مسؤول أمريكي: حرب حماس تلهم كثيرين
تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT
سرايا - نقلت صحيفة واشنطن بوست عن بريت هولمغرين مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الاستخبارات قوله إن هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي والحرب في غزة مثلتا عاملا ملهما في تحفيز ما وصفها بالمنظمات الإرهابية لتجنيد المقاتلين في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم.
وأكد هولمغرين أن الغضب المتصاعد تجاه الولايات المتحدة بسبب دعمها العسكري لإسرائيل وسط تزايد الخسائر المدنية في غزة حقيقةٌ ملموسة، وأن ذلك الدعم يثير الكراهية ضد بلاده.
وأضاف المسؤول الأميركي أن هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان وسيظل حدثا للأجيال تستخدمه المنظمات المسلحة في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم كفرصة للتجنيد، وأن الحرب التي خاضتها حماس تلهم الكثيرين وتحديدا الغاضبين من الدعم الأميركي لإسرائيل.
وأشار هولمغرين إلى ما سماه "زيادة الاعتقالات في أوروبا لأفراد مشتبه بتخطيطهم لهجمات ضد مواقع يهودية وإسرائيلية" والتقارير التي تفيد بأن تلك الزيادة في النشاط العدائي مرتبطة بالأحداث الجارية في الشرق الأوسط.
وفي وقت سابق، نقلت واشنطن بوست، عن تقرير للجنة خبراء مستقلين تضم مسؤولين أميركيين سابقين استنتاجهم بأن دعم واشنطن المستمر لحرب إسرائيل على غزة يقوّض مصداقيتها.
وأضاف التقرير أن مبيعات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الأسلحة لإسرائيل تنتهك الحدود القانونية، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي يتصرف في غزة بتجاهل ممنهج للقانون الإنساني الدولي، وأن أسلحة أميركية استخدمت في حالات كثيرة تم خلالها تجاهل القانون الدولي.
يأتي ذلك في ظل مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حربها على غزة، مخلفة أكثر من 125 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة في القطاع المحاصر أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل إسرائيل حربها هذه بدعم عسكري أميركي، متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني الذي يوصف بالكارثي في القطاع.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
غزة لا تحتاج إلى أن تكون ريفييرا الشرق الأوسط، بل تحتاج إلى الماء
مقدمة للترجمة
تدور هذه المادة في فلك حوار بين محررة ذا أتلانتيك ومروان بردويل، المهندس الفلسطيني البالغ من العمر 61 عامًا، الذي كرس حياته لإدارة المياه، حول المشكلة الأساسية التي تواجه غزة حاليا، والتي تعد ذات أولوية قصوى، وهي توفير المياه للفلسطينيين في القطاع بشكل منتظم، بعد أن تدمرت البنية التحتية بشكل كامل، لدرجة توثيق مئات الآلاف من الحالات المرضية بسبب تلوث المياه.
نص الترجمةها هو يمضي فيضرب في الأرض على غير هدى، فارًّا من منزله في شمال قطاع غزة، حاملًا إحدى حفيداته بين ذراعيه، والقنابل تنهمر من كل حدبٍ وصوب اتجاهه. ها هو مرة أخرى، يركب سيارته، ويجلس في مقعد السائق محاولًا حماية وجهه من شظايا انفجار إحدى السيارات أمامه.
روى مروان بردويل، المهندس الفلسطيني البالغ من العمر 61 عامًا، الذي كرس حياته لإدارة المياه، هذه الحوادث وغيرها على مدى أشهر من المحادثات عبر الهاتف وأحيانًا عبر تطبيق واتساب. لكن ما إن التقيت به شخصيًّا في الخريف الماضي أخيرًا، حتى انتابني شعور بالراحة والدهشة. تراءى أمامي نحيفًا في بدلته الرمادية، واقفًا على عتبة شقة في القاهرة، تتسلل إليها من الخلف أشعة الشمس الآفلة في فترة ما بعد الظهيرة.
إعلانباعتباره مديرًا ورئيسًا لوحدة تنسيق برنامج غزة في سلطة المياه الفلسطينية حتى وقت قريب، ركز بردويل طوال ثلاثين عامًا على موضوع واحد، وهو نظام المياه في قطاع غزة. إذ تعتمد المدن في مختلف أنحاء العالم على شبكات أنابيب معقدة تربط المنازل والمرافق العامة بأنظمة متقدمة تعمل على توفير المياه النظيفة وإزالة المياه الملوثة بسهولة، وهي عملية تُعتبر إنجازًا هندسيًّا ورفاهية يومية غير ملحوظة تفتقدها غزة، التي كان الوضع فيها دائم الهشاشة ومتزعزعًا بسبب الاكتظاظ السكاني الكبير، حيث يعيش 2.2 مليون شخص في مساحة 140 ميلًا مربعًا.
والآن، بعد 15 شهرًا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تدهور نظام المياه في غزة من كونه نظامًا هشًّا ومتآكلًا لكنه يعمل، إلى نظام شبه معدوم. والواقع أن إعلان وقف إطلاق النار في الشهر الماضي أعطى بارقة أمل، لكن مثل هذه الاتفاقيات عادةً ما تكون غير مستقرة.
في هذا السياق فإن اقتراح دونالد ترامب هذا الأسبوع، الذي يشمل استيلاء الولايات المتحدة على غزة، وتهجير سكانها وبناء "ريفييرا الشرق الأوسط"، يُنظر إليه على أنه اقتراح يتسم بالغرابة والخطر. لا يملك المهندسون في غزة وقتا للخطابات الرنانة أو الأحلام غير الواقعية عن المكان الذي يعتبرونه وطنهم. بل يواجهون يوميًّا آثار الدمار الذي لحق بالقطاع، مدركين أن إصلاحه ليس أمرًا سهلًا أو سريعًا. أما بالنسبة للمدنيين في غزة، فإن تأثير الحرب لا يزول بمجرد توقف القصف، بل يستمر لفترة طويلة، تمامًا كما يستمر الإشعاع بعد انفجار نووي.
في حديثه معي، عبَّر بردويل عن تردده في الحديث عن معاناته الشخصية بقوله: "لا أعتقد أن الناس مهتمون بمشاكلي الشخصية، كما أن سرد معاناتي لن يُحدث فرقًا". وقد سبق أن عبّر بردويل عن هذا الشعور من قبل، موضحًا أنه لا يريد أن يُضيف قصة حزينة أخرى من غزة إلى تلك الموجودة بالفعل. لم يرغب في التحدث عن السياسة، بل كل ما أراده هو التركيز على "الجانب المهني"، وهو كيفية حصول سكان غزة على المياه.
إعلانوُلد مروان بردويل في غزة، وكان يعيش في حي الرمال قبل اندلاع الحرب. تقع هذه البلدة على بعد سبعة أميال شمال غرب كيبوتس بئيري، المستعمرة الإسرائيلية التي تقع على الحدود مع غزة. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول، اضطر بردويل إلى الفرار من منزله مع أطفاله البالغين وحفيديه الصغيرين وسط الغارات الجوية الإسرائيلية التي تنهال عليهم، واصفا قرار الفرار بأنه تم في لحظة واحدة، مؤكدًا ذلك بقوله: "لم يكن ثمة سبيل إلى النجاة سوى الهروب، وإلا فموتك محتوم. لذا تهرع خارجًا بما ترتديه فحسب".
ورغم أن المسافة بين شمال غزة ومدينة خان يونس في الجنوب قصيرة، فإن الرحلة استغرقت أيامًا جراء الأخطار التي واجهوها. كان السير على الأقدام أكثر أمانًا من استخدام السيارات، لأنها كانت أهدافًا محتملة للهجمات. كما أن القتال العنيف أجبر العائلة على الاحتماء في أماكن مؤقتة أثناء الليل.
وعلى الرغم من الانقطاع المتكرر لخدمة الهاتف المحمول، ظل بردويل على اتصال بفريقه الخاص، وكذلك فريق مصلحة مياه البلديات الساحلية الذين واجهوا جميعًا أسوأ أزمة هندسية في حياتهم بسبب تدمير البنية التحتية للمياه. بدأت المسيرة الإدارية لبردويل بعد فترة وجيزة من توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقد أدى هذا الاتفاق إلى إنشاء السلطة الفلسطينية، التي بموجبها تأسست هيئة المياه الفلسطينية للإشراف على موارد المياه.
حصل بردويل على شهادة في الهندسة الميكانيكية والهيدروليكية، وعمل مدرسًا ومهندسًا في ليبيا، إلا أن اتفاقيات أوسلو شجعته على العودة إلى غزة. لم يكن بردويل مجرد شخص يؤمن بالسلام، بل كان مهندسًا يركز على تحقيق تحسينات واقعية في قطاع المياه من خلال التخطيط والتنفيذ الفعلي للمشاريع. في البداية، اتخذ بردويل، وفريق مكون من 12 مهندسًا آخر من هيئة المياه في غزة، غرفة في فندق مقرًّا لعملهم. وضعوا خططًا طويلة وقصيرة الأجل، على أمل أن يتحول ما يعملون عليه "على الورق"، إلى واقع ملموس يومًا ما على حد قوله. وبمرور الوقت، نمت سلطة المياه وتطورت لتصبح مؤسسة فعالة قادرة على أداء وظائفها.
إعلانوعلى الرغم من العقبات الشديدة، أحرزت سلطة المياه الفلسطينية تقدمًا ملحوظا. وقد عاشت غزة في ظل أزمات اقتصادية خانقة وكثافة سكانية مرتفعة، فضلا عن أن أوضاعها السياسية لم تكن مستقرة، ولم تحظَ سلطة المياه الفلسطينية باستقلال حقيقي قط؛ إذ عززت اتفاقيات أوسلو الهيمنة الإسرائيلية على موارد المياه المستمرة منذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب عام 1967، حيث أُجبرت سلطة المياه الفلسطينية على العمل وفقًا للوائح الإسرائيلية.
كما أن تصاريح بناء المنشآت الجديدة تطلبت موافقة إسرائيلية. وكما هو متوقع، لم يكن هناك تكافؤ في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل كانت هناك هيمنة دائمة مفروضة من الجانب الإسرائيلي. لكن الأمر المهم هو أن الفلسطينيين تمكنوا من الاستفادة من المساعدات الدولية لبناء مرافق جديدة وتحقيق بعض التطورات في قطاع المياه.
يعتمد النظام المائي الذي أسّسه المهندسون في غزة على ثلاثة مصادر، المصدر الأول المياه القادمة من إسرائيل، التي تعتمد جزئيًّا على حوض المياه الجوفية الساحلي الذي يمر تحت غزة ويمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. تصل هذه المياه إلى غزة عبر ثلاث نقاط اتصال منفصلة وتشكِّل حوالي 10٪ من إجمالي إمدادات المياه في قطاع غزة. أما المصدر الثاني للمياه فهو محطات التحلية التي تمثلت في ثلاث محطات تحلية كبيرة على طول البحر الأبيض المتوسط.
بُنيت هذه المحطات، التي تعمل بالطاقة الشمسية والديزل، بدعم من الاتحاد الأوروبي واليونيسف، وكانت توفر حوالي 7% فقط من احتياجات غزة المائية. أما بقية إمدادات المياه -وهي أكثر من 80٪- فكان مصدرها المياه الجوفية التي استُخرجتْ من مئات الآبار، وبعضها مزود بمحطات ضخ. لكن بسبب التلوث، والاستنزاف، وتسرب مياه البحر، اتضح فيما بعد أن جودة هذه المياه رديئة، فضلا عن كونها مياهًا مالحة، وتحوي مستويات عالية من المواد الكيميائية. ومع ذلك، كانت أكثر المصادر توفرًا لسكان القطاع.
في الأوضاع الطبيعية، حصل سكان غزة على نحو 80 لترًا من المياه يوميًّا لكل فرد (ما يعادل 21 غالونًا تقريبًا). هذه الكمية تعادل ثلث ما هو متاح للإسرائيليين، ونحو ربع ما يحصل عليه المواطن الأمريكي العادي. والواقع أن 80 لترًا يوميًّا تُعدّ أعلى بقليل من الحد الأدنى الآمن الذي توصي به منظمة الصحة العالمية. ومع ذلك، تأقلم السكان مع هذه الكمية المحدودة في تلبية احتياجاتهم الأساسية. ورغم كل التحديات -من انتخابات وانتفاضات وهجمات- حاول مهندسو غزة إبقاء نظام المياه قيد التشغيل.
إعلانوبعدما حكمت حركة حماس قطاع غزة عام 2006، استمر المهندسون والموظفون المدنيون في تركيزهم على عملهم الفني والتقني، محاولين الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، رغم كونها غير كافية لتلبية احتياجات السكان. لكن تغير كل شيء بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، حينما شنت إسرائيل حملة عسكرية على قطاع غزة تضمنت قصفًا جويًّا مكثفًا ثم اجتياحًا بريًّا، وفي النهاية فرضت حصارًا كاملًا على القطاع. وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، يوآف غالانت أنه "لا كهرباء، ولا طعام، ولا ماء، ولا وقود سيدخل إلى غزة".
أدى الهجوم الإسرائيلي إلى مقتل عشرات الآلاف من سكان غزة، لكن العدد الدقيق لا يزال غير واضح حتى الآن. وقد قدرت وزارة الصحة في غزة أن العدد الإجمالي للقتلى حتى يناير/كانون الثاني 2025، وصل إلى 47 ألف شخص.
وبينما صدّقت الأمم المتحدة على هذه الأرقام، انتقدتها الحكومة الإسرائيلية زاعمةً أنها أرقام مبالغ فيها. ولتأكيد العدد الإجمالي الذي صرحت به وزارة الصحة في غزة، ظهرتْ محاولات مستقلة لإحصاء العدد التقريبي للقتلى في غزة، ومنها دراسة نُشرت بمجلة "ذا لانسيت" قدرت العدد الإجمالي حتى صيف 2024 بـ55,000 شخص في الحد أدنى.
وإلى جانب الخسائر البشرية، يمكن لإسرائيل -مع الأسف- التحكم بصورة كبيرة في الوضع داخل غزة، فهي قادرة على قطع إمدادات المياه والكهرباء أو الحد من توافرهما، كما يمكنها الحد من وصول الوقود وتعطيل الاتصالات. فضلًا عن أن الحصول على مياه نظيفة كان أحد أخطر التحديات التي تواجه سكان القطاع. ففي أسوأ لحظات الحرب، كان متوسط ما يحصل عليه الفرد في غزة أقل من غالون واحد من الماء يوميًّا.
إعلانشاهد مهندسو سلطة المياه الفلسطينية بألمٍ كيف انهار النظام المائي الذي عملوا على بنائه. علمت ذلك حينما بدأتُ الحديث مع بردويل، إلى جانب زميلتي هانا روزين، وتحولت هذه المحادثات إلى حلقة من بودكاست "راديو أتلانتيك". وصف لي بردويل التجربة القاسية التي مر بها عندما اضطر إلى توزيع المياه بحذر على حفيداته الصغيرات لقلة المياه. وعندما التقيتُ به في القاهرة، حاول أن يُلخّص مشاعره قائلًا: "أن ترى الخطط تنتقل من الورق إلى مشاريع واقعية، ثم تشهد تدمير هذه المنشآت وتأثير ذلك على الناس، هو…" لكنه لم يُكمل الجملة، وسرعان ما عاد إلى التركيز على جانبه المهني كالمعتاد.
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول، قررت شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت) قطع إمدادات المياه المتدفقة إلى غزة عبر الخطوط الرئيسية الثلاثة. ويتذكر بردويل كيف بدأت الأرقام الانخفاض سريعًا بقوله: "انخفضت نسبة المياه في أحد الأنابيب من 700 متر مكعب في الساعة إلى الصفر، بينما انخفض الخط الآخر من 800 متر مكعب في الساعة إلى الصفر أيضًا، وتوقف الخط الثالث أيضا تمامًا بعدما انخفض من 1400 متر مكعب في الساعة إلى الصفر". استغرق الأمر أكثر من أسبوع، بجانب ضغوطات دولية، قبل أن يُعاد تشغيل بعض هذه الإمدادات، لكنها لم تعد قط إلى سعتها الأصلية.
وتحت وطأة القصف الإسرائيلي، انهارت الشبكة الوعائية من الأنابيب الصغرى، التي تنقل المياه إلى المنازل والمحال التجارية والمدارس والمستشفيات، وهي الشبكة التي بُنيت على مدار ثلاثة عقود.
ونتيجة لذلك، ظهر نمط مأساوي متكرر حيث تُدمَّر الأنابيب، وما إن تمر بعملية إصلاح حتى تُدمَّر مجددًا. وفي بعض الأحيان، كان الإسرائيليون يفتحون صمامات المياه فجأة لكي تصل المياه إلى الأنابيب التالفة والمتضررة وتتدفق هباءً في الرمال أو تغمر الشوارع. توقفت محطات تحلية المياه الثلاث الكبرى في غزة عن العمل، بعدما أوقفت إسرائيل إمدادات وقود الديزل ومكونات الطاقة الشمسية. وكذلك، توقفت محطات معالجة مياه الصرف الصحي الست في غزة التي تعمل بالديزل أيضًا.
إعلاننظريًّا، من المفترض أن يكون أكثر من 80% من إمدادات المياه القادمة من المياه الجوفية عبر الآبار المحلية، أقل عرضة للانقطاع. لكن مع استمرار الغزو الإسرائيلي وتدمير مناطق بأكملها في غزة، هُجِّر ما يقرب من نصف سكان غزة من الشمال إلى الجنوب؛ مما أدى إلى اكتظاظ الخيام بالسكان.
وبالتالي، تسبب هذا النزوح القسري في جعل مصادر المياه الجوفية في الشمال بعيدة عن متناول السكان، في حين تضاعف العبء على الموارد المحدودة في الجنوب. فضلا عن أن هذه الموارد تُعاني من هشاشة كبيرة. ففي يوليو/تموز، دمرت القوات الإسرائيلية آبارًا ومواقع أخرى مرتبطة بالمياه في جنوب غزة. ونشر جندي إسرائيلي مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه قوات الجيش الإسرائيلي وهي تزرع المتفجرات في أنابيب في إحدى الآبار، ولقطات للبئر وهي تنفجر.
وبحلول ذلك الوقت، أصبحت المياه الجوفية ملوثة بشدة، وهي نتيجة كارثية ناجمة عن توقف محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وسوء الصرف الصحي في المدن التي تُقام فيها الخيام، وبداية هطل أمطار غزيرة. وبحلول الصيف، كان نحو 70% من نظام الصرف الصحي في غزة معطلًا أو معدومًا، فضلًا عن تدفق كميات هائلة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى درجة أن الأنظمة الباقية لم تتمكن من احتواء مستوى التلوث الذي طال المياه الجوفية.
وبحلول أغسطس/آب، سُجِّل في غزة ما يقرب من 600,000 حالة موثقة من الإسهال الحاد، وهو مرض ناجم عن تلوث المياه. كما ظهرت 40,000 حالة إصابة بالتهاب الكبد الوبائي A. وفي الشهر ذاته، أُصيب رضيع عمره 10 أشهر بفيروس شلل الأطفال، وهي أول حالة مؤكدة في غزة منذ ربع قرن.
صهاريج الإنقاذلم يكن في نية بردويل مغادرة غزة، لكن مع تصاعد الخطر، أدرك بنفسه أن الوقت قد حان للمغادرة، فالعمل من داخل غزة أصبح شديد الصعوبة والخطورة. وفي شهر إبريل/نيسان، بينما كان يقود سيارته عائدًا إلى منزله من منشأة مياه تحتاج إلى إصلاحات، فوجئ بانفجار سيارة كانت تسير أمامه. وأُصيب بردويل جراء ذلك بجروح نتيجة للشظايا التي حطمت زجاج سيارته الأمامي.
إعلانوبعد أسابيع، غادر مع عائلته بمساعدة شركة مصرية متخصصة في تسهيل عبور الغزيين إلى مصر. وبذلك ينضم بردويل إلى 100 ألف غزّي انتقلوا إلى مصر نتيجة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
أصبحت مهمته الجديدة في القاهرة هي التواصل مع الجهات المانحة والمؤسسات الدولية. وحاليًّا، ينظر بردويل بحزن إلى إرث العقود الثلاثة الماضية قائلًا: "يبدو أن كل ما خططنا له، وكل ما نفذناه، وكل ما استثمرنا فيه، ذهب هباءً منثورا". وفي النهاية، داهمه شعور وكأن حياته بأكملها كانت عبثًا.
اعتقاد بردويل بأن حياته كانت عبثًا وأن كل ما عمله ذهب سدًى، هو اعتقاد خاطئ في الحقيقة، فالواقع كان مختلفًا. فخلال عام ونصف من الحرب، بذل بردويل والمهندسون الآخرون جهودًا جبارة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. شملت هذه الجهود إعادة تهيئة أنابيب المياه الرئيسية بحيث تتماشى مع تحركات السكان إلى الجنوب، إضافة إلى إصلاح الأضرار التي لحقت بالأنابيب والآبار بسبب القصف.
بدت هذه المهام شاقة ولا نهاية لها وفي معظم الأحيان لم تؤتِ ثمارها. كانت كل لحظة مكرسة لمحاولات شاقّة للتنسيق والإصلاح وسط ظروف بالغة الصعوبة، فلم تكن الاتصالات مستقرة ولا آمنة، في حين تهدد الغارات الجوية حياة العاملين. وفي يونيو/حزيران، قُتل خمسة عمال بلدية بغارة إسرائيلية أثناء تشغيلهم لآبار محلية في غزة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، قصف الاحتلال الإسرائيلي سيارة تُقلّ أربعة مهندسي مياه كانوا متجهين لإجراء إصلاحات قرب خان يونس. ووفقًا لمنظمة أوكسفام، حملت سيارتهم علامات مميزة تشير إلى أن تحركاتهم كانت منسقة مسبقًا مع الحكومة الإسرائيلية، ورغم ذلك لم تتوانَ إسرائيل في قصفهم وقتلهم.
اعتمدت الحياة في غزة على إمدادات غير منتظمة من صهاريج مياه، وشاحنات محمّلة بعبوات مياه بلاستيكية. أصبحت مشاهد الأطفال المصطفين في طوابير حاملين غالونات المياه الصفراء التي تكاد تقاربهم في الحجم، من الصور المألوفة في التقارير الإخبارية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
إعلانورغم وفرة المياه خارج غزة، فإن إدخالها إلى القطاع يتطلب جهودًا دبلوماسية متواصلة ومضنية. أما عملية إدخال السلع الأخرى، فكانت أكثر تعقيدًا. يتذكَّر بردويل كيف قضت سلطة المياه الفلسطينية 10 أيام في محاولات لإقناع إسرائيل بالسماح بإدخال كمية كافية من وقود الديزل لتشغيل المولدات التي تضخ المياه من الآبار في مدينة غزة.
تزامنت زيارتي لبردويل في الخريف الماضي مع أسبوع القاهرة للمياه، وهو مؤتمر سنوي يجتمع فيه خبراء الاقتصاد والمهندسون والدبلوماسيون لمناقشة السياسات والابتكارات في إدارة المياه. وفي عام 2022، حضر بردويل المؤتمر وتحدث عن مشروع تجريبي كان فخورًا به. فقد ساعدت سلطة المياه الفلسطينية في ربط محطة صغيرة لمعالجة مياه الصرف الصحي بمشروع زراعي تديره النساء.
لكن بعد عام من الحرب على قطاع غزة، دُمرت المحطة والمشروع كليًّا. لم يتحدث بردويل خلال مؤتمر هذا العام عن مشروعات مستقبلية طموحة، بل ركز بدلا من ذلك على الحلول العاجلة. وأوضح أن الأولوية الآن هي إدخال وحدات كبيرة إلى غزة تعمل بالطاقة الشمسية لمعالجة المياه. كان يأمل الحصول على 25 وحدة، كل منها بحجم حاوية شحن، ويرى أن هذا العدد يمكن أن يوفر بعض الاستقرار في ظل الأزمة؛ إذ ستتمكن هذه الوحدات من توفير المياه يوميًّا لمليون شخص بمعدّل نحو غالونين ونصف لكل فرد منهم. ورغم أن هذا ليس حلًّا دائمًا، فإن هذه الوحدات تُستخدم بالفعل في أماكن كثيرة من العالم. والمهم أنها غير مُكلفة نسبيًّا، وستؤدّي دورًا فعالا في إدارة الأزمة.
في يناير/كانون الثاني 2025، أُعلن عن وقف إطلاق النار ضمن اتفاق تضمن إفراج المقاومة عن بعض الأسرى، مقابل سماح إسرائيل بدخول قوافل إغاثية أكبر إلى غزة. ومنذ بدء وقف إطلاق النار، تراوحت كمية المياه المتاحة لكل شخص في غزة يوميا بين 7 و10 لترات (أي بحد أقصى غالونين ونصف).
لكن حتى لو بدأت إسرائيل في تزويد إحدى محطات تحلية المياه بالكهرباء، فإن معظم البنية التحتية للمياه في غزة أُصيبت بالضرر أو التدمير. ولمعالجة ذلك، وضعت سلطة المياه الفلسطينية خطة مدتها ستة أشهر، تهدف إلى إعادة تشغيل محطات التحلية، وإيجاد حل لمشكلة الصرف الصحي. ورغم هذه الجهود، فإن قائمة الإصلاحات المطلوبة طويلة للغاية، كما أن الكثير من المهندسين والمسؤولين عن إعادة بناء نظام المياه في غزة، يكافحون هم أنفسهم لإعادة بناء حياتهم الشخصية.
يتطلع بردويل إلى زمن تنتهي فيه الحرب وتُحقَن فيه الدماء، ويتمكن الناس في غزة من إعادة بناء حياتهم واستعادة ثقة بعضهم ببعض. وفي النهاية، يختتم بردويل حديثه قائلا: "لست متأكدًا مما إذا كنت سأشهد ذلك اليوم بنفسي، لكن رؤية وصول 25 حاوية تحلية إلى قطاع غزة ستكون بمثابة بداية لهذا الأمل".
إعلان____________
هذه المادة مترجمة عن ذا أتلانتيك ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت