«دون الولايات المتحدة لا توجد حرية في العالم». بهذه العبارة تشدَّق بنيامين نتنياهو؛ رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، في مكالمته الهاتفية يوم الخميس الماضي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بينما كان يهنئه بعيد استقلال أمريكا الذي يوافق الرابع من يوليو من كل عام. وهكذا، فإن المسؤول الأول في الكيان المحتل الذي يحرم 21 ألف فلسطيني من حريتهم وراء السجون، ويحرم كذلك أكثر من مليوني فلسطيني من حريتهم بوضعهم في أكبر سجن مفتوح في العالم الذي هو قطاع غزة، يتحدث -بلا خجل- عن الحرية، بل ويحصرها في دولة يحفل تاريخها القصير هي الأخرى ليس فقط بحرمان ملايين البشر من حرياتهم؛ من فيتنام إلى أفغانستان وليس انتهاء بالعراق، بل وإبادتهم أيضًا بدم بارد.
من تشدقات إسرائيل بالحرية أنها أسست منذ أكثر من ستين عاما جائزة ثقافية عالمية باسم المدينة الفلسطينية التي تحتلها؛ القدس. وللمفارقة، اختارت لها اسمًا رسميًّا هو «جائزة القدس لحرية الفرد في المجتمع»! تُمنح لُكتّاب وكاتبات تحتفي إنتاجاتهم الأدبية والفكرية بفكرة الحرية الفردية للإنسان والحثّ عليها، وقد ذكّرني بهذه الجائزة هذا الأسبوع وفاة أحد الفائزين بها وهو الروائي الألباني إسماعيل كاداريه الذي رحل عن عالمنا يوم الاثنين الماضي، وكان قد حصل عليها عام 2015 لأنه «كاتب متميِّز بالتعبير عن الحرية الإنسانية» كما قالت لجنة التحكيم. لم يكتفِ كاداريه، وهو القادم من دولة مسلمة، بقبول الجائزة، بل تبرع بتصريحٍ مُنافِق لإسرائيل قال فيه إن ما يجمع بلده ألبانيا بهذا الكيان المحتلّ أن كلًّا منهما «يناضل من أجل البقاء في محيط كريه»، وإذا لم تستح فنافِقْ بما شئت.
العجيب في أمر هذه الجائزة أن قائمة الذين نالوها من أدباء ومثقفي العالم الكبار طويلة، منذ تأسيسها عام 1963، فقد حصل عليها في دورتها الأولى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وتوالى بعد ذلك منحُها كل سنتين إلى كبار مثقفي العالم من بورخيس، إلى سيمون دي بوفوار، إلى جراهام جرين، إلى كونديرا، إلى أرنستو ساباتو إلى سوزان سونتاج. ولا أحد من هؤلاء توقف للحظة وسأل نفسه: هل أنا منسجم مع ذاتي وأنا أقبل هذه الجائزة؟ ألستُ أسهم بقبولي إياها في تبييض وجهِ كيان محتلّ يحرم أصحاب الأرض حريتهم!». فعلى على سبيل المثال لم يستطع أن يقول «لا» لهذه الجائزة الشاعر المكسيكي الكبير أوكتافيو باث رغم أنه يقول إن «الحرية ليست فلسفة ولا حتى فكرة؛ إنها حركة وعي تقودنا في لحظات معينة إلى قول كلمتَيْن صغيرتَيْن: نعم أو لا». وقَبِلَها أيضًا الروائي البيروفي ماريو بارجاس يوسا رغم أنه يقول في خطاب فوزه بنوبل عام 2010: «لكي يزدهر الأدب في مجتمع، علينا بدايةً أن نصل إلى الثقافة العالية، إلى الحرية، إلى الرخاء، إلى العدالة، وإلا لما انوجدتْ أبدًا»، ولا أدري كيف رأى الحرية والعدالة في إسرائيل!
أما أول فائز بهذه الجائزة؛ الفيلسوف برتراند راسل، فإنه يجعل الحرية شرطًا للسعادة. يقول في كتابه «الطريق إلى السعادة»: «الرجل الذي لم يعترِهِ في حياته مكروه يحطم العزيمة سينظر إلى الجانب السعيد في الحياة، وذلك ما لم يكن هناك افتئات على حريته. وإلى حد كبير يرجع الزهد في الحياة في مجتمعنا المتحضر إلى العوامل التي تحد من حرية المرء، علمًا بأن الحرية أمر ضروري كي نشق طريقنا في الحياة». ويبدو أن الحرية التي يتحدث عنها راسل ليست حرية الجميع، وإنما حرية طبقة معينة من البشر، أولئك الذين وصفتهم في مقال سابق في هذه الزاوية بأن «عيونهم زرقاء، ويشاهدون نتفلكس».
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العالم
إقرأ أيضاً:
حرية التعبير في الأردن: بين قانون الجرائم الإلكترونية وضغوط المنظمات الدولية
#حرية_التعبير في #الأردن: بين #قانون_الجرائم_الإلكترونية وضغوط #المنظمات_الدولية
بقلم ا د #محمد_تركي_بني_سلامة
يعدّ قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن ضربة قوية للحريات العامة و #حرية_الصحافة، ويشكل انعكاسًا سلبيًا لصورة الأردن في المحافل الدولية، خاصةً بعد أن عبّرت العديد من المنظمات الدولية عن قلقها من تداعياته على حقوق الإنسان و #حرية_التعبير.
و تأتي هذه الانتقادات في وقتٍ يسعى فيه الأردن إلى التحديث السياسي وفتح مساحات أوسع للحوار الديمقراطي، ما يجعل هذا القانون متناقضًا مع رؤية الدولة نحو الإصلاح والتحديث .
تم تطبيق هذا القانون على عدة شخصيات بارزة، من بينهم الكاتب الصحفي #أحمد_حسن_الزعبي، الذي يُعد من الأصوات الوطنية المؤثرة.
اعتقال الزعبي بسبب آرائه المنتقدة للسياسات الحكومية عرّض الحكومة الأردنية لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية وصحفية دولية، مما اعتبرته هذه المنظمات محاولةً للرقابة وتقييد حرية التعبير. إذ وُجهت التهم للزعبي بموجب مواد قانونية مبهمة وغير محددة تتيح للسلطات استخدام القانون بشكل تعسفي، ما جعله مثالاً حيًّا لتأثير هذا القانون على الحريات الصحفية وحرية الرأي في البلاد.
تحدثت منظمة العفو الدولية عن تأثيرات هذا القانون، معتبرةً أنه يهدف إلى تجريم النقد السياسي وقمع الأصوات الناقدة، حيث دعت السلطات الأردنية إلى إلغاء أو تعديل القانون ليكون متماشياً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتي صادق عليها الاردن . كما أكدت أن التعبير عن الرأي حول السياسات الحكومية حق مشروع يجب على الدولة حمايته وليس قمعه. وأكدت على ضرورة إسقاط جميع التهم الموجهة إلى الصحفيين والنشطاء، وخاصةً قضية الزعبي التي أصبحت رمزًا للصحافة الحرة في الأردن.
أما منظمة “مراسلون بلا حدود”، فقد أدانت هذا القانون بشدة، مشيرة إلى أنه يشكل تهديداً لحياة وسلامة الصحفيين، ويُعد تراجعًا حقيقيًا لحرية الإعلام في الأردن. ووصفت قضية أحمد حسن الزعبي بأنها مؤشر على تدهور وضع الصحفيين وحرية الصحافة، حيث يتم استهداف الأصوات الناقدة من خلال تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية. وأكدت المنظمة أن الغموض الذي يشوب بعض مواد القانون يسمح باستخدامه كأداة قمعية تتعارض مع المبادئ الأساسية لحرية التعبير.
وقد شددت “منظمة حرية الصحافة النسائية” على أن قمع الصحفيين باستخدام مصطلحات قانونية فضفاضة أمر غير مقبول، داعية إلى توفير بيئة آمنة تضمن للصحفيين القدرة على أداء مهامهم دون خوف من العقوبات أو الانتقام. ونوهت المنظمة إلى أن التضييق على حرية التعبير يشوّه صورة الأردن ويقلل من مصداقيته كدولة تسعى إلى الديمقراطية والانفتاح، مطالبةً بإلغاء الأحكام الجائرة التي طالت الزعبي وجميع الصحفيين الذين يحاولون إظهار الحقائق للجمهور.
ومن وجهة نظر حقوقيين ونشطاء، فإن قانون الجرائم الإلكترونية يتطلب إصلاحات جذرية وعاجلة لضمان عدم استغلاله كأداة قمعية تسكت الأصوات المعارضة وتحد من حرية الصحافة. وهم يؤكدون على أن التحديث السياسي الذي دعا إليه الملك عبدالله الثاني يجب أن يكون شاملًا ويضمن حرية التعبير كحق أساسي لا يتجزأ، وأن انتقاد السياسات العامة يُعد جزءًا من الممارسة الديمقراطية التي تحترم حق الشعب في المشاركة السياسية.
وبحسب منظمة “Peoples Dispatch”، فإن تطبيق هذا القانون بطريقة صارمة يشكل تهديداً جدياً لحرية الصحافة ويؤثر على سمعة الأردن الدولية، حيث يُستخدم لملاحقة الصحفيين والنشطاء بدلًا من حماية المجتمع من الجرائم الإلكترونية الحقيقية. كما دعت المنظمة السلطات الأردنية إلى تعديل هذا القانون بما يتماشى مع المعايير الدولية لضمان حقوق الصحفيين وحماية حرية التعبير. وأشارت إلى أن مثل هذه القوانين تضعف مصداقية الدولة أمام المجتمع الدولي وتحد من فرص الأردن في جذب الدعم والاعتراف كدولة تحترم حقوق الإنسان.
في النهاية، تبقى قضية أحمد حسن الزعبي مثالًا حيًّا على معاناة الصحفيين في الأردن من التضييق، وتمثل صرخةً للحقوقيين والصحفيين للدفاع عن حرية الصحافة. إن إصلاح هذا القانون يعد خطوة ضرورية لتحقيق التحديث السياسي الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني وتعزيز صورة الأردن كدولة تحترم حرية التعبير وحقوق الإنسان، وتحقيق رؤية الملك عبدالله الثاني نحو أردنٍ أكثر انفتاحًا وحرية.