جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-23@09:43:44 GMT

حمد العلوي.. مات شامخًا

تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT

حمد العلوي.. مات شامخًا

 

 

سالم بن نجيم البادي

رحل الرجل النبيل صاحب القلم الشجاع والقلب ناصع البياض، الذي لم يكن يخفق بغير حب الوطن والإنسان والعروبة والإسلام. كان مُتميزًا وصاحب مبادئ لا يتزحزح عنها، ومثقفا من الطراز الرفيع، وكانت مقالاته تصدح بالحق لا يخاف في ذلك لومة لائم.

أخبرني ذات مرة أنَّ إحدى الجهات استدعته وطلبت منه تغيير أسلوبه في الكتابة، لكنه رفض ذلك رفضًا تامًّا وخرج مرفوع الرأس، واثقًا من نفسه، وهو يعلم أنه لا أحد يستطيع أن يجبره على تغيير أسلوبه في الكتابة، ولا تغيير مبادئه وقناعاته، وهدفه في كل الأحوال مصلحة الوطن والمواطن، ثم إنه هو رقيب نفسه، وهو الذي أفنى سنوات عمره في خدمة الوطن، وقد تدرَّج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة مقدم في شرطة عمان السلطانية، بعد أن عاد إلى أرض الوطن مع من عادوا من العمل في دول الخليج، وذلك مع بداية النهضة المباركة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله.

وقد شهد له كل من عرفه في العمل بالكفاءة والحزم والإخلاص والتفاني والإبداع والحكمة والرشد، والقدرة على إدارة الأزمات وحسن التصرف في المواقف الصعبة، وشغفه الكبير بعمله. وقد تألم كثيرًا بعد أن أُحِيل إلى التقاعد، وكان دائم الحديث عن التقاعد والمتقاعدين وضعف رواتبهم وقلة الاهتمام بهم، وكتب عنهم مقالات عدة، وكان يحب أن يحوِّر كلمة متقاعد إلى "مت قاعدا"، لكنه أبدا لم يمُت قاعدًا، بل مات شامخًا ومنافِحًا عن القضايا التي يُؤمن بها: قضايا الوطن والإسلام والعروبة والإنسان، فكانت له آراء يجهر بها دون وجل، وهو على دراية تامة بخفايا ودهاليز القضايا المعاصرة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والجماعات والأحزاب المختلفة، ولديه قدرة عجيبة على التحليل العميق، قد تفوق قدرة بعض هؤلاء المحللين الذين تستضيفهم القنوات الفضائية، وأستطيع القول بأنَّ الرجل داهية، وحاد الذكاء، ومدرسة في القيم والمبادئ والأخلاق والنخوة والشهامة والغيرة على الوطن، كان يتصدى لكل من يحاول الإساءة لعُمان عبر المقالات وفي منصة (x)، وفي المجالس وفي مجموعات الواتساب، وبكل الوسائل المتاحة له.

أعرفُ الرجل بحُكم أن والدته من بلدتنا، ومازحته ذات مرة قائلا: "نحن نقرأ لك فقط لأن والدتك منَّا"، ابتسم وهو يعلم أنَّ مقالاته الرصينة تجد القبول والترحيب من كل فئات المجتمع، ودليله في ذلك الصدى الواسع لمقالاته، والتعليقات التي تصل إليه بعد نشرها، وكان سعيدًا لأن الكثير من مقالاته كانت تحصد المركز الأول في القراءة في الموقع الإلكتروني لجريدة "الرؤية"، فكانت مقالاته مميزة وله أسلوبه الخاص، وكان يطعِّم مقالاته باللهجة العمانية القديمة، وكنت أتواصل معه بشكل دائم وهو يتصل بي ليسأل عن والدي الذي يحرص على زيارته دائمًا، خاصة في الأعياد والمناسبات.

وحين اتصلت به أيَّام عيد الأضحى الماضي، وقد منعه المرض من القدوم من مسقط حيث يقيم إلى ولاية ينقل، أخبرته أن أبي يفتقده حتى إنَّه ترك له من المشاكيك ولحم التنور، وفي كل يوم من أيام العيد يقول أبي: "اليوم أنتظر حمد"، وحين أخبرته بذلك بدا متأثرًا وحزينًا، وطلب مني أن أبلغ سلامه إلى والدي، وأن أخبره بأنه بخير وسوف يزوره قريبا.

وكان -رحمه الله- حين يزورنا لا نمل من حديثه، كان في كل أوقاته بشوشا، حلو المعشر، تألفه النفس، يتكلم عن ذكرياته وعن تجاربه الثرية في الحياة، وعن مقالاته والقضايا التي تشغل الناس في المجتمع، وعن رغبته تطوير قريته "حيل العرب" الواقعة شمال ولاية ينقل بين الجبال الشاهقة وفي أعماق واد سحيق، وإعادة الحياة إليها بعد أن هجرها كل سكانها، وقد استطاع الحصول على الموافقة لشق طريق ترابي إلى القرية، بعد أن كان الوصول إليها يتم بواسطة الحمير أو سيرًا على الأقدام، وقام ببناء استراحة صغيرة في القرية، وكان يأمل وصول الكهرباء وكل الخدمات إلى قريته.

كان -رحمه الله- يتابع مقالاتي ويشجعني وينتقدني أحيانا، حتى إنه اقترح عليَّ تغيير صورتي في الجريدة بسبب التمصيرة، فقلت له إني لا أجيد غير هذه التمصيرة، وأختلف معه أحيانا لكنه يبقى القدوة، وهو الذي شجعني للكتابة في جريدة "الرؤية" الرائدة.

وبرحيل حمد بن سالم العلوي، فقد الوطن أحد رجاله الأنقياء الأفذاذ والمخلصين والمدافعين عنه بحماس وحب.. نسأل الله أن يرحمه ويغفر له وأن يُسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الجحيم – أو: حين تخون الحرب الوطن

 

الجحيم – أو: حين تخون الحرب الوطن

وجدي كامل

ذاق السودانيون الجحيم، لا على نحو عابر، ولكن كما يكون الجحيم جحيما . لم ينجُ إلا أولئك الذين أشعلوه، فظلّوا ينفخون في أوار الحرب، مزهوّين بوهم الرسالة، مدّعين أنها حرب كرامة تُخاض نيابةً عن الشعب.

أي كرامة تلك التي تنبت من رماد الخراب؟ وأي شعب ذاك الذي تُنصب له المذابح، ثم يُقال له: هاك خذ لقد انتصرنا لك؟ في غمرة جنون الثأر من الثورة والثوار والثائرات ومنظماتهم المدنية من تحالفات ، تناسى هؤلاء أن الحرب، مهما تجمّلت شعاراتها، لا تبقي وطناً. نسوا، أو تجاهلوا، أن ما يسعون إليه هو الانتقام من الثورة، لا استرداد الكرامة، وأنهم لا يحاربون لأجل السودان، بل ضده. فكانت النتيجة أن صار الوطن نفسه هو الضحية الكبرى، والرهينة، والحطام. ها هي الحرب تدخل عامها الثالث. والسودان، من شرايينه حتى أصابعه، يحترق.

من بقي فيه يعاني، ومن نزح عنه لا يقل وجعاً، ومن استراح في المنافي لا يملك غير الانتظار المرهَق والنقص المريع في الكرامة. ومع ذلك، لا تزال أصوات الخراب ترى في الحرب “مهمة وطنية”، و”خياراً أخلاقياً”، وتمضي بها إلى نهايات لا يتخيلها عقل.

الدعم السريع، الذي غادر الخرطوم بعدما أجهز على ما فيها من حياة، عاد لينسج حصاره، ويحكم قبضته على الفاشر، المدينة ذات التاريخ والمكانة والرمز. غير ان سقوط الفاشر لا يفضي فقط إلى واقع التقسيم الذي ظهرت مقدماته بقرب اعلان الحكومة الموازية، بل إلى انكسار المعنى نفسه: معنى الوطن الواحد، والخرائط المتماسكة، والناس الذين ظنوا أن الخراب له حدود. لكن القادم – كما تُنذر الوقائع – سيكون أكثر فداحة.

فما يُمَهَّد له الآن هو وجه جديد للحرب، أكثر شراسة، وأكثر احتقاراً للمدنيين. تتجه الحرب إلى استهداف المناطق الشمالية والشرقية بضرب مصادر الامداد الكهربائي كمقدمة للتطويق والزحف، لتجرّم الناس بانتمائهم، وتُنزل العقاب بالأهالي لأنهم ينتمون، لا لأنهم يقاتلون. فشلت محاولات التفاوض، واستُنزفت مؤتمرات الخارج والذي كان مؤتمر “لندن” اخرها بسبب ان المصالح الدولية لا يعلى عليها.

واليوم، لا يمكن لأحد أن يتنبأ إلى أي درك ستنحدر البلاد اكثر. لكن المؤكد أن الأسوأ لم يأتِ بعد. فالحريق ما يزال يتلمس أطراف الوطن، وما يزال يجد في الخراب ما يغذّيه. كلا الطرفين، بما اقترفا من آثام، قدّما للتاريخ مائدة دموية، زاخرة بكل ما يجعل الحاضر لعنة، والمستقبل سؤالاً مفتوحاً على الفجيعة. سيكتب التاريخ، لا محالة، كيف أن صعود قِلّة من الطغاة إلى الحكم كان كافياً لتهديد وجود أمة بأكملها، وسرقة الحياة من الأغلبية التي لم تطلب غير السلام والعدل والحرية. الدروس كثيرة، بقدر الجراح. لكن أعظمها أن على السودانيين، حيثما كانوا، أن يتعلموا كيف يُحصّنون حياتهم: لا فقط ضد رصاص وقاذفات الجيوش والمليشيات، بل ضد إنتاج الطغاة من جديد، ضد استسهال العنف باسم الدين، وضد كل من يُمهّد للطغيان بجهله أو صمته أو خوفه. إن مشكلة المقاومة المدنية السلمية لا تكمن في قياداتها، التي تبلي بلاءً حسنًا على الصعيد الإعلامي المتاح، بل في الأغلبية الصامتة أو المتفرجة، التي بدا وكأنها وجدت في وسائل التواصل الاجتماعي متنفسًا للتعليق والسخرية أو التصفح السلبي، من دون أن نعمل على تحويل هذه الطاقة الثورية الهائلة إلى تظاهرة مجلجلة ضد قهر الحرب وتجلياتها المرعبة.

فكلما أحسنّا توظيف وسائل التواصل في فضح جرائم الحرب، وكشف أكاذيب جنرالاتها وخطوطهم الإعلامية الزائفة، كسبنا أرضًا جديدة في المعركة، واقتربنا خطوة نحو خلق وحدة مدنية، تكون بمثابة كلمة السر الغائبة لاستشعار قوتنا وإسماع صوتنا للعالم، كضحايا لهذه الكارثة الوطنية غير المسبوقة.

الوسومالحرب الدعم السريع الوطن الواحد جريمة وجدي كامل

مقالات مشابهة

  • عبارات عن عيد استقلال الأردن 2025
  • شعبة المصورين بنقابة الصحفيين: زعلنا الكبير من محمد السباعي وزوجته وكان هناك سب وقذف غير لائق
  • جلالةُ السُّلطان المعظّم يعود إلى أرض الوطن
  • الجحيم – أو: حين تخون الحرب الوطن
  • عبارات جميلة في عيد الاستقلال الـ 79
  • صحيفة بريطانية: البابا فرنسيس أشاع السلام فى العالم وكان نصير المهمشين
  • "الجارديان": البابا فرنسيس أشاع السلام وكان نصيرًا للمهمشين حول العالم
  • «الجارديان»: البابا فرنسيس أشاع السلام في العالم وكان نصير المهمشين
  • محمد بن زايد يعين محمود سالم العلوي مديراً للكفاءة المؤسسية في «أبوظبي للمحاسبة»
  • السيسي: فقدان البابا فرنسيس خسارة جسيمة للعالم وكان صوتا للسلام والمحبة والرحمة