#شذرات_عجلونية (54)
ألا حيّها #عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدرًا؛ فترسمني شمســا
الدكتور: علي منعم محمد القضاة
القراء الأعزاء؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أينما كُنتُم، وحيثما بِنتُم، نتذاكر سويًّا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأنٍ ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذَّهب، عجلون الحُبِّ والعتب؛ لنطوف العالم بشذراتنا، راجيًا أن تستمتعوا بها.
عُدنا والعودُ أحمدُ
بالرغم من بطء عقارب الساعة في الحياة اليومية، والحياة العامة على الشعب الأردني، لكن عقاربها تكاد أن يجن جنونها عندما تتعلق بالانتخابات البرلمانية، تمضي سنواتها الأربع كسويعات الأصيل، ها قد عُدنا للحديث في الشأن السياسي والانتخابي، وعادت بنا الشجون والشؤون لنتكلم بما لا نحب (الانتخابات والأحزاب)، ولكننا سنسعى أن نكون منصفين.
حزين وقع بسلة تين
مضى ما يزيد عن ثلاثة عقود على عودة الأردن للحياة البرلمانية، وصدور أول قانون للأحزاب، فانهالت الناسُ على تشكيل أحزاب سياسية، وما لبثت الأحزاب السياسية أن انطلقت بمسميات مختلفة، وأتخمت الساحة الأردنية بأحزاب من كل الأطياف، دونما وعي لما هي السياسة أصلاً، ولا معرفة بالمكنون الحزبي، ولا نضج حقيقي، ولا قبول لمفهوم اختلاف وجهات النظر، فغصت الساحة الأردنية بأحزاب تسمي نفسها سياسية، وهي لا يجد بعضها أجرة شقة يستأجرونها كي يديروا منها دفة الحكومة الأردنية، قُل لي بربك، كيف لهؤلاء أن يذهبوا للحوار مع رئيس حزب العمال، في بريطانيا، أو الحزب الجمهوري في أمريكا، على مبدأ هم رجال ونحن رجال (هم رؤساء أحزاب، ونحن رؤساء أحزاب)، نعم وبكل وضوح لقد أُسِّسَ بنيان الأحزاب السياسية في الأردن على جرفٍ هارٍ فانهار بهم فيما بعد. ولا شك أن التخمة أشد ضرراً من الجوع، ولو أن الساحة الأردنية تفتقر إلى هذا الكم الهائل من الأحزاب تماشياً مع الفقر الذي ينخر أوصال الشعب، لكان من وجهة نظري أجدى من كثرة الازدحام.
غرف خداج (Prematurity)
أحزاب سياسية ولدت في غرفة الخداج (Prematurity)، غير مكتملة النمو، ورغم العناية المركزة، والحثيثة فهي ما تزال مبعثرة تعاني من ضعف عام في كل بُناها السياسية، والإدارية، والبرامجية، والقيادية، ولن تنفعها كل الجراحات التجميلية، ولا القوانين السياسية المتلاحقة، ولا المقاعد في مجلس النواب الجديد. عناية ودعم مادي ومعنوي زادت الأحزاب تعثراً وتبعثراً، فكيف لمن تجاوز السبعين، وهو ممن ولد في زمن الأحكام العرفية التي كانت سائدة حتى عام1989، ولم يقرأ بحياته مقالة سياسية! ولم يشارك بندوة حزبية! أو ينتمي إلى حزب سياسي سابقًا، أن يصبح بين عشية وضحاها أمين عام حزب سياسي؟! يسعى أن يقود الحكومة الأردنية فيما بعد ويتصدر مجلسها.
فلو كانت لديهم برامج قيادية ناجحة؛ لنجحوا في تطبيقها وهم في القيادة والسلطة التنفيذية، وليس بكونهم في أحزاب معارِضَة، أو مُعَارَضة، ولذلك فإن الانطباع عنها، يجب أن يكون أحزاباً مبرمجة، وليست برامجية.
أفمن يمشي مُكبا على وجهه أهدى؟!
ربما تكون القوانين الحديثة أنتجت حراكاً سياسياً على الساحة الأردنية، ولكنها ليست أحزاباً سياسية رغم كثرتها؛ إذ أن أغلب من يقومون عليها هم باشوات من قدامى أصحاب المناصب والمعالي والعطوفة والسعادة، أحيلوا إلى التقاعد رغم استثناءات تجاوز العمر القانوني لبعضهم، ومع ذلك لا يستطيعون ترك الأمر للشباب الذين تربوا في كيانات حزبية مهما كانت ضعيفة، إذ يمكن للشباب أن يكونوا فاعلين بشكل حقيقي في الأحزاب، وفي الحياة العامة. ولذلك فإنني أرى أنه من الصعوبة بمكان أن نصنف حزباً سياسياً حصل على ترخيص قانوني بأنه حزب برامجي ناضج.
فهل قام أي حزب سياسي حالي، وخاصة ممن سيشاركون في الانتخابات القادمة بعد شهرين من الآن، هل قام بنشر، أو طرح برنامجه الخاص الذي ينوي إدارة دفة الحكومة من خلاله كي يعم الرخاء، وتتراجع المديونية، ويتطور التعليم ف الأردن الذي تراجع كي تصبح مكانتنا هي سابع أسوأ دولة من حيث التعليم، بينما كنا الأول في منطقة الشرق الأوسط، هل ستتجدد البُنى التحتية؟! نرجو ذلك.
وهل يعقل أن حزباً سياسياً لا يستطيع تجميع النصاب القانوني من مؤيدين، أو منتظمين في صفوفه، إلا بعد تحالفات وتجمعات من أحزاب سياسية أخرى أن يقود حكومة!!؟؟ أو أن ويرسم سياسة، يناقش بها رؤساء حكومات عندهم المئات من المستشارين، المتخصصين في كل شأن من شؤون الحياة، أو أن يبني علاقات خارجية مع دول وتحالفات إقليمية وعالمية.
تجربة القوائم الحزبية غير معروفة
تحوم الشكوك حول التنافس، والانتخابات برمتها، فكل التجارب السابقة تقول: إنها لم تكن انتخابات حقيقية، ولا أظنها تكون رغم رجائي من الله أن تتحقق النزاهة والشفافية عند إجراء انتخابات قادمة. فقد سبق وأن أجرت أحزاب أردنية تكتلات، وتجمعت أحزاب ولكنها لم تنجح، إلا إذا كان القادم أمراً مفروضاً، ولن يكتب لها النجاح بطريقة غير جبرية.
شكوك أخرى تحوم حول من سيكون على رأس هرم القائمة الحزبية، في كل حزب، رغم أن أمر القوائم غير مفهوم لعامة الشعب، وربما لكثير من لجان الانتخاب، ولكن لماذا يكون الأول فلان؟ وليس علان؟! من الحزب نفسه، هل حقا ما تتناقله المواقع الإخبارية من أن فلاناً دفع “تبرعا” سخيا للحزب، ونحن نفترض حسن النية، أنه كان تبرعاً، ولكن علان ليس لديه ما ينافس به زميله مالياً. هل تتوقعون أن من يسقي أشجار الزينة أمام منزله، سيجني ثماراً طيبة.
من يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير!!!
أراد السلطان العثماني “سليمان القانوني” أن يهدم إحدى السرايا القديمة، ويقيم مكانها واحدة جديدة فسأل عن أمهر المهندسين في البلاد فقالوا له إنه “معمار سنان”. وبالفعل أرسل السلطان في طلب هذا “المعمار” وأخبره بما يريد أن يفعل بالضبط، فقبل “المعمار سنان” هذه المهمة ومضى في تنفيذها.
يبدو الأمر عادياً إلى الآن؛ لا بل طبيعي جداً أن يقبل أمهر مهندس معماري طلباً من السلطان، ولكن ما هو غير عادي أن السلطان “سليمان القانوني” كان يُتابع كل صغيرة وكبيرة بنفسه، وقد لفت نظره أن “معمار سنان” عندما بدأ بهدم السرايا استخدم عمالاً يهدمونها، ولكنه عندما بدأ بالبناء غير كل طاقم العمال الذين استخدمهم حين بدأ ببناء السرايا الجديدة!!!
فأرسل السلطان “سليمان القانوني” في طلب المعمار سنان وقال له: عندما كنت تهدم السرايا استخدمت عمالاً ثم استبدلتهم عند البناء لِمَ فعلت ذلك؟ قال له “معمار سنان”: يا جلالة السلطان إن من يقوم بالتدمير لا يصلح للبناء التعمير.
وبكل بساطة فإن من كان جزءا من المشكلة، لا يمكن له أن يكون هو الحل، على جميع المستويات وفي كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والتعليمية.
الدكتور علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والإعلام الرقمي
E-mail:dralialqudah2@gmail.com
Mob: +962 77 77 29 878 مقالات ذات صلة ما وراء قوة الكيان ؟ 2024/07/06
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: شذرات عجلونية عجلون
إقرأ أيضاً:
السلطان أردوغان في السودان
رجب طيب أردوغان قائد تركي تاريخي من الوزن الثقيل. نجح الرجل في إخراج تركيا من قبضة حكم العسكر المباشر أو غير المباشر مرة والي الأبد ووضع المؤسسة العسكرية التركية الأبوية الناتوية في علبها. وهنا تكون الديمقراطية التركية مدينة للسلطان إردوغان الإخواني بخطوة جبارة للأمام رغم إنها ككل الديمقراطيات تظل غير مكتملة.
ولو أثبت التاريخ في المستقبل أن إردوغان وضع لبنة في صرح صالح بين الإسلام السياسي ونوع من الديمقراطية فسيكون ذلك إسهاما تاريخيا بكل المقاييس يستحق جائزة نوبل للسلام ست مرات. ولكن هذه قضية سيحسمها تطور المسار السياسي في المستقبل. حاليا نلاحظ أن تركيا – تحت السلطان الأخواني – دولة ديمقراطية في أمس قريب ولت البنك المركزي، أهم مؤسسات الدولة، لشابة مليحة جات من أمريكا ويستطيع المسلم أن يحتسي بيرة تركية، نسيت إسمها، في أزقة إسطنبول لكن بصراحة نبيذ الخطوط الجوية التركية تافه.
أيضا شهد عهد السلطان إردوغان تحرر القرار الوطني التركي من التبعية لأي جهة مثل أمريكا والغرب وروسيا. وصار ديدن السلطان أن يتخذ القرار الذي يري فيه مصلحة تركيا (أو مصلحته) وليشرب بوتين وبايدن وشرودر البحر.
ومن بركات السلطان إردوغان إنه فرض علي المنظمات الدولية والإعلام العالمي إستعمال اسم دولته “تركيا” وليس “تيركى” كما يسميها الفرنجة وتيركى هو ديك الروم الشين ولكن هذه قضية جانبية.
وبلغت الجرأة بالسلطان أن طلب الإنضمام لمجموعة البريكس مع أن تركيا عضو شديد الأهمية الأستراتيجية في حلف الناتو الغربي. كيف سيزن بوتين وتشي جينبينغ طلب السلطان للإنضمام للمجموعة سيكون من ملفات العام الجيوسياسية التي تستحق المتابعة. ما يصعب من مهمة بوتين وتشي جينبينغ التقييمية بالذات ان السلطان حليف غير موثوق به دائما يلعب صالح ورقه ومستعد لبيع جميع الحلفاء أسفل النهر مثل ما باع بوتين وأسقط حليفه بشار الأسد بالضربة الداعشية القاضية.
في الملف السوداني، شغلت مبادرة السلطان إردوغان للصلح بين حكومتي الأمارات والسودان حيزا إعلاميا واسعا وتترت الفتاوي وتراوحت بين أقطاب المعقول واللا-معقول إياها.
من جانبي، بدت لي مبادرة إردوغان كبعد من أبعاد الصراع في المسرح السوري تم الزج بالسودان فيه ككرت ضغط لا أكثر ولا أقل.
رغم إن السيد إردوغان ابن حركة الإخوان المسلمين وزعيمها الأممي الأقوي شكيمة إلا إنه في الأساس قومي تركي يعلي إلتزامه التركي علي عطفه الطبيعي علي حكومة البرهان المستهدفة من أعداء الأخوان في الداخل والخارج.
شكلت عملية إسقاط نظام البعث الأسدي في سوريا بتحالف يقوده إسلاميون تابعون لإردوغان بلا شك إنتصارا هاما لحركة الإسلام السياسي الأقرب لايديلوجيا الأخوان. ولكن التحالف المنتصر ضم أيضا أكراد حلفاء لأمريكا وضباط علمانيين يعملون لصالح القوي الأقليمية المعادية للإخوان عن حق أحيانا وكسىتار لمحاربة الديمقراطية في أحيان أكثر تواترا.
لذلك كان من المتوقع بروز خلاف إستراتيجي حول ترتيب البيت السوري في مرحلة ما بعد الأسد. إذ يلقي السلطان كامل وزنه لصالح جماعة أبو محمد الجولاني بينما تسعي دولة الأمارات لترجيح كفة الكمبرادور العلمانيين البائعين خدماتهم لأعداء الأخوان.
تفسيري لمبادرة السلطان إردوغان للصلح بين حكومتي السودان والامارات إنها لا علاقة لها بالسودان إذ أتت كضربة تحت الحزام لتحذير الأمارات من معاكسة تركيا في المشهد السوري. إذ أن روح المبادرة تقول أن الحرب في السودان هي حرب الأمارات وبالتالي فإنها مسؤولة عن كل الخراب الذي يحدث في السودان بسببها. وفي هذا تحذير من السلطان للأمارات بان تركيا بإمكانها إستخدام الملف السوداني لكشف حال الأمارات وتشويه سمعتها إن هي عاكستها في سوريا لذلك فمن الأفضل أن “تخليها مستورة” كما قال الألماني علي الحاج.
وهذا يعني أنه إذا إرعوت الأمارات في سوريا لصالح الدولة التركية فان مبادرة صلح السودان سيطويها النسيان لكن أي شنكبة عنكبة لدينا ملف سوداني تعلمونه جيدا.
وهذا لا ينفي ميل إردوغان الطبيعي للإخوان واحبابهم في السودان ولكنه يظل أولا وفي الأساس قوميا تركيا يمارس السياسة بفقه الصفقة “الشي بالشي ذي ما قال حميدتى للإتحاد الأوروبي في ملف صيده للمهاجرين الأفارقة عبر الصحراء “. وهذا يعني أن السلطان عادة ما يتخذ مواقف صديقة للأخوان ولكن لو تعارضت الأخونة مع المصلحة القومية لتركيا كما يراها السلطان فان الأخونة تذهب لمكب زبالة خرسيس أدب سيس.
وهذا يعني أن صانع السياسة الحصيف في السودان أو أي مكان لا يستطيع تجاهل السلطان الشكيم، فهذا ترف تجنبه بوتين وبايدن، ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يثق في سلطان دائما راقد ليهو فوق راي ومستعد للبيع بالسعر المناسب.
والله أعلم.
معتصم أقرع
معتصم اقرع إنضم لقناة النيلين على واتساب