هنالك حكمة دقيقة المعنى تقول: إن لله سيوفا يقطع بها رقاب الظالمين، منها أخطاؤهم.
والحماقة التي ترتكبها إسرائيل على مدار تسعة شهور وإلى اليوم في غزة، قد تبدو لمن فقد البصيرة أنها فوز وانتصار، حيث استطاعت إسرائيل أن تحرق الأخضر واليابس، وأن تحول عمران غزة إلى دمار وخراب، وربما يتصور البعض أنها بقوة النار والتدمير واستعمال التجويع كسلاح غير أخلاقي بالإضافة لمنع الكهرباء وتدمير البنية التحية وهدم المدارس والمستشفيات؛ قد حطمت إرادة الشعب الفلسطيني وكسرت شوكة المقاومة كما يدعي نتنياهو وتروج بعض القنوات العربية والعبرية.
إنها في الحقيقة تساهم في توليد أنواع جديدة من المقاومة مبتكرة ومبهرة، تتعدى حدود المسافة صفر لتصنع معادلة جديدة هي: أن المسافة أقل من الصفر، ومن ثم فاللغة تعجز عن وصف الإبهار ولا تجد في مصطلحاتها ومفرداتها من ألفاظ ما يعبر عن الحالة.
ناتج المعادلة الجديدة خلق صحوة جديدة لدى شعوب الغرب خلصته من حالة العمى وتسطيح العقول وخداع الرأي العام التي سببتها وسائل الإعلام الغربي، ومعها مصانع الكذب والتشويه التي كانت قد احتلت وسيطرت على عقول أجيال في الغرب لأكثر من سبعين سنة.
المعادلة الجدية أيضا وضع الحمق الإسرائيلي وانحياز مراكز القرار في الغرب في مواجهة حالة من عودة الوعي الجمعي مصحوبة بالتحدي غير مسبوقة، حيث رأت شعوب الغرب بأم أعينها هذا الكيان على حقيقته الوحشية وكيف يقدم تحت نشوة القوة العمياء على تعجيل نهايته وتقريب وقت زواله
ناتج المعادلة الجدية أيضا وضع الحمق الإسرائيلي وانحياز مراكز القرار في الغرب في مواجهة حالة من عودة الوعي الجمعي مصحوبة بالتحدي غير مسبوقة، حيث رأت شعوب الغرب بأم أعينها هذا الكيان على حقيقته الوحشية وكيف يقدم تحت نشوة القوة العمياء على تعجيل نهايته وتقريب وقت زواله، ذلك لأن الأرض التي تشبعت بدماء الضحايا من نساء ورجال وأطفال ستنبت أشجارا تطرح مقاومة من نوع جديد.
فبعض أطفال غزة الذين نجوا من الموت بعد أن عاشوه في تلك الحرب ورأوا بأعينهم آباءهم وأمهاتهم وعائلاتهم وهم يسقطون شهداء بسلاح الاحتلال؛ لا يمكن أن تغيب عن ذاكرتهم كل معاني وصور القسوة والغضب والرغبة في الانتقام متى تمكن أحدهم من ذلك.
وإذا أرادت إسرائيل أن تتخلص من المقاومة فعليها قبل أي شيء أن تخلص كل أرض غزة وسمائها وترابها وهوائها من دماء الشهداء، وعليها أن تمحو من ذاكرة التاريخ كل الأحداث والظروف التي تسيطر على كل مولود في غزة، من عاش منهم الأحداث والحرب، ومن جاء بعده. فتلك المجازر التي عاشها أهله وماتوا فيها هي ما قد سطرت في مخيلته، ومن ثم فهي لا تكون رؤيته وتملأ وجدانه فقط، وإنما تشكل دوافع سلوكه في الحاضر والمستقبل.
وما عاشه في ظل الاحتلال سيجعل منه إعصارا ونارا، ومن ثم ستنشئ حماقة المحتل مقاومة من نوع جديد لن يجدي معها القمع أو الإغواء، لأن عناصرها قد عاشوا الموت من قبل أن يلقوه في تجربة أهله وعائلته، وتجربتهم كرست ورسخت في أذهانهم أن الموت والحياة سيان، يستويان حينا ويفترقان أحيانا، وفي حالتهم هم يكون الموت هو الخيار الأفضل.
هذا النوع من المقاومة يملك جسارة واقتدارا تعجز كل أدوات التقنية الحديثة التي يمتلكها الجندي الإسرائيلي أن تتعامل معهما؛ لأن الحياة الدنيا بالنسبة للمقاوم ليست غاية ومطلبا في نظره، وإنما ما بعد الحياة الدنيا هو المطلوب المرغوب، وذلك بعكس نظيره الإسرائيلي الذي يحرص على مجرد حياة من أي نوع مهما كانت.
وبحسابات المآل والمصير، فالأول يقينه أنه بالشهادة يدخل الجنة فهو يعرف أنه يحرر أرضه وأنه إذا مات فهو شهيد، وهنالك أهله الذين قتلهم الاحتلال وقد سبقوه وذهبوا قبله فهم في انتظاره، ومن ثم فهو يشتاق إليهم وهم يشتاقون إليه وينتظرون زفافه إلى الجنة.. هكذا لخصت أم فلسطينية جلست بين شهيدين من أبنائها قتلتهم إسرائيل ونقلت -حكايتها وحالتها صوتا وصورة - وسائل التواصل الاجتماعي.
ما يحدث في غزة كشف القناع عن الوجه القبيح لحضارة تقدمت فيها الآلة بينما تخلف الإنسان، ما يحدث فضح عورات الغرب وأزال عنه مكياج الديمقراطية وأصباغ حقوق الإنسان التي صدع بها رؤوسنا على مدار عقود من الزمن، ما يحدث تحت سمع وبصر العالم كشف لنا أيضا كم هي واسعة وشاسعة مساحة التوحش المظلمة والشر في النفس الخبيثة؛ حتى ولو زينت صورتها ببدلة أنيقة وربطة عنق آخر موديل.
ما يحدث في غزة كشف القناع عن الوجه القبيح لحضارة تقدمت فيها الآلة بينما تخلف الإنسان، ما يحدث فضح عورات الغرب وأزال عنه مكياج الديمقراطية وأصباغ حقوق الإنسان التي صدع بها رؤوسنا على مدار عقود من الزمن، ما يحدث تحت سمع وبصر العالم كشف لنا أيضا كم هي واسعة وشاسعة مساحة التوحش المظلمة والشر في النفس الخبيثة
الوحش المستأنس كشّر عن أنيابه وأظهر مخالبه، وشرب من دماء الأطفال وانتشى حتى الثمالة.. الغرب كمركز للحضارة وكمراكز للقرار نزع عن ذاته رداء الإنسانية فظهرت العنصرية متورمة الى حد مخيف، حيث اعترض على وقف نزيف الدم في مجلس الأمن، وأصر على استمرار العدو المحتل في قتل المدنيين العزل والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
ما يسمى بالدول العظمى سقطت قيمها ولم يبق فيها غير غلالة شفافة تعكس ما بداخلها من كراهية وتعصب؛ تحجب الحقيقية وتغطي وجه الحياة برائحة الدم التي تعكس رغبة الوحش وتغريه بمزيد من رائحة الشواء لأجساد الضحايا من نساء وأطفال، ليمارس هوايته في مزيد من القتل والتدمير وتحويل المساكن والبيوت الى خراب ودمار.
احتراف القتل لدى تجار الموت وأعداء الحياة تحول إلى متعة وإدمان لمن ماتت ضمائرهم وسقطت إنسانيتهم، فظهروا وكأنهم في حانة يتبادل الخلان فيها رائحة الموت، ويسكرون على أنغام القذائف والانفجارات التي تقتل مئات البشر وتهدم عشرات البيوت على ساكنيها.
تعيسة هي تلك الدنيا التي تكتم صوت الضمير، وتحول البشر الى جوقة لا تعرف إلا التحيز الأعمى، وتصر على تسويق نغم فاجر يكرس قوة الأقوى ويعمل على تحطيم الأضعف، ويحول الحياة إلى غابة يخضع فيها الجميع لوحش واحد، ولا يسمع فيها إلا صوت واحد، ولا يردد إلا عبارات اللوم للضحايا الأبرياء.
منظومة الكذب في الإعلام لم تحترم نفسها، ولم تلزمها بأبسط قواعد المهنة، حيث مارست دورها في الخداع وتضليل الرأي العام بشكل فج، ولأكثر من أسبوعين في بداية الحرب، ولم تراع قواعد المهنة ولم تعبأ بحماية المصداقية، فمارست الفجور بشكل مخجل، وكانت تحرص بشدة على قلب الحقائق بفبركة الصور والاستعانة بالذكاء الاصطناعي إلى حد الفضيحة، حتى جاءت الحقائق فأجبرت عواجيز الحرب على الاعتذار، بعد أن انتشرت الفضيحة في كل أقطار الأرض وسخرت الدنيا لا من سذاجة الفعل، وإنما من حماقته وقذارته، حيث كانت المتاجرة بالأطفال هي موضوع الكذبة الكبرى لزعماء حضارة العار.
الغريب أن أعضاء فريق الجوقة الضالة لم تبد على وجوههم حمرة الخجل، وظهرت مكانها صفرة الخزي على وجوه كالحة لا تعرف للشرف معنى ولا للصدق مكانة.
قوانين الوجود لا تقوم على تلك القواعد الفاسدة، واستقامة الحياة لا يمكن أن تستمر في غياب العدالة وسيادة البغي والطغيان، وسقوط الحضارات أو ديمومتها مرهون برعاية العدالة واحترام الإنسانية وحماية الضعيف من بطش الأقوياء.
حالة الفوضى السائدة في عالم اليوم تنبئ بزلزال يغسل الأرض من أدران حضارة الفتك والتآمر، ويعيد ميزان الحياة إلى الاستقامة والاعتدال.
قوانين الوجود لا تقوم على تلك القواعد الفاسدة، واستقامة الحياة لا يمكن أن تستمر في غياب العدالة وسيادة البغي والطغيان، وسقوط الحضارات أو ديمومتها مرهون برعاية العدالة واحترام الإنسانية وحماية الضعيف من بطش الأقوياء
أعرف أن تجار الموت وسراق الأحلام وسماسرة القتل الممنهج لا يعبأون بمفاجآت الأقدار ولا يحسبون لها حسابا، ولكنها قوانين حاكمة ومنضبطة وثابتة بشهادة التاريخ والواقع، وفي لحظة ما سيصك كل أذن صماء ويذل كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
ما أشير إليه وأؤمن به يقين تحقق في الماضي، وسيتحقق في الحاضر والمستقبل القريب، لأنه من قوانين الوجود الحاكمة والضابطة لكل حضارة في كل زمان وفي كل مكان، والويل كل الويل لكل مغرور بترسانة سلاحه يظن أنه قد ملك الدنيا وبيده مقاليد الأمور، فمن لا يعرف ما حدث في الدنيا قبل مجيئه سيعيش حياته طفلا مهما امتد به العمر.
القوة الموهومة طارئة وليست أصيلة أو ثابتة، فليتذكر ذلك من تملكهم القوة ولا يملكونها، وذاكرة التاريخ تمنحنا من أخبارها عن الحضارات والأمم ما يعين على استقامة الحياة وتصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان.
قوانين الوجود لا تقوم على تلك القواعد الفاسدة، واستقامة الحياة لا يمكن أن تستمر في غياب العدالة وسيادة البغي والطغيان، وسقوط الحضارات أو ديمومتها مرهون برعاية العدالة واحترام الإنسانية وحماية الضعيف من بطش الأقوياء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة التوحش الإنسانية إسرائيل غزة الحضارة الإنسانية التوحش مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا یمکن أن ما یحدث ومن ثم فی غزة
إقرأ أيضاً:
البابا وإسرائيل وأكذوبة الحضارة اليهودية ـ المسيحية
لا تتوقف الدعاية الصهيونية يتقدمها رئيس مجرمي الكيان، بنيامين نتنياهو عن وصف حرب الإبادة التي يقودها في غزة على أنها "انتصار للحضارة اليهودية ـ المسيحية ضد الهمجية"، وينخرط معها في الغرب في الترويج لهذه الأكذوبة أوساط ـ وإن لا تخفي معاداتها للإسلام والمسلمين ـ فإنها تدّعي أنها علمانية، ولا دينية وملحدة حتى، لا تؤمن مثل "الصهاينة الذين لا يؤمنون بالله، لكن يؤمنون بأنه وعدهم بالأرض الموعودة في فلسطين!".
لكن المفارقة أن هذه الدعاية الصهيونية سقطت مرة أخرى أمام موقف إسرائيل من وفاة البابا فرنسيس، حيث أوعزت لسفرائها بدول العالم بعدم التوقيع على دفاتر التعازي برحيل البابا في سفارات الفاتيكان، بسبب مواقفه الرافضة لحرب الإبادة والتجويع التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بقطاع غزة، وفق ما كشفته صحيفة “هآرتس” العبرية.
وذكرت "هآرتس" أن "وزارة الخارجية الإسرائيلية حذفت منشورات تعزية بالبابا الراحل من حسابها الرسمي، ووجّهت بعثاتها حول العالم للقيام بالمثل، إلى جانب أمر داخلي يمنع السفراء من التوقيع على دفاتر التعازي في سفارات الفاتيكان".
من مفارقات الموقف الصهيوني، أن رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، كان سارع بعد إعلان وفاة البابا فرنسيس إلى نشر تعزية عبر حسابه على "اكس" قال فيها " إن البابا كان رجلا يتحلى بإيمان عميق وسلام ورحمة وعمل على تعزيز العلاقات مع العالم اليهودي". وأضاف “آمل صادقا أن تُستجاب دعواته من أجل السلام في الشرق الأوسط".وأضافت الصحيفة: "زعمت الوزارة لاحقا أن الرسالة الأصلية نُشرت بالخطأ".
وفي إطلالته الأخيرة بمناسبة "عيد الفصح" المسيحي، قال البابا فرنسيس إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "تولد الموت والدمار"، وتسبب وضعا إنسانيا "مروعا ومشينا".
وقبل رحيله بيوم، دعا البابا فرنسيس في خطاب قرأه أحد معاونيه، أمام حشد من على شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان إلى “وقف إطلاق النار بقطاع غزة، والإفراج عن الأسرى، وتقديم المساعدة للشعب الذي يتضوّر جوعا ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام”.
مفارقات الموقف الصهيوني
ومن مفارقات الموقف الصهيوني، أن رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ، كان سارع بعد إعلان وفاة البابا فرنسيس إلى نشر تعزية عبر حسابه على "اكس" قال فيها " إن البابا كان رجلا يتحلى بإيمان عميق وسلام ورحمة وعمل على تعزيز العلاقات مع العالم اليهودي". وأضاف “آمل صادقا أن تُستجاب دعواته من أجل السلام في الشرق الأوسط".
والحقيقة أن البابا فرنسيس دعا مرارا للسلام، لكن إسرائيل هي من تواصل حرب الإبادة والتجويع، التي انتقدها البابا في أكثر من مناسبة، ووصف الوضع في غزة بالمخزي للغاية.
وفي مقابل الموقف الإسرائيلي أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رسالة تعزيته أن البابا فرنسيس كان "صديقا مخلصا للشعب الفلسطيني.. ومدافعا قويا عن قيم السلام والمحبة والإيمان في العالم أجمع… اعترف بدولة فلسطين ورفع العلم الفلسطيني في حاضرة الفاتيكان".
من جهتها قدمت حركة حماس تعازيها إلى الكنيسة الكاثوليكية في العالم وعموم المسيحيين في وفاة البابا فرنسيس.
وقالت الحركة في بيان، إنها تتقدم بأحر "التعازي وأصدق مشاعر المواساة إلى الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وإلى عموم المسيحيين، في وفاة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة في خدمة القيم الإنسانية والدينية".
وأشادت الحركة بمناقب البابا فرنسيس ومواقفه في “تعزيز قيم الحوار بين الأديان، والدعوة إلى التفاهم والسلام بين الشعوب، ونبذ الكراهية والعنصرية".
وذكرت أن "البابا فرنسيس عبّر في أكثر من مناسبة عن رفضه للعدوان والحروب في العالم، وكان من الأصوات الدينية البارزة التي نددت بجرائم الحرب والإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.
كما أشارت الحركة إلى مواقفه "الأخلاقية والإنسانية"، وأكدت على أهمية "مواصلة الجهود المشتركة بين أصحاب الرسالات السماوية والضمائر الحيّة في مواجهة الظلم والاستعمار، ونصرة قضايا العدالة والحرية وحقوق الشعوب المظلومة".
من ناحيته، أعرب مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني عن حزنه لوفاة بابا الفاتيكان، الذي "ساهم دائما في دعم اللاجئين الفلسطينيين و"الأونروا".. وفي لفت الانتباه إلى أن الحرب في غزة تجريد كبير للإنسانية".
وبقدر ما لا يثير الموقف الإسرائيلي من البابا فرانسيس بقدر ما يعري ويفضح أكذوبة "الحضارة المسيحية ـ الصهيونية"، فقد أعرب كبار مسؤولي الفاتيكان عن "ألمهم وخيبة أملهم" تجاه موقف إسرائيل بتمثيلها في جنازة البابا إلا بسفيرها في الفاتيكان، واعتبر مسؤولو الفاتيكان أن "التمثيل الإسرائيلي المحدود يُعدّ إهانة للمجتمع المسيحي العالمي".
تشريح خديعة
وفي مقابل أكذوبة نتنياهو ومن لف لفه عن "حلف الحضارة المسيحية ـ الصهيونية"، ارتفعت أصوات ولو قليلة من مثقفين، بينهم باحثون ومؤرخون يهود، ضد هذه الأكذوبة، ضمنهم المؤرخة اليهودية الفرنسية (التونسية الأصل) صوفي بسيس، التي نشرت كتابا بعنوان "الحضارة المسيحية ـ الصهيونية.. تشريح خديعة". وفيه تأكيد على أن الوقائع والشواهد التاريخية توثق العداء وحتى المذابح التي ارتكبها المسيحيون وخاصة الكاثوليك في حق اليهود، مثلما حدث في الأندلس، وقد وجد اليهود الفارين من بطش المسيحيين ملجأ لدى المسلمين في شمال إفريقيا وعند العثمانيين. ويعترف اليهود أنهم عاش أفضل فتراتهم خلال حكم المسلمين في الأندلس.
والعداء التاريخي موثق فالمسيحيون يعتبرون اليهود قتلة المسيح، رغم أن الفاتيكان وتحت ضغط الأوساط الصهيونية، أصدر في ستينات القرن الماضي تبرئة لليهود من دم المسيح، ثم قدم اعتذارا عن دور الكنيسة الكاثوليكية في مذابح النازية في حق اليهود في الهولوكست.
والمفارقة هنا بالحديث عن النازية أن نتنياهو، وفي أكذوبة تاريخية أخرى، ادعى في 2015، أن مفتي القدس والزعيم الفلسطيني في الأربعينيات، الحاج أمين الحسيني، هو الذي أقنع زعيم النازيين هيتلر بتنفيذ محرقة اليهود في أوروبا. وقال نتنياهو للمؤتمر الصهيوني العالمي في القدس المحتلة، حينها، "إن هتلر إنما كان يريد في 1941 طرد اليهود من أوروبا فقط، ولكن مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني قال له إن اليهود ينبغي أن يزالوا من الوجود وإلا فإنهم سينتقلون إلى فلسطين". ومضى نتنياهو في كذبته ليقول إن هتلر سأل مفتي القدس: "ماذا عساي أن أفعل؟" فأجابه الأخير: "أحرقوهم"!
العداء التاريخي موثق فالمسيحيون يعتبرون اليهود قتلة المسيح، رغم أن الفاتيكان وتحت ضغط الأوساط الصهيونية، أصدر في ستينات القرن الماضي تبرئة لليهود من دم المسيح، ثم قدم اعتذارا عن دور الكنيسة الكاثوليكية في مذابح النازية في حق اليهود في الهولوكست.وقد أثار كلام نتنياهو حينها إدانات حتى من غلاة الصهيونية، الذين اعتبروه تزويرا للتاريخ، ومحاولة لتبرئة هتلر، وتحميل مسؤولية جريمة المحرقة النازية في حق اليهود للفلسطينيين!
وتسقط "خديعة الحضارة اليهودية ـ المسيحية" أمام حقيقة أن اليهود لا يعترفون فقط بالمسيح، بل يقولون كلاما مسيئا في حقه وحق مريم البتول، ويعتبرون "البصق على المسيحيين تقليدا قديما محمودا يجب ممارسته"، كما برر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، هذه الممارسة التي يقوم بها اليهود المتطرفون في القدس المحتلة بشكل خاص ضد المسيحيين، إلى جانب التضييقات والاستفزازات التي يتعرض لها هؤلاء مثل المسلمين ومقدساتهم خاصة في المسجد الأقصى.. المسلمون الذين في المقابل يعتبرون المسيح نبياً ويعلون شأنه هو وأمه مريم التي نزلت سورة كاملة باسمها في القرآن الكريم.
المسيحيون الصهاينة
من جهة أخرى فإن المسيحيين الإنجيليين، الذين يوصفون بالمسيحيين الصهاينة، وأكثرهم في أمريكا، حيث يبلغ عددهم نحو 80 مليونا، لا يرون في اليهود إلا "مطية" فقط، إذ أنهم يدعمون إسرائيل ليس حباً في اليهود، الذين يكرهونهم في الحقيقة، إنما بمعتقدات غريبة وتفسيرات عجيبة للإنجيل يعتقدون فيها بأن تجمع اليهود في الأرض المقدسة في فلسطين عبر إنشاء دولة الكيان الصهيوني، هو علامة من علامات عودة المسيح المخلص وحرب نهاية العالم، وأنه عندما يعود المسيح فإنه سيخير اليهود بين التحول إلى المسيحية أو الذهاب إلى الجحيم، حيث سيتحولون "إلى كباب"، كما قال حرفيا، المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه!
إن المسيحيين الإنجيليين، الذين يوصفون بالمسيحيين الصهاينة، وأكثرهم في أمريكا، حيث يبلغ عددهم نحو 80 مليونا، لا يرون في اليهود إلا "مطية" فقط، إذ أنهم يدعمون إسرائيل ليس حباً في اليهود، الذين يكرهونهم في الحقيقة، إنما بمعتقدات غريبة وتفسيرات عجيبة للإنجيل يعتقدون فيها بأن تجمع اليهود في الأرض المقدسة في فلسطين عبر إنشاء دولة الكيان الصهيوني، هو علامة من علامات عودة المسيح المخلص وحرب نهاية العالم..المفارقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك تحدث في مقابلة مع القناة الفرنسية LCI عن عودة المسيح المخلص هو الآخر، حيث صرح أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يوجد تحت تأثير وزرائه المسيحانيين (اليهود) العنصريين لحماية مكانته في السلطة، ولأنه لا يريد فقدان السيطرة على البلد. وقد تحول إلى أشبه بعبد لدى هؤلاء الوزراء الاستعباديين، الذين يفرضون خياراتهم عليه، مع أن الخيار الأفضل لإسرائيل هو العمل إلى جانب الحلفاء الأمريكيين. ولكن على العكس من ذلك فهؤلاء الوزراء يريدون مزيدا من التصعيد نحو حرب أوسع لتسريع مجيء المسيح المخلص".
المسيح المنتظر ولعنة زوال إسرائيل
وتجدر الإشارة إلى أن المشيح أو المِسّيّا بالعبرية، ومعناها المسيح، في الإيمان اليهودي هو إنسان مثالي من نسل الملك داود، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي.
والمفارقة هنا أيضا أن باراك الصهيوني العلماني المزعوم مثل نتنياهو وكثير من الصهاينة (الذين لا يؤمنون بالله، ولكن يؤمنون بأنه وعدهم بالأرض المقدسة!)، يتحدث أيضا بالمرجعيات الدينية اليهودية. ففي أيار/ مايو 2022، أبدى إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـ"التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين".
وفي مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قال باراك: "على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن".
وأكد باراك أن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.
وذكر أن "العقد الثامن لإسرائيل أنذر بحالتين: بداية تفكك السيادة ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل، وبوصفنا كيانا وصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن يتملكنا العصف، في تجاهل فظ لتحذيرات التلمود".