أزمة التجنيد.. أوكرانيا تواجه خيارات مصيرية نتيجة نقص الجنود
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
في مسعى للصمود على جبهات بطول يناهز ألف كيلومتر، تواجه أوكرانيا تحديات حقيقية لتجاوز النقص المقلق في عدد الجنود. فمن جهة يتعين على قيادة الجيش توفير جنود جدد لتعويض القتلى والجرحى، ومن جهة ثانية يحتاج الجيش إلى العمل بقاعدة المناوبة لتمكين آلاف الجنود من أخذ إجازاتهم، بعد أن ظلوا في الجبهات فترات طويلة منذ الاجتياح الروسي في فبراير/شباط 2022.
وعلى الأرض، كثفت مراكز التجنيد من دورياتها في الشوارع ومحطات النقل والفضاءات العمومية لضبط الرجال المخوّلين باللحاق بالجبهات العسكرية، إذ يوقف الموظفون العاملون في المراكز المارّة للتثبّت من بياناتهم كما يدهمون التجمعات أينما كانت لهذا الغرض. وتسببت هذه الحملات في تحويل كثير من الشوارع والساحات إلى مدن أشباح خوفا من عمليات التعبئة، كما تنقل وسائل إعلام غربية.
وبينما تستعد روسيا على الأرجح لشن هجوم واسع في صيف 2024، تنقل صحيفة "لوموند" عن أحد الموظفين في مركز التجنيد "الناس لا يفهمون أننا سنخسر الحرب إذا لم نقم بالتعبئة الكافية، نحن نخوض معركة وجود لبلدنا". وتتردد هذه الشكاوى بصفة أكبر في الأقاليم الغربية للبلاد البعيدة عن خط المواجهة مع القوات الروسية.
ويشير حسين الوائلي الإعلامي والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأوروبية في بروكسل -للجزيرة نت- إلى أن "أوكرانيا اكتشفت الأزمة المرتبطة بالعدد داخل الجيش، في حين أن الحديث الطاغي داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي يرتبط بالإمدادات المالية والتقنية. لكن تغيير المناصب داخل مؤسسات الاتحاد سيدفع على الأرجح بمنطق ومفهوم عسكري آخر لإدارة الصراع مع روسيا إلى جانب المنطق المالي والاقتصادي".
ويتابع الوائلي في تعليقه "لقد ثبت الآن أن البعد التكنولوجي لم يكن حاسما في المعركة، والبعد العددي في الوقت الحالي من الصعب تجاوزه في ظل التغيرات الجيوسياسية في المنطقة".
الوائلي: ثبت أن البعد التكنولوجي لم يكن حاسما في المعركة والبعد العددي من الصعب تجاوزه (الأناضول) قانون تجنيد متأخرولتجاوز هذه المعضلة، دفعت السلطة بنصوص قانونية تسمح بتخفيف القيود على شروط التجنيد، فقد وقع الرئيس فولوديمير زيلينسكي قانونا لخفض السن الأدنى المطلوبة من 27 إلى 25 عاما مع مرونة أكبر في الشروط البدنية والصحية التي تخضع لاحقا لتقييم لجنة متخصصة.
وفي شهر مايو/أيار دعت السلطات الرجال الذين تراوح أعمارهم بين سن 18 و60 عاما إلى التحديث الدوري لبياناتهم على منصة رقمية حتى يتوفر للجيش هامشا مناسبا لاختيار المتطوعين في المراكز المطلوبة. ويقوم موظفو مراكز التعبئة بعمليات تمشيط ومراقبة يومية في الشوارع وفي كل مكان للتثبت من حاملي وثائق التسجيل على المنصة.
وربطت السلطات شرط التسجيل على المنصة بجميع الخدمات القنصلية التي تقدمها سفارات وقنصليات الدولة للمغتربين أو اللاجئين الأوكرانيين خارج البلاد، وهو إجراء منح دفعة إيجابية نسبيا للتعبئة العسكرية، وفق اللجنة البرلمانية المكلفة بالأمن الوطني والدفاع.
ويشير تاراس تشموت، أحد أبرز المحللين العسكريين في أوكرانيا والمحارب السابق في عمليات مكافحة الإرهاب، في حوار لصحيفة "أوكرايانسكا برافدا" المحلية، إلى حاجة أوكرانيا القصوى إلى الموارد البشرية التي باتت تمثل أولوية مطلقة لكييف إذا ما أرادت أن تأخذ الحرب وجهة أخرى.
وتابع المحلل في تعليقه "لقد قام الروس بإعادة تنظيم وارداتهم من المكونات المستخدمة لتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية والاستعداد للتعبئة المقبلة وتدريب 300 ألف عنصر في الصيف. نحن نحتاج إلى شيء ما لمواجهتهم".
ويعتقد تشموت أن التعبئة الأوكرانية كان يفترض أن تبدأ بمن سنهم 20 عاما، ولا يعني ذلك ضرورة وجود الجميع على جبهات القتال ولكن الالتزام بأدوار لوجستية محددة في قطاعات مختلفة داخل الجيش.
وتابع المحلل في تعليقه "خسرنا كثيرا من الوقت. وما تعاني منه أوكرانيا هو الافتقاد إلى ‘الفعالية’، وهو أمر يصعب من مهمة تحقيق النصر ضد ‘قوة شمولية’ في بلد يعد 150 مليون نسمة ويتمتع بموارد هائلة".
زيلينسكي وقع قانونا لخفض السن الأدنى المطلوبة للتجنيد من 27 إلى 25 عاما (رويترز) عوائق لوجستية وديمغرافيةوعلى الرغم من أهمية القانون الأوكراني فإن أغلب الخبراء العسكريين، ومن بينهم الجنرال فينسون ديبورت أستاذ الدراسات الإستراتيجية في كلية العلوم السياسية بباريس، يتحفظون على الصبغة المتأخرة للخطوة وحاجتها إلى فترة تقدر ببضعة أشهر لتؤتي ثمارها على مستوى التعبئة قبل بدء التدريب ومن ثم الدفع بالجنود في الجبهات وتنظيمهم في وحدات كبيرة.
وهناك خلافات واضحة بشأن حجم التوقعات للتعبئة، إذ كان الحديث في البداية عن تقديرات تراوح بين 300 ألف ونصف مليون مجند جديد، قبل التراجع عن ذلك. وأما برأي أوكسانا زابولوتنا، المحللة في المنظمة غير الحكومية الأوكرانية "مركز العمل المتحد"، فإن سقف التوقعات لا يمكن أن يتجاوز 50 ألف جندي فقط.
لكن التحدي الأبرز لإدارة زيلينسكي يتمثل في الهامش المتاح لتجنيد الأصغر، وذلك بسبب التركيبة الديمغرافية لأوكرانيا التي اتسمت بانخفاض نسبة المواليد في الفترة بين الحربين، وذلك ما خلف آثارا ظلت مستمرة وملموسة حتى لدى الأجيال اللاحقة.
ويرصد الخبراء أيضا الانخفاض الكبير في المواليد في أوكرانيا منذ عام 1991 وعلى مدى سنوات، بسبب تداعيات سقوط الاتحاد السوفياتي ومن بينها الأزمة الاقتصادية الحادة، وقد ألقى هذا بظلاله على تركيبة السكان في أوكرانيا.
ولتفسير ذلك إحصائيا، وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، يبلغ عدد الأشخاص الذين ترواح أعمارهم بين 18 و27 عاما نصف عدد الأشخاص الذين يبلغون من العمر 40 عاما في أوكرانيا، وهي حقيقة ديمغرافية تفسر سبب تجاوز متوسط عمر الجنود الأوكرانيين 40 عاما.
إجراءات السلطات الأوكرانية لم تحدّ من عمليات الهروب الجماعية من التجنيد (شترستوك) هروب جماعييفرض القانون الأوكراني عقوبات على من يرفضون نداءات التعبئة بغرامة مالية تقدر بنحو 200 يورو وأكثر من 4800 يورو في حال تكرار المخالفة، وهو مبلغ ضخم في بلد يبلغ فيه متوسط الأجر الشهري حوالي 600 يورو.
ولكن مع ذلك، فإن إجراءات السلطات لم تحد من عمليات الهروب الجماعية من التجنيد، وهي معضلة لفتت إليها تقارير بوسائل إعلام محلية تشير إلى عمليات استخدام واسعة النطاق من قبل مئات الآلاف لتطبيق "التليغرام" من أجل تعقب تحركات موظفي مراكز التجنيد ومن ثم تجنبهم في الشوارع.
ويختار كثيرون تجنب الخروج إلى الشوارع والساحات المعروفة بأنها تشهد عمليات مراقبة، بينما سجلت أوكرانيا بشكل عام حالات مغادرة مكثفة للبلاد لهذه الفئات عبر الحدود الغربية، معرضين حياتهم للخطر بتجاوز جدران الأسلاك على الحدود أو الأنهار والعوازل الطبيعية، وهذا على الرغم من صدور قرار يمنع الرجال المخولين للقتال بمغادرة البلاد.
وبحلول الذكرى الثانية للاجتياح الروسي في فبراير/شباط 2024 كان عدد المغادرين للبلاد قد تخطى عتبة 5.6 ملايين شخص موزعين في 11 دولة أوروبية بصفة لاجئين، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
وفي مسعى للحد من آثار التخلف عن نداءات التجنيد، دفع البرلمان بحل إضافي بأن سمح بفتح الباب أمام فئات محددة من المساجين للالتحاق بالجبهات مقابل التمتع بعفو قضائي، ويستثنى من هذا القانون المورطون في قضايا خطيرة مثل القتل أو العنف الجنسي أو الاعتداء على الأمن العام.
البرلمان الأوكراني سمح بفتح الباب أمام فئات محددة من المساجين للالتحاق بالجبهات مقابل التمتع بعفو قضائي (الفرنسية) سياسة دفاعية مستنزفةلا تصدر بيانات دقيقة من الجانب الأوكراني بشأن الوضع الميداني للجيش، لكن في فبراير/شباط 2024 كشفت شبكة "سي إن إن" (CNN) الأميركية -نقلا عن مستشار للرئيس الأوكراني- أن ما بين 200 ألف إلى 300 ألف فقط شاركوا في القتال على الجبهات، مشيرة إلى معضلة البيروقراطية التي يعاني منها الجيش بسبب كثرة الوحدات الإدارية العاملة به.
ومع أن روسيا تواجه مشاكل مماثلة بخصوص التجنيد إلا أنها تحتفظ بميزة امتلاكها لحجم سكاني أكبر بـ3 مرات من أوكرانيا. وتشير تقديرات الخبراء العسكريين إلى تجنيد موسكو 200 ألف جندي في بداية الاجتياح في فبراير/شباط 2022.
ووفق بيانات "المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، وهو مجموعة تفكير بريطانية متخصصة في شؤون الدفاع، فإن تعداد الجنود الروس تضاعف في بداية 2024 ليصل إلى 470 ألف جندي، بينما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فبراير/شباط من العام نفسه بأن إجمالي الجنود الروس الموجودين في الجبهات يصل إلى 600 ألف.
ويقول تشموت لصحيفة أوكرايانسكا برافدا "لم ينجح الروس في حسم المعركة بسرعة، ولا في إخضاعنا عسكريا، ولا في تدمير الدعم الغربي. لقد عبروا إلى إستراتيجية يفضلونها وهي الحرب على المدى الطويل، أي حرب استنزاف".
ويعتقد تشموت أن السياسات الدفاعية ستكون مكلفة لأوكرانيا التي ستحتاج للصمود على مدى سنوات، وهذا سيستنزف كثيرا من مواردها، فضلا عن الحاجة إلى المناوبة في صفوف الجيش. كذلك فإن هذه الإستراتيجية ستضع الدعم الغربي على المحك، لذلك يشدد المحلل على ضرورة أن تتخذ كييف قرارات "غير شعبية" وإلا فإن البلد سيواجه مشاكل أكثر خطورة في المستقبل.
الوائلي يستبعد أن يتراجع الاتحاد الاوروبي عن دعم أوكرانيا (غيتي) انقسام ومستقبل الدعم الأوروبيبوجه عام، أدت أزمة التجنيد إلى إثارة نقاش مجتمعي بشأن نظرة الأوكرانيين إلى الحرب ومآلاتها في نهاية المطاف، وكشفت دراسة استقصائية أجرتها منظمة "إينفو سابيان"، وهي منظمة أوكرانية للأبحاث الاجتماعية، في فبراير/شباط، أن 48% من الرجال قالوا إنهم "غير مستعدين للقتال"، مقارنة بـ34% قالوا إنهم "مستعدون" و18% قالوا إنه "من الصعب القول".
وبعد مرور حوالي عامين ونصف على الغزو الروسي، كشف استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، المؤسسة الفكرية المعنية بالأبحاث حول السياسة الخارجية والأمنية، عن أن 58% من الأوكرانيين يعتقدون أنهم قادرون على الفوز في الحرب وأن الثقة بقواتهم المسلحة ورئيس البلاد لا تزال عالية.
وتشير نتائج استطلاع الرأي إلى حالة انقسام شديد بين الأوكرانيين عندما يتعلق الأمر بتسويات محتملة لإنهاء الصراع، فعند السؤال: هل ينبغي لأوكرانيا أن تقبل عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) مقابل التنازل عن الأراضي المحتلة؟ أجاب 48% بـ"لا" و23% بـ"ربما لا".
وفي سؤال آخر يفضل 45% ممن استطلعت آراؤهم من المواطنين خيار "خسارة أوكرانيا لأجزاء من الأراضي المحتلة حاليا" مع بقائها "ذات سيادة، مع جيشها الخاص وحرية اختيار تحالفاتها الخاصة" كالاتحاد الأوروبي والناتو، بينما يفضل 26% "استعادة الأراضي المحتلة حاليا، ولكن مع تجريد البلاد من السلاح والحياد"، أي عدم الانضمام إلى أي تحالفات إقليمية.
وفي كل الحالات يستبعد الوائلي -في تعليقه للجزيرة نت- أن "يتراجع الاتحاد الاوروبي عن دعم أوكرانيا، إذ هناك ميزانية مفتوحة بقيمة 54 مليار يورو تم إقرارها في قمة سابقة لرؤساء الدول الأعضاء لدعم الإمكانات العسكرية لأوكرانيا، بالإضافة إلى تعهدات منفردة لعدد من الدول مثل بلجيكا والدانمارك لتقديم الدعم عبر التدريب وخاصة تزويدها بطائرات إف 16".
وتابع الوائلي "لا ننسى الناتو الذي يرتبط بالإستراتيجية العسكرية والذي أقرّ أيضا صندوقا لدعم أوكرانيا بـ100 مليار يورو ما يضمن الإمدادات المالية اللازمة لكييف".
وفي تقدير الخبير، فإن أصحاب المناصب العليا داخل مؤسسات الاتحاد، ومنها منصب رئاسة المجلس الأوروبي بعد الانتخابات البرلمانية، هم من سيحددون وجهة الصراع مع روسيا ومستقبل الدعم المالي لكييف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی فبرایر شباط فی أوکرانیا فی تعلیقه
إقرأ أيضاً:
ملفات ساخنة.. ما خيارات ترامب أمام اليمن وفلسطين
يمانيون/ تقارير يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية، التي بدأت في 20 يناير الحالي تحديات جسيمة على كافة المجالات.
ومع عودة ترامب في 2025 ووقوفه على رأس الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، يترقب الكثيرون ما ستؤول إليه الأحداث في المنطقة، وما الخيارات التي سيطرقها ترامب في هذه الملفات الحساسة، ومنها القضية الفلسطينية، والملف اليمني.
وفي هذا السياق يقول الخبير العسكري والسياسي العميد محمد الخالد إن تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة لن تقدم شيئاً جديداً على مستوى المنطقة والعالم، وأن السيناريوهات المتوقعة بعد تولي ترامب لرئاسة أمريكا هي سيناريوهات قديمة وحديثة على مستوى المنطقة والعالم.
ويؤكد العميد الخالد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن هناك ملفات ثابتة في السياسة الأمريكية وأهمها ملف المنطقة، والحرب الأوكرانية الروسية، وكذلك ملف اليمن الذي أصبح حاضراً بقوة على الساحة الدولية من خلال تحديه الواضح للهيمنة والغطرسة الأمريكية واستكبارها العالمي.
ويشير إلى أن ترامب في مشكلة حقيقية وليس أمامه إلا أن يدرس الحالة اليمنية، ويقرأ الوضع الذي وصلت اليه العسكرية الأمريكية والجيش الأمريكي، وهيبة الجيش الأمريكي والبحرية الأمريكية، مضيفاً أن عليه أن يستفيد من كل الدروس التي حصلت وكل الاستهدافات التي حصلت لحاملات الطائرات التي كان يفاخر بها، ويهدد بها العالم، وعلى رأسها الصين وروسيا.
ويوضح أن ترامب سيعمل على دعم “إسرائيل” بشكل كبير في المرحلة القادمة، كون، وسيتعامل مع مؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية، كمجلس الشيوخ، من لديهم حزمة من الدعم لـ”إسرائيل” لأنها تعرضت لانتكاسة، ولضربة قوية من المقاومة الفلسطينية في غزة، ومحور المقاومة، وسقطت هيبتا وخسرت أمريكا أموالها وقدراتها الرهيبة والكبيرة بدعمها العسكري والمادي الكبير للكيان الصهيوني.
سياسة الترهيب الأمريكي والعدوان على اليمن لن تزيد الموقف اليمني إلا صلابة وحضوراً فاعلاً في قضية الملاحة الدولية، وباب المندب بشكل أكبر من قبل، في المقابل ستزيد المنطقة تعقيداً، فلن يكون هناك عقلانية، أو حسابات في الموقف والرد اليمني، وكل المحاولات الأمريكية، أو القرارات التي تتخذ بشأن اليمن سواء مواصلة العدوان عليه، أو تصنيف وإلصاق الإرهاب به وبشعبه، لن يضيف شيئاً لأمريكا سوى الخسارة وفقدان هيبتها وحضورها في المنطقة بشكل كامل.
وبالتالي عليه الحذر في تعامله مع اليمن، وقيادته اليوم التي لن تدخر جهداً في الوقوف بكل قوة والتصدي لأمريكيا وأعوانها وأذيالها من دويلات الخليج، فسيادة وكرامة واستقلالية اليمن أرضاً وشعباً هي المعادلة التي فرضتها، وتقيس عليها القيادة اليمنية موقفها العسكري والسياسي بعيداً عن الحسابات الأخرى.
السيناريوهات التي من المتوقع أن يقوم بها ترامب بعد تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية كثيرة على افتراض أن شخص الرئيس في أمريكا هو من يحكم ويتحكم بمصير أمريكا، وليست الدولة العميقة، وهذا الافتراض يجافي الحقيقة، فمن يحكم أو يتحكم بالقرار في الولايات المتحدة الأمريكية ليس الرئيس وحده، وإنما الدولة العميقة ومؤسسات، بل الشركات الرأسمالية، شركات صناعة السلاح، والنفط والاقتصاد، حسب توضيح المحلل السياسي الدكتور مهيوب الحسام.
ويتابع الحسام في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إذا كان الرئيس مهووساً بالسلطة والمغامرات كما هو حال ترامب الذي يريد أن يغير في صلاحيات الرئيس من خلال تكوين لوبي يحكم، أو يتقاسم الأدوار من مؤسسات الدولة العميقة، فسيكون مصيره كمصير “كيندي”، وإن نجح فيما يسعى إليه، فسيكون “غورباتشوف” أمريكا يسرع من سقوطها”.
وفي جانب السيناريوهات المتوقع أن يقوم بها ترامب بعد تنصيبه من جديد رئيساً لأمريكا يؤكد الحسام أنها لن تختلف كثيراً عن السيناريوهات التي اتبعها ترامب في رئاسته السابقة إلا أن مشاكل أمريكا الداخلية هي أكثر والتحديات أكبر من تلك التي عاشتها في رئاسته السابقة، مضيفاً أن أميركا ليست في أحسن أحوالها خارجياً، بل تعيش أسوأ أحوالها، والتحديات والمخاطر المحدقة التي ستواجهها كثيرة، ولن تستطيع تجاوزها أو الخروج منها بالمحاطة على نفسها كإمبراطورية.
ويتوقع أن يتجه ترامب إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه أو تدارك إصلاحه على المستوى الداخلي منعاً للانهيار والتفكك، والتخفيف من عوامل السقوط الحتمية.
ويواصل الحسام حديثه بالقول: “ومن السيناريوهات المتوقعة كذلك السعي لمعالجة بعضاً من مشاكل الوضع الاقتصادي، محاولاً حلب أبقاره في المنطقة بشكل أكبر، وسيفتعل مشاكل مع دول كثيرة، والوصول معها إلى حافة الهاوية لابتزازها، وقد ينجح في بعضها ويفشل في أخرى، وهي الأكثر، وذلك لأن أمريكا قد فقدت هيبتها والكثير من قوتها”.
ويقول إنه على المستوى الخارجي فإن وضع أمريكا أسوأ من أن يستطيع ترامب وطاقمه أن يوقف تدهوره، ولأسباب واقعية أولها، أن ما ارتكبته أمريكا من جرائم بحق شعوب العالم وخصوصاً شعوب الأمة، وآخرها ما مارسته مع كيان الاحتلال الصهيوني من جرائم إبادة جماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وهو ما جعل من الولايات المتحدة دولة غير محترمة في العالم، وأسقطت عنها القناع الزائف لما يسمى بالديمقراطية، والحرية وحقوق الإنسان، وغيرها من القيم التي عرتها جرائم غزة، وهي كفيلة بإسقاط أمريكا وما هو أكبر منها سنناً كونية.
ويؤكد أنه لم يعد لأمريكا تلك الهالة التي عاشتها كقطب أوحد، ولا الهيبة التي كانت لدى أعداء أمريكا من دول عظمى وسواها ولا مقومات الإمبراطورية “بحرية” حيث أسقطتها اليمن شعباً وقيادة، وجيشاً في البحر الأحمر، والعربي وخليج عدن والمحيط الهندي، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، عبر استهداف البوارج والمدمرات إلى حاملات الطائرات الأمريكية في سببها الثاني.
ويضيف:”السبب الثالث والأخير فإن أمريكا بترامب أو غير ترامب مقدمة على مواجهة العالم بضعفها لا بقوتها، وقد تحاول أن تمضي في سياساتها السابقة من التهديد والوعيد، ولكن أمريكا اليوم لم تعد أمريكا الأمس، إضافة إلى أنها بلا قيم غدت، و بلا هيبة ولا قوة”.
ويشير إلى أن إدارة ترامب أو غير ترامب لو استطاعت المحافظة على أمريكا كقوة عظمى، فسيشكل ذلك إنجازاً كبيراً لترامب.
نقلا عن المسيرة نت