كيف تبدو التحولات الديموغرافية عام 2030؟
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
د. عبدالله باحجاج
سكان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ما عدا دولتين، تشكل ديموغرافيتها الوطنية -مواطنيها- الآن أقليات؛ إذ لا يتعدون 20% من إجمالي السكان، بينما البقية تستهدف التساوي العددي بين مواطنيها ووافديها، ولا يدرك خليجيًّا -أي على مستوى الدول الست- أنَّ هناك تحديات مُقبلة قد لا تمكنها حتى من الحفاظ على تلكم النسب الفعلية والمستهدفة، هذا إذا اعتبرنا التساوي العددي بين المواطنين والوافدين مُسلَّمًا به من حيث مستقبل تأثيراته الاجتماعية والسياسية، وهذه التحديات لها منزلة الضرورة المستعجلة الآن، وهي التي تقف وراء فتحنا لهذا الملف، لكي نضعها فوق الطاولات السياسية للتفكير فيها، واستدراك ما يجعل المستقبل آمنًا، وقبل أن تتبلور تداعياتها -أي التحديات - في البنية السكانية لكل دولة.
كُبرى هذه التحديات وأخطرها تراجع نسبة الخصوبة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي؛ ففي المؤتمر الخاص بالأسرة الذي عقده مركز دراسات الخليج بجامعة قطر -بالتعاون مع المعهد الدولي للأسرة- تحت عنوان "الأسر الخليجية: الاستمرارية والتغيير"، كشف عن تراجع نسبة الخصوبة بشكل يُثير القلق؛ إذ يبلغ معدله الإجمالي لمنطقة دول المجلس الخليجي (1.8) 2022 وهو أقل من المعدل (2) العالمي للحفاظ على ثبات عدد السكان، وحسب أحد المواقع الإحصائية، فإنه من المتوقع أن ينخفض معدل الخصوبة في الخليج إلى 1.5 بحلول العام 2060، ويرى خبير عربي قدَّم ورقة في هذا المؤتمر أنَّ المفاجأة بأن نسب الطلاق ليست بالمشكلة المرعبة المتصورة قبل المؤتمر، ولكن المشكلة الأهم هي العزوف عن الزواج، مُوضِّحا تقارب نسبة الإناث مع الذكور إلى حد المناصفة، مستشهدا بدولة كبيرة في الخليج عندما قال إنه من بين 10 فتيات هناك 7 منهن لم يسبق لهن الزواج.
وهنا التساؤل الذي نستخلصه مما سبق، وهو: كيف تضمن الدول الخليجية الحفاظ على نسبها الديموغرافية الوطنية 20% الفعلية، أو 50% المستهدفة في ظل تراجع معدل الخصوبة وزيادة عدد الوافدين؟ هنا مكمن القلق الكبير من حيث الكم. أمَّا من حيث الكيف الذي يعمق القلق، وهو سيكون متلازمًا للاختلال السكاني في الخليج، فهو أن الوافدين الجُدد للخليج يأتون مع أموالهم وأسرهم وأيديولوجياتهم للاستقرار الدائم، ويؤسسون لهم كياناتهم الفكرية في موازاة مع تأسيس كياناتهم الاقتصادية والتجارية والمالية، وتتم برعاية ودعم الدول الخليجية المستقبلة لهم، مما تجد معه الدول هنا نفسها تحت التسليم لهم بمُمارسة دياناتهم ومعتقداتهم أسوة بمكونها الديموغرافي الوطني.
ويُرافق سياسة الانفتاح الخليجي نحو الأجانب تغيير مفاهيمي من منظور نيوليبرالي، وهو اعتبار العامل الديموغرافي -السكان- ببعديه الوطني والأجنبي كمصدر دخل -إيرادات عامة- وكلما كان عدد سكان أي دولة قليلا كانت الإيرادات بالمثل، والعكس صحيح؛ لذلك لابد أن يكون عدد السكان كبيرًا حتى تكون في المقابل الإيرادات السنوية كذلك. ومن هنا، تستهدف الدول رفع عدد سكانها لدواعٍ مالية وتحريك تجارتها الداخلية، لكن الخطورة هنا أنَّ رفع عدد السكان يكون من منظور الوافدين وليس المُواطنين، خاصة في ظل ما أوضحناه سابقًا من تراجع معدل الخصوبة لأسباب كثيرة؛ منها: تأخر الزواج والعنوسة والبطالة وتفضيل الأجنبيات؛ ففي إحدى الدول الخليجية وصل بها الشعور بالخطر إلى تدخل مُفتيها للمطالبة بتقنين الزواج من الأجنبيات بعد أن أفرز مائتي ألف طفل خلال بضع سنوات، وكذلك يرجع إلى بروز مفاهيم جديدة عند الجيل الخليجي الجديد وبالأخص عند الإناث، وهي الاستمتاع بالحياة في ظل الراتب، وإثبات الذات الوظيفية قبل تحمل مسؤوليات الحياة الزوجية والأسرية.
وفي ظل هذه المفاهيم، قد يفشل الزواج عند أي تحدٍّ قد يواجهه.. وعند الكثير من المتزوجات العاملات سنجد حنينًا للعزوبية، لأنهن لم يعُدن يتحملن ضغوطات التربية واستحقاقات التعليم، والبعض منهن تركن قضايا التربية للشغالات، وهناك في المقابل من ينظرن للعمل كوسيلة لحياة تشاركية فاعلة مع الزوج لإقامة حياة سعيدة بدخلين يعززان تربية وتعليم أولادهم، تأسيس أسرة مترابطة متضامنة لمستقبل العمر القادم، فشتان بين الجانبين، وهذا يعني أنَّ هناك خللا في التفكير يُصيب جيلًا ليس بقليل العدد، لكنه في تزايد يحتم مواجهته بخطط وبرامج عاجلة.
إذن، إلى أين تسير منطقة دول مجلس التعاون؟ التساؤل مُستهلك من حيث التداول، لكن من خلال ما أوضحناه سابقًا نرى أنَّه لم يكن متماهيًا مع الواقع مثل ما هو الآن، وهو الآن في توقيته الزمني وفي استحقاقاته السياسية، ولا ينبغي أن تعتقد أي دولة أنَّها بمنأى عن هذه القضية، الدول الست غارقة فيها مع التباين.. فالخليج سيواجه -لا محالة- مشكلة نقص المواطنين مقابل زيادة الوافدين، والنظرة التشاؤمية من الحاضر يمكن إطلاقها نتيجة التفوق العددي للوافدين على المواطنين في ثلاث دول خليجية على الأقل؛ فكيف بعام 2030 وهو عام نهاية معظم رؤى الخليج التنموية بكل استهدافاتها المالية والاقتصادية والسكانية: التساوي عدديا بين المُواطنين والوافدين؟
وماذا سيكون مستقبل القوة الناعمة الخليجية؛ سواء كان المواطنون أقلية أو متساويو العدد؟ الإجابة عن هذا التساؤل تحتاج لسلسلة مقالات، لكننا نكتفي بالإشارات التالية:
- سيختل ميزان القوة الناعمة الخليجية لصالح القوة الناعمة الأجنبية داخل كل دولة، وسيفرضون أجندتهم الأيديولوجية، وستكون قوتهم الناعمة الأقوى -تأثيرًا وعدديا.
- الاختلال لصالح الوافدين يتم في إطار محيط إقليمي: دولة مكتظة بالسكان، كاليمن والعراق وإيران.. إلخ.
- سيطالب الوافدون بالمشاركة في اتخاذ القرارات وصناعة التشريع والرقابة.
- سيعلِّمون أبناءهم التعليم المنتج للمهارات والكفاءات والقدرات؛ فالتعليم الراقي في الخليج مدفوع الثمن؛ فهناك مدارس دولية تنسخ من ترابها الأجنبي -فكرًا ووجدانًا- وتزرع في كل دولة، وتؤسس الأبناء من مرحلة ما قبل الدراسة، وتذهب بهم إلى ما بعد الجامعة.. إلخ.
- سيكون الوافدون محتكرين للقطاع الخاص الذي تعوِّل عليه الأنظمة في الخليج لتشغيل الخليجيين؛ مما يصبح معه الجيل الخليجي الجديد تحت تأثيرهم المباشر، لأنهم المالكون للمال والوظائف.
وبالتالي؛ فإن كلَّ المخاطر العابرة للحدود والتي تخشى الآن منها الدول الخليجية؛ مثل: المثلية والنسوية والإلحاد...إلخ ستجد بيئات داخلية مؤاتية لها وبسهولة، وكما يقولون: "الكثرة تغلب الشجاعة"، وكما يقولون: "الفقر بوابة الكفر"، ومن ثم على كل عاصمة خليجية أن تجيب من الآن عن التساؤل التالي: أي مجتمع جديد تريد صناعته بسياساتها المالية والاقتصادية والسكانية الجديدة؟ قد نتناول الإجابة عن التساؤل في مقال مُقبل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إبراهيم عيسى: قرارات وزارة التعليم تبدو كأنها صادرة عن حكومة الجولاني
أشار الإعلامي إبراهيم عيسى إلى أن جميع فئات المجتمع المصري تتحدث عن التعليم والقرارات الحكومية، وسخر قائلاً: "القرارات التي تصدر عن وزارة التعليم تبدو وكأنها تأتي من حكومة الجولاني في سوريا، وليس من حكومة الدكتور مدبولي".
وأضاف عيسى، خلال تقديمه برنامج "حديث القاهرة" على قناة القاهرة والناس، أن قرارات التعليم في مصر تثير حالة من الارتباك، بدءًا من الحديث عن عودة الكتاتيب واحتساب مادة الدين كجزء من المجموع الكلي، مشيرًا إلى أن هذه المواد لا تتماشى مع التكنولوجيا وغيرها من مواد العصر الحديث.
إبراهيم عيسى: موقف مصر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو الأعظم إبراهيم عيسى: مصر تعاملت بقدرة كبيرة مع بايدن.. "تحصلنا على الكثير"وعبر عن استغرابه من تلك القرارات قائلاً: "ما الذي تريده الحكومة وما الذي تفعله؟ وعندما نرى مسؤولي الثقافة والتعليم يزورون مؤسسة الأزهر أكثر من المؤسسات المدنية، نتساءل: هل تم تغيير الدستور؟".
ونوه إلى أن قرارات وزارة التعليم في مصر تؤثر سلبًا على العقل المصري، مشيرًا إلى محاولات فرض الدين في المجموع الكلي كما يحدث في دول مثل إيران وأفغانستان وسوريا وباكستان. وأعرب عن فخره بوعي الشعب المصري ودعوته لإقالة وزير التعليم بشكل فوري.
ولفت إلى أن الحكومة لا تعترف بأخطائها حتى وإن كانت بسيطة، قائلاً: "نحن أمام واقع يتطلب منا البحث عن الحقيقة ومواجهة أنفسنا بأن التعليم في الوقت الحالي يقود المجتمع المصري إلى الوراء".
وأضاف: "عندما أعمل على وعي المواطن وأعيده إلى الكتاتيب وأخبره أن الدين هو الأخلاق، فهذا أمر غريب ولا أفهم من أين جاءت هذه الأفكار التي يحاولون فرضها على عقول الناس، مما يعكس تقاربًا مع التيارات المتطرفة والدينية".
وزير التعليم: تصحيح التربية الدينية في البكالوريا إلكترونيًاكشف محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، عن أن عملية تصحيح امتحانات مادة التربية الدينية بحسب نظام البكالوريا المصرية ستتم إلكترونيًا.
جاء ذلك خلال لقاء وزير التربية والتعليم، اليوم الثلاثاء، الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، والوفد المرافق له؛ لاستعراض مقترح "نظام البكالوريا المصرية".
وأوضح وزير التربية والتعليم والتعليم الفني أن دخول مادة التربية الدينية في المجموع، يرتكز على ترسيخ القيم والثوابت الدينية والأخلاقية لدى الطلاب في ظل الانفتاح على العالم.
وزير التربية والتعليم يكشف معايير التربية الدينيةونوه وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بأن هذا الأمر سيتم وفق معايير محددة، من بينها تحديد كتاب للتربية الدينية الإسلامية وكتاب للتربية الدينية المسيحية بالتنسيق والتعاون بين الإدارة المركزية لتطوير المناهج والأزهر الشريف والكنيسة على أن تتناول الموضوعات المدخل الأخلاقي والقيم مع ضبط الوزن النسبي للكتابين.
ولفت وزير التربية والتعليم إلى أن الاهتمام بدخول مادة التربية الدينية فى المجموع ليس الهدف منه الامتحان والتقييم.
وأشار وزير التربية والتعليم إلى أن التربية والأخلاق تعد من العناصر الأساسية التي يجب أن تكتمل بها عملية التعليم، إذ لا يتوقف دور العلم فقط على نقل المعرفة والمهارات، بل يمتد ليشمل تشكيل الشخصية وبناء القيم الأخلاقية والسلوكيات الإيجابية، مثل الأمانة، والإيثار، واحترام الآخر، وغيرها من القيم التي تعمل على تهيئة الطلاب ليكونوا مواطنين فاعلين في المجتمع.
واستعرض وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الفلسفة وراء مقترح "نظام البكالوريا المصرية"، مشيرا إلى أن الوزارة أطلقت سلسلة جلسات حوار مجتمعي مع مختلف الأطراف ذات الصلة بالمنظومة التعليمية بهدف توضيح الصورة ومناقشة المقترحات والآراء حول مقترح النظام الجديد.
وأوضح وزير التربية والتعليم والتعليم الفني أن مقترح شهادة البكالوريا المصرية يتيح أكثر من فرصة للطالب للتحسين، مقارنة بنظام الثانوية العامة الحالي الذي يقرر مستقبل الطالب من خلال فرصة واحدة.
وأضاف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني أن المقترح المطروح يرفع العبء عن الطالب وكاهل الأسرة المصرية نتيجة للكم الهائل من المواد المقررة لطلاب المرحلة الثانوية مقارنة بالأنظمة التعليمية الأخرى.
وتابع وزير التربية والتعليم والتعليم الفني أن مقترح "نظام البكالوريا المصرية" يشتمل في المرحلة التأسيسية (الصف الثاني والثالث الثانوي) على أربع ثوابت رئيسية هي اللغة الأجنبية الأولى، واللغة العربية، والتاريخ المصري، والتربية الدينية.