ماذا تقول الغزيّات في القدس بعد 9 أشهر من الإبادة؟
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
القدس المحتلة- لقصاصات الورق تبوح الغزية أم مصطفى، وقد رفضت الإفصاح عن اسمها خشية الملاحقة الإسرائيلية، بحزنها وعجزها عن حماية ما تبقى من آمال عائلتها، وأحلامهم التي تجمدت مع اندلاع الحرب على غزة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
"يا كاشف الكرب قد ضاقت بنا الخيم
نار من القهر في الأحشاء تضطرم
لم يبقوا فينا شيئاً لم يُقاسِ ألم
لم يرحمونا وزادوا ليلنا عتم
جئناك ضرعى وكل ما بنا سقم
جئناك صرعى وكل ما بنا كلم
فاشدد لنا الأزر واجبر قلبنا الهشم
أنت الولي ونعم الرب والحكم"
في بيتها بالمدينة المقدسة -الذي انتقلت للعيش فيه مع زوجها المقدسي قبل سنوات- استقبلتنا السيدة الغزية أم مصطفى، ورحبت بنا بابتسامة تخفي خلفها سيلا من الدموع التي انهمرت بمجرد الحديث عن حنينها لغزة التي أسمتها "مدينة القلب".
وطُويت صفحة الشهر التاسع من الإبادة الجماعية التي تُمارس في القطاع المحاصر، وطُويت فصول حياة عشرات الآلاف بعد استشهادهم، ولا أحد في العالم استطاع حتى الآن أن يطوي صفحة هذه الحرب، هذا ما يعبر عنه صوت أم مصطفى المرتجف، وقلبها العاجز عن تحمل المزيد من الألم.
أم مصطفى تحتفظ بذكريات طفولتها في حي الرمال الذي هجرت منه عائلتها خلال الحرب (الجزيرة) شتات ورعبتعيش عائلة أم مصطفى في مدينة غزة ويتوزع أفرادها بين أحياء تل الهوى والصبرة والرمال، وكان آخر لقاء جمعها بهم عند زيارتها للقطاع خلال سبتمبر/أيلول المنصرم أي قبل أسابيع من اندلاع الحرب.
وحملت معها هواء غزة ورزمة جديدة من الذكريات وعادت بها إلى العاصمة المقدسة، لكن الفرح لم يدم طويلا مع انطلاق الحرب التي تشعر أم مصطفى منذ اندلاعها أن شيئا كبيرا ينقصها بسبب شح التواصل خاصة مع شقيقتها التي تعتبر أقرب إنسانة إلى قلبها.
عبّرت السيدة الغزية للجزيرة نت عن كثير من المشاعر التي تنتابها لكن تنهيدات الألم والصمت المتكرر الذي تخلل الكلمات كان أكثر مما تمكنت هذه الغزيّة من البوح به.
واستهلت بوحها بالقول "التواصل معهم هو الذي كان يخفف عني صعوبة الحياة وتفاصيلها في البعد عنهم، وكنت أُمنّي نفسي طيلة العام بأنني سألتقي بهم في عطلة الصيف.. أمل اللقاء بهم كان هو الحافز الذي يمكنني من مواصلة الحياة في الغُربة.. بلقائهم كان قلبي يرتوي والآن الأمل معدوم بلقائهم".
البحر جزء من ذكريات طفولة الغزية أم مصطفى وآخر عهد لها به كان قبيل الحرب بأسابيع (الأناضول) بحر غزةفي غزة كانت أم مصطفى تعود إلى طفولتها فتمارس مع أحبابها هواياتها بالسير على شاطئ البحر، والنوم على الشُرفة الخارجية للمنزل لتستيقظ على صوت أمواجه، والهروب من صخب مدينة غزة إلى البيّارة (بستان) للاسترخاء، لكن ذلك كلّه اندثر فالمنزل دُمر ولم يعد صالحا للعيش والبيارة سلبها الغرباء، والسيارة التي احتضنت ضحكاتهم احترقت.
"في بداية الحرب توقفت حياتي وتسمّرت أمام شاشة التلفاز لمتابعة الأخبار، ومرّت أيام متتالية دون أن أعرف مصير عائلتي هناك، وبعد شهرين قررت البوح بكل ما أشعر به للورق فكتبتُ وما زلت أكتب لأحافظ على اتّزاني النفسي، واعتزلت متابعة الأخبار ودخلت في حالة هروب كي لا أغرق في الوجع أكثر".
وعند سؤالها عما إذا كان لديها أمل أو رغبة في العودة إلى غزة في حال انتهت الحرب، قالت إنها حتما ستزورها فـ"لدي أمل للعودة إلى مدينة القلب والذكريات، وكما قال محمود درويش إن الحنين: استرجاع للفصل الأجمل في الحكاية".
وحتى تضع الحرب أوزارها فإن "في الانتظار.. يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة" وهو اقتباس لدرويش أيضا الذي تستأثر أم مصطفى بنصوصه عادة.
ومع كل الألم الذي تعيشه هذه المواطنة فإن الحرب جعلتها ممتنة لنعم كثيرة تحظى بها وكانت تعتبرها بديهية، كأن تحرص على عدم التفريط بأي حبّة أرز أثناء غسلها وتحضيرها للطبخ، أو أن تنام في الليل على سرير ووسادة لا بخيمة، أو أن يكمل أطفالها مسيرتهم التعليمية بسلاسة.
وتختتم حديثها بالقول إنها "مدينة لغزة بكل الحب، مدينة لها بضحكاتي المجلجلة، بغمازتيَّ حين تشرقان، وقلبي حين يثمل فرحاً مدينة لها ببئر الذكريات الذي أغترف منه فترتوي روحي".
أمام ما يجري من غزة تلجأ أم محمد للصمت وبداخلها وجع عقدين لم تر فيهما عائلتها بغزة بسبب إجراءات الاحتلال (الفرنسية) الألم عميقفي منزل أم محمد، الغزيّة المتزوجة من مقدسي، الحالة النفسية ليست أفضل على الإطلاق، والصمت كان أبلغ من الكلام في أحيان كثيرة، والدموع عبّرت عمّا لا يمكن أن تعبر عنه الأحرف الأبجدية.
منذ عقدين ونيف تعيش أم محمد، في القدس منسلخة بفعل الإجراءات الإسرائيلية عن عائلتها في غزة والتي يفصلها عنهم حاجز "إيريز" العسكري سيئ الصيت، وبالتالي فإن زياراتها لمهوى قلبها كانت متذبذبة دائما، ومنعدمة التحقق حاليا.
تعيش أُسرة أم محمد في حي الرمال، وتذكر أنها في اليوم الرابع للحرب شاهدت على التلفاز خبرا يدعو أهالي هذا الحي للنزوح منه فورا نحو الجنوب، فـ "اتصلتُ بهم مباشرة وطلبت منهم تحضير أوراقهم الرسمية والخروج، لكنهم قالوا لن نترك المنزل وهذه ليست الحرب الأولى وسنصمد، لكن الهجوم كان أقوى من أن يواجه بالصمود.. وخلال ساعتين اتصلوا بي وقالوا إنهم نزحوا إلى دير البلح".
وعن وصفها لحالها وهي تعيش بعيدة عنهم قسرا قالت "نجحت مؤخرا في الخلود إلى النوم ليلا، كنت أستيقظ طوال الليل مع اشتداد القصف خوفا من سماع خبر سيئ عن عائلتي.. اتصلت بي إحدى قريباتي يوما تسألني إذا كانت عائلتي ممن استشهدوا بعد سماعها خبر استهداف في دير البلح كُشف فيه عن أسماء أشخاص من عائلتنا.. الظروف قاسية وشعور العجز قاتل".
أكثر ما يخيف أم محمد هو الفقد، وأكثر ما يغضبها هو عجز العالم عن إيقاف المجازر "ومن وجهة نظري الكل متواطئ ولا أرى مستقبلا أفضل".
مراجعة ذاتية
يرفض أشقاء أم محمد فتح الكاميرا في محادثات الفيديو كي لا ترى شقيقتهم إلى أي حال وصلوا بعد 9 أشهر من الحرب التي كانت المجاعة وسوء التغذية أبرز سماتها، لكنهم قالوا لها مرارا إنهم باتوا يتمنون لو أن الرصاصات القادمة تستهدفهم لتنتهي حياتهم وينتهي الوجع معها.
ورغم كل الألم فإن أم محمد حاولت البحث عن جوانب إيجابية فقالت إنها نجحت على الصعيد الشخصي في إعادة ترتيب أولياتها وعلاقاتها الإنسانية، وأسقطت الكثير من الأشياء من قانون الأهمية لديها، وقد جعلتها الحرب تكتشف أن الكثير من الأمور التي كانت تبذل جهدا خرافيا لأجلها لا معنى لها أمام الحياة والموت.
أما في غزة فترى هذه السيدة أن معاناة الحرب وطدت العلاقات بين أبناء القطاع، وستجعل جزءا منهم يخرج بوعي أكبر في كيفية تنظيم حياته وترتيب أولوياته، لكنها ستجعل آخرين يتعاملون بلا مبالاة ولا يفكرون سوى بإسعاد أنفسهم وأطفالهم في كل لحظة قبل أن تأتي لحظة تضيع فيها الحياة منهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أم مصطفى أم محمد
إقرأ أيضاً:
مقرر أممي: إسرائيل خلفت دمارا في القطاع لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية
قال المقرر الأممي المعني بالحق في السكن بالاكريشنان راجاجوبال، إن إسرائيل بارتكابها إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، "خلفت دمارا في القطاع لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية".
وأشار راجاجوبال في تصريح صحفي، اليوم الخميس 30 يناير 2025، إلى أن الدمار في قطاع غزة "غير مسبوق من حيث نطاقه ووحشيته وتأثيره الهائل على الفلسطينيين الذين يعيشون هناك".
ولفت إلى تدمير الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 80% من المنازل في غزة بالكامل، و"هو ما لا يشبه ما حدث عندما جرى تدمير مدينة دريسدن الألمانية".
وأوضح أن فلسطينيي غزة يواجهون تحديات ضخمة، مثل إنقاذ الأشياء الثمينة بين الأنقاض، وإزالة الحطام وإعادة بناء حياتهم.
وأكد أن "الأولوية في غزة الآن هي تقديم المساعدات الإنسانية حتى يتمكن الناس من العيش عند عودتهم"، وشدد على الحاجة الملحة للوصول إلى المأوى في غزة.
وذكر أنه عقب إقامة الفلسطينيين بغزة خيامهم ومنازلهم بفضل المساعدات، يجب وضع خطط إعادة الإعمار موضع التنفيذ.
وشدد على ضرورة إزالة الركام في غزة أولا، في ظل خطورة وجود ذخائر غير منفجرة.
وقال المقرر الأممي إن "ما حدث في غزة هو إبادة جماعية حقيقية لأنه يخلق ظروفا تجعل الحياة مستحيلة وتجعل غزة غير صالحة للسكن".
وأضاف: "إذا جعلت منطقة أو مكانا غير صالح للسكن للأشخاص الذين يعيشون فيه، فهذا في الواقع عمل من أعمال الإبادة الجماعية".
وشدد على أن وجود اتفاق لوقف إطلاق النار "لا يعني أن الإبادة الجماعية قد توقفت".
وأردف: "الإبادة الجماعية تستمر طالما أن غزة غير صالحة للعيش لشعبها، وطالما أن هناك ظروفا قد تؤدي إلى القضاء على الشعب الفلسطيني بالكامل أو جزء منه".
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين صحة غزة تنشر أحدث إحصائية لأعداد شهداء العدوان الأونروا: مضطرون لنقل موظفينا من القدس بعد دخول قرار إغلاق مكاتبنا حيز التنفيذ كتائب القسام تنعى 5 من عناصرها بالضفة الأكثر قراءة قصة الإسراء والمعراج بالتفصيل pdf بدءا من الأحد المقبل - الإعلام الحكومي بغزة يُفصّل آلية عودة النازحين استشهاد مواطنيْن باستهداف مدفعي إسرائيلي غرب رفح "تعرّض لاعتداء جسدي".. استشهاد أسير فلسطيني في سجون الاحتلال عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025