أكتب هذا المقال، وأنا بجوار بوابة قناة السويس الشمالية وقاعدة «دو ليسبس»، حيث أحد فنادق المدينة الباسلة بورسعيد، التى تستقر بقوة فى الجغرافيا والتاريخ.
لا زخم فى حركة الملاحة، ولا بواخر سياحية.. بل حركة بطيئة وكأن أمواج القنال تعزف مع مياه البحر المتوسط لحنًا حزينًا.
قبل عام واحد، عندما كنت أزور المدينة، كانت البواخر السياحية تضىء ليل الممشى السياحى، بحركة وافدة لا تنتهى، وخليط بشرى من جنسيات متعددة، يجيئون ويروحون فى خطوط بحرية ممتدة من الصين والهند والخليج شرقًا، إلى أوروبا والأطلسى غربًا.
كانت البواخر السياحية تزاحم سفن الشحن العملاقة وناقلات البترول وسفن التغيير والحبوب، وكانت حركة الشحن والتفريغ فى الميناء لا تنتهى.
أذرع الرافعات والأوناش العملاقة، تدور هنا وهناك، لتصنع رقمًا قويًا فى الاقتصاد الوطنى.
الآن انخفضت الحركة، ودب الملل، وتضمد القناة جراح أزمة مشتعلة فى أقصى جنوب البحر الأحمر، حيث المواجهة بين الحوثيين والتحالف الأمريكى البريطانى الإسرائيلى.
يطلق الحوثيون صواريخهم على السفن المشتبه فى ارتباطها التجارى بشركات إسرائيلية، فتصيب شظاياها الاقتصاد المصرى.
فى التقدير المتوسط، فإن مصر ستفقد 5 مليارات دولار من إيرادات القناة العام الحالى بنسبة 50٪، أى بسعر صرف اليوم 240 مليار جنيه، أو نحو ربع تريليون جنيه.
أما إذا كان الانخفاض أكبر ولم يتوقف الصراع، فإن مصر ستفقد نحو 70٪ من الإيرادات، أى نحو 7 مليارات دولار، أى 336 مليار جنيه.
لا أرقام رسمية حديثة.. بل أرقام قديمة.. فلم الخجل؟
فانخفاض الإيرادات ليس مسئولية الدولة، وليس مرده تقصيرًا من هيئة القناة.. بل لأسباب اقليمية ودولية.
اتصلت بالزميلة الصحفية المخضرمة ولاء وحيد مدير مكتب الوفد بالإسماعيلية، حيث مقر إدارة هيئة قناة السويس.
سألتها عن أحدث الأرقام والبيانات، يراودنى أمل فى توثيق خسائر مصر التى لا يذكرها أحد.
أخبرتنى أن الفريق أسامة ربيع، كان قد أعلن رسميًا أن عائدات قناة السويس فى يناير وفبراير 2024 بلغت 724 مليون دولار بتراجع 50% تقريبًا عن عائدات الشهرين المقابلين من 2024 والتى تجاوزت حينها 1.4 مليار دولار.
وفى ابريل 2024 بلغت عائدات القناة 575.1 مليون دولار بانخفاض 36.5% عن أبريل 2023.
وفى مايو 2024 مع ذروة الهجمات حققت عائدات القناة 337.8 مليون دولار بتراجع 64.3% عن مايو 2023.
انتهى العام المالى، ودخلنا عامًا ماليًا جديدًا، تنتظر فيه القناة تراجعًا فى إجمالى الإيرادات، لتسجل تقريبًا نحو 7.2 مليار دولار، بنسبة تراجع 22.8%، بعد أن سجلت إيرادات بلغت 9.3 مليار دولار.
لكن هذه الأرقام لا تعكس كافة جوانب الأزمة.
فهجمات الحوثيين لم تبدأ مع العام المالى الماضى أى فى يوليو 2023، ولم تبدأ مع الحرب فى غزة أى فى أكتوبر 2023، وإنما كان ذلك منتصف ديسمبر 2023، أى تقريبًا بعد أن مضى نصف عام مالى كامل.. وبالتالى فهى لا تعكس ما حدث فى 2024.
وفقًا لبيانات مزود الرحلات البحرية مارين ترافيك، زاد عدد السفن المارة عبر مسار رأس الرجاء الصالح أكثر من الضعف، وأنظر الآن فى خرائطه التى تبث عبر الأقمار الصناعية، فأجد كمًا هائلًا من السفن ينتشر حول العالم، ويتزاحم فى مياه البحر الأبيض المتوسط.
لكن جميع السفن قادمة من مضيق جبل طارق، ورأس الرجاء الصالح، وعندما تعبر القناة جنوبًا فإنها تتوقف فى جدة ولا تعبر مضيق باب المندب.
مصر تدفع ثمنًا اقتصاديًا باهظًا، وللأسف فإن ما تدفعه لا يراه أحد، ولا يهتم به أحد.
حفظ الله مصر من كل سوء
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قناة السويس الشمالية المدينة الباسلة بورسعيد البحر المتوسط
إقرأ أيضاً:
خبير اقتصادي يرصد مكاسب جولة الرئيس السيسي الخليجية إلى قطر والكويت
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، إن جولة الرئيس عبدالفتاح السيسي الخليجية التي زار فيها دولتي قطر والكويت، تهدف لتعزيز التكامل الاقتصادي بين مصر ودول الخليج خاصة وأن مصر لها علاقات متنامية وقوية مع دول الخليج الشقيقة، بالتزامن مع اتخاذ مصر إصلاحات اقتصادية كبيرة وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار، واشتمال مصر على مشروعات قومية عملاقة كالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة والمشروعات الزراعية ومشروعات الطاقة المتجددة والمشروعات السياحية وغيرها من المشروعات التي تجعل مصر وجهة جاذبة للاستثمارات .
أوضح غراب، أن زيارة الرئيس السيسي لدولتي قطر والكويت أثمرت عن تعزيز العلاقات الاقتصادية بينها وبين مصر، خاصة وأن الزيارة شملت لقاءات مع مجتمع رجال الأعمال القطري والكويتي ودعاهم إلى توسيع استثماراتهم في مصر، وتم عرض الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر وما تمتلكه مصر من موقع استراتيجي فريد ومتميز وعمالة ماهرة مدربة وبنية تحتية متطورة وأسعار ملائمة للطاقة ومناطق اقتصادية كبيرة وبنية تشريعية مشجعة للاستثمار، وعرضه الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر في قطاعات الصناعة التحويلية والطاقة الجديدة والمتجددة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من المجالات المتنوعة للاستثمار بها في مصر .
أكد غراب، أن زيارة الرئيس السيسي لدول الخليج ناجحة ومثمرة وقد أثمرت عن توقيع اتفاق مع دولة قطر بدخول مصر حزمة من الاستثمارات القطرية المباشرة بنحو 7.5 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، مضيفا أن حجم الاستثمارات القطرية في مصر خلال العام المالي 2023/2024 بلغت نحو 618.5 مليون دولار مقابل مقابل 548.2 مليون دولار قبل 2022-2023، مضيفا أن تحويلات المصريين العاملين بقطر بلغت نحو 819.5 مليون دولار خلال العام المالي 2023/2024 مقابل 940.6 مليــون دولار خـــلال العام المالى 2022/ 2023، كما بلغت قيمة التبادل التجاري بين مصر وقطر 128.4 مليون دولار خلال عام 2024 مقابل 72.1 مليـون دولار خلال عام 2023، متوقعا أن يزداد حجم التبادل التجاري بين الدولتين خلال الفترة المقبلة .
وأشار غراب، إلى أن الفترة المقبلة ستشهد زيادة في حجم الاستثمارات الخليجية في مصر خاصة من دول السعودية وقطر والكويت وتنفيذ مشروعات كبرى في مصر على غرار مشروع تطوير رأس الحكمة بين مصر والإمارات، مضيفا أن حجم الاستثمارات الكويتية في مصر يشهد نموا وسوف يزداد خلال الفترة المقبلة خاصة بعد زيارة الرئيس السيسي، مضيفا أنه يعمل في مصر نحو ألف شركة كويتية تجاوزت قيمة استثماراتها نحو 20 مليار دولار في العديد من المجالات منها البنى التحتية والطرق والسياحة والزراعة، ولذا تعد الكويت ثالث أكبر شريك تجاري لمصر بين الدول العربية، مضيفا أن حجم التبادل التجاري بين مصر والكويت بلغت نحو 1.2 مليار دولار خلال عام 2024، مقابل 2.6 مليار دولار خلال عام 2023، وبلغت قيمة الاستثمارات الكويتية في مصر 547.7 مليون دولار، خلال العام المالى 2023/ 2024، وبلغت تحويلات المصريين العاملين في الكويت 2.1 مليار دولار، خلال العام المالى 2023/2024 .