الأوروبية محورية في عام 2024. من أبرز النتائج كانت فوز الأحزاب اليمينية في العديد من البلدان مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، وهذا التحول نحو اليمين يعكس التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك قضايا الهجرة، والأزمة الاقتصادية، وتأثير التغير المناخي. وفقا «فرانس برس».
وشهدت بعض الدول الأوروبية ارتفاعًا في شعبية الأحزاب القومية والشعبوية، حيث دعت الأحزاب إلى تقليص الدور الأوروبي في السياسة الاقتصادية والتجارة. في حين أنّ الأحزاب اليسارية تأثرت بشكل ملحوظ بتراجع الدعم، خاصة في الدول التي شهدت أزمات اقتصادية أو سياسية حادة.
الانتخابات في أمريكا اللاتينية.. استمرار الصعود اليساريفي أمريكا اللاتينية، كانت انتخابات 2024 محورية، حيث شهدت بعض الدول تحولًا في سياساتها الداخلية نحو اليسار، ففي البرازيل على سبيل المثال، فاز الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بفترة رئاسية جديدة، بعد أن تجاوز العديد من التحديات السياسية والاقتصادية. كما فاز مرشحون يساريون في دول مثل تشيلي والأرجنتين، في مؤشر على تصاعد الوعي الاجتماعي والسياسي الذي يعكس تطلعات المواطنين لتغيير السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ويعد هذا التوجه اليساري في أمريكا اللاتينية ردًا على التحديات الاقتصادية، وارتفاع مستويات الفقر وعدم المساواة، وتقدم الأحزاب اليسارية حلولًا تهدف إلى تحسين الوضع الاجتماعي، وتعزيز العدالة الاقتصادية، وتحقيق المزيد من التكامل الإقليمي في القارة.
الانتخابات في دول الشرق الأوسط: التوترات السياسية ومستقبل المنطقةعلى مستوى الشرق الأوسط، شهدت بعض الدول انتخابات حاسمة، أبرزها الانتخابات البرلمانية في العراق، والانتخابات الرئاسية في إيران، إضافة إلى انتخابات محلية في بعض الدول الأخرى. كانت الانتخابات في هذه المنطقة شديدة التوتر بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجهها العديد من هذه الدول.
الانتخابات في إفريقيافي القارة الإفريقية، شهدت بعض الدول انتخابات رئاسية وبرلمانية مهمة في العام 2024، أبرزها كان في نيجيريا حيث فاز مرشحون يمثلون التيارات المختلفة في البلاد وجنوب إفريقيا، بينما استمر الحزب الحاكم في السيطرة على المشهد السياسي، رغم التحديات الداخلية التي واجهتها الحكومة.