تسلسل زمني لصعود تيار اليمين المتطرف في فرنسا
تاريخ النشر: 7th, July 2024 GMT
من المتوقع أن يظهر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف كقوة سياسية مهيمنة في فرنسا في الجولة الثانية الحاسمة من الانتخابات البرلمانية اليوم الأحد بعد عقود من الإقصاء السياسي، وذلك على الرغم من أنه من المحتمل ألا يحصل على أغلبية مريحة.
وفي ما يلي أبرز المحطات في تاريخ التيار الذي هيمنت عليه عائلة لوبان طوال أكثر من نصف قرن:
عام 1972أسس الجندي السابق جان ماري لوبان الجبهة الوطنية، وهو حزب يميني متطرف يتألف من قدامى المحاربين الذين خاضوا حرب الجزائر والمتعاونين الفرنسيين من نظام فيشي.
خاض لوبان الانتخابات الرئاسية لكنه حصل على أقل من 1% من الأصوات.
عام 1981لم يستطع لوبان جمع العدد الكافي لتأييد ترشحه للانتخابات الرئاسية التي فاز بها اليساري فرانسوا ميتران. وفي السنوات التالية، جذب لوبان تدريجيا مؤيدين جددا.
عام 1986فاز الحزب بأول مقاعده في البرلمان المعروف باسم الجمعية الوطنية.
عام 1987واجه لوبان مشكلات قانونية جراء إدلائه بتعليقات اعتبرت مهينة، في إطار ميله لتوجيه إهانات عنصرية، لكنه حظي مع ذلك بدعم قطاع كبير من الناخبين.
عام 1988حصل لوبان على 14% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وفي العام التالي فاز حزب الجبهة الوطنية بأكثر من 10% من الأصوات في الانتخابات الأوروبية.
كما بدأ الحزب في التركيز على الإسلام والمهاجرين المسلمين باعتبارهم أحد اهتماماته السياسية الرئيسية.
عام 1995فاز حزب الجبهة الوطنية بـ3 مجالس بلدية في الجنوب، تولون وأورانج ومارينيان، مما أشار حينها إلى تنامي شعبيته.
عام 2002ترشح لوبان للرئاسة وحصل على 16.86% من الأصوات، وهو ما كان كفيلا بتأهيله لخوض جولة إعادة أمام جاك شيراك.
أحدث هذا الأداء القوي صدمة في جميع أنحاء فرنسا، وشاع القلق من احتمال تحقيق مثل هذا الحزب اليميني المتطرف لنتائج جيدة.
وتضامن سياسيون من اليمين واليسار معا لمنع لوبان من الفوز في الجولة الثانية. ففاز شيراك بأكثر من 80% من الأصوات في جولة الإعادة.
عام 2008قضت محكمة بسجن لوبان 3 أشهر مع إيقاف التنفيذ وتغريمه 10 آلاف يورو لقوله إن الاحتلال النازي لفرنسا "لم يتسم باللاإنسانية إلى درجة كبيرة".
عام 2011أصبحت مارين لوبان، ابنة لوبان، الزعيمة الجديدة للجبهة الوطنية بعد فترة اتسم فيها أداء الحزب بالضعف في استطلاعات الرأي وواجه فيها ضغوطا مالية متزايدة.
عام 2012خاضت مارين لوبان أول انتخابات رئاسية، وانتهت حينها مساعيها بالفشل.
عام 2014حقق حزب الجبهة الوطنية نتائج مميزة في الانتخابات ليصبح له السيطرة على 11 مجلسا بلديا كما حصل على المركز الأول في انتخابات البرلمان الأوروبي.
عام 2015تم تعليق عضوية جان ماري لوبان في الحزب بعد وصف المحرقة بأنها مجرد "تفصيل" من الحرب العالمية الثانية. وفي العام نفسه فصلته ابنته من الحزب.
عام 2017ترشحت مارين لوبان للرئاسة مرة أخرى، لكنها خسرت أمام إيمانويل ماكرون.
وبعد ذلك، كثفت جهودها لجعل الحزب أكثر قبولا لدى جمهور أوسع من الناخبين، سعيا إلى النأي به عن ماضيه العنصري والمعادي للسامية، وفي الوقت نفسه منح نوابه البرلمانيين مظهرا أكثر احترافية عبر تدريب إعلامي وحضور واضح على وسائل التواصل الاجتماعي.
عام 2018غيرت مارين لوبان اسم الحزب إلى التجمع الوطني.
عام 2022اختير جوردان بارديلا، البالغ من العمر 28 عاما، وهو أحد تلاميذ مارين لوبان، ليكون الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني.
عام 2024قاد بارديلا الحزب في انتخابات البرلمان الأوروبي وهزم حزب الرئيس ماكرون، ودفع الرئيس إلى الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وبارديلا مرشح حزب التجمع الوطني لرئاسة الوزراء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجبهة الوطنیة التجمع الوطنی مارین لوبان من الأصوات
إقرأ أيضاً:
تيار التغيير الجذري في السودان-الإشكالية الأيديولوجية والعزلة السياسية
الثورة والبحث عن البديل الجذري
بعد الإطاحة بنظام البشير عام 2019، برز تيار التغيير الجذري كواحد من أهم القوى السياسية التي سعت إلى تفكيك نظام الحكم القديم وإعادة بناء الدولة وفق رؤية ثورية ترفض التعايش مع العسكر أو القوى التقليدية. لكن رغم مشاركته الفاعلة في الثورة، يواجه هذا التيار – المرتبط عضوياً بالحزب الشيوعي السوداني وحلفائه – أزمات بنيوية تعكس تناقضات اليسار الراديكالي في سياق مجتمعي معقد.
الأسس الأيديولوجية لتيار التغيير الجذري: الماركسية والواقع السوداني
يعتمد التيار على خطابٍ ماركسي لينيني يُركز على:
• تفكيك الدولة الطبقية: بإسقاط الهياكل العسكرية والأمنية المهيمنة منذ الاستعمار.
• محاربة الرأسمالية الطفيلية: عبر تصفية نفوذ كبار الموالين للنظام السابق الذين يتحكمون في الاقتصاد.
• إعادة توزيع السلطة: عبر دعم المجالس الشعبية ولجان المقاومة كبديلٍ عن المركزية البيروقراطية.
لكن هذه الشعارات تصطدم بواقعين:
1. الانفصال عن اللغة الشعبية: فالمصطلحات الماركسية (مثل "الصراع الطبقي"، "الهيكلة المادية") تبقى غريبة على مجتمعٍ تغلب عليه الثقافة الدينية والتركيبة القبلية. مثلاً، الحزب الشيوعي السوداني تاريخيًا واجه صعوبات في كسب التأييد الشعبي الواسع بسبب هذه الفجوة اللغوية والثقافية.
2. التبسيط المفرط للأزمات: إذ يُختزل انهيار السودان في "الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية"، بينما تتشابك الأزمة مع عوامل إثنية وإقليمية ودولية. مثال على ذلك، الصراعات في دارفور وجنوب السودان لم تكن فقط بسبب التفاوت الطبقي، بل تعقدت بسبب النزاعات العرقية والتدخلات الخارجية.
الإشكالية السياسية: بين التشدد الثوري وعزلة التسويات
• رفض التفاوض مع العسكر: يرفض التيار أي حوار مع قادة الجيش أو قوات الدعم السريع، معتبراً أن التسويات السياسية "خيانة للثورة". هذا الموقف عزّز من شعبيته لدى الشباب الثوري، لكنه حوّله إلى طرفٍ خارج المعادلة السياسية الفعلية، خاصة بعد توقيع اتفاقيات إقليمية (مثل اتفاق جوبا) دون مشاركته.
• الانقسام داخل القوى المدنية: أدى التشدد الأيديولوجي للتيار إلى صدام مع تحالفات "قوى الحرية والتغيير" التي تتبنى نهجاً براغماتياً، مما فتح الباب أمام العسكر لاستغلال هذه الانقسامات. يمكن مقارنة ذلك بتجربة الحزب الشيوعي السوداني في الستينيات عندما اصطدم مع القوى الوطنية الأخرى في أعقاب ثورة أكتوبر 1964، مما أدى إلى إضعاف دوره السياسي لاحقًا.
• غياب البرنامج العملي: رغم تشخيصه الدقيق لفساد النظام القديم، يفتقر التيار إلى خطة واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية، مثل كيفية تعويض خدمات الدولة المنهارة أو مواجهة اقتصاد الحرب الذي تديره الميليشيات. على سبيل المثال، التجربة التشيلية تحت حكم سالفادور أليندي في السبعينيات أظهرت كيف يمكن لليسار الراديكالي أن يفشل إذا لم يقدّم حلولًا اقتصادية عملية.
الإعلام والخطاب: الماركسية كعقبة أمام التواصل الجماهيري
• الإعلام النخبوي: يعتمد التيار على منصات التواصل الاجتماعي وندوات النخبة المثقفة، بينما تُهيمن القوى التقليدية (الإسلاميون، العسكر) على الإذاعات والقنوات التلفزيونية التي يتابعها عموم السودانيين، خاصة في الريف.
• اللغة الأكاديمية المعقدة: خطاب التيار مليء بمصطلحات مثل "الديالكتيك المادي" و"الاستغلال الرأسمالي"، والتي تتناقض مع لغة الشارع البسيطة المليئة بالمطالب اليومية (الخبز، الوقود، الأمن). يمكن مقارنة ذلك بتجربة الأحزاب اليسارية في الهند، حيث اضطرت بعض الفصائل الماركسية إلى تبسيط خطابها ليصل إلى الفلاحين والعمال.
• الماركسية كـ"تابو" اجتماعي: في مجتمعٍ يرى في الماركسية إرثاً غربياً معادياً للدين، يصعب على التيار تجاوز هذه الصورة دون تبني خطابٍ ديني أو ثقافي مُدمج، كما فعلت قوى إسلامية سابقاً بدمج الشريعة مع الخطاب الاجتماعي. تجربة "لاهوت التحرير" في أمريكا اللاتينية تمثل نموذجًا على كيفية دمج الفكر اليساري مع التقاليد الدينية لكسب التأييد الشعبي.
المستقبل: هل يمكن تحويل التنظير إلى فعل سياسي؟
• خيار التكيف مع الواقع: يحتاج التيار إلى إعادة صياغة خطابه بلغةٍ تلامس الهم اليومي (مثل مكافحة الفقر، دعم التعليم المجاني)، بدلاً من التركيز على الشعارات الثورية المجردة. يمكن الاستفادة من تجربة "حزب العمال" في البرازيل، الذي تبنّى سياسات اجتماعية فعالة جعلته يحظى بتأييد واسع.
• التحالف مع القوى المحلية: قد يُعيد التيار اكتشاف قوته إذا تحالف مع تنظيمات مهنية (مثل اتحادات الأطباء، المعلمين) ولجان المقاومة التي تمتلك قاعدة شعبية، شرط أن يقدّم نفسه كداعم لمطالبها لا كقائد أيديولوجي. مثال سوداني على ذلك هو تجربة الاتحادات المهنية في انتفاضة أبريل 1985، التي استطاعت تنظيم الإضرابات وتوجيه الشارع نحو التغيير.
• الاستثمار في الإعلام الشعبي: تطوير منصات إعلامية بلغات محلية وبلهجات سودانية، والاستفادة من الفنون الشعبية (كالغناء، المسرح) لنقل الأفكار دون الوقوع في فخ التلقين الأيديولوجي. تجربة الفرق المسرحية في السودان مثل "فرقة الأمل" في التسعينيات تقدم نموذجًا ناجحًا في نقل الرسائل السياسية عبر الفن.
• مراجعة الموقف من التسويات: قد يُعيد التيار حساباته إذا أدرك أن رفضه المطلق للتفاوض يخدم العسكر، الذين يستفيدون من انقسام المدنيين ليبقوا مهيمنين على المشهد. تجربة الحزب الشيوعي الإسباني بعد سقوط فرانكو قد تكون مثالًا على كيفية الانخراط في السياسة دون التخلي عن المبادئ.
الثورة الجذرية أم الإصلاح التدريجي؟
تيار التغيير الجذري يقف عند مفترقٍ وجودي: إما أن يظل سجين خطابه الأيديولوجي، مُقتصراً على تأثيرٍ رمزي في أوساط النخب والطلاب، أو أن يخوض مغامرة التحول إلى قوة جماهيرية عبر تبني لغةٍ جديدةٍ توفق بين المبادئ الثورية وواقع المجتمع السوداني. المشكلة أن هذا التحول يتطلب مراجعةً جذريةً لليسار السوداني نفسه، الذي ظل لعقودٍ يعتقد أن "الصواب الأيديولوجي" كافٍ لقيادة التغيير، بينما التاريخ يُثبت أن الثورات الناجحة هي تلك التي تعرف كيف تُحوّل الشعارات إلى خبزٍ وحرياتٍ ملموسة.
zuhair.osman@aol.com