محددات الهوية الوطنية السورية في ظل التحديات الكبرى.. قراءة في كتاب (2)
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
الكتاب: الثقافة الوطنية و التحديات الراهنة
الكاتب: الدكتور حسين جمعة
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2018-(302صفحة من القطع الكبير).
تجسيد الثقافة الوطنية للهوية لمواجهة المخططات المعادية
من الواضح أنَّ النزاع السياسي كان في طليعة ما أساء إلى ثقافة أبناء القطر الواحد أو الأمة العربية ولا يقل التطرف الديني والمذهبي خطراً عنه؛ ما أدى ببعض الدول العربية إلى الانزلاق في الاقتتال الدامي، ولاسيما إبان زمن الخراب العربي الرديء الذي استحوذت فيه الغرائز وامتلاك السلطة على النفوس كما حدث في السودان الذي قسم قسمين؛ وهو ما يخشى أن يحدث في العراق إذ ظهرت نوازع انفصالية لدى بعض فئات المجتمع العراقي، بعد أن سقط عدد غير قليل من المسؤولين المحليين في مطب ،التبعية وصار أداة لتنفيذ أجندات خارجية خططت لها بدقة الدوائر الصهيو / أمريكية لتحقيق مصالحها، وتحقيق مصالح حلفائها الذين ارتبطوا بها.
وفي هذا الإطار فإنَّ تلك الدوائر مازالت تعتمد استراتيجية إثارة النزاعات والصراعات السياسية والدينية والمذهبية والعشائرية بين مكونات الوطن الواحد. وهذا ما عبر عنه الباحث الأنثروبولوجي والسياسي الفرنسي (سيرج لانوش) في مقولة (الثلاجة المغلقة)؛ وهي الثلاجة التي تنشر الفوضى والعنف في أي منطقة تقف في وجه المصالح الغربية. فالدوائر المعادية أرادت أن يقفز العقل الوطني والعربي فوق هذه الحقائق التاريخية؛ والترويج للصراعات الطائفية والمذهبية؛ واتهام الدولة الوطنية بممارسة القهر والظلم وحماية الفساد وشروره والقيام بتخريب الذمم، والسوء في توزيع الثروة. ومما يؤسف له فقد ظهر وكلاء لتلك الدوائر في سوريا وسواها من البلدان العربية تتبنى فلسفتها المعادية وثقافتها الهدّامة وأخذت تدعم تشكيل تنظيمات إرهابية باسم الثورة على الفساد والظلم للإجهاز على الدولة الوطنية .
ولعل هذا كله قد أحدث جراحاً عميقة في جسد الدول العربية وثقافتها الوطنية ومكونات شعبها الذي اجتاحته مخاطر جمة أدت إلى تهديد وحدته المشتركة، ثم أحدقت بمصير وطنه، من دون أن تظهر في نهاية النفق بوارق الضوء الذي يبشر بنهاية قريبة للاقتتال أو العنف المتطرف الذي يجري بين مكونات المجتمع الوطني.
هذا ما وقع في السودان وليبيا واليمن وكل الدول التي زحف إليها ما يسمى (الربيع العربي) تحت عباءة إشاعة الحرية والديمقراطية، وتضليل الرأي العام بأوهام كاذبة حولهما وإقناعه بأن الإرهاب الذي تمارسه التنظيمات التكفيرية المسلحة وجماعات المرتزقة قد أصبح ثورة من أجل الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة والحق، من دون أن ننسى بعض من يزعم كثير من الضالين المضللين والغافلين أن الدوائر الصهيو / أمريكية وغربية لا علاقة لها بما يجري داخل أي من الدول المذكورة وغيرها.
ولسنا نشك لحظة واحدة في أن البرنامج الوطني الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ينبغي أن يتخلص من أخطائه القاتلة والممزقة للذهنية التشاركية ووحدة المجتمع. وعليه أن يقرأ الواقع الراهن قراءة واعية وموضوعية، وألا تعمى البصيرة عن الحقيقة الكبرى في مشروع الهيمنة الصهيوني الغربي على الوطن العربي وموارده البشرية والاقتصادية والطبيعية؛ وهو المشروع الذي زرع الدولة الصهيونية في قلب هذا الوطن لتكون رأس حربة موجهة على الدوام إلى إعاقة المشروع العروبي النهضوي وإضعاف التنمية البشرية الوطنية في أي مجال من المجالات.
إذا دب الصراع في بنية المجتمع، وسادت غريزة القطيع فيه تحطمت عوامل قوته، ولم تعد لديه هوية ثقافية حضارية ممتدة في التاريخ القريب والبعيد، وبخاصة حين ضاعت عناصر الالتقاء على العدو المشترك؛ سواء تجسد في الاستعمار الأوروبي الحديث؛ أم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المتوحش.إن ما يجري من إرهاب متوحش في سوريا أو غيرها من الدول العربية ليس مجرد تعبير عن شرائح اجتماعية تسعى وراء مصالحها، أو عن أخطاء أنظمة عجزت سياستها الاجتماعية والاقتصادية والإدارية عن تلبية مطالب مواطنيها أو عن ثقافة وطنية عجزت عن مواكبة التغيرات الطارئة في عصر تفجر المعرفة والتقنيات، وإنما هو نتيجة لمخاض كبير من سياسات الهيمنة الخارجية على الوطن العربي الذي يمثل قلب العالم. ولعل هذا يفرض علينا سؤالاً جديراً بالنظر: أليس الوطن بحاجة إلى تنمية شاملة تحقق العدالة والكفاية في إطار ثقافة وطنية تستلهم الواقع وتحلل تبعاته.
وإذا كان لزاماً علينا أن نفيد من تجارب الآخر فعلينا أن نخوض بقوة غمار التنمية الرقمية وثورة الاتصالات الحديثة لنعيد للهوية الوطنية والعربية وجهها الناصع، ونغني إرثها الثقافي الحضاري.
ولعل هذا يضعنا أمام الآفاق التي نريدها لتأسيس إدراك علمي موضوعي للهوية الوطنية والقومية، إذ لم يعد خافياً على أحد أن أزمة الهوية أنتجت أزمات شتى في الواقع العربي، وبخاصة إبان العقد الأخير من القرن الحادي و العشرين.
إعادة بناء الدولة الوطنية في سوريا وفق رؤية العصر الحديث
أكدت الأزمة التي تعرضت لها الدولة الوطنية في سوريا إبان مرحلة الربيع العربي أن سعي الدوائر الصهيو / أمريكية وغربية إلى تمزق الدولة الوطنية وفق مخطط الشرق الأوسط الجديد، وتسخير العصابات الإرهابية التكفيرية لتنفيذه يعيد التاريخ ذاته حين قسم الاستعمار الأوروبي الوطن العربي إلى دويلات متنابذة. ما يعني أن الدفاع عن الهوية الوطنية إنما هو تحذير للدفاع عن الهوية القومية، كما أن الأحداث توحي بأن الدعوة القومية إلى الوحدة تماثل اليوم دعوتنا إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية.
في هذا السياق يجب الإشارة إلى مفهوم الانتماء الجامع الذي يحقق قيم المواطنة الأصيلة وأركانها في صميم مبدأ (الوحدة في إطار التنوع) الذي ينبثق من البنية المجتمعية عرقياً وجنسياً ثقافياً ودينياً؛ سياسياً واقتصادياً؛ بنية مجتمعية تحقق الدولة الوطنية العلمانية الحضارة التي ترسخ مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد في ظل الحقوق والواجبات؛ ومبدأ سيادة القانون، ما يثبت أن الولاء الأول والأخير ـ في ماهية المواطنة للوطن؛ لأن انتماء كل مواطن في دولة ما للهوية الوطنية وليس للعائلة أو العشيرة او العرق أو المذهب أو الطائفة.
يقول الدكتور حسين جمعة: "وما يؤسف له في هذا الاتجاه ذلك التنازع بين الولاء للوطن والولاء الذي يستند إلى الانتماء الأصغر وتغليبه على المواطنة مثل (العائلة أو العشيرة أو المذهب أو الطائفة؛ أو العرق إثنية وقومية أو الإيديولوجيا الفكرية حزبية وتيارات علمانية ومحافظة، وغيرها) لأن شهوة الجاه والمال أو غريزة السلطة تحكمت بالنفوس المريضة ؛ كما تلاعبت الفتنة المذهبية والطائفية بالعقول الهوجاء، بعد أن تغذت بريح فاسدة قادمة من هنا وهناك، فلم يعد المواطن قادراً على الاختيار لأنه أصيب بعقم الوعي وغشاوة الهوس الديني السياسي والإيديولوجي؛ في الوقت الذي فقد الروح الوطنية.
وإذا دب الصراع في بنية المجتمع، وسادت غريزة القطيع فيه تحطمت عوامل قوته، ولم تعد لديه هوية ثقافية حضارية ممتدة في التاريخ القريب والبعيد، وبخاصة حين ضاعت عناصر الالتقاء على العدو المشترك؛ سواء تجسد في الاستعمار الأوروبي الحديث؛ أم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المتوحش.
وقد يكون أعداء الأمة نجحوا في إثارة البلبلة في مفاهيم الأمة الأصيلة يوم تبنوا ما يسمى بالإسلام السياسي؛ وزرعوه في ذاكرة أبنائها المغرر بهم أو من كان من الرعاع (الحُطَمة)، ثم زحزحوا الاتفاق على مفهوم العدو؛ فطفقت العصابات التكفيرية ـ باسم الدين ـ تضرب رقاب أبناء الوطن وأصبح شيوخ الجهاد في هذا العصر شيوخ الغدر والخيانة، الذين دمروا البلاد وأهلكوا العباد؛ ومع ذلك بقي من الناس من يصدقهم ويأتمنهم، ويتبعهم وراح من وراح من غُسِل عقله من شريحة الشباب يتنافس في تنفيذ أوامرهم.
ولذا فالوعي الوطني المخلص؛ والحدس الصادق والأمين على الأمة يبقى السبيل للحفاظ على الهوية التاريخية؛ فإذا فقد ضاع كل شيء؛ لأن غيابه) يعني سقوط منظومة القيم الخلقية والدينية؛ وانتشار التضليل والزيف والتزوير؛ وتدمير الوطن ثم لابد من أن يكون لهذا الوعي قادة وأرباب شرفاء وأحرار من المثقفين والمفكرين والسياسيين يفرقون بين الأديان أو المذاهب بوصفها عقيدة خَيّرة؛ وبين هذه أو تلك بوصفها وسيلة سياسية وتكفيرية لمصالح دنيوية). ولذا قال أنطونيو غرامشي ۱۸۹۱ ـ ۱۹۳۷م): "عندما يكتسب المرء تصوره عن العالم ينتمي المرء دائماً إلى تجمع خاص؛ وهو كل ما يضم العناصر الاجتماعية التي تتشاطر نمط التفكير والتصرف نفسه. نحن جميعاً أتباع لنمط من أنماط الالتزام الفكري أو العقيدي ونحن دائماً إنسان - ضمن – القطيع أو الإنسان الجمعي"(ص 117).
لا يزال العقل العربي ينظر نظرة غير موحدة إلى مفهوم الدولة الوطنية التي تجسد وحدة الأرض والشعب والسيادة التي تتطلب إدارة السلطة وفق الاستقلال الكامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً و... وإذا كان العقل بحد ذاته يميل إلى مبدأ الجهد الأقل؛ واللجوء إلى كل ما هو سهل وجاهز؛ فإنه ينفر من الغموض والتعقيد - وإن حَرص على مفهوم التجريد بوعيه الخاص لطبيعة الدولة الوطنية علماً أن الدولة مصطلح يتماهى في بنيته الاجتماعية والسياسية بمبدأ الشراكة الوطنية لكل أبناء الوطن؛ لأسباب عدة، فضلاً عن أنه يحقق النفع العام لهم. وما استقرار هذه البنية الجامعة لكل مكوناتها الفكرية والسياسية والاجتماعية واعتمادها مبدأ العدالة الاجتماعية إلا تجسيد لمفهوم الدولة التي تستند إلى التنوع والتعدد في صميم الوحدة الكلية وهذه من صفات الدولة العلمانية؛ وليس الدولة الدينية التي تنفي بعض مكوناتها.
فالدولة الوطنية العلمانية في مقوماتها الكبرى لا يمكن أن تقع في مطبّ الخوف من المجهول؛ أو أن تسقط في التخيل الكاذب الذي يجافي كل أشكال المبادرة الخلاقة التي تتطلع إلى التقدم والنهوض ومن ثم لا يمكن لمنهجها أن يتخلف عن مواكبة العصر؛ فهي تدرك أن هناك زمناً يفرض سننه على البشرية قاطبة؛ إذ يخلق أموراً ويميت أخرى.
ثم إن العلماء والمفكرين والمثقفين المميزين في الدولة الوطنية العلمانية لا يركنون لأي شيء تقليدي أو ثابت، بوصفه يؤدي بهم هناك إلى نمطية معرفية مكرورة تتصف بالتخلف والتراجع المستمر. وإذا وجد من انتفع بهذه النمطية، وكسب منها مكاسب هائلة وكان لكل دولة حاجاتها ووظائفها التي توضع في إطار التوازن الاجتماعي؛ والسياسي الذي حافظ على الأمن والاستقرار فإن لكل منهج جديد إشراقاته المحكومة بشروطها؛ ولكل مبدع أفكاره وتصوراته. ولعل هذا يوحي بأن المجتمع ـ أي مجتمع ـ بحاجة دائمة إلى الدولة الوطنية التي تتخذ قراراتها السيادية بحرية تامة وتعمل السلطة فيها على تحقيق سيادة القانون؛ ومواكبة التغيير الموضوعي المنهجي العلمي على كل مستوى وصعيد.
في هذه المبادئ المؤسسة للدولة الوطنية الحديثة تتجلى العلمانية على أنها استقلال مجال السياسة عن مجال الدين، بوصفهما مجالين مختلفين اختلافاً كلياً. اختلاف هذين المجالين لا ينفي تقاطعهما في القيم الإنسانية المشتركة بين معتنقي الأديان والمذاهب المختلفة، في المجتمع المعني والدولة المعنية، فإن ما هو إنساني، عام، في كل دين أو مذهب يتموضع أو يتحقق واقعياً في المواطنة بأركانها التي أشرت إليها وفي منظومة القيم الاجتماعية والإنسانية.
مبدأ الدولة الوطنية هو العمومية التي تتجلى في الدستور والقانون العام، ومبدأ الدين هو الخصوصية. كل دين هو دين خاص، فضلاً عن كون كل مذهب مذهباً خاصاً، والمواطنة، بما هي انتماء وطني إلى الدولة، لا تقتضي تخلِّي الأفراد والجماعات لا عن شرطهم الديني أو المذهبي ولا عن محمولاتهم وتحديداتهم الذاتية، بل تدمجهم في نسيج وطني أو فضاء وطني مشترك بينهم جميعاً بالتساوي.
الدولة الوطنية بحاجة إلى العقل الجمعي المحكم في إطار ثقافة الإنتاج الموضوعي، وإقامة المشاريع الصغيرة والكبيرة، والورشات المتضامنة والمتكاملة التي يقودها فريق عمل جماعي منظم ومهياً علمياً وعقلياً؛ بعيداً عن التخييل ،الخداع والتوهم المضلل ما يجعل التنمية بكل أشكالها تنمية متقدمة ومتطورة.يقول الدكتور حسين جمعة: "تحتاج الدولة الوطنية ـ بوصفها دولة علمانية ـ إلى معرفة الذات وتوازنها، ومهاراتها، وقدرتها على التأثير كما تحتاج إلى مراجعة نقدية عقلية شاملة ومتكاملة تستند إلى الشفافية والعلم الموضوعي والعقل الإدراكي. فما مر بالأمة العربية ودولها المتعددة لم ينطبق عليه هذا التصور، بدليل ما انتهت إليه من خَلَل اجتماعي وفكري وديني واقتصادي وإعلامي وتقني؛ ما يشي بأن الدولة القطرية عجزت عن معالجته المعالجة الصحيحة الصادقة والدقيقة خلال النصف القرن الماضي، ويزيد.
وكان الموقف العلمي الموضوعي للدولة الوطنية القطرية في الوطن العربي يفرض عليها أن تلجأ ـ قبل أي شيء آخر ـ إلى دراسة أسباب المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتراجع قيمة الثقافة ومنظومتها الخلقية على كل صعيد ومستوى؛ داخلياً وخارجياً ولا سيما ما يتعلق بحاجة الشباب وطموحهم. وهذا يدفعنا إلى التفكير الجدي بكل فرص العمل وأشكاله، وظاهرة البطالة التي أدت إلى كوارث في الإنتاج؛ وتدهور في التنمية لعجز في النفوس والحياة؛ وكان عليها دراستها دراسة موضوعية تلبي حاجات الريف والمدينة وبقية المناطق على السواء"(ص 129).
لذا فالدولة بحاجة ملحة وضرورة حتمية إلى إيجاد العلاقة المنطقية والمتوازنة بين الذات والآخر؛ وبين المواطن وبينها وتوسيع قاعدة المصلحة العامة بالتعاون الإيجابي بين أفرادها ومواجهة الواقع الاجتماعي الذي أدى إلى خلل مُدمر على صعيد البنية الاجتماعية واستقرارها؛ وعلى صعيد البنية الاقتصادية التي تراجعت إلى الوراء لأسباب كثيرة.
إن هذا الوعي ينطلق من رسم الصورة الأفضل لعملية التنمية البشرية الشاملة والكاملة؛ والمستدامة؛ والتوجه للمستقبل وبناء قاعدة الشراكة الوطنية، والإفادة من الشباب وعناصر الإنتاج الأخرى التي تحقق الاستقرار النفسي والذهني في ضوء تبني منهج علمي مبني على عقل نقدي يتجنب طرائق النقل والتلقين والحفظ. ويعتمد مفهوم المبادرة والتفكير النقدي للتخلص من الكوارث التي وقعت؛ ويتأصل في برنامج يفجر الطاقات الكامنة في المجتمع من أجل عملية البناء لا في أساليب الهدم، فضلاً عن تجذير مفاهيم المواطنة التي أعطاها بعض المفكرين و الأدباء جل عنايتهم.
فالدولة الوطنية بحاجة إلى العقل الجمعي المحكم في إطار ثقافة الإنتاج الموضوعي، وإقامة المشاريع الصغيرة والكبيرة، والورشات المتضامنة والمتكاملة التي يقودها فريق عمل جماعي منظم ومهياً علمياً وعقلياً؛ بعيداً عن التخييل ،الخداع والتوهم المضلل ما يجعل التنمية بكل أشكالها تنمية متقدمة ومتطورة.
بمعنى آخر تحتاج الدولة الوطنية إلى الإفادة من ثقافة المحبة والتسامح والتعارف والتشاركية، وتبني العلم القائم على البرامج والرؤى المستندة إلى إدراك واع للواقع ومراجعة وتحليل معطياته الإيجابية والسلبية. فقوة العقل ليست موازية لقوة الرغبة والشهوة للحصول على شيء ما؛ وإن كانت قوة الرغبة مطلوبة لبقاء الحياة؛ وكذا قوة الغضب والعصبية للمحافظة على التنافس الصادق الشريف وليس للكراهية والحقد والحسد والضغينة. فالدولة الوطنية العلمانية تبني حياتها على أسس علمية موضوعية تستند إلى قوة العقل الإدراكية الواعية؛ والحكيمة التي تضبط الحياة والمشاعر وتوجه الطاقات والمهارات إلى ما فيه صلاح الوطن وتقدمه، وهذا ما نستشفه من مفاهيم المواطنة وتستوحيه من التراث الوطني الذي يدفع الجميع إلى حركة حيوية متجددة وفاعلة، تنتصر على عملية الإرهاب الذي يؤدي إلى الفناء والموت.
إقرأ أيضا: محددات الهوية الوطنية السورية في ظل التحديات الكبرى.. قراءة في كتاب (1)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الدولة سوريا سوريا كتاب دولة عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الوطن العربی فی سوریا فی إطار فی هذا
إقرأ أيضاً:
القضية الفلسطينية أمام مخاطرالتصفية.. قراءة في كتاب
الكتاب: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2022-2023الكاتب:مجموعة من المؤلفين،المحرر: أ. د. محسن محمد صالح.
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أغسطس 2024.
548 صفحة من القطع المتوسط.
يُعدّ التقرير الاستراتيجي الفلسطيني من أهم الدراسات العلمية الشاملة حول القضية الفلسطينية، والتي تصدر بشكل دوري عن مركز الزيتونة؛ حيث أصبح مرجعاً أساسياً للمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، نظراً لشمولية تغطيته لتطور...فقد جاء إصدارهذا التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2022 ـ 2023، وهو المجلد الثالث عشر الذي يصدر من السلسلة، في ضوء استمرار معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة منذ 7/10/2023.
ويتألف هذا التقرير من ثمانية فصول وفهرست، في 548 صفحة من القطع المتوسط. وشارك في إعداده إثنا عشر أستاذاً وباحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني، وراجعه ثلاثة مستشارين، وأشرف على إعداده وقام بتحريره علمياً أ. د. محسن محمد صالح.
حملت سنتا 2022 ـ 2023 مزيداً من التحديات والمخاطر على الصعيد الفلسطيني، خصوصاً مع وجود حكومة صهيونية تمثل أقصى أشكال التطرف اليميني والديني، وتسعى إلى شطب وتصفية الملف الفلسطيني، ومع وجود قيادة فلسطينية ضعيفة لمنظمة التحرير والسلطة في رام الله، تتعاون مع الاحتلال وتطارد المقاومة، وتغلق الأبواب في وجه إصلاح البيت الداخلي الفلسطيني، كما شهدت هاتان السنتان تصاعد موجة التطبيع العربي مع «إسرائيل»، وضمور الموقف الفلسطيني في البيئة الدولية.
جاءت معركة طوفان الأقصى لتعيد الاعتبار العربي والعالمي لقضية فلسطين، وتؤكد استحالة تجاوز الملف الفلسطيني، وتعزّز التفاف الشعب الفلسطيني حول خيار المقاومة، وتعمق فشل مسار التسوية السلمية، كما جاءت لتسقط نظرية الأمن والردع الصهيوني، وتهافت فكرة "الملاذ الآمن" للصهاينة، ولتضع تساؤلات حقيقية حول الدور الوظيفي للكيان الصهيوني ودوره كشرطي للمنطقة وكعصا غليظة للنفوذ الإمبريالي الأمريكي فيها؛ ولتقدّم حالة إلهام غير مسبوقة للأمة وأحرار العالم بإمكانية هزيمة المشروع الصهيوني؛ ولتضع "إسرائيل" في أسوأ وضع عالمي منذ نشأتها، ولتتحوّل إلى كيان منبوذٍ في البيئة الدولية، لقد كانت التضحيات هائلة على المستوى الفلسطيني خصوصاً في قطاع غزة، وظهرت الوحشية والدموية الصهيونية في أقبح صورها؛ غير أن التفاف الحاضنة الشعبية خلف المقاومة كان من أبرز تجليات هذه الحرب.
الوضع الفلسطيني قبل عملية طوفان الأقصى
يعالج الكاتب والباحث في القضايا العربية والإسلامية ساري عرابي في الفصل الأول مجمل مسارات الوضع الفلسطيني الداخلي، من حيث السلطة ومؤسساتها، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والفعالية الوطنية في المجال العام، والعلاقات الوطنية البيئية، وأوضاع القوى الحزبية الداخلية، انتهاء بالتنسيق الأمني، في إطار من التحليل لهذه الملفات وسواها مما يندرج في هذا الفصل.
ويرى الكاتب ساري عرابي أنَّ هناك تداخلاً غير مسبوق بين نهاية سنة 2023 مع سنة 2024 ، من جراء اندلاع عملية طوفان الأقصى في 23 أكتوبر 2023، وتداعياتها التي فجرت الحرب بين الكيان الصهيوني وحركة حماس وباقي فصائل محور المقاومة، وجعلت "إسرائيل" أمام امتحان عسير من حيث أمنها وقدرات جيشها وأفق استمرارها في المنطقة، وهو ما انعكس في حرب طاحنة، وُصفت بحرب الإبادة الجماعية المدعومة من قبل الإمبريالية الأمريكية، واتَّسمت بتعمُّد التجويع، ونقلت الموقف من "طوفان الأقصى" إلى الحرب الإسرائيلية على غزة، ومن ثم بات النقاش مع نهايات سنة 2023 ومطالع سنة 2024، حول قضايا كبرى، من قبيل احتمالات تهجير الفلسطينيين من غزة، ومستقبل حركة حماس، ودور السلطة الفلسطينية، مع عودة أطروحة الدولة الفلسطينية لتصعد في الخطاب السياسي الإقليمي والدولي.
هناك تداخلاً غير مسبوق بين نهاية سنة 2023 مع سنة 2024 ، من جراء اندلاع عملية طوفان الأقصى في 23 أكتوبر 2023، وتداعياتها التي فجرت الحرب بين الكيان الصهيوني وحركة حماس وباقي فصائل محور المقاومة، وجعلت "إسرائيل" أمام امتحان عسير من حيث أمنها وقدرات جيشها وأفق استمرارها في المنطقةينقسم الفصل إلى عدد من المحاور، تبدأ بالمحور الذي يناقش السلطة مؤسسات وأداء، مع التركيز على حكومة محمد اشتية من حيث سياقها السياسي وأداؤها العام، بعدما أضحت المؤسسة الفلسطينية بسلطاتها كلها مركزة في مؤسسة الرئاسة، ومن ثمّ سوف يحضر الرئيس الفلسطيني في كلّ الملفات الفلسطينية، بلا استثناء، في الحكومة ومنظمة التحرير وحركة فتح والعلاقات الوطنية الداخلية والتنسيق الأمني.
تجري مراجعة سياسات حكومة اشتية في الإطار العام، بالنظر إلى سياقها السياسي وأدائها الاقتصادي، واتجاهاتها الإدارية، وخططها لمواجهة التحديات ذات الصلة، سواء بمعالجة الأزمات الاقتصادية المتصلة، والمرتبطة بنحو ما بالحالة السياسية لتحكّم الاحتلال بأموال المقاصة الفلسطينية، أم بطرق معالجة انعكاسات ذلك في المجال العام، كحراكات النقابات التي يمكن القول إنها كانت أبرز مظاهر الحركة في المجال العام، في ظلّ غلق للمجال العام وَسَمَ حالة السلطة الفلسطينية منذ ما يسمى بالانقسام الفلسطيني.
لقد ظلّ الوضع الفلسطيني في سنتي 2022 و2023 كما السنوات الساقة: متَّسماً بالجمود المطبق، لا سيما في العلاقات الوطنية الداخلية، وفي سياسات السلطة الفلسطينية، مع انسداد الآفاق في الصراع مع الاحتلال، باستثناء تصاعد المقاومة في الضفة الغربية مطالع سنة 2022، ثم عدوانين إسرائيليين على قطاع غزة في آب/ أغسطس 2022، وأيار/ مايو 2023، إلى أن جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7/10/2023، والتي من شأنها بما تبعها من حرب إبادة جماعية إسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة أن تُوجِد تحوّلاً جوهرياً في الوضع الفلسطيني الداخلي، إن لم يظهر في المدى القريب، فقد يظهر في المستويين المتوسط والبعيد.
ويناقش الكاتب أزمة السلطة الفلسطينية سياسات السلطة الفلسطينية تزداد ارتباطاً بسياسة الاستسلام العربية، لتصبح عنوان هذه السياسة الاستسلامية، وطليعة الدفاع عنها. فهذه السلطة التي استمدت شرعيتها من اتفاقيات أوسلو، وماترتب عليها من مصادروجود واستمرار، ومن أعطيات سلطوية وأجنبية، مالية ومؤسساتية، ظلت طيلة هذه المرحلة معادية للمقاومة الفلسطينية.
وكانت حكومة محمد اشتية التي أدَّتْ اليمين القانونية أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 13/4/2019، وظلت قائمة حتى قمت استقالتها في 26/2/2024، تعبيرًا جليًا عن الانقسام الفلسطيني، لكون رئيسها أولاً عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح، مما يعني أنها حكومة حركة فتح، وليست حكومة فوق حزبية، وثانياً مثّلت إعلاناً رسمياً لنقض سلسلة اتفاقات بين حركتي حماس وفتح، أوّلها "اتفاق الشاطئ" في 23/4/2023، الذي انبثقت عنه حكومة "الوفاق الوطني"، وهي الحكومة التي ترأسها رامي الحمدالله، ثمّ اتفاق القاهرة التالي في 25/9/2014، الذي حدّد مهام حكومة "الوفاق الوطني"، وأنهى الخلاف حول الملفات العالقة، ونظّم آليات حلّ تلك الملفات، ثمّ أخيراً اتفاق القاهرة في 12/10/2017، والذي يفترض أنّه نظم آليات عمل حكومة "الوفاق الوطني" في قطاع غزة، ثم ومنذ "الانقسام الفلسطيني"، وتعطيل المجلس التشريعي في حينه، ثمّ حلّه في 23/12/2018، والحكومة لا تُعرض على المجلس التشريعي للتصويت على الثقة بالحكومة.
يمكن النظر إلى أداء حكومة اشتية بوصفه مركباً من انعدام المؤسسية الذي ركّز السلطة في مؤسسة الرئاسة، في وضع من الانقسام الوطني العميق، وظرف سياسي، يستخدم فيه الاحتلال الصهيوني الورقة المالية أداة تعطيل دائم للفعالية السياسية للسلطة الفلسطينية، ومنها حكومة اشتية، فردّاً على ما صرّحت به السلطة الفلسطينية من تشكيلها فريقين قانونيين محلياً ودولياً، لمتابعة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (General Assembly) إحالة ملف الاحتلال الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية (International Court of Justice)، لإصدار فتوى قانونية بشأن الاحتلال ووجودة على "الأراضي الفلسطينية"، قرّرت "إسرائيل" سلسلة من الإجراءات العقابية ضدّ السلطة منها خصومات مالية جديدة، وسحب بطاقة "الشخصية المهمة" من وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي و3 قياديين في فتح، وهي السياسات التي كانت ترى فيها السلطة، وعلى لسان رئيس الحكومة محمد اشتية؛ تقويضاً لها ودفعاً نحو انهيارها، لا سيّما فيما يخصّ الخصومات المالية المستمرة من أموال السلطة.
ويتطرق الكاتب إلى العلاقات الوطنية البينية والأوضاع الداخلية للفصائل الفلسطينية، فيقول أنها لا تنفك العلاقات الوطنية البينية بين القوى الفلسطينية، ولا حتى الأوضاع الداخلية لكل فصيل منها منفرداً، عن مجمل ملفات الوضع الفلسطيني الداخلي، فالتداخل كبير بين سياسات السلطة الفلسطينية بمؤسساتها المتعددة، وأدوات استدعاء منظمة التحرير وتوظيفها، كما مر في الملفات السابقة كلها، وكذلك التنسيق الأمني كما سيأتي، وبين العلاقات الوطنية البينية والأوضاع الداخلية للفصائل الفلسطينية. ومن ثم فإنّ الجمود الذي اتسمت به الحالة الوطنية الفلسطينية في تلك الملفات كلها، إذ بقيت على حالها، مع جهود ظاهرة لنخبة مثلث (المنظمة. السلطة، فتح) لحصار أي فعالية عامة تسعى لكسر الجمود وتنشيط النضال الفلسطيني سوف ينعكس بالضرورة جموداً على العلاقات الوطنية الداخلية.
التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال
من أهم سمات السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس التنسيق الأمني مع الحكومة الصهيونية من أجل ملاحقة المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية. فقد استمرت حكومة بينيت لابيد من 2021/6/13 وحتى 2022/12/29، وأولت هذه الحكومة اهتماماً خاصاً من خلال وزير الحرب الصهيوني حينها بني جانتس Benny Gantz بالتواصل والتنسيق المستمر ذي الطابع الأمني والاقتصادي مع السلطة الفلسطينية بلا أي أفق سياسي. يُذكرنا ذلك بسلسلة القرارات التي اتخذتها مؤسسات متعددة في منظمة التحرير بوقف التنسيق الأمني، دون التزام بذلك.
ظلّ الوضع الفلسطيني في سنتي 2022 و2023 كما السنوات الساقة: متَّسماً بالجمود المطبق، لا سيما في العلاقات الوطنية الداخلية، وفي سياسات السلطة الفلسطينية، مع انسداد الآفاق في الصراع مع الاحتلال، باستثناء تصاعد المقاومة في الضفة الغربية مطالع سنة 2022، ثم عدوانين إسرائيليين على قطاع غزة في آب/ أغسطس 2022، وأيار/ مايو 2023، إلى أن جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7/10/2023..ويحسن وصل الأمر بإعلان الرئيس عباس في 2020/5/19 انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الأمنية وهو موقف بدا خطابياً في أثناء توتر العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإدارة ترامب، إلا أن قيادة السلطة أعلنت تراجعها عنه في 2020/11/17، على لسان حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، الذي قال إن مسار العلاقة مع "إسرائيل" سيعود كما كان لتدخل السلطة الفلسطينية بهذا المسار من العلاقة مع حكومة بينيت ـ لابيد، وبما يفسره تصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي في حينه يائير لابيد Yair Lapid بقوله: "إن 90% من العلاقات مع السلطة الفلسطينية تتعلق بالتنسيق الأمني.
وهو أمر يتفق مع الرؤية الأمنية التي عبر عنها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) (Israeli Security Agency - ISA (Shabak على لسان رئيسه في حينه نداف أرغمان Nadav Argaman بقوله: "إن استقرار السلطة الفلسطينية، هو مصلحة إسرائيلية لضمان استمرار التنسيق الأمني ولتبقى إسرائيل بعيدة عن إدارة وتمويل احتياجات ملايين الفلسطينيين". ومن ثم استكملت السلطة هذا المسار طوال سنة 2022 الذي أدارته حكومة بينيت ـ لابيد، دون أن يكون لقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط / فبراير 2022 بوقف التنسيق الأمني مفاعيل واقعية، بل إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس صرح مع نهايات 2022 أن الاتفاقيات مع إسرائيل قائمة ولا تراجع عنها.
وبالرغم من أن الاقتحامات الإسرائيلية لمراكز المدن الفلسطينية، كانت تفضي إلى ارتقاء العديد من الشهداء، فإن الاجتماعات ذات الطابع الأمني بين قيادة السلطة ومستويات أمنية صهيونية لم تتوقف، فقد أرجعت كتائب شهداء الأقصى ـ لواء نضال العامودي، قدرة الاحتلال على الوصول إلى مقاتليها في نابلس إلى التنسيق الأمني، وذلك بينما تحدثت المصادر الإعلامية عن لقاء جمع حسين الشيخ برئيسة مكتب وزير الأمن الإسرائيلي، معيان إسرائيلي Maayan Israeli، ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غسان عليان Ghassan Alyan ولقاء آخر جمعه في تل أبيب بوزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال عومير بارليف Omer Barley. وتفيد هذه المصادر بأنه كان من ضمن أهداف هذه الاجتماعات منع التصعيد في شهر رمضان في المسجد الأقصى، إلى درجة أن المصادر الإعلامية الإسرائيلية زعمت أن الرئيس عباس أمر نشطاء حركة فتح بالقدس بالوقوف في وجه أي تصعيد في المسجد الأقصى ولو بأجسادهم. وذلك بينما مثل شهر رمضان سنة 2022، تحدياً كبيراً للمخططات الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى، ولا سيما مخططات أحزاب الصهيونية الدينية مع تزامن عيد الفصح اليهودي مع شهر رمضان المبارك، فقد امتدت اقتحامات قوات الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى طوال الشهر، كان بعضها عنيفاً كما في اقتحام يوم 2022/4/15 وأدت إلى أكثر من 160 إصابة واعتقال أكثر من 400 فلسطيني.
تضع هذه المعادلة الإسرائيلية السلطة الفلسطينية في وضع معقد، فالأوساط الأكثر تعاطياً معها، كالمؤسسة الأمنية، تتسم بالتطرف وعدم التسامح في القضايا الأمنية الاستراتيجية أو في معالجة الإلحاح الأمني الذي تعجز السلطة عن معالجته بنحو فوري. وذلك بينما تستمر "إسرائيل" في إطلاق عملية مفتوحة لتصفية حالة المقاومة بالضفة الغربية أسمتها كاسر الأمواج Break water ودفعت بها منذ 2022/3/31، بعد سلسلة العمليات النوعية التي شهدها شهر آذار / مارس وأفضت إلى مقتل 11 إسرائيلياً وإصابة 27 آخرين.
أدت هذه الترتيبات إلى محاولة السلطة الفلسطينية تفكيك التشكيلات المسلحة المقاومة في شمالي الضفة الغربية، وبدت السلطة ناجحة في هذا الجهد إزاء تشكيل "عرين الأسود" الذي تمركز في مدينة نابلس. إذ اتخذ هذا الجهد صوراً ناعمة بإقناع عناصر من التشكيل بتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية للسلطة وصوراً أخرى خشنة كاعتقال بعض أهم قيادات التشكيل لا سيما المحسوبين منهم على حركة حماس وأشهرهم مصعب اشتية الأمر الذي امتد في مصادمات مع الجماهير وعموم الناس في مدينة نابلس: بينما تكفل الاحتلال باغتيال العديد من مقاومي التشكيل.
كان التجسيد الأوضح لاستمرار التنسيق الأمني، والخطط الأمريكية الرامية إلى تطوير هذا التنسيق في قمة العقبة الأمنية، التي جمعت في 2023/2/26 في العقبة بالأردن إلى جانب السلطة كلاً من الاحتلال والولايات المتحدة والأردن ومصر، ثم قمة شرم الشيخ بمصر التي جاءت في الشهر التالي في 2023/3/19 بين الأطراف نفسها ولاستكمال تفاهمات قمة العقبةوهذا جعل من آليات التعامل مع تشكيل عرين الأسود" نموذجاً لاختبار إمكانية استنساخه إزاء عموم حالة المقاومة وتشكيلاتها في شمالي الضفة الغربية، ولا سيما في مخيم جنين. فقد أفادت مصادر عن تجهيز السلطة الفلسطينية لخطة لاحتواء التشكيلات المسلحة في مخيم جنين ، وأنها بالفعل منعت عدداً من العمليات التي كانت تخطط لها حركة الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا، انتهت سنة 2022 بأكثر من 500 اعتقال واستدعاء سياسي من السلطة الفلسطينية لنشطاء فصائل المقاومة في الضفة الغربية.
وبالرغم من هذا التحوّل الإسرائيلي العملي نحو ضم الضفة الغربية، وتصريحات نتنياهو المستمرة المعادية للسلطة الفلسطينية والتي يتهمها فيها بأنها "لا تقوم بدورها الأمني" وتعهده باستمرار المسؤولية الأمنية الإسرائيلية عن الضفة، فإن المصادر تحدثت عن اتصالات مبكرة، ثمّ مستمرّة، ذات طابع سرّي، بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، وتشييد قناة اتصال سرية بين مكتب نتنياهو وقيادات في السلطة، بدأت بمبادرة من السلطة برسالة بعثها أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ إلى مكتب نتنياهو عبر الإدارة الأمريكية في الأسابيع التي سبقت تنصيب حكومة نتنياهو السادسة، مفادها أنه "على الرغم من الخلافات العميقة، إلا أن السلطة الفلسطينية مستعدة للعمل مع رئيس الحكومة الجديدة". وقد عيّن نتنياهو مستشارة للأمن القومي تساحي هنغبي (Tzachi Hanegbi)، مسؤولاً عن الملف الفلسطيني، وفوضه بإجراء المحادثات التي تناولت في الأسابيع الأولى من عملية تنصيب الحكومة، عبر اتصالات منتظمة، محاولة منع التصعيد"، وقد أسفرت هذه المحادثات عن لقاءات فعلية جمعت الشيخ بهنغبي، وأثمرت عن تأجيل التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار مناهض للاستيطان في الضفة. 303
لقد كان التجسيد الأوضح لاستمرار التنسيق الأمني، والخطط الأمريكية الرامية إلى تطوير هذا التنسيق في قمة العقبة الأمنية، التي جمعت في 2023/2/26 في العقبة بالأردن إلى جانب السلطة كلاً من الاحتلال والولايات المتحدة والأردن ومصر، ثم قمة شرم الشيخ بمصر التي جاءت في الشهر التالي في 2023/3/19 بين الأطراف نفسها ولاستكمال تفاهمات قمة العقبة، والتي يبدو أنها تركزت في خطة أمنية أمريكية يشرف عليها الجنرال الأمريكي مايكل فينزل وتقترح تدريب القوات الفلسطينية للسيطرة على منطقتي جنين ونابلس. وفي هذا الإطار فإن 5 آلاف عنصر أمني فلسطيني يخدمون في جهاز الأمن الوطني، سيجري تدريبهم في قواعد تدريبية في الأردن. وسيخضعون لبرنامج تدريبي خاص بإشراف أمريكي .