لجريدة عمان:
2024-07-12@03:07:13 GMT

حرية على مقاس إسرائيل

تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT

«دون الولايات المتحدة لا توجد حرية في العالم». بهذه العبارة تشدَّق بنيامين نتنياهو؛ رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، في مكالمته الهاتفية يوم الخميس الماضي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بينما كان يهنئه بعيد استقلال أمريكا الذي يوافق الرابع من يوليو من كل عام. وهكذا، فإن المسؤول الأول في الكيان المحتل الذي يحرم 21 ألف فلسطيني من حريتهم وراء السجون، ويحرم كذلك أكثر من مليوني فلسطيني من حريتهم بوضعهم في أكبر سجن مفتوح في العالم الذي هو قطاع غزة، يتحدث -بلا خجل- عن الحرية، بل ويحصرها في دولة يحفل تاريخها القصير هي الأخرى ليس فقط بحرمان ملايين البشر من حرياتهم؛ من فيتنام إلى أفغانستان وليس انتهاء بالعراق، بل وإبادتهم أيضًا بدم بارد.

وإذا لم تستح فتشدّق بما شئت.

من تشدقات إسرائيل بالحرية أنها أسست منذ أكثر من ستين عاما جائزة ثقافية عالمية باسم المدينة الفلسطينية التي تحتلها؛ القدس. وللمفارقة، اختارت لها اسمًا رسميًّا هو «جائزة القدس لحرية الفرد في المجتمع»! تُمنح لُكتّاب وكاتبات تحتفي إنتاجاتهم الأدبية والفكرية بفكرة الحرية الفردية للإنسان والحثّ عليها، وقد ذكّرني بهذه الجائزة هذا الأسبوع وفاة أحد الفائزين بها وهو الروائي الألباني إسماعيل كاداريه الذي رحل عن عالمنا يوم الاثنين الماضي، وكان قد حصل عليها عام 2015 لأنه «كاتب متميِّز بالتعبير عن الحرية الإنسانية» كما قالت لجنة التحكيم. لم يكتفِ كاداريه، وهو القادم من دولة مسلمة، بقبول الجائزة، بل تبرع بتصريحٍ مُنافِق لإسرائيل قال فيه إن ما يجمع بلده ألبانيا بهذا الكيان المحتلّ أن كلًّا منهما «يناضل من أجل البقاء في محيط كريه»، وإذا لم تستح فنافِقْ بما شئت.

العجيب في أمر هذه الجائزة أن قائمة الذين نالوها من أدباء ومثقفي العالم الكبار طويلة، منذ تأسيسها عام 1963، فقد حصل عليها في دورتها الأولى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وتوالى بعد ذلك منحُها كل سنتين إلى كبار مثقفي العالم من بورخيس، إلى سيمون دي بوفوار، إلى جراهام جرين، إلى كونديرا، إلى أرنستو ساباتو إلى سوزان سونتاج. ولا أحد من هؤلاء توقف للحظة وسأل نفسه: هل أنا منسجم مع ذاتي وأنا أقبل هذه الجائزة؟ ألستُ أسهم بقبولي إياها في تبييض وجهِ كيان محتلّ يحرم أصحاب الأرض حريتهم!». فعلى على سبيل المثال لم يستطع أن يقول «لا» لهذه الجائزة الشاعر المكسيكي الكبير أوكتافيو باث رغم أنه يقول إن «الحرية ليست فلسفة ولا حتى فكرة؛ إنها حركة وعي تقودنا في لحظات معينة إلى قول كلمتَيْن صغيرتَيْن: نعم أو لا». وقَبِلَها أيضًا الروائي البيروفي ماريو بارجاس يوسا رغم أنه يقول في خطاب فوزه بنوبل عام 2010: «لكي يزدهر الأدب في مجتمع، علينا بدايةً أن نصل إلى الثقافة العالية، إلى الحرية، إلى الرخاء، إلى العدالة، وإلا لما انوجدتْ أبدًا»، ولا أدري كيف رأى الحرية والعدالة في إسرائيل!

أما أول فائز بهذه الجائزة؛ الفيلسوف برتراند راسل، فإنه يجعل الحرية شرطًا للسعادة. يقول في كتابه «الطريق إلى السعادة»: «الرجل الذي لم يعترِهِ في حياته مكروه يحطم العزيمة سينظر إلى الجانب السعيد في الحياة، وذلك ما لم يكن هناك افتئات على حريته. وإلى حد كبير يرجع الزهد في الحياة في مجتمعنا المتحضر إلى العوامل التي تحد من حرية المرء، علمًا بأن الحرية أمر ضروري كي نشق طريقنا في الحياة». ويبدو أن الحرية التي يتحدث عنها راسل ليست حرية الجميع، وإنما حرية طبقة معينة من البشر، أولئك الذين وصفتهم في مقال سابق في هذه الزاوية بأن «عيونهم زرقاء، ويشاهدون نتفلكس».

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی العالم

إقرأ أيضاً:

رسالة من المحيط

عاش الشاب (جاي) jay حياة قصيرة ملهمة حقق خلالها حلمه في مواجهة أمواج مافريكس بطول ٣٢ قدما (الركمجة)، وحصل على الشهرة ليس بسبب إنجازه فحسب، بل بسبب شجاعته في مواجهة حائط أمواج مافريكس الذي يستحيل امتطاؤه، ناهيك عن الصمود في مواجهته. تبنت أروقة هوليود قصته من خلال فيلم «مطاردة مافريكس» ( Chasing Mavericks).

استوقفتني الفلسفة العميقة للقصة التي تجسدت في جملة (بعض الناس يتخطون الحدود ثم يكتشفون أن الحدود هي التي تخطتهم)، فجودة الحياة ليست محصورة في طول البقاء فقط بل في تصميم بشري إنساني محرر من الخوف – محب – شغوف – مرن - قادر على موازنة المعطيات.. إلخ يروض الظروف ويتماهى مع أمواجها.

بقليل من التأمل وبعيدا عن تكييف الحجج لتبرير المواقف قصة جاي (jay) وأمواج مافريكس قصتنا جميعا، فأمك التي لم تحصل على الحياة التي حلمت بها أعطتك عمرًا ومشاعر نقية بلا شرط أو قيد، لم تبكِ على تردي الحال بل امتطت «موجة مافريكس» بانسيابية ومرونة لتصل بك إلى حلمك الذي بات حلمها، وغيرت دورها في المعركة من ضحية إلى محركة للصفوف وحولت طاقتها من التركيز على ما فقدت إلى استثمار أمثل لما تملك وما يسعدها وهو أنت ونفسها، تلك الأم هي النموذج الإنساني البشري الذي يشكل مقوم مهم في جودة الحياة.

وذاك الشاب الذي غابت مسؤولية والديه تجاهه - بمبرر أو بدون مبرر- وبات يعمل نادلا في مطعم ويدرس مستهدفا طموحاته اختار الصعود لقمة موجة مافريكس، متحديا المجهول ليشق طريق حياته (فإما حياة أبتغيها أو حياة أبتغيها) لا خيار ثالث.

وهناك تلك الفتاة التي تستحق أفضل فرصة ونُزعت منها فاختارت أن تقاتل من أجل خلق فرص جديدة حتى لو تطلب ذلك التنازل عن شيء من طموحها بشجاعة ونزاهة لم يغلبها قهر الظلم ولم تتبدل قيمها بل زادت شخصيتها توهجا بصفات لم تكن ستشرق داخلها دون هذه التجربة، لقد اختارت أن تواجه «موجة مافريكس» متحدية الهزيمة.

وفي زاوية أخرى من الحياة كُتبت قصة مراهقة بارزت المرض الذي أضعف مهاراتها وأعاق اعتمادها على نفسها، واليوم كسبت التحدي وصنعت طبقا من البيض المقلي دون مساعدة، اختارت تلك الفتاة اختراق «موجة مافريكس» وتفوقت عليها واستحقت وسم الشجاعة بمقلاة وبيضة.

الحياة ملأى بالاختيارات لكن قوة الاختيار ليست للجميع، بل لمن يملك الشجاعة فالاستطاعة أن تكون مقداما وحكيما، وإن لم تكن تام الجاهزية، كن أنت الأمان لنفسك وللآخرين، وكن القيمة إذا تهاوت القيم، وكن دائما الحقيقة مهما تعاظم زبد الزيف، بالمناسبة جاي (jay) توفي في سن ٢٢ سنة بعد حياة ممتلئة بالكثير من كل شيء؛ بالتخلي والخوف والفقد والفقر والاحتياج والتنمر والشجاعة والامتنان والمرونة والنجاح والشهرة والعطاء والبر لوالدته والتسامح والسعادة والإقبال بحب على الحياة بكل مراحلها بما فيها مرحلة الموت، وأبرز ما يميز شخصيته الحكمة والذكاء في التكيف مع الطبيعة، استمع للرياح ليفهم حركة الأمواج ولم يتحداها بل سلمها القيادة واستخدمها للوصول وضبط أنفاسه فقط.

لم يختر حياته لكن اختار كيف يعيشها وصدقا لم يتخطَ الحدود بل كان للحدود شرف تخطيه، وأنت أيضا لك قصة، أنت البطل فيها والمخرج والكاتب. إن شئت بلغت الأفق اللا متناهي، وليكن حسن التوكل على الله وقود عزيمتك، وعندها لن يهزمك شيء، بقي أن تعرف أن «موجة مافريكس» التي بداخلك قابلة للتحدي قد تتجاوزها لتواصل الحياة التي تنتظرك ومعك قصة بطولة تستحق أن تروى وقد تهزمك لكن ستترك داخلك شعورًا مريحًا بأن حياتك تستحق المحاولة، فإن لم تكن منتصرا ستكون شجاعا، يومكم سعيد.

د.عبير صالح الصقر

مقالات مشابهة

  • من أرض الألغام إلى الإنغام.. محمد الباز: العلمين الجديدة من أجمل مناطق العالم على الإطلاق
  • «بيئة» تطلق جائزة «روّاد المستقبل» 2024 للابتكارات العالمية
  • «مسار 2020» يحصد الفئة الذهبية في جائزة العالم الأخضر
  • رسالة من المحيط
  • 29 قتيلاً بغارة على مدرسة في غزة والجيش الإسرائيلي يقول إنه استهدف إرهابياً
  • 29 قتيلاً بغارة جوية على مدرسة جنوبي غزة والجيش الإسرائيلي يقول إنه استهدف إرهابياً
  • عن حرية الرأي في العصر الرقمي
  • سيارة بي إم دبليو M5 موديل 2025 الجديدة.. المواصفات والأسعار
  • تنتمي لـ فئة الـ SUV.. مواصفات أودي Q7 موديل 2024 الجديدة
  • تعرّف على أول ملكة جمال للذكاء الاصطناعي في العالم (صور)