السياسات العامة والتحول الاجتماعي
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
أفرز التحول الحكومي في سلطنة عُمان خلال السنوات الأربع الفائتة عددًا من السياسات العامة، بعضها سياسات اجتماعية مباشرة تتماس مع مبدأ التمكين الاجتماعي، وبعضها سياسات (اقتصادية - اجتماعية) تتلاقى مع مبدأ التمكين الاجتماعي من زاوية اقتصادية (إنتاجية)؛ ويفترض في هذه السياسات ثلاثة اعتبارات مهمة: أولها أن يكون هناك تحول واضح تنشدهُ في المجتمع، وهذا التحول قد يكون تعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي، أو دعم إنتاجية الأفراد، أو تحفيز بعض الأنماط الثقافية المرتبطة بالجانب الاقتصادي.
ذلك على المستوى النظري؛ أما على المستوى التطبيقي، فإن من السياسات التي أفرزها التحول الحكومي سياسات وبرامج دعم الحماية الاجتماعية، وسياسات دعم تحول الإدارة إلى الإدارة المحلية، وسياسات زواج العُمانيين من أجانب، وسياسات وضع نظم لتمكين الإنتاجية وقياس أداء الموظفين الحكوميين، وسياسات مراجعة بعض أشكال الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وسياسات تشجيع ودعم التحول إلى ريادة الأعمال، بالإضافة إلى سياسات التشغيل بأشكالها المستجدة، وسواها كلها سياسات إما أن تكون متصلة بالمجتمع بصورته المباشرة أو متلاقية معه في شقيه الاقتصادي والإنتاجي. ولكن يبقى السؤال من الذي يعطينا المنظور العام لتأثير وأثر تلك السياسات عمومًا على تحول المجتمع؟ بمعنى هل هناك تحول في سمة اجتماعية أو في بناء وتركيب المجتمع نتج عن تلك السياسات؟ هل دفعت تلك السياسات مثلًا إلى تركيز أفراد المجتمع على قيم الإنتاجية، ودفعهم إلى تعزيز كفاءتهم الوظيفية والتركيز على استخدام مواردهم بأقصى قدرة ممكنة لخدمة سياق العمل الذي ينشطون فيه؟ وهل دفعت تلك السياسات المجتمع إلى إعادة التفكير في مؤسسة الزواج، والنظر بشكل واع إلى الخيارات الزواجية، وفهم ضرورات بناء أسرة متماسكة تستطيع إدارة مواردها لتحسين أنماط حياتها؟ وغير ذلك من الأسئلة التقييمية التي تبنى على مسوغات وأهداف كل سياسة عامة؛ سواء تصدرت تلك السياسة في شكل تشريعي (قوانين ولوائح) أو كانت في صيغ توجيهات أو خطط وبرامج.
فعلى سبيل المثال لو أخذنا السياسات المرتبطة بدعم منظومة الحماية الاجتماعية وتمكينها فإن أسئلة الأثر التي يمكن أن تطرح على المدى المتوسط في إطار تقييمي قد تشمل الآتي:
- هل حققت تلك السياسات أداة ممكنة للفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع في سبيل تحسين جودة حياتها ووصولها للفرص التي تضمن مساهمتها في التنمية بشكل فاعل؟
- هل استطاعت تلك السياسات تحسين مستويات الاستهداف لبرامج وحزم منظومة الحماية الاجتماعية؟ وهل قللت الفجوات أو التفاوت في الدعم؟
- هل وفرت تلك السياسات ظروفًا أفضل لاستدامة إنتاجية العاملين في قطاعات العمل؟ وهل قللت الفجوات بين القطاعات المختلفة في تلك الظروف؟
- هل أمنت تلك السياسات ظروفًا أفضل للطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل في المجتمع بحيث تضمن مساهمتها وإنتاجيتها العالية في التنمية وتمكين قدرتها الشرائية؟
- وكسؤال تكويني: هل استجابت تلك السياسات عمومًا للتغيرات والتحولات المستمرة في احتياجات وتطلعات وظروف المجتمع، بما يمكنها أن تكون مرنة تجاه الأهداف التي وضعت لها؟
هذه أسئلة تقييم نموذجية على نمط من أنماط السياسات التي تم وضعها، ويمكن مقابل كل سؤال من تلك الأسئلة وضع الأدوات العلمية والمنهجية المناسبة والموضوعية للوصول إلى مُكنة التقييم الأمثل لتلك السياسات.
من المؤكد أن هناك أدوارًا مؤسسية وعملا قائما للمؤسسات التي تملك هذه السياسات أو تستصدرها في سبيل مراقبتها وتقييمها، ولكن مبدأ السياسات العامة واستنادًا إلى كونها عمومية فإن الآثار المتوقعة من تطبيقها من الطبيعي أن تتجاوز حدود ذلك القطاع/ المجال الذي تنشط فيه تلك السياسة العامة. وهو ما يفرض تقييمًا شموليًا (متعدد القطاعات) لآثار تلك السياسات. فإن قامت حكومة ما بخصخصة قطاع خدمي معين (على سبيل المثال)، فإن الأثر قد ينتج وفرًا ماليًا للحكومة، وقد ينشط دور مكونات القطاع الخاص في خدمة التنمية، ولكنه قد يخضع تلك الخدمة لأسعار السوق، وقد يفرض تفاوتًا في جودة تقديم تلك الخدمة، وقد يفرض أعباء فيما يتعلق بالقدرة على حوكمة القطاع لاحقًا، وقد ينتج توترًا اجتماعيًا إزاء تلك الخدمة، إذن ما نريده قوله: إن أثر السياسات العامة متشابك وتعقيدي، وهو ما يفرض وجود رؤية مستقلة وشاملة وتكوينية للوصول إلى الحكم على الأثر الحقيقي.
وفي هذا الصدد تهتم حكومات العالم في السنوات الماضية بمسائل تقييم ومراجعة السياسات العامة، وتخصص لها اللجان المستقلة، أو الوحدات داخل مركز الحكومة في هذا الصدد. ومن هذا المنطلق نرى في المرحلة المقبلة أهمية وجود وحدة مخصصة لتقييم السياسات الاجتماعية بمسمى وحدة السياسات الاجتماعية وتمكّن تلك الوحدة بالخبراء والكفاءات الممكنة في هذا الإطار والتي تمكنها من أداء أدوار مراجعة اتساق تلك السياسات الاجتماعية، والتنبؤ بآثارها المسبقة، واقتراح حوكمتها، ووضع الأدوات المنهجية لمتابعة وتقييم تلك السياسات. إضافة إلى الدور الأهم وهو التأكد ودراسة تأثير أي شكل من أشكال السياسات العامة الأخرى (اقتصادية – تجارية – مالية ..) على المجتمع وتركيبه ونوعية الحياة فيه. صحيح أن هذه الأدوار اليوم تتفرق بين مؤسسات قائمة؛ ولكن وجود هذه الوحدة سيعمل كإطار أكثر تنظيمًا خاصة في مجال مراجعة الاتساق والمواءمة للسياسات العامة مع السياسات الاجتماعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسات الاجتماعیة السیاسات العامة السیاسات ا
إقرأ أيضاً:
وكيل صحة القاهرة يترأس إجتماعا لمناقشة وضع الميكنة والتحول الرقمي
ترأس الدكتور حموده الجزار - رئيس قطاع الشئون الصحية بالقاهرة ؛ إجتماعا موسعا مع مديري عموم المناطق الطبية ؛ عبر خاصية الفيديو كونفرانس - وذلك للوقوف على الوضع الراهن الخاص بميكنة مراكز ووحدات الرعاية الأساسية .
جاء ذلك في حضور الدكتورة إيمان هارون ؛ وكيلة المديرية للطب الوقائي - والدكتورة راندا صبري؛ مديرة مركز المعلومات بالمديرية.
جاء ذلك الإجتماع نتيجة لمتابعة رئيس قطاع القاهرة اليومية لأعمال الميكنة في المراكز الطبية ؛ والتحول الرقمي ؛ حيث لاحظ أن هناك إنخفاض لأعداد المترددين في بعض الأماكن ؛ مما إستدعى لعقد إجتماع للوقوف على مدى تقدم القاهرة بملف الميكنة والتحول الرقمي ؛ وكيفية الحفاظ على هذا الإنجاز الذي تحققه القاهرة ؛ ليس فقط داخل المحافظة - بل لتكون القاهرة هي المحافظة الرائدة لباقي محافظات الجمهورية في هذا الملف ؛ بقطاع الصحة.
حدث تاريخي لم تشهده القاهرة من قبل .إستهل "الجزار " حديثه مع مديري عموم المناطق الطبية ؛ قائلا ؛ أن مايحدث بقطاع تكنولوجيا المعلومات بالقاهرة - يعد حدث تاريخي لم تشهده القاهرة من قبل .
مضيفا : أن الدور البطل الذي تلعبه الطاقات البشرية بالقطاع الصحي بالقاهرة - بدءا من قيادات المناطق الطبية والوحدات - مرورا بالفرق الطبية بكافة تخصصاتها ( أطباء بشريين - صيادلة - أسنان - علاج طبيعي - تمريض - فنيين - إداريين ؛ وخدمات معاونة ) - وهذا الأداء المتميز الذي يقدمونه وشعلة الأداء والحماس ؛ حيث إلتف الجميع حول هدف واحد ؛ أن يكون القطاع الصحي بالقاهرة مميكن بالكامل ؛ وأن تكون القاهرة هي الرائدة لباقي محافظات الجمهورية.
أضاف: موجها كلمات إيجابية تحمل طاقات حماسية ؛ أنه يجب علينا أن نحافظ على هذا التقدم والإنجاز التاريخي ؛ ومحاولة تذليل أى عقبات تحول دون التقدم نحو هدف الميكنة والتحول الرقمي الكامل للقاهرة - مؤكدا على تواصله المستمر مع كافة قيادات القطاع الصحي بالقاهرة دون إستثناء - للإستماع لأى أفكار جديدة تساهم هذا المشروع القومي ؛ ومحاولة تذليل أى عقبات ؛ للإرتقاء بمستوى الخدمات الطبية المميكنة ؛ والمتابعة اللصيقة والمستمرة من مديري المناطق الطبية ؛ ومديري مراكز ووحدات الرعاية الأساسية.
إقترح “الجزار” على مديري عموم المناطق الطبية إستحداث أو تكليف من يرونه مناسبا ليكون مساعدا لمدير المنطقة أو المركز الطبي لأعمال الميكنة والتحول الرقمي.
إختتم حديثه موجها الشكر والإمتنان لهم ولجميع الفرق الطبية ؛ مثمنا مجهوداتهم في هذا الملف؛ كما أنه إلتفت إلى أنه قد يكون هناك بعض المعوقات مثل جودة خدمات الإنترنت ؛ لكنه مقدرا لتلك المجهودات الجبارة المبذولة ليل نهار ؛ مؤكدا أن الميكنة والتحول الرقمي لعدد 150 مركز طبي ؛ وإعتماد ( GAHAR ) لعدد عشر مراكز طبية ؛ يعدان في المقام الأول ضمن أولويات سيادته .
من جانبها ؛ أكدت الدكتورة إيمان هارون؛ وكيلة المديرية للطب الوقائي؛ على تعليمات وتوجيهات رئيس قطاع الشئون الصحية بالقاهرة ؛ وأنها مكلفة بتكليف لجنة لمتابعة أعمال الميكنة والتحول الرقمي وعرض الأمر عليه بصفة يومية .