كثرت في الأوساط الإسرائيلية مؤخرًا نقاشات تصل حدّ الاختلاف والتراشق الإعلامي، والاتهامات المتبادلة بين أعضاء الحكومة من جهة والجيش والأجهزة الأمنية من جهة ثانية حول طبيعة العلاقة العسكرية والسياسية مع قطاع غزة؛ فالبعض يدعو لاحتلال القطاع كوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي بن غفير، في وقت يرى فيه الجيش ضرورة وقف الحرب، وعقد اتفاق مع حركة حماس، لأن العملية العسكرية استنفدت أغراضها، وما عاد يمكن للجيش البقاء أكثر من ذلك، يقاتل بين المدن بتكتيكات متكررة ومكشوفة.

تلك النقاشات، وفي الشهر التاسع من العدوان المستمرّ على غزة، حملت ضمنيًا اعترافًا بالفشل في تحقيق "النصر المطلق" الذي أراده بنيامين نتنياهو، كما الفشل في تحقيق أيّ من الأهداف التي أعلنها والمتمثّلة بالقضاء على حركة حماس عسكريًا وسلطويًا، وإطلاق سراح الأسرى الجنود والضباط بالقوّة المسلحة، وعودة المستوطنين إلى غلاف غزة.

تقدير الجيش بأن المعركة انتهت، ومكابرة القيادة السياسية ورفضها وقف الحرب لأغراض سياسية تتعلق بزعماء اليمين المتطرف ومصالحهم، كان ذلك سببًا مهمًا في اتساع مساحة الخلاف والتراشق الإعلامي، لا سيّما مع الفشل في تحقيق الأهداف، وتآكل الردع الذي تعيش عليه دولة إسرائيل منذ نشأتها.

ملامح المرحلة الثالثة

في ظل الخلافات الإسرائيلية، كان لافتًا حديث بنيامين نتنياهو، عن إحراز إسرائيل تقدّمًا لإنهاء مرحلة تدمير جيش حماس، وبأنه سيتعيّن على إسرائيل استهداف بقايا الحركة في المستقبل، مع الإشارة إلى أن الجيش سيبدأ المرحلة الثالثة من القتال بعد انتهاء العملية العسكرية في رفح خلال الأسابيع القادمة.

ما يعني أن نتنياهو أصبح يدرك عجز جيشه عن تحقيق النصر المطلق في قطاع غزة، ولا بد من التراجع خطوات وفق تكتيكات الجيش الذي يدفع باتجاه ما يسمّى المرحلة الثالثة التي تأتي ملامحها وفق ما يلي:

1- إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي: التموضع داخل حدود قطاع غزة مع فلسطين المحتلة عام 1948، بالإضافة إلى التموضع على محور فيلادلفيا/ صلاح الدين مع مصر، ومحور "نتساريم" جنوب مدينة غزة، والذي يفصل شمال القطاع عن الوسط والجنوب.

يأتي ذلك تجنبًا للبقاء داخل المدن التي باتت تشكّل استنزافًا متواصلًا لجيش الاحتلال ماديًا وبشريًا؛ نتيجة الأفخاخ التي أعدتها المقاومة داخل المباني، وفي الطرقات ومن تحت الأرض، ما شكّل كابوسًا دفع نحو 900 ضابط من المستويات الوسطى في جيش الاحتلال لتقديم استقالاتهم في حالة استثنائية عبر تاريخ الكيان، حيث يتراوح المعدّل الوسطي لاستقالات الضباط سنويًا بين 100 و120 ضابطًا.

2- عمليات عسكرية أمنية موضعية: تنفيذ هجمات محدودة ضد أهداف بعينها في قطاع غزة عبر الطيران أو المدفعية، أو دخول كتائب عسكرية لبعض المناطق لساعات أو أيام ثم الانسحاب؛ بهدف إضعاف المقاومة واستنزافها وفق سياسة جز العشب، في محاكاة لما يجري في الضفة الغربية.

3- استثمار الكارثة الإنسانية: محاولة استمالة بعض الأشخاص أو العائلات ليكونوا نواة لسلطات محلية مناطقية تحت إشراف وحماية الاحتلال، وذلك عبر توزيع المساعدات الإنسانية التي يتحكّم الاحتلال في دخولها عبر سيطرته على جميع المعابر، لا سيّما بعد تدمير معبر رفح مع مصر.

يهدف الاحتلال من ذلك إلى استنبات سلطة محلية بديلة عن حماس، تدير الشؤون المدنية للفلسطينيين في قطاع غزة مدعومة من قوى إقليمية ودولية، تحت إشراف وسيطرة سلطات الاحتلال العسكرية، في صيغة تشبه ما يجري في الضفة الغربية، لتحقيق رؤية اليمين المتطرف بعزل الضفة عن القطاع والسيطرة عليهما.

استثمار فلسطيني مضاد

على الرغم من أهمية المرحلة الثالثة بالنسبة للإسرائيليين، فإنها ستخلق فرصًا ومساحات يمكن للمقاومة الفلسطينية استغلالها ضد الاحتلال وجيشه الذي سيعيد انتشاره داخل القطاع، وذلك على النحو التالي:

تراجع حدة القصف وانتشار الجيش: سينخفض القصف الصهيوني وانتشار جيش الاحتلال داخل القطاع جغرافيًا، مما سيخفف من حدة الأزمة الإنسانية. سيؤدي ذلك إلى تقليل أعداد الشهداء والجرحى وعمليات النزوح المتكرر للمدنيين، وسيساعد اللجان المدنية والشرطية في استعادة زمام المبادرة؛ لترميم ما يمكن من الإدارة الحكومية لخدمة المواطنين وفق الإمكانات المتاحة. إعادة ترتيب صفوف المقاومة: ستتمكن المقاومة من إعادة تنظيم صفوفها وتكتيكاتها لاستمرار استنزاف جيش الاحتلال وتركيز ضرباتها على أماكن تواجده. كما يحدث حاليًا في محور "نتساريم" الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، مما سيبقي جيش الاحتلال وجنوده تحت الضغط النفسي والاضطراب، علاوة على الخسائر المادية والبشرية. الخلافات بين الجيش والحكومة الإسرائيلية: استمرار حرب الاستنزاف سيزيد من الخلاف بين الجيش والقيادة السياسية، حيث يتخوّف الجيش من فكرة الحكم العسكري لغزة؛ بسبب التكلفة البشرية والمادية الباهظة. وزير الحرب يوآف غالانت حذّر سابقًا من أن الحكم العسكري يحتاج لثلاث فرق عسكرية، وتكلفة مادية تصل لنحو 6 مليارات دولار سنويًا للإدارة العسكرية فقط، دون الشؤون المدنية. ملف الأسرى: سيبقى هذا الملف معلّقًا بعد فشل جيش الاحتلال في إطلاق سراحهم على مدار أكثر من تسعة أشهر من القتال، مما سيثير حفيظة العائلات والرأي العام الإسرائيلي والمعارضة السياسية ضد الحكومة ونتنياهو. هذا سيكون أحد أهم الملفات التي ستديرها حماس والمقاومة في إثارة الرأي العام الإسرائيلي ضد نتنياهو واليمين المتطرف. ملف النازحين من المستوطنين: سيظل هذا الملف قنبلة موقوتة في وجه الحكومة الإسرائيلية التي لن تتمكن من إعادة 250 ألف نازح إلى غلاف قطاع غزة أو شمال فلسطين الذي شهد إفراغ نحو 28 مستوطنة بالكامل. استمرار الاشتباكات سيزيد الضغط على حكومة الاحتلال التي تتطلع لإعادتهم وتسوية أوضاعهم قبل بدء العام الدراسي القادم في سبتمبر/أيلول. المرحلة الثالثة كعنوان لإدارة الحرب

هذه المرحلة هي تعبير عن إرهاق وتعب جيش الاحتلال وعدم قدرته على مواصلة القتال في مدن قطاع غزة، بعد الفشل في تحقيق الأهداف والاستنزاف المتواصل له، وتكبّده خسائر مادية وبشرية ضخمة، دفعت العديد من جنرالات الجيش للحديث علانية أو بشكل غير مباشر، كما جرى عبر صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام، والتي نقلت عن 6 جنرالات إسرائيليين، قولهم بضرورة وقف القتال والبحث في صفقة سياسية مع حركة حماس، حتى لو بقيت سلطة حاكمة في قطاع غزة.

المرحلة الثالثة في قطاع غزة، كأحد عناوين إدارة الحرب والعدوان على القطاع، ترتبط أيضًا بمسار المفاوضات السياسية الجارية بين إسرائيل وحماس بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بدفع أميركي وحاجة الرئيس بايدن لاتفاق لتسويقه انتخابيًا.

كما أنها على صلة بتصور كل طرف لإدارة قطاع غزة مستقبلًا، حيث تختلف معالم الرؤية الأميركية عن رؤية نتنياهو واليمين المتطرف. في وقت تتمسك فيه حركة حماس بإدارة فلسطينية وطنية لقطاع غزة، في ظل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وأداء المقاومة، وذلك على قاعدة أن من يرسم المستقبل هو صاحب اليد العليا في الميدان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المرحلة الثالثة جیش الاحتلال فی قطاع غزة حرکة حماس فی تحقیق

إقرأ أيضاً:

غزة.. غارات إسرائيلية دموية تحرق خيام نازحين و«نتنياهو» يواصل المراوغة

ارتفع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية العنيفة التي طالت مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر الخميس، إلى 23 فلسطينا وعشرات الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، في تصعيد جديد استهدف خيام نازحين وأحياء سكنية شمالي وجنوبي القطاع.

وأفادت مصادر طبية “بمقتل 7 فلسطينيين على الأقل جراء غارة جوية استهدفت خيمة تؤوي نازحين داخل مخيم جباليا شمال غزة، حيث اندلعت حرائق ضخمة في الموقع نتيجة القصف”.

وفي منطقة مشروع بيت لاهيا شمالاً، “قضى 6 أفراد من عائلة واحدة بعد استهداف خيمتهم، بينما تم انتشال جثامين أكثر من 15 شخصاً، غالبيتهم نساء وأطفال، من بين أنقاض خيام نازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس جنوب القطاع، حيث أدى القصف إلى اشتعال النيران واحتراق الجثث والمصابين”.

كما “قتل وأصيب عدد من المدنيين في قصف استهدف تجمعاً غرب مدينة دير البلح، وسط القطاع”، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.

تصعيد متواصل منذ مساء الأربعاء

وكانت “سلسلة غارات جوية إسرائيلية قد طالت مناطق متفرقة مساء الأربعاء، أسفرت عن استشهاد 4 فلسطينيين وإصابة العشرات، في دير البلح وخان يونس. واستهدفت طائرات إسرائيلية مجموعة من المواطنين في منطقة البركة بدير البلح، بالإضافة إلى قصف بطائرة مسيرة غرب مخيم خان يونس”.

وفي حي الأمل غرب خان يونس، “سُجلت إصابات متعددة، بالتزامن مع غارتين جويتين على محيط حي قديح شرق بلدة عبسان الكبيرة. كما استهدف قصف عنيف حي التفاح شرق مدينة غزة، وأسفر عن عدد من الشهداء والجرحى”.

الأمم المتحدة: نزوح 500 ألف فلسطيني في غزة وسط تصاعد الأزمة الإنسانية

أعلنت الأمم المتحدة أن “نحو 500 ألف فلسطيني نزحوا مؤخرًا من قطاع غزة منذ استئناف الهجمات الإسرائيلية في 18 مارس، وسط أوضاع إنسانية متدهورة ونقص حاد في المأوى والغذاء والدواء”.

وأكدت تقارير أممية أن “المساعدات الإنسانية لم تدخل القطاع منذ سبعة أسابيع، فيما تواصل إسرائيل رفض معظم التحركات الإغاثية، بما فيها بعثات لنقل الوقود. كما حذر العاملون في الإغاثة من تفشي سوء التغذية وانخفاض الدعم الغذائي للأطفال”.

من جانبها، أفادت وزارة الصحة في غزة “بارتفاع عدد القتلى إلى 1652 منذ منتصف مارس، وإجمالي 51,025 قتيلًا و116,432 جريحًا منذ 7 أكتوبر، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود”.

حماس” ترفض التنازل عن السلاح.. ونتنياهو يأمر بمواصلة مفاوضات غزة

أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، تعليمات لفريقه المفاوض “بمواصلة الجهود للتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى الإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، في وقت تستمر فيه الضغوط الداخلية عليه لإبرام صفقة توقف القتال المستمر منذ أشهر”.

وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو أنه “أجرى تقييماً مع فريق التفاوض وقادة المؤسسة الأمنية، وأصدر توجيهات بمواصلة الخطوات للمضي قدماً في الإفراج عن رهائننا”.

رد “حماس” ما زال قيد الإعداد

من جهتها، أكدت حركة “حماس” أن ردها على المقترح الإسرائيلي الأخير لا يزال قيد الإعداد، وقال القيادي في الحركة محمود مرداوي لوكالة “فرانس برس”، إن “رد الحركة ما زال في طور الإعداد”، مشدداً في الوقت ذاته على أن “لا مكان لأي صفقة جزئية”.

وأضاف مرداوي أن “سلاح المقاومة لن يخضع لأي مفاوضات، وهو يقع في قلب الإجماع الفلسطيني لدى الفصائل”، في إشارة إلى رفض الحركة لأي اتفاق لا يتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار أو يتطلب نزع سلاحها.

مأزق التهدئة

يأتي هذا التوتر “بعد انهيار اتفاق سابق لوقف إطلاق النار منتصف مارس الماضي، حيث واصلت إسرائيل غاراتها الجوية وقصفها المدفعي على مناطق متفرقة من قطاع غزة، وسط تحذيرات دولية من تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق”.

مقالات مشابهة

  • غزة.. غارات إسرائيلية دموية تحرق خيام نازحين و«نتنياهو» يواصل المراوغة
  • مبعوث ترامب للرهائن: يمكننا التواصل مع حماس مجددا.. والحرب ستقف بهذه الحالة
  • وزير حرب الاحتلال: سنحتفظ بـ 30% من أراضي غزة حتى بعد انتهاء الحرب
  • إستشهاد 13 فلسطينيا .. والخارجية تدين اقتحام نتانياهو لشمال القطاع
  • عيدان ألكسندر.. الجندي الأمريكي الذي احترق بين نيران القسام وقذائف جيشه
  • وزير حرب الاحتلال: مصر هي التي اشترطت نزع سلاح حماس وغزة
  • نتنياهو يهدد بالقضاء على حماس من شمال غزة.. نقاتل من أجل وجودنا
  • القوى الوطنية والإسلامية في القطاع: أهل غزة يمثلون طليعة الجيش المصري في مواجهة عدو الأمة
  • القاهرة: ترامب يدرك أن إسرائيل ترفع سقف مطالبها بغزة إلى حد غير معقول
  • تصاعد الاحتجاج ضد حرب غزة يربك الجيش الإسرائيلي ويضغط على حكومة نتنياهو