بعد نحو تسع أشهر من الضربات المدمرة والمعارك الضارية على الأرض والنزوح المتواصل والمساعدات الإنسانية النادرة وغير الكافية، بات سكان غزة «المنهكون والمحبطين» يتوقون إلى انتهاء الحرب بأي ثمن كان.
ويسود وضع إنساني كارثي قطاع غزة الذي يناهز عدد سكانه 2.4 مليون نسمة اضطر 85 في المائة منهم إلى الفرار من منازلهم وفق الأمم المتحدة.
وقال رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، الجمعة، عبر منصة «إكس»، إن «السكان المصابين بصدمة والمنهكين» يتكدسون على «قطعة أرض تزداد صغرًا».
مع استمرار الحرب، أصبح سكان غزة أكثر استعدادًا للتحدث علنًا ضد حماس، حيث يتحمل سكان غزة العاديون وطأة الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر منذ تسع أشهر على القطاع، ويلقي الكثيرون باللوم على الجماعة الفلسطينية على بدء الحرب.
قال بعض سكان غزة، الذين تحدثوا إلى صحيفة The New York Times إن حماس كانت تعلم أنها ستبدأ حربًا مدمرة مع إسرائيل من شأنها أن تتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين، لكنها لم توفر أي طعام أو ماء أو مأوى لمساعدة الناس على النجاة من هذه الحرب، وقال قادة حماس إنهم يريدون إشعال حالة حرب دائمة مع إسرائيل على كافة الجبهات كوسيلة لإحياء القضية الفلسطينية، وكانوا يعلمون أن الرد الإسرائيلي سيكون قويًا.
وانتظر بعض الأشخاص حتى تمكنوا من مغادرة القطاع لإدانة حماس، وحتى ذلك الحين كانوا مترددين في بعض الأحيان بانتقادهم خوفًا من نجاتهم من الحرب واستمرار حكمهم في غزة.
وتحدث برنامج غزة اليوم الذي تبثه إذاعة بي بي سي عربي، إلى عدد من سكان القطاع الذين أعربوا عن أملهم في التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأعرب نايف عبد العزيز عن أمله في العودة إلى منزله وتوقف القتال، قائلا: "نطالب بهدنة، نطالب بوقف إطلاق النار، نطالب بالعودة إلى بيوتنا، نريد أن نعود إلى غزة بالشكل التي كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، نريد أن نعيش في سلام".
ودعا أدهم العمور، المجتمع الدولي إلى التوسط للتوصل إلى وقف إطلاق النار، قائلا: "ندعو المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط على كافة الأطراف، خاصة إسرائيل، لكي يتوقف العدوان المرتكب بحقنا، نحن في حاجة ماسة إلى هدنة بأي ثمن وبأي شكل، نحن الآن في عداد الأموات".
وشدد أحمد العمصي، على أن الهدنة هي كل ما يريده، مضيفا: "نحن لا نطالب بالمعونات أو أي شيء، نحن فقط نريد وقف سفك الدماء، نريد هدنة، نريد أن نتنفس، الوضع هنا كارثي، الناس في حالة مؤسفة، الحياة مزعجة للغاية، لا نريد سوى أن نعود إلى منازلنا".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: سکان غزة
إقرأ أيضاً:
حصاد حرب غزة ومآلها
لا تزال حرب غزة تثير النقاش والجدال حتى بعد توقفها من خلال توقيع الاتفاق الأخير بين إسرائيل وحماس على إيقاف إطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي خارج الحدود الفلسطينية الكائنة قبل العدوان، وتبادل الأسرى لدى الطرفين؛ على أن يتم ذلك على مراحل زمنية محددة. يدور الجدال حول حصاد هذه الحرب، ويشمل ذلك الخلاف حول الانتصار والهزيمة (أي: مَن المنتصر ومَن المهزوم)، وما آلت إليه الحرب، وما يمكن أن تؤول إليه (أي: نتائجها المتوقعة مستقبليًّا). هذا الجدال يدور يوميًّا بين الخبراء السياسيين والمثقفين في أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بل حتى بين الناس العاديين الذين يشغلهم الشأن السياسي: يؤكد البعض أن المقاومة الفلسطينية التي تتزعمها حماس هي التي انتصرت في هذه الحرب، بينما يرى آخرون أن إسرائيل خرجت من الحرب منتصرة بعد أن سحقت غزة وهدمت بنيتها التحتية تمامًا وتركتها مجرد خرائب، كما أنها قتلت وجرحت ما يزيد كثيرًا على المائة ألف. ولكن هذا الجدال لا يمكن حسمه إلا من خلال التأويل الذي يستند إلى الوقائع ونتائجها المتحققة، وهذا ما سأحاول رصده في النقاط التالية:
* من الخطأ النظر إلى مسألة الانتصار والهزيمة من الناحية العسكرية فقط؛ لأن الانتصار العسكري قد يقترن بخسائر عديدة، سوف أشير إليها بعد قليل. وحتى على المستوى العسكري البحت، لا يمكن القول بأن إسرائيل قد حققت انتصارًا بلا خسائر؛ إذ تكبدت خسارة عدد هائل من الدبابات والمعدات الحربية المتطورة، كما تم قتل وجرح المئات العديدة من أفراد جيشها. حقًّا إن السلاح الإسرائيلي/ الأمريكي بالغ التطور قد جعل ميزان القوة العسكرية يميل بوضوح وبشكل فائق إلى جانب إسرائيل في مقابل سلاح حماس والمقاومة عمومًا في فلسطين وغيرها؛ ولكن هذا السلاح لم يحقق نصرًا عسكريًّا لإسرائيل؛ لأن هذا السلاح ذاته لم يحقق الغاية من الحرب على غزة كما حددها نتنياهو وحكومته، وهي القضاء على حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين على مدى سنة وأربعة أشهر: فلا حماس قد انتهت، ولا الأسرى قد عادوا، إلا بعد التوقيع على اتفاقية مع حماس.
* كشفت هذه الحرب عن زيف أسطورة الجيش الإسرائيلي التي تزعم أنه «الجيش الذي لا يُقهر»: تبين ذلك عندما استطاعت المقاومة الفلسطينية بأدوات بدائية تخطي الجدار العازل وأسر الكثير من المجندين والمجندات الإسرائيليين؛ وتبين أيضًا من خلال بسالة رجال المقاومة في تصديهم لآليات الجيش الإسرائيلي وتدميرها، وفي قدرتهم على إصابة أهداف ومنشآت عسكرية وغير عسكرية، وفي القدرة على قنص الجنود الإسرائيليين (وهذا كله على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الواضح).
* كشفت هذه الحرب عن زيف الادعاءات التي روجتها إسرائيل عن نفسها، من قبيل: أنها ضحية «معاداة السامية» وضحية للأعمال الإرهابية التي يقوم بها رجال المقاومة الذين تسميهم الإرهابيين والأشرار؛ فضلًا عن ترويجها لمقولة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ولكن هذه الصورة الذهنية التي طالما رسمتها إسرائيل لنفسها عبر العالم قد تبدلت الآن: فمشاهد الفيديو التي روجتها عن اغتصاب النساء وحرق الإسرائيليين في أثناء السابع من أكتوبر، قد تبين فيما بعد أنها مزيفة، وراجت بدلًا منها المَشاهد الحقيقية لوحشية العدوان الإسرائيلي في إبادة الشعب الفلسطيني نفسه بأسلحة تحرق البشر وتقطِّع أجسادهم إلى أشلاء، بل يذيب بعضها الجسد نفسه. وهذا نفسه يدحض مقولة «الديمقراطية الإسرائيلية» في الوقت ذاته؛ لأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها في مجرد صناديق الانتخاب لحكومة ما، خاصةً إذا كانت هذه الحكومة تعتمد سياسة القتل والإبادة للآخر. وقد أدى كل هذا إلى اندلاع تظاهرات الشعوب عبر العالم ضد إسرائيل بدافع من الضمير الإنساني والتنديد بوحشية العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقف هذا العدوان وعدم دعمه بالمال والسلاح. وكل هذا قد أفضى إلى إدانة نتنياهو بجرائم حرب وإبادة من قِبل محكمة العدل الدولية، بعد أن تقدمت جنوب إفريقيا ودول أخرى بهذه الدعوى القضائية.
* أما بخصوص مآلات هذه الحرب، فأولها أنها ستؤدي إلى تفكيك الكيان الصهيوني من الداخل، وإلى تفكيك الحكومة الإسرائيلية أيضًا، وهو ما بدأت إرهاصاته تلوح في الأفق منذ شهور، وأصبح أكثر احتمالًا بعد توقيع الاتفاقية مع حماس. وأما بخصوص مصير الحرب نفسها بعد توقفها بفعل الاتفاقية، وإمكانية تجدد الحرب بخرق الاتفاقية، فهو أمر لا يمكن توقع أي سيناريو له بشكل مؤكد: حقًّا أن التجربة تشهد بأن بني إسرائيل لا يحفظون عهدًا أو اتفاقًا. ومع ذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا في ضوء الوقائع الراهنة هو أن إسرائيل قد تقوم بخرق الهدنة أحيانًا، ولكنها لن تستطيع مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية؛ لأنها قد تعلمت درسًا قاسيًا وهو أنه لا يمكن القضاء على حماس أو على روح المقاومة ذاتها لدى شعب فلسطين؛ ولأنها قد أدركت أن الدعم الأمريكي لحربها لا يمكن أن يستمر بنفس القوة والوتيرة، خاصة بعد تزايد اعتراض دافعي الضرائب الأمريكيين.
* كشفت هذه الحرب في النهاية عن تفرد الشعب الفلسطيني في القدرة على المقاومة والصمود، وأنا هنا لا أقصد حماس وغيرها من جماعات المقاومة الفلسطينية، وإنما أقصد فعليًّا الشعب الفلسطيني الذي صمد إلى جانب المقاومة، رغم كل ما عاناه يوميًّا من إبادة ودمار بشكل يفوق الوصف؛ ولقد ضربت نساء فلسطين بوجه خاص أروع الأمثلة في الصمود والصبر والإيمان بشكل مُذهل. وهذا يعني أو يثبت أنه ما ضاع حق وراءه مطالب أو مقاوم.