الحكومة الجديدة بين الأمل و الرجاء
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
أتفهم حالة التباين فى الآراء التى تسود الشارع المصرى بعد أداء الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى اليمين الدستورية أمام الرئيس نهاية الأسبوع الماضى، فمصر التى تمر بمرحلة مفصلية فى تاريخها الحديث، تحتاج إلى الكثير من بذل الجهد المصاحب لاستراتجيات وأفكار مبتكرة، ودعونا ننظر إلى الحكومة بنظرة موضوعية.
بداية عزيزى القارئ لن أتخلى عن الامل فهو الذى يجعلنا نستكمل الحياة، وهو الوقود الذى يدفعنا الى الاستمرار، فلدى أمل كبير فى عبور مصر هذه المرحلة بما فيها من تحديات كبيرة، خاصة ما نراه فى منطقة تعصف بها الأزمات وما ستصل إليه ، الذى بالطبع سيشكل موازين قوى جديدة ستكون هى اللاعب الرئيسى فى منطقة الشرق الأوسط لعقود من الزمن ، هذا من ناحية ومن جانب آخر لدينا أزمة اقتصادية حقيقية نحتاج إلى حلول خارج الصندوق وهو مايقوم به الرئيس السيسى من جهد جبار فى سبيل عبور هذة الأزمة ، متأكدين أن جهود سيادته ستكلل بالنجاح.
لدى تفاؤل كبير خاصة فى بعض الحقائب التى تم اختيار افضل العناصر والكفاءات المشهود لها ، ولدى أيضا أمل فى بعض الحقائب أتمنى أن يستطيع من تولاها إضافة بصمة فى هذا الموقع وهذه المهمة .
تفاؤل بلا حدود
هناك بعض الحقائب التى جعلتنى بكل ثقة أن أنام مطمئناً قرير العين ، لان على رأسها كفاءات ذات عقلية فذة (براند نجاح) وعلى رأسهم تولى الفريق كامل الوزير منصب نائب رئيس الوزراء وتوليه وزارتى النقل والصناعه ، فتركيبة وعقلية هذا الرجل تسبقنا بسنين ضوئية، كنت أتمنى أن أجد 30 وزيراً بحجم الفريق كامل الوزير ، أؤكد لك عزيزى القارئ أن عاماً واحداً سيكون كفيلاً أن تكون مصر الحصان الأسود فى كل المجالات، تركيبة الفريق كامل لا تعرف شىء إلا العمل ثم العمل ثم الاخلاص لوطنه، تاريخ كبير من رئاستة للهيئة الهندسية، ثم تولى منصب وزارة النقل وكانت فى حالة يرسى لها، وقام ببناء شبكة طرق عالميه تستطيع مصر من خلالها البدء فى استقبال استثمارات عالمية، بدون عوائق بطرق ممهدة قادرة على اختصار الزمن ، مناطق لوجستية، موانئ بحرية وبرية، بصمات كامل الوزير تستطيع أن تلاحظها من مواعيد القطارات التى تستطيع أن تضبط ساعتك عليها، وهو أمر لم يكن موجود منذ مد، ثورة شهدتها السكة حديد فى مصر، منظومة نجاح ونموذج فريد لرجل بطل شريف مخلص لوطنه ، ليس أمامى إلا ان اشكر من فكر فى هذا الاختيار الذى سيحقق طفرة غير مسبوقة لوزير استثنائى.
تجديد الدماء
من أهم الحقاىب التى شكلها التغيير الوزارى وزارة الدفاع ، وكما عودتنا العسكرية المصرية أن لديها مخزون استراتيجى من الابطال القادرين على قيادة جيش بحجم جيش مصر ، وعى كبير واستثمار فى بناء الكوادر والكفاءات نلاحظه فى القوات المسلحة المصرية ، ليس هناك تقصير ممن سلف ولا إجادة الخلف فجميعهم أبناء العسكرية المصرية التى لا تقهر التى تبنى رجال قادرة على تولى المسئولية حال استدعاء الوطن فى أى توقيت وهذا ماشاهدناة منذ تولى المشير حسين طنطاوى وخلفه تلاميذه من بعدة لتكون هى راية دأب أبناء القوات المسلحة أن يتبادلها أبناؤها جيلاً تلو جيل.
إجادة و تجديد ثقة
لم أتفأجأ بتجديد الثقة فى تولى اللواء محمود توفيق وزارة الداخلية فى الحكومة الجديدة ، ولمَ لا وهذا الرجل الذى حقق طفرة استثنائية بوزارة الداخلية ، توفيق الذى أصر على تبنى استراتيجية وطنية هدفها الارتقاء بمستوى ضباط الشرطة المصرية ، وإدخال أحدث الوسائل التكنولوجية الحديثة لمكافحة الجريمة والقضاء على الإرهاب ، ارقام وإنجازات يومية تؤكد ، أن هناك ضابطا كفئاً يحمى عرين الأمن الداخلى وانه صمام أمان جدير بالاحترام.
ومن باب الإنصاف الداخليه تعيش ازهى عصورها ، وهناك حالة توافق كبيرة بين الشعب المصرى وشرطتة وهناك بصمات واضحه لاينكرها أحد لتوجيهات وتعليمات وزير الداخلية ، نشعر بها جميعاً كمواطنين واشعر بها انا شخصياً ، فى تعاون كبير من قيادات مديرية أمن الدقهلية ، وكذلك فرع الأمن الوطنى بالدقهلية ، الذين يبرهنون كل يوم بأن فى مصر رجالاً قادرين على حماية أمن الوطن فى كل زمان ومكان.
العدل
حقيبة وزارة العدل من الحقائب السيادية التى لها أهمية كبيرة فهى المنوط بها تنفيذ العداله وإقرار القانون ، تولاها القاضى الجليل المستشار/ عدنان الفنجرى ، أحد شيوخ القضاء الاجلاء الذى يشار لة بالبنان فى الحزم واعلاء راية القانون.
توليه المسئولية خلفا لمعالى المستشار عمر مروان هذا الرجل الذى سيقف التاريخ أمامه كثيراً لما وصل إلية دولاب العمل الادارى والقضائى والتحول الرائع فى رقمك الوزارة .
مهمه كبيرة أوكلت لسيادتك متفائلين أنها ستشهد نجاحاً باذن الله، فالمستشار عمر مروان ، صاحب التاريخ الكبير فى وزارة العدل منذ أن كان وكيل نيابة القصر العينى ، مرورا بكافة المواقع التى أسندت لسيادتة سواء داخل الوطن او خارجه فحدث ولا حرج ، وهو الأمر الذى يجعل مسئولية تولية مدير مكتب رئيس الجمهورية امراً رغم صعوبته وما يصاحبه من مسؤليات جسام بمثابة مهمة وطنيه جديدة لرجل دولة من طراز فريد.
أحلام المصريين
لم تسعفنى السطور فى تناول جميع الوزارات مع اختلاف اشخاصها وطبيعة مسئوليتهم ولكن لدينا أمل وطموح أن نرى تجارب ناجحه ، لهؤلاء الوزراء سواء فى الخارجيه أو التعليم أو السياحة أو الأوقاف الخ .
المحافظون الجدد
المحافظون الجدد ونوابهم عليهم مسئولية وطنية كبيرة ، نحتاج الى استلهام روح النشاط والجد والاجتهاد فى العمل الميدانى فى الشارع وليس من المكاتب المكيفه ، نحتاج المحافظ التنفيذى فى الشارع مع المواطنين ، تمنياتى لهم بالتوفيق.
بقى أن أبعث رسالة للشعب المصرى العظيم ، دعونا نتفاءل فبرغم ماتمر بة الدولة المصرية إلا أن هناك امل فى أن تسير الأمور على افضل حالة ، سنبنى مستقبل ابنائنا بالعمل والاجتهاد ونتسلح بالأمل ليكون لنا معولا للبناء وليس معولا للهدم.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.
المحامى بالنقض
عضو مجلس الشيوخ
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عضو مجلس الشيوخ طارق عبدالعزيز كلمة حق الدكتور مصطفى مدبولي اليمين الدستورية الرئيس الشارع المصرى
إقرأ أيضاً:
حى فى الغرب ميت بالشرق.. «فصل المقال» و«تهافت التهافت»علامات ابن رشد فى تاريخ الفلسفة العربية والإسلامية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليس سهلا، أن يتجاوز تاريخ الفلسفة، دور الفيلسوف العربى ابن رشد الأندلسى المتوفى عام ٥٢٠هـ، وما طرحه من أفكار تصدت للجمود والانغلاق، فمن خلال فلسفته طرح مفهومه للتأويل بوصفه المنقذ من التناقضات الدينية الظاهرية، والمصلح بين الفلسفة والدين، والمتسامح مع الاختلافات والتعددية، ومن خلال فلسفته أيضا تصدى لاستخدام "الإجماع الفقهي" سلاحا لتكفير الفلاسفة وتعطيل جهودهم.
يأتى اسم ابن رشد كأحد أهم الأصوات الفلسفية فى تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، لما له من دور بارز فى التصدى للأفكار الجامدة التى أطلقها أبو حامد الغزالى ضد الفلسفة والفلاسفة، لذا قدم ابن رشد من خلال رسالته الصغيرة المسماة "فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من اتصال" عرضا موجزا ومكثفا حول علاقة الدين بالفلسفة، وكيف أن العلاقة بينهما قائمة على التعاضد والتكامل، وليست متنافرة متناقضة، كما أوضح فيه دور الدين فى الحض على التفلسف والنظر العقلي، وناقش عدة قضايا بصورة مكثفة مثل التأويل وأهميته، ومعنى الإجماع، وجواز الاستفادة من علوم الآخرين المختلفين عنا فى الدين واللغة.
أما كتابه "تهافت التهافت" فقد تصدى فيه للمساءل التى ناقشها أبو حامد الغزالى فى كتابه "تهافت الفلاسفة" وبسببها كفَّر الفلاسفة، مثل قدم العالم وحدوثه، ومعرفة الله بالجزئيات، وغيرها من المسائل الكلامية الشائكة.
رشحه ابن طفيل الأندلسى للخليفة الموحدى أبى يوسف يعقوب المنصور الذى طلب منه شرح أرسطو، حينما اشتكى الخليفة من "قلق عبارة أرسطو"، بعدها أصبح مقربا من الخليفة وتمكن من أن يصبح فقهيا وقاضيا وفيلسوفا، وأهم شارح لفلسفة أرسطو.
كتب ابن رشد فى أربعة أقسام مهمة لحركة الثقافة العربية والإسلامية: شروح ومصنفات فلسفية وعملية، شروح ومصنفات طبية، كتب فقهية وكلامية، كتب أدبية ولغوية، واشتهر بشرح التراث الأرسطي، ومن شروحاته لأرسطو: "تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة، شرح كتاب البرهان، تلخيص كتاب المقولات، شرح كتاب النفس، شرح كتاب القياس".
وله مقالات كثيرة ومنها: "مقالة فى العقل. مقالة فى القياس، مقالة فى اتصال العقل المفارق بالإنسان. مقالة فى حركة الفلك. مقالة فى القياس الشرطي"، وله أيضا كتب أشهرها: كتاب "مناهج الأدلة"، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية، كتاب "تهافت التهافت" الذى رد فيه على كتاب الغزالى "تهافت الفلاسفة"، كتاب "الكليات"، كتاب "الحيوان"، كتاب "المسائل" فى الحكمة، كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" فى الفقه، كتاب "شرح أرجوزة ابن سينا" فى الطب.
اعتمدت فلسفة ابن رشد على القياس العقلى والبرهان، فى كتابه "فصل المقال" رأى أن الشرعَ دعا المؤمنين إلى تدبّر الموجودات عن طريق العقل، ومن الواجب تعلّم القياس العقلى والاعتبار الذى هو "استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه منه".
وصفَ ابن رشد البرهان بأنه أتمُّ أنواع النظر العقلي، ومن الضرورى لمن يريد أن يعرف الله وسائر الموجودات أن يتعلّم أنواع البراهين، ويدركَ الفارق بينها، وبما خالفَ القياس البرهانى القياس الجدلى والقياس الخطابى والقياس المغالطي، ويُسمّى تلك العلوم بـ"منزلة الآلات من العمل".
انحاز ابن رشد فى فلسفته إلى التاريخ الإنسانى المتكامل فى وضع العلوم وتطوّرها، فقد رأى أن كلّ إنسان يحتاج لجهود غيره حتى يتمّ أيّ فنٍّ وأيّ صنعة، لذا كان من المنطقى أن يسمح ابن رشد بمطالعة جهد الأمم الأخرى غير المسلمة، وأن يتعرّف إلى جهود الأفراد مهما كانوا مختلفين عنه، فليس بمقدور إنسانٍ واحدٍ أن يتخلّى عن جهود السابقين ويضع علم الفلك كاملًا من نفسه، وليس بمقدور إنسانٍ واحدٍ "أن يقف على جميع الحجج التى استنبطها النظّار من أهل المذاهب فى مسائل الخلاف التى وقعت المناظرة فيها بينهم فى معظم بلاد الإسلام".
وهاجم فيلسوف قرطبة ابن رشد فتاوى الإمام الغزالى التى كفَّر فيها الفلاسفة، وأعاد بذلك فتح باب الاجتهاد فى الفقه، كما واجه تحريم النظر العقلى والعمل بالفلسفة، مع وضع شروط تأويل ظاهر النص المخالف لحقائق العقل والمنطق.
طالب المفكر المغربى محمد عابد الجابرى فى مقدمة كتابه "ابن رشد.. سيرة وفكر" بتعميم الروح الرشدية فى الأوساط الثقافية والمؤسسات التعليمية من أجل الحد من التطرف الدينى إلى درجته الأدنى، وترشيد جماعات "الإسلام السياسي".
ركز الجابرى على دراسة السمات العامة لعقلانية ابن رشد الواقعية، ويبرزها من خلال عدة نقاط كالتالي: الفصل بين الدين والفلسفة باعتبار أن لكل منهما مجاله الخاص وطريقته الخاصة، والنظرة الاكسيومية إلى كل من البناء الدينى والبناء الفلسفي، أى ربط القضايا بمنظومتها الفكرية الأصلية، وتأكيد العلاقة السببية فى عالم الطبيعة وعالم ما بعد الطبيعة سواء بسواء، وفهم حرية الإرادة البشرية ضمن الضرورة السببية وربطها بالعلم والأسباب. الميل إلى نوع عقلانى خاص من وحدة الوجود، يعتبر الإله كقوة رابطة بين أجزاء الكون وظواهره، قوة روحية هى فى آن واحد مندمجة فى الكون ومتعالية عليه.
من ناحية أخرى، فإن الشعور المرهف بخصوصية الخطاب الدينى والخطاب الفلسفى وبثقل المسئولية الملقاة على كاهل الفيلسوف، يؤدى إلى صعوبة الإمساك بالحقيقة، بل باستحالة الإمساك بها كاملة سواء فى مجال الدين أو مجال الفلسفة، الإدراك الواعى للأخطار التى تحدق بمن يغامر بالكشف عنها لمن ليس مؤهلا لتقبلها، وبالتالى الإدراك الواعى لثورية الحقيقة من جهة أخرى.
والمفارقة التى حدثت لابن رشد، كما يرى وهبه، أنه حى فى الغرب ميت فى الشرق، لأن فلسفته قد أجهضت فى العالم العربى إثر ما يسمى بنكبة ابن رشد وهى النكبة التى حدثت حين أصدر يعقوب المنصور (ت. ١١٩٩م) أمرًا بنفى ابن رشد إلى اليسانه، فى حين أن الإمبراطور فردريك الثانى قد أمر بترجمة مؤلفات ابن رشد ونشرها، وقد كان فى صراع مع رجال الدين المسيحى وكانت فلسفة ابن رشد العقلية هادية له فى مواجهة هذا الصراع. والمفارقة هنا أن ابن رشد ميت فى الشرق حى فى الغرب وهى مفارقة فى حاجة إلى تفسير.
لم ينخدع مراد وهبه فى كلمات ابن رشد الخاصة بالقيود التى فرضها على العامة أو الجمهور لدخول عالم الفلسفة، قائلًا إن الفيلسوف الأندلسى لم يكن راغبًا فى إبعاد الجمهور عن مجال الفلسفة ولكن بشرط ألا ينغمس الجمهور فى المتع الحسية، لأن من شأن هذه المتع أن تمنع الإنسان من التحكم فى ذاته، ومعنى ذلك أن التحكم فى هذه المتع يسمح للإنسان بمجاوزة ما هو حسى إلى ما هو عقلى، أى بمجاوزة ما هو خطابى أو ما هو شعرى إلى ما هو برهانى، ومعنى ذلك أن الباب مفتوح أمام الجمهور كى يصل إلى ممارسة البرهان العقلى، وإذا دخل الجمهور من هذا الباب أصبح من الميسور أن يكونوا رؤساء فى مدينة ابن رشد، وبذلك ينتفى الانفصال بين الجمهور والحكماء.
انتبه «وهبه» إلى مقولة محورية فى فلسفة ابن رشد، وهى مقولة «التأويل»، أى تأويل ظاهر النص ليتوافق مع العقل، إذ يقول ابن رشد، فى شأن العلاقة بين الشريعة والبرهان العقلى: "إن أدى النظر البرهانى إلى نحو ما من المعرفة بموجود ما، فلا يخلو ذلك الموجود أن يكون قد سكت عنه الشرع أو نطق به. فإن كان مما سكت عنه فلا تعارض هناك وهو بمنزلة ما سكت عنه من الأحكام فاستنبطها الفقيه بالقياس الشرعى. وإن كانت الشريعة نطقت به فلا يخلو ظاهر النطق أن يكون موافقًا لما أدى إليه البرهان فيه أو مخالفا فإن كان موافقا فلا قول هناك وإن كان مخالفا طلب هناك تأويله".
منح التأويل ابن رشد مساحة كبيرة للقول باستحالة قيام "إجماع حقيقى"، وأن خرق الإجماع لا يقتضى التكفير، ونقلًا عن «وهبه» فإن «التأويل يخرق الإجماع، إذ لا يتصور فيه إجماع، ولهذا يمتنع تكفير المؤول، ولهذا فقد غلط أبو حامد الغزالى عندما كفر الفلاسفة من أهل الإسلام مثل الفارابى وابن سينا فى كتابه «تهافت الفلاسفة».
تساءل : «ماذا يعنى تكفير الفلاسفة؟ يعنى أن الذى يكفر هو الذى يتوهم أنه مالك الحقيقة المطلقة وهذا الوهم هو الذى يحد من سلطان العقل، وقد أراد ابن رشد إزالة سلطان هذا الوهم بحيث لا يبقى سوى سلطان العقل، وهذا هو جوهر التنوير. ومن هنا يمكن القول إن ما حدث لابن رشد من إحراق كتبه ومحاكمته ونفيه مردود إلى دعوته إلى التأويل على نحو ما ارتآه».
يعتقد "وهبة" أن مقولة التأويل لديها الكثير كى تقدمه من أجل نهضة فكرية عربية، فالتأويل منع الإجماع لأنه أعطى مساحة أوسع للاختلاف والبحث عن مضامين أكثر عقلانية ومنطقية، كما أنه يعترف بضرورة التعددية أى أنه يتسامح مع الآخر لذا فسوف ينتفى معه التكفير، أى أن التأويل مفتاح للوصول إلى مرحلة التعددية وقبول الآخر ونفى سلطة الرأى الأوحد، قائلًا إن التأويل الحقيقى يمتنع معه التكفير لأن التأويل معناه التسامح تجاه الاختلاف. ولماذا التسامح؟ لأن العقل لديه بدائل العقل لا يكتفى ببديل واحد وإذا اكتفى العقل بديل واحد يقع فى براثن الدوجماطيقية أى أنه يقع فى توهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وإذا وقع العقل فى هذا الوهم امتنع التطور وبناء عليه فإن مفهوم التأويل عند ابن رشد يبيح التعددية فيمتنع التكفير ويلزم من ذلك التطور.
شرح "وهبة" فكرة تقديم العقل التى استفادها من ابن رشد بأننا باذلون الجهد الفطرى فى استكناه حقيقة الكون بالفكر الفلسفى البرهانى فإن وجدناها متفقة مع الشريعة كان خيرا وإلا فنحن مضطرون عند التعارض أن نختار بين التصديق القائم على الإيمان الصرف والأخذ بما أنتجه البحث العقلى أو نلجأ إلى تأويل الشريعة بما يتفق مع نتائج البرهان، فإذا ورد فى البرهان وهو أساس التأويل ما يبدو مخالفا للشرع وجب تأويل الشرع ليطابق البرهان لأنه لا يخالف الشرع من حيث أن كليهما حق، فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
إجمالًا، فإن "وهبة" حدد طبيعة قانون التأويل الذى رسمه الفيلسوف الأندلسى، بأنه لا يأتى إلا من قبل الراسخين فى العلم. وأن نشر التأويلات فى غير كتب البرهان يفضى إلى تكثير أهل الفساد. وأن الإجماع فى التأويل أمر محال، لأن تحقيق الإجماع يستلزم معرفة جميع العلماء الموجودين فى عصر معين، كما يستلزم ألا يكون هناك من العلماء من يجهل وجوده أو تعلمه ولكنه يكتم رأيه، وأنه لا يجوز التكفير على خرق الإجماع فى التأويل، لأن الذى يكفر هو الذى يتوهم أنه مالك للحقيقة المطلقة ومن شأن هذا الوهم أن يَحد من سلطان العقل، والتأويل بالمعنى الرشدى هو الذى يمنع الإنسان من الوقوع فى ذلك الوهم فلا يبقى حد لسلطان العقل.