د. محمد بن عوض المشيخي *

يبدُو أنَّ الدولة الكنهوتية الصهيونية العنصرية تحتضر، وتعيش أيَّامها الأخيرة، بسبب تداعيات هزيمة الجيش الذي قد قُهِر بالفعل وأدى ذلك إلى انهياره من الداخل، خاصة بعد الهجوم الكاسح للمُقاومة الفلسطينية الباسلة في السابع من أكتوبر والمعروف بـ"طوفان الأقصى" الذي قلب الموازين والحسابات رأسًا على عقب؛ إذ لم يكن ذلك في الحسبان للدول الاستعمارية التي تحرص كلَّ الحرص على تفوق إسرائيل على جيرانها العرب، واستمرار قبضتها على الشعب الفلسطيني وأرضه المحتلة.

وما حصل في غزة من صمود ونجاح حماس والمقاومة الفلسطينية لم يفاجئ الغرب فقط، بل كذلك العديد من الأنظمة العربية التي تتمنى تفوق الصهاينة؛ بل وتدعو جهارًا للقضاء على الجهاد وجعل إسرائيل اللاعب الأكبر والآمر والناهي في المنطقة؛ وذلك لكي تكسب هذه الأنظمة التي تستمد شرعيتها من الغرب الاستعماري وليس الشعوب والذي في الأساس وضعها في السلطة عند انسحابه شكليًّا من بلاد العرب على أن تقوم هذه الأنظمة المزروعة في المنطقة بالدور المنوط بها، وهو خدمة الأهداف والمصالح الأجنبية، ونهب الثروات الوطنية وتقاسمها مع المستعمر على حساب الشعوب التي تعاني الأمرِّين الفقر والاضطهاد والتهميش؛ مقابل الحماية المزعومة. ومن هنا، كشفت العديد من التقارير السرية التي تسرَّبت إلى الصحافة العالمية مؤخرًا، عن حالة الغليان الشعبي التي تسود بين الجماهير العربية في الوطن العربي، وسخطها الشديد على حُكَّامها المساندين لإسرائيل، وكذلك على حكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية على دعمهم للحكومة الفاشية في تل أبيب بالمال والسلاح لإبادة الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين المحتلة. وبالفعل، حذرت بعض المراكز الإستراتيجية المهتمة بالمنطقة من تمرُّد شعبي واسع النطاق في كل الأحوال بعد حرب غزة بصرف النظر عمَّن يكسب الحرب.

ومن علامات هذا الانهيار في الجيش الإسرائيلي الذي كان لا يُقهر: رفض التجنيد في صفوف هذه المنظومة العسكرية المتهالكة، والذي وصل أعداد الذين يتعالجون في المصحات النفسية فيه لأكثر من عشرة آلاف جندي، الذين اشتركوا في القتال في قطاع غزة، بينما رفض 35% من هؤلاء الجنود الذين خضعوا للعلاج العودة مرة أخرى إلى غزة، كما سجلت المستشفيات الإسرائيلية حالات انتحار بين الجنود والضباط في هذا الكيان الغاصب؛ هذا فضلًا عن طلب أكثر من 950 ضابطًا الاستقالة وعدم الرغبة في تجديد العقود مع الجيش الإسرائيلي. ومن المفارقات العجيبة: رفض اليهود المتدينين والمعروفين (بالحريدم) الانخراط في الخدمة العسكرية الإجبارية؛ وذلك لأسباب تتعلق بالطقوس الدينية للشريعة اليهودية، فيعتقد هؤلاء الأصوليين أن دورهم أي "الحريدم" يجب أن يتمحور في دراسة التعاليم اليهودية؛ والشرائع التوراتية فقط، وليس المشاركة في الدفاع عن الدولة العلمانية في إسرائيل؛ كون قوانين الجيش ليست دينية، بل وضعية، وأقرب للعلمانية منه إلى المجتمع المتدين الذي يفترض أن يطبق النصوص الدينية القديمة والخاصة بالشريعة اليهودية.

صحيح كانت الأحزاب المتطرفة اليمنية التي تحكم إسرائيل اليوم سبق لها أن قررت السماح للحريدم بممارسة طقوسهم الدينية، وإعفائهم من التجنيد منذ عدة سنوات، إذ وافق الكنيست على ذلك القرار؛ ولكن المحكمة العليا الإسرائيلية نقضت قرار الكنيسة وأجبرتهم قبل عدة أسابيع على العودة لصفوف الجيش والخدمة العسكرية، على الرغم من الاحتجاجات العنيفة للحريدم؛ إذْ كشف أحدث استطلاعات الرأي رفض 66% من هؤلاء المتدينين قرار المحكمة المتعلق بالتجنيد الإجباري، وأن هناك البعض منهم يفضِّل الموت على التجنيد في الجيش الإسرائيلي.

لا شك أنَّ الصمود الأسطوري للشعب الفلسطينيى ومقاومته الباسلة قد أحبطت كل المشاريع الصهيونية، خاصة صفقة القرن التي روَّج لها البعض من الحكام؛ والمتمثلة في منع قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، كما أنَّ هزيمة الجيش الصهيوني الذي يتعرض للنقد من الحكومة، خاصة ظهور جدال واسع النطاق من خلف الكواليس حول حقيقة جدالية مفادها "هل إسرائيل عندها جيش له دولة؛ أم دولة لها جيش؟"، ويتجلى ذلك في الفشل الذريع بعدم قدرته -أي الجيش- على استعادة الأسرى أو حتى النيل من المقاومة، مما خلط الأوراق على الأعداء في الداخل والخارج، وأربك المشهد في الشرق الأوسط؛ فحماس والجهاد الإسلامي باقيتان على أرض الرباط حتى تحرُّر فلسطين وعودة اللاجيئن وقيام الدولة التي تحظى الآن بالاعتراف الدولي المتمثل بتصويت 145 دولة لصالح قيامها بشكل عاجل.

وفي الختام.. فقد تنبأ المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس بهجرة يهودية عكسية للإسرائيليين إلى أمريكا وأوروبا، وذلك خلال السنوات القليلة المُقبلة؛ وبالفعل كشفت نتائج استطلاعات الأسبوع الماضي أن 59 بالمائة من الشباب في إسرائيل يفكرون بالهجرة للخارج؛ بينما توقع الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس قبل استشهاده، زوال إسرائيل عام 2027. وبالفعل كل الموشرات تدلُّ على نهاية دولة الاحتلال قريبًا، فكما قيل في سابق الأيام: "دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة"؛ فإسرائيل اليوم تستشعر الزوال والهزيمة من منظور كتبهم الدينية، فمملكة داود وسليمان -عليهما السلام- لم تصمُد أكثر من 80 عامًا؛ فهي الدولة اليهودية الأولى، بينما الدولة الثانية لليهود وهي "مملكة الحشمونائيم" انتهت في عقدها الثامن أيضًا. ومن هنا، أصبحت نهاية الدولة الثالثة أقرب للواقع من أي وقت مضى، خاصة في ظل وجود عصابة إرهابية تتولى أمر هذا الكيان الغاصب؛ أمثال: نتينياهو، وبن غفير، وسماتريش، الذين يقودون المجتمع الاسرائيلي إلى الدرك الأسفل من النار.

 

* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من هو جعفر قصير الذي اغتالته إسرائيل؟.. صهر حسن نصر الله

كشفت قناة القاهرة الإخبارية في تقرير خاص، نقلا عن مراسلها في دمشق، تفاصيل اغتيال حسن جعفر قصير منذ ساعات وهو صهر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في غارة شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على منطقة المزة بالعاصمة السورية دمشق.

اغتيال حسن جعفر قصير

وقالت القاهرة الإخبارية إن الانفجار الذي استهدف حسن جعفر قصير كان عنيفًا، حيث استهدف بناءً سكنيا في حي المزة فيلات غربية على الأطراف الجنوبية للعاصمة السورية دمشق.

وأضافت أن الاستهداف  أسفر عن سقوط 3 شهداء وأكثر من 9 آخرين، بالإضافة إلى وقوع أضرار مادية بالممتلكات الخاصة المحيطة بالمكان وفق حصيلة أولية لفريق الدفاع المدني والإسعاف والإطفاء في موقع الانفجار.

من هو حسن جعفر قيصر؟

وتقدم جريدة «الوطن» أبرز المعلومات المتاحة عن حسن جعفر قيصر صهر حسن نصر الله الذي اغتيل بدمشق منذ قليل في غارة إسرائيلية على منطقة المزة بالعاصمة السورية، في السطور القادمة:

حسن جعفر قيصر هو صهر حسن نصر الله، وشقيق القيادي في حزب الله محمد جعفر قصير والذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية الثلاثاء الماضي.

وبحسب جيش الاحتلال فهو قائد الوحدة 4400 في حزب الله، وهي المسئولة عن توصيل الأسلحة والمعدات القتالية إلى الحزب.

وبحسب المعلومات المتداولة فقد تم رصد موقع حسن جعفر من خلال شقته التي كان يتردد عليها قيادات حزب الله.

مقالات مشابهة

  • الجيش فرض طوقاً أمنيّاً في مُخيّم البداوي... ما الذي يجري هناك؟
  • سفير مصر الأسبق لدى تل أبيب: إسرائيل استهدفت البشر والشجر والحجر وأعادتنا إلى حروب العصر الجاهلي
  • «حروب الشائعات» السلاح الجديد لـ«قوى الشر».. الدولة تبذل جهودا كبيرة لمواجهتها وصناعة الوعي (ملف خاص)
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • بيان جديد لحزب الله عن العبوات التي استهدفت الجيش الاسرائيلي.. هذا ما جاء فيه
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة ندى القلعة تتصدر قائمة المشاهير الذين احتفلوا بانتصارات الجيش على طريقة “زردية” البرهان
  • بوتن يوقع على قانون يمنح حصانة للمتهمين الجنائيين الذين ينضمون إلى الجيش
  • ولادة إسرائيل الثالثة
  • من هو جعفر قصير الذي اغتالته إسرائيل؟.. صهر حسن نصر الله